ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى المجلد 5

اشارة

سرشناسه : صافی گلپایگانی، علی، 1281 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : ذخیره العقبی فی شرح العروه الوثقی [محمدکاظم بن عبدالعظیم یزدی]/ تالیف علی الصافی الگلپایگانی

مشخصات نشر : قم: مکتبه المعارف الاسلامیه، - 1372.

شابک : 2500ریال(ج.1)

وضعیت فهرست نویسی : فهرستنویسی قبلی

يادداشت : ج. 2 (چاپ 1372)؛ بها: 2500 ریال

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1374)؛ بها: 6000 ریال

عنوان دیگر : العروه الوثقی. شرح

موضوع : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337؟ق. العروه الوثقی -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن ق 14

شناسه افزوده : یزدی، محمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1337ق. العروه الوثقی. شرح

رده بندی کنگره : BP183/5/ی4ع40216 1372

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 74-5990

[الحمد و الثناء]

نحمدك يا ربّ على نعمائك و نشكرك على آلائك و نصلّي و نسلّم على محمّد خاتم انبيائك الّذي اعطيته دينا جامعا وافيا لهداية خلقك و سعادة عبادك صلّ اللّهم عليه و على آله افضل ما صلّيت على اوليائك لا سيّما على الامام الثاني عشر الكاشف للضرّ عن أحبّائك و المنتقم من أعدائك و اللّعن على أعدائهم الى يوم لقائك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 5

فصل: في موجبات الوضوء و نواقضه

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 7

قوله رحمه اللّه

فصل فى موجبات الوضوء و نواقضه و هي أمور: الأول و الثاني البول و الغائط من الموضع الاصلى و لو غير معتاد، أو من غيره مع انسداده أو بدونه بشرط الاعتياد، أو الخروج على حسب المتعارف، ففي غير الأصلي مع عدم الاعتياد و عدم كون الخروج على حسب المتعارف إشكال و الأحوط النقض مطلقا خصوصا إذا كان دون المعدة.

و لا فرق فيهما بين القليل و الكثير حتى مثل القطرة و مثل تلوث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة، نعم الرطوبات الآخر غير البول و الغائط الخارجة من المخرجين ليست ناقضة، و كذا الدود أو نوى التمر و نحوهما إذا لم يكن متلطّخا بالعذرة.

(1)

أقول: و يطلق على نواقض الوضوء موجبات الوضوء، إما لوجوب الوضوء عند حدوث هذه الاشياء، و إمّا لثبوت الوضوء عندها كما أنه يطلق على الموجبات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 8

نواقض الوضوء لنقض الوضوء بها.

و نواقض الوضوء امور:

الأول و الثاني: البول و الغائط،

اشارة

و لا اشكال فى ناقضيتهما في الجملة نصا و فتوى و أمّا تفصيلها و بيان حكم بعض تفريعات المسألة موقوف على ذكر ما هو مدرك لنا قضيتهما من القرآن و الحديث و ما يستفاد منهما، فنقول بعونه تعالى:

أمّا من الكتاب الكريم:

قال اللّه تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «1» تدل هذه الآية على كون الغائط من النواقض.

و أمّا الروايات:

الرواية الأولى: ما رواها عمر بن اذينة عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

لا يوجب الوضوء الا من الغائط او بول او ضرطة تسمع صوتها او فسوة تجد ريحها) «2».

الرواية الثانية: ما رواها زكريا بن آدم قال: (سألت الرضا عليه السّلام عن الناصور أ ينقض الوضوء؟ قال: انما ينقض الوضوء ثلث البول و الغائط و الريح) «3».

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 6.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 9

الرواية الثالثة: ما رواها الفضل قال: سئل المأمون الرضا عليه السّلام عن محض الاسلام، فكتب إليه في كتاب طويل: و لا ينقض الوضوء الا غائط او بول او ريح او نوم او جنابة) «1».

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن سنان في جواب العلل عن الرضا عليه السّلام (قال: و علة التخفيف في البول و الغائط لأنّه اكثر و ادوم من الجنابة، فرضى فيه بالوضوء لكثرته و مشقّته و مجيئه بغير إرادة منهم و لا شهوة، و الجنابة لا تكون إلّا

بالاستلذاذ منهم و الاكراه لانفسهم) «2».

الرواية الخامسة: ما رواها حريز عن زرارة (قال: قلت لابي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الاسفلين من الذكر و الدبر من الغائط او البول او منى او ريح و النوم حتى يذهب العقل، و كل النوم يكره إلّا ان تكون تسمع الصوت) «3».

الرواية السادسة: ما رواها عمر بن اذينة و حريز عن زرارة عن احدهما عليهما السّلام (قال: لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك او النوم) «4».

الرواية السابعة: ما رواها اديم بن الحر، انّه سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام (يقول: ليس تنقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك الاسفلين) «5».

الرواية الثامنة: ما رواها سالم أبي الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ليس

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 10

ينقض الوضوء الّا ما خرج من طرفيك الاسفلين اللذين انعم اللّه عليك بهما) «1».

الرواية التاسعة: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرعاف و الحجامة و كل دم سائل، فقال: ليس في هذا وضوء، انما الوضوء من طرفيك اللذين انعم اللّه بهما عليك) «2».

الرواية العاشرة: ما رواها عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (سئل عن الرجل يكون في صلاته

فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال: (إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي ء و لم ينقض وضوئه، و إن خرج متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة) «3».

ثمّ التفصيل في المسألة يقع فى طى امور:

الأمر الأول: لا اشكال في ثبوت الناقضية لهما

فيما يخرجان عن الموضع الاصلى و لو لم يحصل الاعتياد مثل ما يخرجان مرة ثم ينسد الموضع الطبيعى فتوى و نصا بل هذا هو المتيقن من موارد النص.

الأمر الثاني: ما إذا كان خروجهما من غير الموضع الاصلى

سواء انسد الموضع الاصلى او لم ينسد، فهل ينقض الوضوء بهما أم لا، او يفصّل بين كون الخروج من غير الموضع الاصلى معتادا فيكونان ناقضين، و بين عدم الاعتياد، فلا يكونان ناقضين، او تفصيل آخر بين كون المخرج الغير المعتاد تحت المعدة فيكونان ناقضين،

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 2 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 5 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 11

و بين كونه فوق المعدة فلا يكونان ناقضين، أو تفصيل آخر بين انسداد الموضع الاصلى فيكون البول و الغائط الخارجين من الموضع الغير الطبيعى ناقضا و بين عدم انسداد الموضع الاصلى فلا يكونان ناقضين.

وجه عدم ناقضيتهما مطلقا:

أوّلا: ما توهم من أن إطلاق الأخبار ينصرف الى صورة خروجهما من السبيلين.

و ثانيا: تقييد بعض الأخبار المذكورة بكونهما خارجين عن السبيلين، فلو كان لبعض الأخبار اطلاق لا بدّ من تقييده به.

و وجه التفصيل بين الاعتياد و عدم الاعتياد، انصراف الأخبار عن غير الموضع المعتاد.

و وجه التفصيل بين وقوع المخرج الغير الطبيعي تحت المعدة و بين وقوعه فوق المعدة أيضا، انصراف الأخبار عن الصورة الثانية.

كما ان الوجه في التفصيل بين انسداد المخرج الطبيعى و بين عدم انسداده، انصراف النصوص عن الصورة الثانية.

أقول: العمدة التكلم حول القول الأول و الثاني، و هو كونهما ناقضين مطلقا او عدم ناقضيتهما إذا خرج من الموضع الغير الاصلى، و إذا فهمنا

الحق بين القولين يظهر لنا عدم تمامية التفاصيل الثلاثة.

فنقول بعونه تعالى:

أمّا الآية الشريفة، فيستفاد منها كون الغائط موجبا للتيمّم إذا لم يكن الشخص واجد الماء، و اطلاقها يشمل جميع الصور.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 12

كما ان الرواية 1 و 2 و 3 و 4 من الروايات المذكورة مطلقة من حيث خروجهما عن الموضع الطبيعى او غيره.

نعم قد يستشكل بهذه المطلقات بانصرافها الى صورة الخروج عن الموضع الاصلى لندرة وجود غيره، بحيث لو القى المتكلم كلامه و اطلق، و الحال ان نظره كان الى خصوص الموضع الاصلى لا يعدّ عند العرف مخالفا للحكمة و ناقضا للغرض، فمع هذا لا يمكن اخذ الاطلاق لعدم تمامية مقدماته.

و فيه، أنه قد بيّن مكرّرا أنّ ندرة الوجود لا يوجب الانصراف الى غير النادر، و كثيرا ما يوجد في المطلقات افراد نادرة و إن كان البناء على الانصراف فيلزم القول بعدم ناقضيتهما إذا كان المخرج الاصلى للشخص غير المتعارف، و كذا من سد مخرجه الاصلى و انفتح له المخرج العارضى المعتاد، و لا من له المخرجان بحسب خلقته، و الحال انهم يفتون بناقضيتهما فى هذه الصور.

و الالتزام بكون كل ذلك للاجماع مشكل، لعدم تحقق اجماع عليها، فلا وجه لانصراف المطلقات إلى صورة خروجهما عن السبيلين المتعارفين.

و قد يستشكل بأن هذه الأخبار المدعاة اطلاقها و إن كانت مطلقة لكن لا بدّ من تقييدها بما ينحصر الناقض من البول و الغائط بما يخرجان من السبيلين الاسفلين، و هي الرواية 5 و 6 و 7 و 8 و 9 من الروايات المذكورة، فيقيد بها الأخبار المطلقة، و تكون النتيجة ناقضية خصوص البول و الغائط الخارجين من السبيلين الاسفلين.

و فيه، أمّا

أولا: لا يمكن الاخذ بهذه المقيدات بهذا المعنى، لان لازمه انحصار الناقض بما يخرج من السبيلين فقط، فلا يكونان ناقضين حتى إذا خرجا من المخرج الغير الاصلى، مع كونه منحصرا به و كونه معتادا له، و كان فاقدا للمخرج الاصلى،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 13

و كذا إذا انسد مخرجه الاصلى و انفتح له غيره، و الحال ان ناقضيتهما في الموردين ليس محل اشكال حتى فى ما لم يكن معتادا كما حكى عن بعض، و كذا في بعض الصغريات الاخرى.

و دعوى خروج هذه الموارد بالاجماع فاسد، لعدم وجود اجماع تعبدى لاحتمال اتكاء المجمعين بالنص.

مضافا الى أنه يلزم تخصيص الاكثر لهذه المقيدات او التخصيص المستهجن، و هذا كله شاهد على عدم كون المراد من هذه الأخبار التقييد بخصوص ما يخرج من السبيلين من البول و الغائط.

و أمّا ثانيا: ان ما يحتمل فى هذه الروايات الخمسة امران:

أحدهما، ما نقلنا من كون المراد منها انحصار الناقض بخصوص الخارج عن السبيلين من البول و الغائط.

و ثانيهما، كون المراد من الحصر الواقع في هذه الأخبار فى الخارج عن السبيلين في مقابل العامة، القائلين بكون الرعاف و الحجامة و غيرها مما ذكروا ناقضا، لا كون المراد انحصار الناقض بالبول و الغائط الخارج عن السبيل الاصلى، و إذا كان المحتمل هذين الاحتمالين:

فنقول، بانه ليس الاحتمال الأول أظهر الاحتمالين مسلما، بل الروايات ذوات احتمالين، و بعد كونها كذلك لا يمكن تقييد المطلقات بها بل لا بدّ من الأخذ بإطلاقها.

بل يمكن دعوى كون الاحتمال الثاني أظهر، لأنّ الرواية التاسعة ظاهرة في كون الحصر في قبال غير النواقض المنصوصة عن اهل البيت عليهم السّلام من الرعاف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 5، ص: 14

و الحجامة و كل دم سائل، ففيها (قال سألته عن الرعاف و الحجامة و كل دم سائل فقال ليس فى هذا وضوء انما الوضوء من طرفيك الذين انعم اللّه بهما عليك) فالحصر يكون في قبال العامة القائلين بكون الرعاف و بعض الأمور الاخر ناقضا، لا كون حصر ناقضية البول و الغائط بما يخرج عن خصوص السبيل الاصلى.

و شاهد آخر على عدم كون النظر بحصر الناقض بما يخرج من السبيلين الاصليين هو انه لو كان في مقام حصر الناقض بالخارج منهما، فلازمه كون كل خارج منهما ناقضا لاطلاق بعض هذه الروايات، بل ليس الا في مقام نفى غير البول و الغائط و الريح و النوم، لا في مقام بيان جميع خصوصيات المربوطة بهذه النواقض فتأمّل.

فتلخص من ذلك كله انه إذا انفتح له مخرج آخر فما يخرج منه من البول او الغائط ناقض، و لو لم ينسد الطبيعى، و حتى مع عدم الاعتياد و حتى لا فرق بين موضع خروج الغير الطبيعى.

نعم لو كان فوق المعدة ربما يستشكل في ناقضيته، لعدم صدق البول و الغائط على الخارج و إلّا فمع الصدق لا فرق بين كون المخرج الغير الاصلى تحت المعدة او فوق المعدة.

فالأولى أن يقال بأنه لا فرق بين كون محل المخرج تحت المعدة أو فوق المعدة، نعم لا يكونان ناقضين إذا لم يصدق على الخارج اسم البول او الغائط، هذا ما يأتى بنظرى القاصر في المقام، و اللّه اعلم.

الأمر الثالث: لا فرق فيهما بين القليل و الكثير،

لاطلاق الأخبار، بل للتصريح فى الرواية العاشرة من الروايات عليه، لأنّ فى موردها إذا كان حب القرع متلطخا بالعذرة تكون قليلا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 15

الأمر الرابع: الرطوبات غير البول و الغائط الخارجة عن المخرجين ليست ناقضة

لدلالة بعض الأخبار المتقدمة على حصر الناقض من السبيلين بالبول و الغائط او هما مع الريح او هذه الامور مع الجنابة، فأفهم.

الأمر الخامس: لا ينقض الوضوء بخروج الدود او نوى التمر و نحوهما

إذا لم يكن متلطّخا بالعذرة لدلالة الرواية العاشرة من الروايات المذكورة عليه.

و الرواية الواردة فى عدم ناقضية حب القرع. «1»

و الرواية في القرع و ديدان الصغار. «2»

و الرواية المذكورة فى ما تسقط منه الدواب و هو فى الصلاة و عدم ناقضيته. «3»

*** قوله رحمه اللّه

الثالث: الريح الخارج من مخرج الغائط إذا كان من المعدة صاحب صوتا او لا، دون ما خرج من القبل او لم يكن من المعدة كنفخ الشيطان او إذا دخل من الخارج ثم خرج.

(1)

[الثالث: الريح الخارج من مخرج الغائط]

اشارة

أقول: أمّا كونه ناقضا في الجملة، فلا اشكال فيه نصا و فتوى، اما الفتوى فلدعوى الاجماع بل عدم الخلاف فيه.

و أمّا النص فلدلالة الرواية 1 و 2 و 4 و 5 من الروايات المتقدمة ذكرها في ناقضية البول و الغائط عليه و بعض الروايات التي نتعرض لها إن شاء اللّه عند التعرض لبعض الفروع المربوطة بالمسألة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 16

إذا عرفت ذلك نقول ان هنا فروعا:

الفرع الأول: كون خروج الريح من مخرج الغائط،

لأنّ الضرطة و الفسوة المذكورتان في الرواية الاولى من الروايات المتقدمة عبارة عن الريح الخارج من مخرج الغائط فمع الصوت ضرطة و بلا صوت فسوة.

الفرع الثاني: هل العبرة بناقضيته كون خروجه من خصوص الدبر

اعنى المخرج الاصلى من الغائط، او يعمّ ما إذا خرج من المخرج الغائط و إن لم يكن دبرا، مثل من سدّ مخرجه الاصلى و يخرج غائطه من مخرج آخر؟ لا يبعد الثاني لاطلاق بعض الأخبار و تفسير اهل اللغة الضرطة بريح مع الصوت يخرج من الدبر، و الفسوة بريح بلا صوت يخرج من الدبر، يكون من باب غلبة خروجهما من الدبر، و إلّا لو خرجا من مخرج الغائط و ان لم يكن دبرا فهو ضرطة او فسوة.

و لعل تعبير المؤلّف رحمه اللّه بقوله (الريح الخارج من مخرج الغائط) من باب اختياره هذا.

الفرع الثالث: كونه خارجا من المعدة

فلو لم يخرج منها لا يصدق عليه الاسم فاعتبار هذا الشرط لصدق الاسم معه و عدم صدقه مع عدمه، فما يخرج من القبل لا يكون ناقضا.

أقول: قد يقال بناقضية ما يخرج من قبل المرأة او ما يخرج من قبل كل من الرجل و المرأة.

و فيه، انه مع كون الناقض الضرطة و الفسوة و هما يخرجان من مخرج الغائط، فلا وجه لما يخرج من القبل من الريح، من الرجل و المرأة.

و ما قيل من ان لقبلها منفذا الى الجوف مضافا الى عدم صحته، يكون الناقض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 17

خصوص ما يخرج من مخرج الغائط لا غيره.

و كذا لا بأس بما لا يكون من المعدة كنفخ الشيطان لعدم صدق الاسم، و لدلالة الرواية التي نذكرها إن شاء اللّه في الأمر الرابع «1».

و كذا لا بأس بريح دخل من الخارج ثم خرج، و إن خرج من الدبر لعدم صدق الاسم عليه.

الفرع الرابع: بعد ما يكون المراد من الضرطة هو الريح مع الصوت

و الفسوة الريح مع عدم الصوت، هل يكون المعتبر في الناقض سماع الصوت او وجدان الريح أم لا؟

قد يتوهم اعتبار أحد الأمرين لدلالة بعض الأخبار عليه:

منها ما رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا يوجب الوضوء الا من الغائط او بول او ضرطة تسمع صوتها او فسوة تجد ريحها) «2».

منها ما رواها معاوية بن عمّار (قال: قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام ان الشيطان ينفخ في دبر الانسان حتى يخيل إليه قد خرج منه ريح، فلا ينقض الوضوء الا ريح يسمعها او يجد ريحها) «3».

منها ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (أنه قال للصادق عليه السّلام: اجد الريح في بطنى حتى اظن انها قد خرجت، فقال:

ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت او

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 18

تجد الريح ثم قال: ان ابليس يجلس بين أليتي الرجل فيحدث ليشككه). «1»

و لكن الاقوى عدم اعتبار ذلك، و ما في الأخبار المذكورة من عدم وجوب الوضوء الا بعد سماع الصوت او وجدان الريح ليس إلّا من باب كون ذلك طريقا الى تحقق الريح كما يظهر ذلك من رواية معاوية بن عمّار و عبد الرحمن، حيث يكون موردهما الشك في خروج الريح، فقال لا ينقض الوضوء الا ريح يسمعها او يجد ريحها في الاولى، و ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت او تجد الريح في الثانية.

و أمّا من يعلم بخروج الريح و لو لم يسمع صوته و لم يجد ريحه فلم يكن مورد الأخبار.

و بعد عدم وجود دليل يقيد ناقضية خروج الريح بسماع الصوت او وجدان الريح، نقول بناقضيته مطلقا و لو لم يتحقق احد الشرطين لما عرفت من دلالة بعض الأخبار المذكورة في ناقضية البول و الغائط على ناقضية الريح مطلقا.

بل الرواية التى رواها فى قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال: سالته عن رجل يتكى فى المسجد فلا يدرى نام أم لا هل عليه وضوء؟ قال اذا شك فليس عليه وضوء. قال: و سألته عن رجل يكون فى الصلاة فيعلم ان ريحا قد خرجت، فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها،

قال: يعيد الوضوء و الصلاة و لا يعتد بشي ء مما صلى اذا علم ذلك يقينا) «2»، تدلّ بالخصوص على ناقضيته و لو لم تسمع صوته و لا يجد ريحه.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 19

قوله رحمه اللّه

الرابع: النوم مطلقا و إن كان في حال المشى إذا غلب على القلب و السمع و البصر فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل الى الحد المذكور.

(1)

[الرابع: النوم مطلقا]

اشارة

أقول: و لا اشكال في ناقضيته نصا و فتوى.

و قد ذكرنا بعض الروايات الدالة على ناقضيته في البحث عن ناقضية البول و الغائط و هي الرواية 3 و 5 و 6 من الروايات المذكورة، و روايات اخرى نذكر كلها او بعضها عند التعرض لبعض الفروع المتعلقة بالمسألة إن شاء اللّه انّ هنا فروعا:

الفرع الأول: النوم ناقض للوضوء مطلقا، سواء كان حال القيام او الجلوس

او المشى أو في حال القعود لا فرق بين ما انفرج و ما لم ينفرج و سواء تعمد النوم أم لم يتعمد، كل ذلك لاطلاق الأخبار، و خصوص الرواية التى رواها عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سمعته يقول: من نام و هو راكع او ساجد او ماش على اى الحالات فعليه الوضوء) «1».

و الرواية التى رواها سماعة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل ينام و هو ساجد؟ قال: ينصرف و يتوضأ). «2»

و ما قيل (نسب الى الصدوق قدّس سرّه) من التفصيل في النوم قاعدا بين الانفراج و عدمه بالناقضية في الصورة الاولى و عدمها في الثانية، يمكن كون المستند الرواية التى رواها أبو بكر الحضرمى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل ينام الرجل و هو

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 20

جالس؟ فقال: كان أبي يقول: إذا نام الرجل و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء و إذا نام مضطجعا فعليه الوضوء) «1».

و مرسلة الصدوق (محمد بن علي بن الحسين) (قال: سئل موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يرقد و هو قاعد، هل عليه الوضوء؟

فقال: لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج). «2»

و لا يمكن التعويل عليهما لعدم عمل الاصحاب بهما مضافا الى ان الثانية مرسلة ضعيفة السند.

و كذلك لا وجه للقول بعدم ناقضيته إذا لم يتعمد النوم تمسكا بالرواية التى رواها عمران بن حمران (أنه سمع عبدا صالحا عليه السّلام يقول: من نام و هو جالس لا يتعمد النوم فلا وضوء عليه) «3» لعدم كونها معمولا بها عند الاصحاب.

و كذلك لا وجه للقول بعدم ناقضيته فيما كان يوم الجمعة في المسجد، للرواية التى رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل هل ينقض وضوئه إذا نام و هو جالس؟ قال: ان كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه، و ذلك انه في حال ضرورة) «4»، لعدم عامل بها، او تحمل على صورة لا يتمكن من الوضوء فقال:

لا وضوء عليه، و لا ينافى كون التيمم واجبا عليه و لكن هذا حمل ابعد من البعيد.

أقول: و حيث انه قد عرفت ان مورد توهم عدم الناقضية حال الجلوس ما لم ينفرج و ما لم يتعمد النوم و فى المسجد يوم الجمعة، كان المناسب ان يقول المؤلف رحمه اللّه

______________________________

(1) الرواية 15 من الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2)- الرواية 11 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 14 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 16 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 21

(الرابع النوم مطلقا و إن كان حال الجلوس ما لم ينفرج او فيما لم يتعمد النوم او يوم الجمعة فى المسجد) لا

حال المشى، لأنّ حال المشى لا يكون مورد توهم عدم الناقضية.

الفرع الثاني: النوم الناقض عبارة عن النوم الغالب على القلب

و السمع و البصر فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل الى حد المذكور كذا اختار المؤلّف رحمه اللّه.

أقول: نذكر بعض الروايات الواردة فى هذه الجهة حتى يظهر لك ما هو الحق في المقام فنقول:

الاولى: ما رواها زرارة (قال: قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: يا زرارة قد ينام العين و لا ينام القلب و الاذن و إذا نامت العين و الاذن، و القلب وجب الوضوء قلت: فإن حرّك الى جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجي ء من ذلك امر بيّن و إلّا فإنه على يقين من وضوئه، و لا تنقض اليقين ابدا بالشك و انّما تنقضه بيقين آخر) «1»

يستفاد من الرواية عدم ناقضية الخفقة و الخفقتين و انها ليست بالنوم الناقض، و كذلك يستفاد منها عدم ناقضية النوم الغالب على العين بل النوم الناقض هو ما غلب على القلب و السمع، و يستفاد منها الملازمة بين غلبة النوم على القلب و السمع، فاذا غلب على احدهما غلب على الآخر.

الثانية: ما رواها سعد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: اذنان و عينان، تنام العينان و لا تنام الاذنان و ذلك لا ينقض الوضوء، فاذا نامت العينان و الاذنان انتقض

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 22

الوضوء) «1».

هذه الرواية تدل على ان الناقض ما غلب على السمع لانّه اذا غلب النوم على السمع غلب على القلب أيضا.

الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن المغيرة

و محمد بن عبد اللّه (قالا: سألنا الرضا عليه السّلام عن الرجل ينام على دابته؟ فقال: إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء) «2».

الرابعة: ما رواها زرارة (قال: قلت لابى جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: ما يخرج من طرفيك الاسفلين من الذكر و الدبر من الغائط او البول او منى او ريح، و النوم حتى يذهب العقل، و كل النوم يكره إلّا ان تكون تسمع الصوت) «3».

و يستفاد من الخبرين الاخيرين كون العبرة في الناقض بالنوم الغالب على العقل، و يكون التعبير بالعقل عبارة اخرى عن التعبير بالقلب و معه يغلب النوم على السمع فيكفى تحقق الغلبة على احدهما، و الشاهد قوله فى الرواية الرابعة من ان (كل النوم يكره الا ان تكون تسمع الصوت)، فيستفاد منها أنه إذا غلب النوم على نحو يسمع الصوت يعنى لا ينام السمع لا يكره النوم.

الخامسة: ما رواها ابن بكير (قال: قال لابي عبد اللّه عليه السّلام (قوله تعالى: إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ) ما يعنى بذلك؟ قال: إذا قمتم من النوم. قلت: ينقض النوم الوضوء؟ قال:

نعم، إذا كان يغلب على السمع و لا يسمع الصوت) «4».

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 1 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 7 من الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 23

و المستفاد من مجموع الأخبار كون الناقض نوما يوجب ذهاب العقل و تعطيل الحواس و من بلغ بحد نام قلبه ينام سمعه، و لكن مجرد نوم

البصر لا يوجب نوم القلب و تعطيل الحواس، و لهذا قال إذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء، فنوم العين يحصل قبل نوم القلب و السمع اذ ربما تنام العين و لا ينامان، فالعمدة نوم القلب و ذهاب العقل، و نوم السمع أمارة عليه اذ يكون بينهما الملازمة، فلا دخل في نوم العين و لعل قول المؤلّف رحمه اللّه بقوله (إذا غلب على القلب و السمع و البصر) كان اقتضاء ما في الرواية الاولى.

و على كل حال يستفاد من الروايات المتعرضة لناقضية النوم كون النوم بما هو نوم من النواقض، سواء كان موجبا لحدوث الحدث أم لا.

لكن قد يتوهم عدم كون النوم بنفسه ناقضا، بل من باب حدوث الحدث بسبب النوم، لما يتراءى من الرواية التى رواها أبو الصباح الكنانى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يخفق و هو في الصلاة؟ فقال: ان كان لا يحفظ حدثا منه إن كان فعليه الوضوء و اعادة الصلاة، و إن كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا اعادة) «1».

و الرواية التى رواها في العلل و عيون الأخبار بالسند الآتى عن الفضل عن الرضا عليه السّلام (قال: انما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة و من النوم دون ساير الاشياء، لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة، الى ان قال: و أمّا النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شي ء منه و استرخى فكان اغلب الاشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلة) «2».

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 3 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 24

أقول، أوّلا: فحيث ان ظاهر الروايات غير هاتين الروايتين كون النوم بنفسه ناقضا لا ان يكون أمارة على الناقض، و عليه اطباق ظاهر الفتوى بين فقهائنا رضوان اللّه عليهم من ذكر النوم ناقضا، نعم بعض علماء العامة يقولون بكون النوم أمارة على الناقض و ليس بنفسه ناقضا، فليست الروايتان معمولا بهما عند الاصحاب بل يحتمل قويا صدورهما تقية فليس مقتضى الحجية فيهما موجودا.

و ثانيا: ان الرواية الثانية اعنى ما رواها فى العلل، فليست الا فى مقام بيان حكمة الحكم، لا ان تكون علّة بحيث يدور الحكم وجودا و عدما مدارها كما ينادى بذلك لسان الرواية، لان لسانها معرضية النوم لذلك لا حدوث الحدث بالنوم.

و ثالثا: المستفاد من صدر الرواية الاولى و هو قوله (ان كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء (الخ) هو ان الشخص إذا كان بحيث لا يتوجه بحدوث الحدث لو حدث منه يعنى يكون النوم غالبا عليه بحيث لا يلتفت حدوث الحدث فعليه الوضوء، فالصدر غير مناف مع الروايات الدالة على كون النوم بنفسه ناقضا.

و أمّا ذيلها و هو قوله (و إن كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء)، فقد يقال أن المراد منه هو انه مع اليقين بعدم حدوث الحدث ليس عليه الوضوء و اطلاقه يقتضي عدم الوضوء و إن نام بحيث يغلب على قلبه و سمعه، و لهذا تكون الرواية دالة على كون الناقضية في صورة حدوث الحدث فالنوم أمارة على الناقض، و ان تم هذا الاحتمال و كون مفاد الرواية هذا و فرض اطلاقها، نقول لا بد من تقييدها بالاخبار الدالة على انه مع طرو النوم الغالب على

السمع و القلب ينتقض و لو لم يتيقن بالحدث.

ان قلت: ان النسبة بين الطائفتين تكون عموما من وجه. قلت: مع كون النسبة عموما من وجه لكن الاخبار الدالة على ناقضية النوم فى مورد الاجتماع و هو ما يستسقن بعدم الحدث و قد تحقق النوم، اظهر من هذه الرواية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 25

هذا على هذا الاحتمال و لكن يحتمل ان يكون المراد من الذيل هو أنه إذا كان بحيث من إدراك الحواس يستيقن عدم حدوث الحدث و هذا من توجهه و عدم اخذ النوم حواسه و عدم نوم قلبه فلا يجب عليه الوضوء، فلا يكون مفاد الرواية الّا مفاد ساير الروايات من كون الناقض النوم بنفسه، لكن خصوص النوم الذي يغلب على القلب و السمع، و هذا الاحتمال اوفق مع قوله عليه السّلام في صدر الحديث (ان كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء) لصراحة هذه الفقرة في كون المراد الفرض يعنى إذا فرض كونه بحيث لا يحفظ حدثا فعليه الوضوء، فافهم.

فتلخص من ذلك كلّه كون النوم بنفسه ناقضا.

***

[الخامس: كل ما ازال العقل]

قوله رحمه اللّه

الخامس: كل ما ازال العقل، مثل الاغماء و السكر و الجنون دون مثل البهت.

(1)

أقول: و العمدة فيه اطباق الفتوى عليه لدعوى الاجماع كما عن بعض، و كونه من دين الامامية كما عن بعض، و دعوى اجماع المسلمين كما عن بعض، فلا يضر توقف صاحب الوسائل رحمه اللّه كما يظهر من كلامه في ذيل الرواية الآتية، بل اختيار عدم ناقضيته.

و هل يدل على الحكم؛ ما رواها معمر بن خلاد (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع و الوضوء يشتد عليه، و هو

قاعد مستند بالوسائد، فربما اغفى و هو قاعد على تلك الحال، قال: يتوضأ قلت له: ان الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 26

يشتد عليه لحال علته. فقال: إذا خفى عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء. و قال:

يؤخر الظهر و يصليها مع العصر يجمع بينهما و كذلك المغرب و العشاء). «1»

ثم قال صاحب الوسائل (أقول: استدل به الشيخ على الحكم المذكور و ليس بصريح، لكن الشيخ نقل الاجماع على ان زوال العقل مطلقا ينقض الطهارة مع موافقته للاحتياط و احاديث حصر النواقض تدل على عدم النقض).

وجه الاستدلال على وجوب الوضوء عند تحقق الاغماء.

إمّا من باب ان المراد من الاغفاء هو الاغماء، و إمّا من باب ان المراد منه و إن كان النوم الخفيف، لكن ما يقتضيه المرض الشديد هو حصول الاغماء، فيحمل قوله (فربما اغفى و هو قاعد) على الاغماء.

و فيه، كما قيل انّ المراد من الاغفاء على ما فى اللغة هو النوم، و حمله في المورد على الاغماء- بدعوى ان المريض الذي لم يقدر على الاضطجاع لا يحصل له النوم غالبا- لا وجه له، لاحتمال كون السؤال من أنه مع كونه جالسا هل يجب في نومه الوضوء أم لا، كما كان في نظره من فتوى بعض العامة من عدم ناقضية النوم إذا كان جالسا غير المنفرج، فلا دلالة لهذه الفقرة على كون الاغماء من النواقض فضلا عن كل ما ازال العقل و لو لم يكن الاغماء.

و كذلك لا وجه للتمسك بقوله فيها (اذا خفى عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء) بدعوى ان اطلاقه يقتضي وجوب الوضوء إذا خفى عليه الصوت و إن كان بسبب ما يزيل العقل، لأنّ الضمير في كلمة

(عليه) في قوله (إذا خفى عليه) راجع الى رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع و اغفى، لا كلّ رجل و لو لم يغفى و لم ينم، فيكون

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 27

المراد إذا خفى على الرجل الّذي ربما اغفى اى نام انه خفى عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء، فتكون مفادها مفاد الروايات الدالة على كون الناقض النوم الغالب على السمع، فأفهم.

و كذلك لا وجه للاستدلال على ناقضية كلّ ما ازال العقل بالرواية 3 و 4 من الروايات المذكورة في المسألة السابقة الدالّتان على ناقضية النوم إذا ذهب النوم بالعقل، بدعوى ان المستفاد منهما علية ذهاب العقل لناقضية النوم، فكلما توجد العلة ينقض الوضوء لعدم استفادة العلية منهما، بل المستفاد منهما كون النوم البالغ بهذه المرتبة ناقضا.

و كذلك لا تدل عليه رواية العلل التى ذكرناها في البحث عن كون النوم ناقضا بنفسه، او كونه أمارة على الناقض، و استدل عليها بكون النوم أمارة على الناقض، و قد عرفت ضعفه لما قلنا من عدم كون المذكور فيها علة، فلا يمكن الاستدلال بها على ناقضية ما ازال العقل، بدعوى كون ما ازال العقل أمارة على الناقض، لأنّ المستفاد من هذه الرواية أنّ من زال عقله يفتح كل شي ء منه و استرخى فكان اغلب الاشياء فيما يخرج منه الريح، لما عرفت من عدم كون المذكور فى الرواية علة بل هو حكمة.

و أمّا المروي في كتاب دعائم الاسلام عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام (ان الوضوء لا يجب الا من حدث، و إن المرء اذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من

الصلاة ما لم يحدث او ينم او يجامع او يغم عليه او يكن منه ما يجب منه اعادة الوضوء) «1».

فهذه الرواية على فرض حجيتها، إمّا لما يقال من كون الكتاب المذكور معتمدا عليه، و إمّا لانجبار ضعفها بمطابقة مضمونها مع فتوى الاصحاب من ناقضية

______________________________

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 101.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 28

الاغماء، و إذا تم الاستدلال بها على ناقضية الاغماء نقول في غير الاغماء من الجنون و كلّ ما ازال العقل بالاولوية، بناء على ما قيل، فإن الاغماء يوجب تغطية العقل و الجنون يوجب زوال العقل.

و أمّا في السكر، فإن قلنا بأنه يزيل العقل فبالاولوية نقول بناقضيته، و إن قلنا بأنه يوجب تغطية العقل لا زواله، نقول بناقضيته بتنقيح المناط، فتامل.

و بعد ما عرفت من كون الاغماء موجبا لتغطية العقل كان المناسب ان يقول المؤلّف رحمه اللّه (الخامس كلّ ما ازال العقل كالجنون او كلّ ما أغطى العقل كالاغماء).

و أمّا البهت فكما في اقرب الموارد عبارة عن التحير فلا دليل على كونه ناقضا لعدم دليل من الاجماع و النص عليه.

***

[السادس: الاستحاضة]

قوله رحمه اللّه

السادس: الاستحاضة القليلة بل الكثيرة و المتوسطة و إن اوجبتا الغسل أيضا و أمّا الجنابة فهى تنقض الوضوء لكن توجب الغسل فقط.

(1)

أقول: يأتى الكلام في ناقضيتها في محله إن شاء اللّه، ثم أنه بعد ذكره رحمه اللّه ما يوجب الغسل من جملة النواقض كان المناسب ذكر ساير ما يوجب الغسل من الاحداث الكبار.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 29

[مسئلة 1: إذا شك في طرو احد النواقض بنى على العدم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: إذا شك في طرو احد النواقض بنى على العدم و كذا إذا شك في أن الخارج بول او مذى مثلا إلّا ان يكون قبل الاستبراء، فيحكم بأنه بول، فإن كان متوضأ انتقض وضوئه كما مرّ.

(1)

أقول: أمّا فيما شك في طرو احد النواقض فللاستصحاب، اى استصحاب الطهارة.

و أمّا فيما شك في الخارج انه ناقض او لا، و بعبارة اخرى فيما كان الشك في ناقضية الموجود فأيضا يستصحب الطهارة و لا فرق في اجراء الاستصحاب و كونه مورده بين الشك في وجود الناقض و بين الشك في ناقضية الموجود.

نعم لو كان الخارج قبل الاستبراء من البول يحكم بكونه بولا و ناقضا للنص، و قد عرفت في احكام الخلوة هذه الجهة عند التعرض لهذه المسألة.

***

[مسئلة 2: إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من الغائط لم ينتقض الوضوء و كذا لو شك فى خروج شي ء من الغائط معه.

(2)

أقول: أمّا فيما لم يكن معه شي ء من الغائط، فلعدم حدوث الناقض.

و أمّا فيما شك في خروج شي ء من الغائط، فلاستصحاب الطهارة و كونه من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 30

صغريات الصورة الاولى من المسألة الاولى.

***

[مسئلة 3: القيح الخارج من مخرج البول و الغائط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: القيح الخارج من مخرج البول و الغائط ليس بناقض و كذا الدم الخارج منهما إلّا إذا علم ان بوله او غائطه صار دما و كذا المذي و الوذى و الودى، و الأول هو ما يخرج بعد الملاعبة، و الثاني ما يخرج بعد خروج المنى، و الثالث ما يخرج بعد خروج البول.

(1)

أقول: قد عرفت دلالة الروايات على حصر الناقض من السبيلين بالبول و الغائط و الريح، فلا يكون القيح الخارج من المخرجين ناقضا و كذا الدم الخارج منهما.

نعم لو علم ان بوله او غائطه صار دما يكون ناقضا يشرط صدق اسم احدهما عليه.

و كذا لا ينقض الوضوء بخروج المذي و الوذى و الودى مضافا الى دلالة بعض الروايات على عدم ناقضيتها «1».

فما فى بعض الروايات من الامر بالوضوء فى بعضها، يأتى الكلام فيها فى المسألة 4 إن شاء اللّه.

و أمّا ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من كون المذى ما يخرج بعد الملاعبة، فهو موافق مع تفسيره فى اللغة على ما حكى، و في الاخبار ما يدل على كون خروجه عند الشهوة

______________________________

(1) راجع الباب 14 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 31

و خروجه عند الملاعبة، و بلا

شهوة، (راجع الباب المذكور).

و أمّا الوذى فهو فى مجمع البحرين ما يخرج عقيب الانزال، و فى بعض الأخبار هو ما يخرج من الادواء و هو جمع الداء و اما الودى فهو ما يخرج بعد البول كما حكى عن بعض اهل اللغة، و هكذا فى مرسلة ابن رباط و هى الرواية 6 من الباب المذكور.

***

[مسئلة 4: ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب امور]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي، و الودى، و الكذب، و الظلم، و الاكثار من الشعر الباطل، و القى، و الرعاف، و التقبيل بشهوة، و مسّ الكلب، و مسّ الفرج و لو فرج نفسه، و مسّ باطن الدبر،

و الاحليل و نسيان الاستنجاء قبل الوضوء،

و الضحك في الصلاة،

و التخليل إذا أدمى.

لكن الاستحباب فى هذه الموارد غير معلوم و الاولى ان يتوضأ برجاء المطلوبية.

و لو تبيّن بعد هذا الوضوء كونه محدثا باحد النواقض المعلومة كفى، و لا يجب عليه ثانيا، كما أنه لو توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث ثم تبيّن كونه محدثا كفى و لا يجب ثانيا.

(1)

أقول:

أمّا استحبابه عقيب المذى و الودى

فلحمل ما دلّ من الأخبار على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 32

الأمر بالوضوء بخروجهما على الاستحباب بقرينة ما يدل من الأخبار على عدم الوضوء «1».

نعم فى الرواية 10 من الباب المذكور، قال- بعد سؤاله عن نقض الوضوء بالمذى- قال ان كان من شهوة نقض. و هى من حيث التعبير بالنقض لا تقبل الحمل على الاستحباب، كما نذكر فى ما بعد إن شاء اللّه، و لكن بعد الامر فى بعض الروايات و عدم ناقضيتهما فى بعض الروايات، نقول باستحباب الوضوء منهما، و لا بدّ من طرح هذه الرواية لعدم عامل بظاهرها.

و اما الوذى،

فلا نرى دليلا على استحباب الوضوء عنده و لهذا لم يذكره المؤلف رحمه اللّه.

و أمّا استحبابه بالكذب و الظلم و الاكثار من الشعر الباطل،

يتمسك باستحبابه فيها بالرواية الّتي رواها سماعة (قال: سألته عن نشيد الشعر، هل ينقض الوضوء او ظلم الرجل صاحبه او الكذب؟ قال: نعم، إلّا ان يكون شعرا يصدق فيه او يكون يسيرا من الشعر الابيات الثلاثة و الأربعة، فأما أن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء) «2».

و في خصوص انشاد الشعر، تدل الرواية على عدم النقض، و هى ما رواها معاوية بن ميسرة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن انشاد الشعر هل ينقض الوضوء؟

قال لا) «3».

و منشأ القول بالاستحباب فيها هو حمل النقض على الاستحباب بعد الأخبار

______________________________

(1) راجع الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 8 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 33

الحاصرة الناقض بما عرفت و الاجماع على عدم كون هذه الثلاثة ناقضا.

و لكن ان كان متن الرواية الأمر بالوضوء فيها، يمكن ان يقول احد بحمل الأمر على الاستحباب بقرينة الأخبار الحاصرة و الاجماع، و لكن مفاد الرواية كونها ناقضا و النقض غير قابل للحمل على استحباب النقض، فلا دليل على استحباب الوضوء، نعم لا بأس بالوضوء رجاء و باحتمال المطلوبية.

و أمّا القي ء و الرعاف،

يتمسك على استحباب الوضوء بالرواية الّتي رواها سماعة (قال: سألته عما ينقض الوضوء؟ قال: الحدث تسمع صوته او تجد ريحه و القرقرة في البطن الاشياء تصبر عليه و الضحك في الصلاة و القي ء) «1».

و فى قبالها ما يدل على عدم ناقضيتهما (راجع الباب المذكور) و لا يمكن الجمع بين ما يدل على النقض و ما يدل على عدم النقض بحمل الأول على الاستحباب، لأنّ لفظ

النقض كما قلنا غير قابل للحمل على استحباب النقض، فلا دليل على استحباب الوضوء في القي ء.

و كذا في الرعاف، لأنّ الرواية التي رواها أبو عبيدة الحذاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: الرعاف و القي ء و التخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء، و إن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء) «2» لما قلت من ان النقض غير قابل للحمل على الاستحباب مضافا الى التفصيل بين صورة الاستكراه و عدمه، فمن هذا الحيث تعارض الرواية في القي ء مع الرواية الاولى، نعم لا بأس بالوضوء رجاء و باحتمال المطلوبية.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 6 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 6 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 34

و أمّا عند التقبيل بشهوة،

فالرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة او مسّ فرجها اعاد الوضوء) «1» تحمل على الاستحباب بقرينة ما يدل على عدم الوضوء في القبلة (راجع الباب المذكور).

و لكن حيث ان ما ورد في عدم ناقضيته يدل على ناقضية التقبيل و اطلاقه يقتضي عدم كونه ناقصا سواء كان مع الشهوة او بلا شهوة.

و الرواية المذكورة تدل على اعادة الوضوء في خصوص ما كان من شهوة، فمقتضى القاعدة في حد ذاته هو حمل المطلق على المقيد و تكون النتيجة عدم الناقضية فيما لم يكن التقبيل بشهوة و الناقضية فيما كان مع الشهوة لا الحمل على الاستحباب في صورة الشهوة.

نعم بعد عدم قائل بوجوب الوضوء عنده، لا يمكن العمل بالرواية و لا وجه للحمل على الاستحباب و لكن لا بأس بالوضوء رجاء.

و أمّا مس الكلب،

فاستحباب الوضوء به مقتضى الرواية الّتي رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من مسّ كلبا فليتوضأ) «2» الآمرة بالوضوء، بعد حمل الامر فيها على الاستحباب لعدم قائل بوجوب الوضوء.

و فيه، انه لو لم تكن الرواية معمولا بها و مع اعراضهم عنها، فلم تكن بحجة، فلا يمكن صيرورتها دليلا على الاستحباب، فلا دليل على استحباب الوضوء بمس الكلب.

و أمّا مسّ الفرج،

يتمسك على استحباب الوضوء عنده بالرواية المذكورة في

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 11 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 35

التقبيل، لأنّ فيها قال (او مس فرجها) اى فرج المرأة (اعاد الوضوء) بحمل قوله (اعاد الوضوء) على استحباب الاعادة.

و فيه، انه بعد كون ظاهرها وجوب الاعادة و الرواية من هذا الحيث اعرض عنها الاصحاب، فلا دليل في البين يدلّ على الاستحباب، و لا وجه لحمل الرواية على الاستحباب لعدم عامل بالوجوب، لأنّ الرواية ظاهرة في الوجوب، و ليست بحجة لعدم العمل بها، حتى على القول باستحباب الفعل باخبار من بلغ لا يمكن القول باستحبابه لعدم وجود خبر ضعيف دال على الاستحباب.

نعم فى بعض الروايات المذكور فى هذا الباب اعنى (الباب 6 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل) ما يدل على عدم الوضوء فى مسّ الفرج كالرواية 2 و غيرها، فيقال بعد دلالة الرواية المذكورة على اعادة الوضوء فى مسّ فرج المرأة، و هذه الروايات تدل على عدم وجوب الوضوء فى مس الفرج، فيحمل قوله (اعاد) على الاستحباب، لكن هذه الروايات مطلقة، لشمولها لمسّ الرجل فرج نفسه بناء على شمول الفرج لعورة المرء و لمسّ المرأة

فرج نفسها، فمقتضى القاعدة تقييدها بالرواية الدالة على اعادة الوضوء، فتكون النتيجة عدم الوضوء فى مسّ الفرج، الا ان يمسّ الرجل فرج المرأة، لا حمل قوله (اعاد) على الاستحباب. فتأمل.

و أمّا مسّ باطن الدبر و الاحليل،

فللرواية الّتي رواها عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سال عن الرجل يتوضأ ثم يمسّ باطن دبره. قال: نقض وضوئه، و إن مس باطن احليله فعليه ان يعيد الوضوء، و إن كان في الصلاة قطع الصلاة و يتوضأ و يعيد الصلاة، و إن فتح احليله اعاد الوضوء و أعاد الصلاة) «1».

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 36

لكن بعد كون ظاهرها وجوب الوضوء و الرواية من هذا الحيث غير معمول بها، فكما قلنا لا مدرك للاستحباب.

و أمّا نسيان الاستنجاء

يتمسك باستحباب الوضوء عنده بالرواية الّتي رواها أبو بصير قال: (قال: أبو عبد اللّه عليه السّلام ان اهرقت الماء و نسيت ان تغسل ذكرك حتى صليت فعليك اعادة الوضوء و غسل ذكرك) «1».

و بالرواية الّتي رواها سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السّلام (في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره، قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء) «2» جمعا بينهما و بين ما يدل على عدم وجوب اعادة الوضوء فيمن نسى الاستنجاء المذكور فى هذا الباب، فراجع، فيحمل ما دل على الامر باعادة الوضوء فيمن نسى غسل ذكره على الاستحباب لما دل من الروايات على عدم اعادة الوضوء لمن نسى غسل ذكره.

و أمّا الضحك في الصلاة،

يتمسك بالرواية الّتي رواها سماعة (قال: سألته عما ينقض الوضوء؟ قال: الحدث تسمع صوته او تجد ريحه و القرقرة في البطن الا شيئا تصبر عليه و الضحك في الصلاة و القي ء) «3».

و أمّا التخليل،

يتمسك به بالرواية الّتي رواها أبو عبيدة الحذاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الرعاف و القي ء و التخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا تنفض الوضوء و إن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء) «4».

و لا يمكن جعل الخبرين دليلين على استحباب الوضوء بالضحك في الصلاة

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 18 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 11 من الباب 6 من أبواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 12 من الباب 6 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 37

و التخليل، لأنّ ظاهرهما نقض الوضوء بهما و لا يعمل بهما، فالخبران غير معمول بهما و بعد عدم حجيتهما في ما هو ظاهر هما من النقض و وجوب الوضوء فلا يمكن جعلهما وجها على الاستحباب، لما قلنا في طى كلماتنا، فافهم.

ثم ان ما قاله المؤلّف رحمه اللّه (من ان استحباب الوضوء فى هذه الموارد غير معلوم،

و الاولى ان يتوضأ برجاء المطلوبية) مضافا الى ما عرفت من عدم دليل على الاستحباب إلّا في مورد الوذى و الودى و نسيان غسل مخرج البول لما بينا من ان مقتضى الجمع العرفى هو استحبابه فى هذه الموارد الثلاثة، من احتمال صدور هذه الأخبار الآمرة بظاهرها بالوضوء في هذه الموارد تقية، لوجود الفتوى بين العامة على ناقضيتها، و مع هذا الاحتمال المعتنى به عند العقلاء لا يكون مقتضى الحجية في هذه الأخبار موجودا، لأنّه مع هذا الاحتمال من باب خارجية المطلب لا يكون الاصل في جهة الصدور موجودا فلا مجال للاخذ بهذه الأخبار، و بعد عدم وجود مقتضى الحجية لا مجال للجمع العرفى، لأنّ الجمع او الترجيح فرع وجود الحجة في كلا الخبرين المتعارضين، إلّا

ان يقال بأن الجمع و الترجيح يأتى حتى بين الحجة و لا حجة.

أقول: و هذا الاحتمال و إن كان جاريا، لكن كونه بحيث يوجب الوهن في الاصل العقلائى في جهة الصدور غير معلوم.

نعم كما قاله المؤلّف رحمه اللّه الاولى ان يتوضأ في الموارد برجاء المطلوبية.

ثم أنه لو توضأ رجاء في احد هذه الموارد، و تبين بعد ذلك كونه محدثا

اشارة

باحد النواقض المعلومة، فهل يكتفى بهذا الوضوء الصادر رجاء او لا يكتفى به، بل لا بدّ من وضوء آخر.

أقول: يفرض للمسألة صورتان:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 38

الصورة الاولى: ما ينوى اتيان الفعل برجاء المطلوبية،

لكن لا بنحو التقييد، و معنى التقييد كون نيته اتيان الوضوء رجاء مطلوبيته عند خروج المذى مثلا، بحيث لو لم يكن هذا مطلوبا و مستحبا واقعا لما كان آتيا به.

ففي هذه الصورة لو تبين كونه محدثا باحد النواقض المعلومة، يكتفى بهذا الوضوء، لأنّ ما يعتبر في النية محقق في الفرض.

الصورة الثانية: ما كان اتيان الوضوء بقصد الرجاء بعنوان التقييد،

ففي هذه الصورة لا يكتفى بهذا الوضوء لو انكشف كونه محدثا باحد النواقض المعلومة، لأنّ ما ينويه لم يكن بشي ء و ما يكون مقربا لم ينوه، و هكذا الحكم فيما توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث ثم تبين كونه محدثا، بل الحكم فيه اوضح.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 39

فصل: في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 41

قوله رحمه اللّه

فصل فى غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة فان الوضوء، امّا شرط فى صحة فعل كالصلاة و الطواف، و امّا شرط فى كماله كقراءة القرآن، و امّا شرط فى جوازه كمسّ كتابة القرآن، او رافع لكراهته كالاكل، او شرط فى تحقق امر كالوضوء للكون على الطهارة، او ليس له غاية كالوضوء الواجب بالنذر، و الوضوء المستحب نفسا ان قلنا به كما لا يبعد.

اما الغايات للوضوء الواجب، فيجب للصلاة الواجبة اداء او قضاء عن النفس او عن الغير، او لاجزائها المنسية، بل و سجدتى السهو على الاحوط، و يجب أيضا للطواف الواجب، و هو ما كان جزء للحج او العمرة، و ان كانا مندوبين، فالطواف المستحب ما لم يكن جزء من احدهما لا يجب الوضوء له، نعم هو شرط في صحة صلاته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 42

و يجب أيضا بالنذر و العهد و اليمين، و يجب أيضا لمسّ كتابة القرآن وجب بالنذر او لوقوعه فى موضع يجب اخراجه منه، او لتطهيره اذا صار متنجسا و توقف الاخراج او التطهير على مسّ كتابته، و لم يكن التأخير بمقدار الوضوء موجبا لهتك حرمته، و الا وجب المبادرة من دون الوضوء.

و يلحق به اسماء اللّه و صفاته الخاصة، دون اسماء الأنبياء و

الائمة عليهم السلام، و ان كان احوط، و وجوب الوضوء فى المذكورات ما عدا النذر و اخويه، انما هو على تقدير كونه محدثا، و الّا فلا يجب، و اما فى النذر و اخويه فتابع للنذر، فان نذر كونه على الطهارة لا يجب الا اذا كان محدثا، و ان نذر الوضوء التجديدي وجب و ان كان على وضوء.

(1)

أقول، الكلام فى الفصل يقع فى طى امور:

الأمر الاول: فى غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة،

فان الوضوء إما شرط فى صحة فعل كالصلاة، و شرطيته فى صحتها مما ادعي عليه الاجماع بل الضرورة، و تدل عليه روايات نذكر بعضها تيمّنا:

منها: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا صلاة الا بطهور) «1».

و منها: ما رواها زرارة (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الفرض فى الصلاة فقال:

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 43

الوقت و الطهور و القبلة و التوجه و الركوع و السجود و الدعاء) «1».

و منها: ما رواها القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم) «2».

و كالطواف، و عليه حكى الاجماع كما قيل فى خمسة عشر موضعا، و يدل عليه بعض النصوص:

منها: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء ا يعتد بذلك الطواف قال لا) «3».

منها: ما رواها على بن جعفر عن اخيه أبي الحسن عليهم السّلام (قال سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب، فذكر و هو فى الطواف. قال: يقطع الطواف و لا يعتد بشي ء مما طاف، و

سألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء. قال: يقطع طوافه و لا يعتد به) «4».

و إما يكون الوضوء شرطا فى كماله كقراءة القرآن، و يدل عليه بعض الروايات:

منها: ما رواها محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: سألته اقرأ المصحف ثم يأخذنى البول، فاقوم فابول و أستنجي و اغسل يدى و اعود الى المصحف، فأقرأ فيه. قال: لا حتى تتوضأ للصلاة) «5».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

(5) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب قراءة القرآن و لو فى غير الصلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 44

و منها: ما رواها محمد بن على بن الحسين فى الخصال باسناده عن على عليه السّلام فى حديث الأربعمائة (قال: لا يقرأ العبد القرآن اذا كان على غير طهور حتى يتطهر) «1».

و يحمل النهى في الخبرين على الكراهة بقرينة الرواية الدالة على استحباب قراءته بلا طهارة.

و هي الرواية الّتي رواها احمد بن فهد في عدة الداعى قال: (قال: عليه السّلام لقارى القرآن بكل حرف يقرئه في الصلاة قائما مائة حسنة، و قاعدا خمسون، و متطهرا في غير صلاة خمس و عشرون حسنة، و غير متطهر عشر حسنات، اما انى لا اقول:

(المر) بل بالالف عشر و باللام عشر و بالميم عشر و بالراء عشر) «2»، لأنّ مفاد هذه الرواية استحباب قراءته و لو غير متطهر، لبيان الحسنة لما يقرأ على غير طهارة، فيحمل بقرينتها الروايتان

على الكراهة بلا وضوء و معنى كراهيته اقلية ثوابه، كما يظهر من رواية ابن فهد رحمه اللّه لأنّ الثواب مع الطهارة خمس و عشرون حسنة فى قراءته و مع غير الطهارة عشر حسنات.

أقول: و قد روى في جامع احاديث الشيعة روايتان: و هى ما رواها حريز عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (كان اسماعيل ابن أبي عبد اللّه عنده فقال: يا بنيّ اقرأ المصحف. و قال: انى لست على وضوء. فقال: لا تمسّ الكتاب و مس الورق و اقراه) «3».

و الرواية التى رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن قرء في

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب قرآن القرآن و لو فى غير الصلاة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

(3) جامع احاديث الشيعة باب 1 من ابواب الوضوء- حديث 13. و أيضا الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 45

المصحف و هو على غير وضوء؟ قال: لا بأس و لا يمس الكتاب (الكتابة) «1».

و هاتان الروايتان تدلّان على جواز قراءة المصحف من غير وضوء.

فلو اشكل فى ما رواه ابن فهد رحمه اللّه لارساله و اضماره، يكفى الروايتان لأن تكونا شاهدى حمل النهى في الروايتين الظاهرتين في التحريم بلا وضوء على الكراهة.

و بعد حملهما على الكراهة، فيقال ان معنى كراهته اقلية الثواب، فيبقى الجواز و الاستحباب للروايات الدالة بإطلاقها على محبوبية قراءة القرآن حتى بلا وضوء، مضافا الى ان الرواية الاولى من الروايتين المذكورتين في جامع احاديث الشيعة تدلّ على استحباب قراءته بلا وضوء للامر فيها بقراءته بلا وضوء و

عدم مس الكتاب اى الكتابة، فأفهم.

و إمّا يكون الوضوء شرطا في جوازه كمس كتابة القرآن لعدم جدا مسّ كتابة القرآن بلا طهارة، و تدل عليه الروايتان المتقدمتان رواية حريز و رواية أبي بصير.

و الرواية التى رواها ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام (قال:

المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطّه و لا تعلقه، ان اللّه تعالى يقول (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «2».

و يمكن الاستدلال بقوله تعالى (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) بناء على ارجاع الضمير في قوله (لا يمسّه) الى القرآن لأنّه تعالى يقول (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة باب 1 من ابواب الوضوء حديث 14، و أيضا الرواية 1 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 46

لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)، و بناء على كون المسّ هو المس بظاهر البدن لا المسّ بمعنى القرب و بناء على كون المراد من قوله (المطهرون) المطهرون من الاحداث الظاهرية.

و هل يمكن الاستدلال بالآية بعد تمسك المعصوم عليه السّلام به كما في رواية ابراهيم بن عبد الحميد المتقدمة او لا؟ يأتى فى باب الجنابة عدم تمامية الاستدلال عليها بضم الرواية، كما انه يأتى إن شاء اللّه قرينة احتمال كون المراد من الآية ما يفيد للاستدلال به على ما نحن فيه

و على كل حال بعد عدم جواز مسّ كتابته بلا طهارة، يكون شرط جواز مسّه الوضوء.

و إمّا يكون الوضوء رافعا لكراهته كالاكل.

اقول، أمّا في خصوص حال الجنابة:

فللرواية التى رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى عن أبي عبد اللّه

عليه السّلام عن ابيه (قال: إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ) «1».

و ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عن امير المؤمنين علي بن ابى طالب عليهم السّلام في حديث المناهى (قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الاكل على الجنابة و قال: انه يورث الفقر) «2».

و يحمل الروايتان على الكراهة بقرينة ما يترتب عليه من التوعيد بالفقر في الرواية الثانية.

مضافا الى دلالة الرواية التى رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه في حديث

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 20 من ابواب الجناية من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 47

(قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ يأكل الجنب قبل ان يتوضأ؟ قال: انا لنكسل و لكن ليغسل يده، فالوضوء افضل) «1» على جواز الاكل قبل الوضوء، فيحمل النهى على الكراهة.

و أمّا بالنسبة الى غير حال الجنابة، فما نرى من الأخبار ليس الا بعض الروايات الدالة على استحباب غسل اليد قبل الطعام و بعده، و بعض الروايات الدالة على استحباب الوضوء قبل الطعام «2».

و لكن على المحكى ان اصحابنا رضوان اللّه عليهم لم يفهموا من هذه الأخبار الآمرة بالوضوء قبل الطعام، الوضوء المعهود و لذا لم يذكروا هذا المورد من جملة الوضوءات المستحبة و تدل رواية من الروايات المذكورة في الباب المذكور على كون المراد بالوضوء في هذه الأخبار غسل اليدين قبل الطعام و بعده.

و هي ما رواها محمد بن الحسن في المجالس و الأخبار عن جماعة عن أبي الفضل عن جعفر بن محمد العلوى الموسوى و عن احمد

بن زياد جميعا عن عبد اللّه بن احمد بن نهيك عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السّلام قال عليهم السلام (قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سره ان يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه، و من توضأ قبل الطعام و بعده عاش في سعة من رزقه، و عوفى من البلاء في جسده)، و زاد الموسوى في حديثه قال هشام: (قال لي الصادق عليه السّلام: الوضوء هنا غسل اليدين قبل الطعام و بعده).

و من كل ذلك يظهر لك انه ليس في البين ما يدل على كون الوضوء رافعا

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

(2) راجع الباب 41 من ابواب آداب المائدة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 48

لكراهة الاكل، فلا يتم كلام المؤلّف رحمه اللّه بإطلاقه و يصح في خصوص اكل الجنب فإنه يرفع بالوضوء كراهة الاكل لما مرّ.

و إمّا يكون الوضوء شرطا في تحقق امره، كالوضوء للكون على الطهارة، لأنّ الكون على الطهارة مما يترتب على الوضوء فيما يكون الشخص محدثا بالحدث الاصغر، فيكون الوضوء موجبا لتحقق هذا الأمر، اى الكون على الطهارة.

أو ليس له غاية، كالوضوء الواجب بالنذر و الوضوء المستحب نفسا ان قلنا به كما لا يبعد هذا ما قاله المؤلف رحمه اللّه.

أقول: أمّا عدّه رحمه اللّه هذا القسم مما ليس له غاية فليس بتمام، لأنّ المراد بالغاية ما يترتب على الوضوء، و في هذا القسم بناء على مشروعيته، يترتب عليه ما يترتب على غيره من الاقسام من جواز الصلاة و غير ذلك.

نعم يمكن ان يقال بأنه لا يريد الشخص

غاية في هذا القسم، بل يأتى به بعنوان الأمر المتعلق به وجوبا او استحبابا.

ثم انه عدّ مما ليس له غاية- اعنى لا يريد باتيانه غير امره- الوضوء الواجب بالنذر، و الوضوء المستحب نفسا.

أمّا الوضوء الواجب بالنذر، فيدور مدار رجحانه و لا اشكال فيما يكون متعلق النذر الكون على الطهارة.

و أمّا إذا نذر نفس الغسلات و المسحات بدون قصد حصول الطهارة بها، ففي تعلق النذر به اشكال لعدم كونه راجحا و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

و أمّا الوضوء المستحب نفسا، فان كان الغرض الوضوء الذي يقصد به الكون على الطهارة، فلا اشكال في استحبابه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 49

و يدل عليه من القرآن الكريم:

قوله تعالى: إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ «1».

و قوله تعالى: فِيهِ رِجٰالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «2».

و من الأخبار:

مثل الرواية التى رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (الوضوء على الطهور عشر حسنات فتطهروا) «3»، ففيها الأمر بالتطهر و هو دليل على المطلوب.

و الرواية التى رواها محمد بن محمد بن النعمان المفيد باسناده عن انس في حديث قال: (قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا انس، اكثر من الطهور يزيد اللّه في عمرك، و إن استطعت ان تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل، فإنك تكون إذا متّ على طهارة شهيدا). «4»

و الرواية التى رواها الحسن بن محمد الديلمى في الارشاد قال: (قال:

النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول اللّه تعالى: من احدث و لم يتوضأ فقد جفانى، و من احدث و توضأ و لم يصل ركعتين فقد جفانى، و من احدث و توضأ و صلى ركعتين و

دعانى و لم اجبه فيما سألنى من امر دينه و دنياه فقد جفوته، و لست بربّ جاف، قال: و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

من احدث و لم يتوضأ فقد جفانى و ذكر الحديث نحوه). «5»

و إن كان الغرض من استحباب الوضوء نفسا استحباب نفس الغسلات

______________________________

(1) س 2، آية 222.

(2) س 9، آية 108.

(3) الرواية 10 من الباب 8 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 118 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 50

و المسحات و لو لم يقصد بها احد الغايات، فلم اجد دليلا على استحبابه، و لا يمكن التمسك على استحبابه بما تمسكنا على استحباب الوضوء بقصد الكون على الطهارة.

أمّا الآيتان فلانهما تدلان على أنه تعالى (يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) او (المطهّرين) و لا تدلان على انه يحب نفس الغسلات و المسحات بدون قصد حصول الطهارة.

أمّا الرواية الاولى، فلان فيها قال: (فتطهروا) فالامر فيها بالتطهر، فلا يمكن الاستدلال بصدرها من قوله (الوضوء على الطهور عشر حسنات) بدعوى ان الوضوء نفس الغسلات و المسحات و فيه الحسنات، لأنّ الأمر في الذيل يدل على كون الغرض من الوضوء حصول الطهارة.

و اما الرواية الثانية، فلان التعبير فيها بالامر باكثار الطهارة لا الوضوء، فلا تدل على استحباب الوضوء نفسا.

و اما الرواية الثالثة، ففيها و إن ترتب الجفاء على ترك الوضوء، لكن قوله (و لم يصل ركعتين فقد جفانى) يدل على ان الوضوء هو الوضوء الذي يبيح الصلاة و يرفع الحدث، فتدل الرواية على ان ترك الوضوء لاجل رفع الحدث يكون من الجفاء لا لنفس

الوضوء.

و كذلك لا يدل على استحبابه نفسا ما روى من ان (الوضوء على الوضوء نور على نور) «1» فإنها تدل على ان الوضوء الثاني نور على نور و الوضوء الأول ما حصل به الطهارة، فالثانى يحصل به مرتبة ارفع من الطهارة الحاصلة من الاولى.

مضافا الى ان مفروغية استحباب الكون على الطهارة ربما يوجب انصراف كلما وقع الترغيب فيه بالوضوء الى هذا القسم من الوضوء.

______________________________

(1) الرّواية 8 من الباب 8، من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 51

مع ان الرواية التى رواها في عيون الأخبار و في العلل بالاسناد الآتى عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (قال: انّما امر بالوضوء و بدء به لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدى الجبار عند مناجاته اياه، مطيعا له فيما امره، نقيّا من الادناس و النجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل و طرد النعاس و تزكية الفؤاد للقيام بين يدى الجبار، قال: و انما جوّزنا الصلاة على الميت بغير وضوء لأنّه ليس فيها ركوع و لا سجود، و انما يجب الوضوء في الصلاة التى فيها ركوع و سجود) «1»، يؤيد مفادها بل يدل على ان حكمته صيرورة العبد طاهرا، و هو يحصل بقصده الكون على الطهارة، فتامل.

و مع قطع النظر عن ذلك كله بعد عدم دليل مثبت لمشروعية هذا القسم من الوضوء، يكفى في عدم جوازه الشك في مشروعيته.

الأمر الثاني: أمّا الغايات للوضوء الواجب.

فيجب للصلاة الواجبة اداء و قضاء عن النفس او عن الغير، و لاجزائها المنسية بل و سجدتى السهو على الاحوط. هكذا قال المؤلف رحمه اللّه.

أقول: أمّا في الصلاة الواجبة اداء، فلا اشكال فيه فتوى و نصا، و قد مضى بعض

الكلام فيه و بعض ما يدل عليه في الأمر الأول.

و أمّا في قضاء الصلاة، سواء كان عن النفس او عن الغير، فيدل على اشتراطها به بعض الروايات التي ذكرناه في الأمر الأول، مثل قوله: (لا صلاة الا بطهور)، مضافا الى كون القضاء مثل الاداء و لا فرق بينهما إلّا كون القضاء في

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 52

خارج الوقت.

و أمّا الاجزاء المنسية، فلانها اجزاء للصلاة و إن كان محل اتيانها بعد الصلاة.

و قد يقال بعدم اعتبار الطهارة في الاجزاء من رأس بل المسلّم اعتبارها فى اصل الصلاة.

و فيه، انه لو كان الحدث قاطعا و لم تكن الطهارة شرطا كان لهذا الكلام مجال، و لكن الطهارة شرط كما عرفت من كون اعتبارها من الضروريات و لدلالة النصوص على شرطيتها.

و أمّا اعتبار الوضوء في سجدتى السهو و عدم اعتباره:

منشأ اعتباره إمّا انهما من متممات الصلاة و مكملاتها و لهذا يعتبر فيهما الفورية، و إمّا ان المنصرف إليه من ادلتهما و إن كانت مطلقة من هذا الحيث، هو ما كان مع الطهارة.

و فيه ان الحق كونهما واجبتين مستقلتين و إن كان سبب وجوبهما ما وقع او فات في الصلاة (قد بينّا التفصيل في بعض تقريراتنا عن بحث فقيد الاسلام آية اللّه العظمى البروجردي استادنا الاعظم قدس سره).

و كون وجوبهما فوريا لا يقتضي وجوب ما وجب في الصلاة فيهما.

و أمّا الانصراف فلا وجه له، فمع الشك يكون المرجع البراءة، لأنّ الشك في شرطيتها فيهما لا اصالة الاشتغال، و لكن مع ذلك نقول في مقام العمل بالاحتياط كما قاله المؤلّف رحمه اللّه.

و يجب أيضا للطواف الواجب،

و هو ما كان جزءا للحج او العمرة، و إن كانا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 53

مندوبين، فالطواف المستحب ما لم يكن جزءا من احدهما لا يجب الوضوء له، نعم هو شرط في صحة صلاته.

أقول: أمّا فيما كان الطواف جزءا للحج او العمرة و إن كانا مندوبين، فلما عرفت من الاجماع، و من دلالة بعض الروايات عليه ذكرناه في الأمر الأول.

و أمّا عدم اشتراط الطواف المستحب به ما لم يكن جزءا من احدهما و اعتباره في صلاة الطواف فلدلالة الرواية التى رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنه قال: لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ و يصلى، فإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعد الطواف) «1»، و غير ذلك مما يدل على عدم اعتبار الوضوء في الطواف المستحب.

نعم يعتبر الوضوء في صلاة الطواف و إن كان نفس الطواف مستحبا (راجع الباب المذكور).

و يجب أيضا بالنذر و العهد و اليمين.

أقول: و قد عرفت في صدر الفصل ان المؤلف رحمه اللّه عد من جملة ما ليس له غاية الوضوء الواجب بالنذر، و هنا يقول انه من جملة الغايات، و توجيهه كما قلنا هو ان المراد عدم إرادة غايات اخر فيه، بل يقصد به الأمر المتعلق به وجوبا، و إلّا فيترتب على هذا الوضوء ما يترتب على ساير الوضوءات.

و قد عرفت ان النذر يتعلق بالوضوء المحصّل للطهارة مثلا ينذر الوضوء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص:

54

للكون على الطهارة.

و اما نذر نفس الغسلات و المسحات بدون قصد الغاية عليها، فكما عرفت ليس بمستحب فلم يكن فيه رجحان فلم يتعلق به النذر.

و يجب أيضا لمسّ كتابة القرآن، و قد عرفت ما يدل على حرمة مسّه بلا طهارة فيعتبر في جواز مسّه الوضوء.

و مثّل المؤلّف رحمه اللّه لوجوب مسّه امثلة:

الأول: فيما وجب بالنذر: و لوجوبه بالنذر كلام في أنه هل يمكن ان يكون المنذور مسّ كتابة القرآن من باب انه هل يكون مسّه في حدّ ذاته راجحا حتى يتعلق به النذر أم لا؟ و لم اجد بعد دليلا على رجحان مسّه.

الثاني: فيما وقع في موضع يجب اخراجه منه.

الثالث: مسّه لتطهره إذا صار متنجسا و يتوقف اخراجه في المثال الثاني و تطهيره في المثال الثالث على مسّ كتابته، بشرط عدم كون تأخير الاخراج في المثال الثاني و تأخير التطهير في المثال الثالث بمقدار الوضوء موجبا لهتك القرآن، و لا اشكال في وجوب المس في المثالين.

نعم لو امكن التيمم او التطهير بدون مسّ كتابته، او كان التأخير او التطهير بقدر الوضوء هتكا، لكتاب الكريم لا يجب الوضوء لمسّه، بل في صورة كون التأخير او التطهير بقدر الوضوء هتكا، يجب على المكلف المبادرة باخراجه و تطهيره.

نعم لو امكن التيمم و لم يكن التأخير بقدر التيمم هتكا، قالوا بوجوب التيمم ثم اخراجه، و تطهيره، و يأتى الكلام فيه ان شاء اللّه في التيمم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 55

[الامر الثالث الحاق اسماء اللّه و صفاته الخاصة بالقرآن]

ثم ان المؤلّف رحمه اللّه قال:

(و يلحق به (اى بالقرآن) اسماء اللّه و صفاته الخاصة دون اسماء الأنبياء و الائمة عليهم السلام و إن كان احوط).

(1)

أقول: اما الحاق اسماء اللّه و صفاته الخاصة فهو

كما قاله رحمه اللّه لأنّ المناط في حرمة مسّه بلا وضوء ليس الّا شرافته و انتسابه باللّه تعالى فلو لم يكن الحكم في اسماء اللّه و صفاته الخاصة اولى فلا أقل يكون مثل القرآن الكريم.

و ليس المنشأ للوضوء مهانة الحدث (كما قال في المستمسك) حتى يقال: ان العرف لا يفهم و لا ينتقل من الأمر بعدم جواز مسّ الكتاب الى عدم جواز مسّ اسماء اللّه تعالى و صفاته الخاصة و يفهم العرف وجود هذه الشرافة في اسمائه تعالى و صفاته الخاصة.

و أمّا اسماء الأنبياء و الائمة عليهم السّلام فما يأتى بالنظر و ليس ببعيد، هو عدم جواز مسّ اسمائهم إذا كانت الاسماء مقصودة في المكتوب بلا وضوء، لوجود الملاك فالاحوط بل الاقوى هو الالحاق، فاذا توقف اخراجها من موضع او تطهيرها على مسّها يجب الوضوء بنحو، قلنا في الكتاب الكريم من مورده و شرطه.

ثم ان وجوب الوضوء في المذكورات ما عدا النذر و اخويه، انما هو على تقدير كون الشخص محدثا، و الّا فلا يجب لأنّه مع فرض كونه متطهرا لا موجب لوجوب الوضوء، لأنّ الغرض حصول الطهارة من الوضوء و هو على الفرض متطهر.

و أمّا في النذر و العهد و اليمين، فتابع للنذر فان نذر الكون على الطهارة لا يجب في فرض كونه متطهرا و عدم كونه محدثا.

و إن نذر الوضوء التجديدى يجب الوضوء و ان كان على وضوء فافهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 56

[مسئلة 1: اذا نذر ان يتوضأ لكل صلاة وضوءا رافعا للحدث]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: اذا نذر ان يتوضأ لكل صلاة وضوءا رافعا للحدث و كان متوضأ يجب عليه نقضه ثم الوضوء، لكن في صحة مثل هذا النذر على اطلاقه تأمّل.

(1)

أقول: قد ينذر على التقدير، بمعنى

انه ينذر بأنه لو صار محدثا و على تقدير حدوث الحدث يتوضأ وضوءا رافعا للحدث، ينعقد هذا النذر لكون متعلقه راجحا.

و لكن ليس هذا مفروض كلام المؤلّف رحمه اللّه لأنّ مفروض كلامه هو النذر بالوضوء لكل صلاة وضوءا رافعا للحدث، و معنى ذلك نقض الوضوء إذا كان متوضئا لأن يعمل بنذره.

و قد ينذر الوضوء الرافع للحدث بحيث يوجد موضوعه و هو الحدث، فلو لم يكن محدثا ينقض وضوئه، لأن يتمكن من الوفاء بالنذر، و هذا القسم مراد المؤلّف رحمه اللّه، و هذا مما لا يجب العمل به لعدم رجحان متعلقه لعدم رجحان نقض الطهارة الحاصلة حتى يتعلق به النذر.

و مثاله نذر التوبة، فإن نذر التوبة على تقدير حدوث الذنب منه اتفاقا، فهذا النذر ينعقد و يجب العمل به و يكون من القسم الأول.

و إن نذر التوبة بنحو يكون مقتضيا لفعل الذنب، فلا ينعقد هذا النذر و يكون كالقسم الثاني.

ثم أنه قيل في توجيه كلام المؤلّف رحمه اللّه (لكن في صحة مثل هذا النذر على اطلاقه تأمل)، بأن نظره عدم انعقاد النذر في بعض الصور و انعقاد النذر في بعضها ففرض صورة يمكن تصحيح النذر هو ما كان نقض الطهارة راجحا مثل ما كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 57

حبس الحدث موجبا للضرر المعتد به، فلو نذر الوضوء الرافع للحدث في هذا الفرض ينعقد النذر، لكون متعلق النذر راجحا.

و لكن فيه كما قال الموجّه بأنه مع ذلك لا تكون الطهارة في الفرض الطهارة مرجوحا حتى ينعقد النذر.

أقول: لا يخفى عليك ان متعلق النذر هو الوضوء الرافع للحدث المستلزم لنقض الطهارة، و إذا كان نقض الطهارة راجحا يصح النذر، و فى الفرض باعتبار

الضرر يكون نقضها راجحا، و ليس اللازم مرجوحية الطهارة حتى يقال بانها ليست مرجوحة.

فيمكن ان يقال بصحة النذر اذا نذر الوضوء في خصوص المورد، فتأمل.

***

[مسئلة 2: وجوب الوضوء لسبب النذر اقسام:]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: وجوب الوضوء لسبب النذر اقسام:

احدها: ان ينذر ان يأتى بعمل يشترط في صحته الوضوء كالصلاة.

الثاني: ان ينذر ان يتوضأ إذا اتى بالعمل الفلانى غير المشروط بالوضوء، مثل ان ينذر ان لا يقرأ القرآن الا مع الوضوء، فحينئذ لا يجب عليه القراءة، لكن لو اراد ان يقرأ يجب عليه ان يتوضأ.

الثالث: ان ينذر ان يأتى بالعمل الكذائى مع الوضوء، كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 58

ينذر ان يقرأ القرآن مع الوضوء فحينئذ يجب الوضوء و القراءة.

الرابع: ان ينذر الكون على الطهارة.

الخامس: ان ينذر ان يتوضأ من غير نظر الى الكون على الطهارة.

و جميع هذه الاقسام صحيح لكن ربما يستشكل في الخامس، من حيث ان صحته موقوف على ثبوت الاستحباب النفسى للوضوء و هو محل اشكال لكن الاقوى ذلك.

(1)

أقول:

أمّا القسم الأول:

فلا اشكال في انعقاده، لاشتماله على ما يعتبر في النذر و يجب العمل به فيجب عليه الصلاة و يجب الوضوء لها مقدمة لعدم صحة الصلاة الا به.

أمّا القسم الثاني:

ان كان المنذور ما هو ظاهر كلام المؤلف رحمه اللّه من انه ينذر عدم قراءة القرآن الا مع الوضوء، فهو في الحقيقة لم ينذر فعل شي ء من قراءة القرآن او الوضوء، بل نذر عدم قراءة القرآن بلا وضوء، فهذا النذر لا ينعقد لكون ترك قراءة القرآن بلا وضوء مرجوحا، اذ القراءة حتى بلا وضوء يكون راجحا، و ترك القراءة حتى بلا وضوء مرجوحا.

و إن كان المنذور هو انه اذا اراد قراءة القرآن يقرئه مع الوضوء كما يساعد عليه صدر كلامه رحمه اللّه من أنه (ينذر ان يتوضأ إذا اتى بالعمل الفلانى) ينعقد نذره لأنّه على هذا نذر فعلا راجحا و هو الوضوء حين قراءته القرآن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 59

أمّا القسم الثالث: و هو أن ينذر أن يأتى بالعمل الكذائى مع الوضوء،

كان ينذر قراءة القرآن مع الوضوء، ينعقد النذر و عليه قراءة القرآن مع الوضوء.

فيكون الفرق بين هذا القسم، و بين الصورة الثانية من القسم الثانى، ان في هذا القسم يجب عليه قراءة القرآن مع الوضوء بتحقق النذر، و ليس معلقا على ارادته القراءة، بخلاف الصورة الثانية من القسم الثاني فإنه يجب عليه الوضوء إذا اراد قراءة القرآن.

أمّا القسم الرابع: و هو ان ينذر الكون على الطهارة،

فينعقد النذر بلا اشكال لكون متعلقه راجحا.

أمّا القسم الخامس: و هو ان ينذر ان يتوضأ من غير نظر الى الكون على الطهارة،

فإن كان النظر الى الوضوء الذي هو مستحب في نفسه مقيدا بعدم قصد غاية حتى الكون على الطهارة، و بعبارة اخرى نظره في نذره الى نفس الغسلات و المسحات، فقد قدمنا عدم دليل على استحبابه، فلا ينعقد نذره لعدم كون متعلقه راجحا.

و إن كان نظره في النذر الى الوضوء المستحب، و لم يكن مقيدا بعدم قصد الكون على الطهارة، فينعقد هذا النذر، لكن هذا هو القسم الرابع و ليس مراد المؤلف رحمه اللّه هذه الصورة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 60

[مسئلة 3: حرمة مسّ كتابة القرآن بسائر اجزاء البدن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا فرق في حرمة مسّ كتابة القرآن على المحدث بين ان يكون باليد او بسائر اجزاء البدن و لو بالباطن كمسّها باللسان او بالاسنان، و الاحوط ترك المسّ بالشعر أيضا و إن كان لا يبعد حرمته.

(1)

أقول: وجه الترديد لشمول الحرمة لغير اليد او لغير الظاهر او لغير ما تحله الحياة او الشعر، ليس إلّا الانصراف و ليس منشأ الانصراف المتوهم إلّا غلبة كون المسّ باليد او بالظاهر او بما تحله الحياة، و لكن الاقوى شمول النهى لكلها لأنّ المنهى عنه هو المسّ و يصدق المسّ بكلّها، نعم في الشعر و خصوصا الطوال منه، ربما يستشكل فيه الشمول و لكن مع ذلك كما قاله المؤلّف رحمه اللّه (الاحوط ترك المسّ بالشعر أيضا و إن كان لا يبعد حرمته).

*** قوله رحمه اللّه

[مسئلة 4: لا فرق بين المسّ ابتداء او استدامة]

مسئلة 4: لا فرق بين المسّ ابتداء او استدامة فلو كان يده على الخط فاحدث يجب عليه رفعها فورا و كذا لو مسّ غفلة ثم التفت انه محدث.

(2)

أقول: لصدق المسّ على الابقاء و لوجود المناط قطعا لعدم الفرق بين احداثه و ابقائه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 61

[مسئلة 5: المسّ الماحى للخط أيضا حرام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: المسّ الماحى للخط أيضا حرام فلا يجوز له ان يمحوه باللسان او باليد الرطبة.

(1)

أقول: لاطلاق الدليل و قد مسّه على الفرض و إن كان يمحوه لأنّه بالمسّ تحقق المحو.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 61

***

[مسئلة 6: لا فرق بين انواع الخطوط و الطبع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: لا فرق بين انواع الخطوط حتى المهجور منها كالكوفى و كذا لا فرق بين انحاء الكتابة من الكتب بالقلم او الطبع او القص بالكاغذ او الحفر او العكس.

(2)

أقول؛ اما عدم الفرق بين انواع الخطوط لاطلاق الدليل.

و كذلك لا فرق بين انواع الكتابة للاطلاق.

نعم قد يستشكل في خصوص الحفر، و وجه الاشكال عدم تحقق مسّ الكتابة لعدم امكان مسّ محل المحفور.

و فيه، أولا، ربما يمكن المسّ مثل ما كان يكتب في محل وسيع بنحو الحفر.

و ثانيا يصدق المس على سطح المحفور لأنّه بتمامه الكتابة، فافهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 62

[مسئلة 7: لا فرق في بين الآية و الكلمة و الحرف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: لا فرق في القرآن بين الآية و الكلمة بل و الحرف و إن كان يكتب و لا يقرأ كالالف في (قالوا) و (آمنوا) بل الحرف الذي يقرأ و لا يكتب إذا كتب كما في الواو الثانى من (داود) إذا كتب بواوين و كالالف في (رحمن و لقمن) إذا كتب (رحمان و لقمان).

(1)

أقول: كل ذلك لانها تعدّ من القرآن و لا يجوز مسّ القرآن بلا طهارة حتى فيما يقرأ و لا يكتب إذا كتب بنحو ما يقرأ من باب جرى رسم الخط عليه، مثل ان يكتب في بعض الخطوط المرسومة لفظ (رحمن) بلا الف، (رحمان) مع الألف، نعم لو لم يكن موافقا مع رسم الخط بل كتب غلطا فشمول اطلاق الادلة له محل اشكال من باب عدم كون هذا الحرف جزء القرآن.

***

[مسئلة 8: لا فرق بين ما كان في القرآن او في كتاب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: لا فرق بين ما كان في القرآن او في كتاب بل لو وجدت كلمة من القرآن في كاغذ بل او نصف الكلمة كما إذا قصّ من ورق القرآن او الكتاب يحرم مسّها أيضا.

(2)

أقول: لاطلاق الدليل و صدق مسّ القرآن حتى فيما كان بعض الكلمة منه المنفصل من القرآن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 63

و دعوى ان المحرم مس القرآن إذا كان في المصحف دعوى يضحك به الثكلى، فافهم.

***

[مسئلة 9: في الكلمات المشتركة بين القرآن و غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: في الكلمات المشتركة بين القرآن و غيره المناط قصد الكاتب.

(1)

أقول: الحق في المقام هو التفصيل.

امّا فيما لا يصدق القرآن على الكلمة او الجملة بدون قصد الكاتب، يجعله قصد الكاتب من القرآن، مثل لفظ (لا) و (موسى) و (السموات) و (الارض) و غيرها.

و أمّا فيما لا يتوقف صدق القرآن على القصد، مثل ما إذا كتب تمام سورة من سور القرآن، مثلا سورة (الحمد) بلا قصد القرآنية بل كان غافلا عند الكتابة، او آية (بسم اللّه الرحمن الرحيم) بحيث كل من يراه يقول (سورة الحمد) من القرآن او (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، من القرآن، فيحرم مسّه لأنّه مع صدق القرآن عليها يشملها ادلة حرمة مسّ القرآن.

***

[مسئلة 10: لا فرق فيما كتب عليه القرآن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: لا فرق فيما كتب عليه القرآن بين الكاغذ و اللوح و الارض و الجدار و الثوب، بل و بدن الانسان، فاذا كتب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 64

على يده لا يجوز مسّه عند الوضوء بل يجب محوه أوّلا ثم الوضوء.

(1)

أقول: كل ذلك لاطلاق الادلة الدالة على حرمة مسّ كتابة كتاب الكريم.

ثم كما قال لا يجوز مسّه عند الوضوء، بل يجب محوه مقدّمة ثم الوضوء، بل يجب محوه عند إرادة الحدث لأنّه لو احدث مع بقائه في يده فقد مسّ الكتاب ببدنه و هو حرام، كما يأتى في المسألة 14 ما هو مربوط بالمقام.

***

[مسئلة 11: إذا كتب على الكاغذ بلا مداد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إذا كتب على الكاغذ بلا مداد، فالظاهر عدم المنع من مسّه لأنّه ليس خطّا، نعم لو كتب بما يظهر اثره بعد ذلك، فالظاهر حرمته كماء البصل فإنه لا اثر له إلّا إذا احمى على النار.

(2)

أقول: أمّا فيما كتب على الكاغذ بلا مداد، فالظاهر عدم الحرمة لأنّه ليس خطّا كما قال المؤلف رحمه اللّه.

و أمّا فيما يظهر اثره بعد ذلك باعمال عمل او بدون ذلك، فيحرم المسّ لأنّ الممسوس قرآن و لو لم يرى بالحسّ فعلا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 65

[مسئلة 12: لا يحرم المسّ من وراء الشيشة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: لا يحرم المسّ من وراء الشيشة و إن كان الخط مرئيا و كذا إذا وضع عليه كاغذ رقيق يرى الخط تحته و كذا المنطبع في المرأة.

نعم لو نفذ المداد فى الكاغد حتى ظهر الخط من الطرف الآخر، لا يجوز مسّه خصوصا إذا كتب بالعكس فظهر من الطرف الآخر طردا.

(1)

أقول: أمّا فيما لا يمكن مسّه بلا واسطة فلعدم صدق مسّ القرآن حتى يكون محرّما.

و أمّا فيما يمكن مسّه و لو مس مقلوب الآية او الكلمة من القرآن فيحرم لصدق مسّ القرآن عليه.

***

[مسئلة 13: فى مسّ المسافة الخالية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: فى مسّ المسافة الخالية التي يحيط بها الحرف كالحاء او العين مثلا اشكال، احوطه الترك.

(2)

أقول: لا وجه له لعدم صدق مسّ القرآن عليه و ان كان الترك احوط.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 66

[مسئلة 14: في جواز كتابة المحدث آية من القرآن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: في جواز كتابة المحدث آية من القرآن باصبعه على الارض او غيرها اشكال و لا يبعد عدم الحرمة فإن الخط يوجد بعد المس.

و أمّا الكتب على بدن المحدث و إن كان الكاتب على وضوء فالظاهر حرمته خصوصا إذا كان بما يبقى اثره.

(1)

أقول: اما كتابة المحدث آية من القرآن باصبعه فمحرّم، لتحقق المسّ بكتبه و إن كان الخط بعد المسّ لعدم انفكاك كتب بعض الكلمة مع مس بعضه الآخر، لأنّه يمس بعض الكلمة حين اشتغاله بعضها الآخر.

و أمّا الكتب على بدن المحدث فمع بقاء اثره يحرم على الكاتب لكون فعله مقدمة لتحقق الحرام من الشخص الّذي يكتب على بدنه و هو محدث.

و ما يتوهم من ان المس يتوقف على الاثنينية بين الماس و الممسوس، و فى المقام ليس هكذا اذ بعد الكتب على بدن المحدث يكون الماس و الممسوس متحدا فلم يكن المس عليه حراما و بعد عدم حرمة المسّ عليه لم يكن فعل الكاتب بحرام لعدم حرمة ذى المقدمة حتى يحرم بسببه المقدمة، ليس بتمام.

اما أولا، فلانه لو كان الأمر هكذا فلم قلت فى المسألة الرابعة المتقدمة بشمول الاطلاق للمس استدامة، فإنه في المسّ استدامة لم تكن الاثنينية موجودة بين الماس و الممسوس و لم تقل فيه بالحرمة بتنقيح المناط بل بالإطلاق، فلم لا تقول في المقام.

و أمّا ثانيا، فلو منع شمول الاطلاق فيحرم فى ما كتب من القرآن ببدن

المحدث بتنقيح المناط لعدم الفرق بينه و بين ما كان الماس و الممسوس متعددا قطعا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 67

نعم فيما لم يبق اثر فى كتبه لا حرمة لعدم وجود قرآن يكون مسه حراما.

***

[مسئلة 15: لا يجب منع الاطفال و المجانين من المسّ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: لا يجب منع الاطفال و المجانين من المسّ إلّا إذا كان مما يعدّ هتكا.

نعم الاحوط عدم التسبب لمسّهم و لو توضأ الصبى المميز فلا اشكال فى مسّه بناء على الاقوى من صحة وضوئه و ساير عباداته.

(1)

أقول: أمّا منع الاطفال و المجانين فغير واجب، لعدم كونهم مكلفين حتى يجب منعهم، إلّا إذا كان بحيث نعلم مبغوضية وجوده مع قطع النظر عن فاعله، فيجب المنع فى هذه الصورة على كل احد كان وليّهم او غيره و هو في صورة كون مس القرآن هتكا.

و أمّا التسبب فإن كان المراد ما هو ظاهره من كون الشخص بحيث يستند المسّ إليه مثل ان يأخذ يد الصبى او المجنون و يضعه على كتابة القرآن، فقد يقال:

فلا يبعد حرمته لكون ايجاد المسّ من الصبى بفعله.

و فيه، ان كان النظر الى شمول اطلاق ادلة حرمة المس له، فهو غير معلوم، لعدم شمول الادلة للمورد لعدم شمول ادلة حرمة المس لما يكون بيد الغير.

نعم يمكن ان يقال بحرمته بتنقيح المناط، و لهذا لو اخذ يد مكلف آخر و وضع على كتابة القرآن بحيث لا يكون الفعل مستندا الى صاحب اليد بل يكون مستند

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 68

إليه، يمكن القول بكونه حراما.

و إن كان النظر الى وجوب صرف مناولتهم لكتاب الكريم المترتب عليه المس كثيرا فلا دليل عليه، خصوصا فى الاطفال لامكان دعوى السيرة على خلاف ذلك،

لان السيرة على اعطائهم و مناولتهم كتاب الكريم للتعلم مع المعرضية لمسهم.

نعم بالنسبة الى المجانين ربما يكون مناولتهم و اعطائهم الكتاب الكريم معرضا للهتك به و لهذا لا يجوز.

و أمّا الصبى المميز لو توضأ لا اشكال فى جواز مسه بناء على مشروعية عباداته و صحة وضوئه.

***

[مسئلة 16: لا يحرم على المحدث مسّ غير الخط]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: لا يحرم على المحدث مسّ غير الخط من ورق القرآن حتى بين السطور و الجلد و الغلاف نعم يكره ذلك كما يكره تعليقه و حمله.

(1)

أقول: أمّا عدم حرمة مس غير الخط منه من ورق القرآن حتى بين السطور و الجلد و الغلاف، فلعدم الدليل على حرمة مسّه، و لو شككنا في حرمته فمقتضى اصالة البراءة عدم الحرمة.

و أمّا كراهة مس هذه الاشياء، فما وجدنا دليلا على كراهته، نعم يمكن ان يستدل على كراهة تعليقه بالرواية التي رواها ابراهيم بن عبد الحميد عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 69

أبي الحسن عليه السّلام (قال المصحف لا تمسه على غير طهر و لا جنبا و لا تمس خطه و لا تعلقه ان الله تعالى يقول لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «1» بناء على حمل النهى في قوله لا تعلقه على الكراهة.

أقول: لو لم نقل بحرمة تعليق القرآن عملا بظاهر النهى لعدم القول به، فلا يمكن ان نقول بكراهته، بل يقال ان الرواية من هذا الحيث غير معمول بها، فلم نجد دليلا على كراهته.

***

[مسئلة 17: ترجمة القرآن ليست منه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: ترجمة القرآن ليست منه باى لغة كانت، فلا بأس بمسّها على المحدث. نعم لا فرق في اسم الله تعالى بين اللغات.

(1)

أقول: اما عدم حرمة مس ترجمته، فلكون القرآن اسما لهذه الالفاظ المخصوصة النازلة من اللّه الكريم الى نبيه العظيم، فلا يعم كل ما هو حاك عن معانى هذه الالفاظ.

و أمّا حرمة مسّ اسم اللّه تعالى بأىّ لغة كان فهو لكونه في كل لغة اسم اللّه و يحرم مسّه على المحدث بأى لغة كان.

***

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 70

[مسئلة 18: لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: لا يجوز وضع الشي ء النجس على القرآن و إن كان يابسا لأنّه هتك و أمّا المتنجس فالظاهر عدم الباس به مع عدم الرطوبة فيجوز للمتوضى ان يمسّ القرآن باليد المتنجسة و إن كان الاولى تركه.

(1)

أقول: الميزان فى الحرمة كون الوضع هتكا و ربما يكون الأمر كذلك من جهة النجس فإن وضع النجس عليه يعدّ هتكا عند العرف.

كما ان في المتنجس ربما يعدّ هتكا و إن لم يكن مسريا و لم يكن فيه رطوبة، نعم غالبا لا يعدّ هتكا كما أنه ربما يكون وضع القذر العرفى و لو لم يكن بنجس و لا متنجس هتكا.

***

[مسئلة 19: إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: إذا كتبت آية من القرآن على لقمة خبز لا يجوز للمحدث اكله و أمّا للمتطهر فلا بأس خصوصا إذا كان بنية الشفاء او التبرك.

(2)

أقول: أمّا عدم جواز اكل لقمة الخبز المكتوب فيها آية القرآن للمحدث، فمورده ما يتحقق بأكله مس جزء من ظاهر بدنه او باطنه قبل تفرق اجزائها و هيئتها معه، لما قلنا من عدم فرق بين مسه بظاهر بدنه او بباطنه.

و أمّا فيما لا يوجب اكلها مس كتابة القرآن لجزء من بدنه، فلا يحرم اكله للمحدث و أمّا للمتطهر فلا بأس خصوصا للشفاء او التبرك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 71

فصل: في الوضوءات المستحبّة

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 73

قوله رحمه اللّه

فصل في الوضوءات المستحبة

[مسئلة 1: الأقوى كون الوضوء مستحبّا في نفسه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الأقوى كما اشير إليه سابقا كون الوضوء مستحبّا في نفسه، و إن لم يقصد غاية من الغايات حتى الكون على الطّهارة و إن كان الأحوط قصد احداها.

(1)

أقول: قد عرفت في الفصل السابق عدم دليل على استحباب الوضوء في نفسه بدون قصد غاية من غاياته الواجبة او المستحبة.

***

[مسئلة 2: الوضوء المستحب أقسام:]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الوضوء المستحب أقسام:

أحدها: ما يستحب في حال الحدث الأصغر فيفيد الطهارة منه.

الثاني: ما يستحب في حال الطهارة منه كالوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 74

التجديدى.

الثالث: ما هو مستحب في حال الحدث الاكبر و هو لا يفيد طهارة، و انما هو لرفع الكراهة او لحدث و كمال في الفعل الذي يأتى به كوضوء الجنب للنوم و وضوء الحائض للذكر في مصلّاها.

أمّا القسم الأول: فلامور:

الأول: الصلوات المندوبة و هو شرط فى صحتها أيضا.

الثاني: الطواف المندوب و هو ما لا يكون جزء من حج او عمرة و لو مندوبين، و ليس شرطا في صحته نعم هو شرط في صحة صلاته.

الثالث: التهيّؤ للصلاة في أول وقتها او اوّل زمان امكانها إذا لم يمكن اتيانها في اوّل الوقت، و يعتبر ان يكون قريبا من الوقت او زمان الامكان بحيث يصدق عليه التهيؤ.

الرابع: دخول المساجد.

الخامس: دخول المشاهد المشرّفة.

السادس: مناسك الحجّ مما عدا الصلاة و الطواف.

السابع: صلاة الاموات.

الثامن: زيارة اهل القبور.

التاسع: قراءة القرآن او كتبه او لمس حواشيه او حمله.

العاشر: الدعاء و طلب الحاجة من اللّه تعالى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 75

الحادي عشر: زيارة الائمة عليهم السّلام و لو من بعيد.

الثاني عشر: سجدة الشكر او التلاوة.

الثالث عشر: الاذان و الاقامة، و الاظهر شرطيته في الإقامة.

الرابع عشر: دخول الزوج على الزوجة

ليلة الزفاف بالنسبة الى كل منهما.

الخامس عشر: ورود المسافر على اهله فيستحب قبله.

السادس عشر: النوم.

السابع عشر: مقاربة الحامل.

الثامن عشر: جلوس القاضى في مجلس القضاء.

التاسع عشر: الكون على الطهارة.

العشرين: مسّ كتابة القرآن في صورة عدم وجوبه، و هو شرط في جوازه كما مر، و قد عرفت ان الاقوى استحبابه نفسيا أيضا.

و أمّا القسم الثاني: فهو الوضوء للتجديد، و الظاهر جوازه ثالثا و رابعا فصاعدا أيضا.

و أمّا الغسل فلا يستحب فيه التجديد بل و لا الوضوء بعد غسل الجنابة و إن طالت المدة.

و أمّا القسم الثالث: فلامور:

الأول: لذكر الحائض فى مصلاها مقدار الصلاة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 76

الثاني: لنوم الجنب و اكله و شربه و جماعه و تغسيله الميت.

الثالث: لجماع من مسّ الميت و لم يغتسل بعد.

الرابع: لتكفين الميّت او دفنه بالنسبة الى من غسّله و لم يغتسل غسل المسّ.

(1)

أقول: ذكر المؤلّف رحمه اللّه للوضوء المستحب اقساما ثلاثة:

القسم الأول. ما يستحب في حال الحدث الاصغر، فيفيد الطهارة منه.

اشارة

و ذكر لهذا القسم موارد:

المورد الأول: الصلوات المندوبة

و الوضوء شرط في صحتها لأنّه لا صلاة الا بطهور فاطلاق ادلة اعتبار الطهارة في الصلاة يشمل الصلوات المستحبة.

و من اشتراطها به يستفاد استحباب الوضوء لها، لأنّه بعد استحباب الصلوات المندوبة لانها قربان كل تقى و اشتراطها بالطهارة يستحب الوضوء لأنّ مقدمة المستحب مستحب.

المورد الثاني: الطواف المندوب

و هو ما لا يكون جزءا من حجّ او عمرة و لو مندوبين و ليس شرطا في صحته، نعم انما هو شرط صحة صلاته، اما استحبابه للطواف المندوب فيستدل عليه ببعض الأخبار:

مثل الرواية التى رواها علي بن الفضل الواسطى عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: إذا طاف الرجل بالبيت و هو على غير وضوء فلا يعتدّ بذلك الطواف، و هو كمن لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 77

يطف) «1»، بدعوى ان اطلاق الطواف يشمل المندوب كالواجب.

و فيه، انه يظهر للمراجع في اخبار الباب ان بعض الروايات الدال على اعتبار الوضوء و إن كان مطلقا يشمل الواجب من الطواف و مندوبه، و بعضها من حيث عدم اعتبار الوضوء فيه و ان كان مطلقا يشمل الواجب و المستحب من الطواف.

لكن بقرينة الرواية التى رواها عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنه قال:

لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ و يصلى، فإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضّأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعد الطواف) «2»، يحمل ما دل على اشتراط الطواف بالطهارة على الطواف الواجب.

مضافا الى امكان منع الاطلاق من رأس، و أن الظاهر من الطائفة الدالة على اعتبار الوضوء في الطواف، هو الطواف الواجب.

ثم إنه لا يبعد القول باستحباب الوضوء

للطواف المستحب بهذه الرواية، لأنّ نفى البأس من الطواف النافلة بغير وضوء يكون دفعا لتوهم الوجوب و المنع عنه بغير وضوء، فمن هنا يستفاد رجحان الوضوء فيه، فيمكن القول بالاستحباب برواية عبيد بن زرارة، نعم ليس شرطا فيه كما يستفاد من هذه الرواية.

و أمّا التمسك لاستحبابه بقوله عليه السّلام (الطواف بالبيت صلاة).

ففيه، ان كون الطواف بمنزلة الصلاة في جميع الاحكام غير معلوم.

مضافا الى أنه لو التزمنا بالتنزيل و كونه بمنزلة الصلاة في اعتبار الطهارة

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 38 من أبواب الطواف من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 38 من أبواب الطواف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 78

حتى فى مستحبه مثل الصلاة، يلزم كون الطهارة شرطا حتى في الطواف المستحب، و هذا مما لا يمكن الالتزام به لدلالة بعض الأخبار مثل ما قدّمنا من رواية زرارة على عدم اشتراط الطواف المستحب بالوضوء، فلو كان لسان رواية المعروفة (الطواف بالبيت صلاة) التنزيل حتى في اعتبار الطهارة في الطواف المستحب، نرفع اليد عن اطلاق التنزيل بقرينة رواية عبيد بن زرارة.

نعم ما يمكن ان يذكر وجها لاستحباب الوضوء في الطواف المندوب، ما يدعى من الاجماع بل الضرورة على استحبابه، و من اراد الاحتياط بحيث يحفظ معه الواقع يأتى به رجاء و باحتمال المطلوبية، لأنّه لو كان مستحبا واقعا اتى به، و إن لم يكن مستحبا فاتيانه بعنوان الرجاء لا يوجب التشريع.

و أمّا اشتراط صلاة الطواف حتى الطواف المستحب بالوضوء فلما دل على اشتراطه في كل صلاة بنحو الاطلاق و لبعض الأخبار في خصوص صلاة الطواف كالرواية المتقدمة.

المورد الثالث: التهيؤ للصلاة في أول وقتها

او اوّل زمان امكانها إذا لم يمكن اتيانها في أول الوقت.

قد ذكروا وجوها لاستحبابه فى

هذا المورد:

الأول: المرسل الّذي رواها الشهيد رحمه اللّه في الذكرى على ما حكى عنه قال:

(روى ما وقّر الصلاة من اخّر الطهارة حتى يدخل الوقت).

الثاني: بعض الأخبار الدال على استحباب ايقاع الصلاة في اوّل الوقت، و بعد استحباب ذلك يستحب الوضوء لأن يتهيّأ للصلاة في أول الوقت.

الثالث: الأمر بالمسارعة الى الخير و الاستباق به.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 79

و أورد على الأول، بكونها ضعيفة السند لارسالها.

و على الثاني، بأنا لا نرى للوضوء المقدّم على الوقت غير الكون على الطهارة عنوانا آخر مشروعا.

و على الثالث، بأن الآية الشريفة يأمر بالمسارعة الى الخير، فلا بد من تحقق كونه خيرا حتى يكون المطلوب المسارعة نحوه، و هذا في المقام اوّل الكلام، لأنّ كون الوضوء للتهيؤ خيرا قبل الوقت فرع مشروعيته و هذا غير معلوم.

أقول: أمّا المرسل فحيث ان مرسله هو الشهيد رحمه اللّه و كما سمعنا غير مرة من استادنا الاعظم آية اللّه العظمى البروجردي (اعلى اللّه تعالى مقامه الشريف) ما وصل بيد مثل الشهيد رحمه اللّه من المتأخرين من الكتب، ليس مما لم يصل إلينا حتى يمكن الاتكاء به مع عدم وجوده في كتب الحديث فالمرسل ضعيفة السند.

و لا مجال لأن يقال يجبر ضعفه بالعمل، لعدم عبرة بعمل من تأخر عن الشهيد رحمه اللّه بل العمل الجابر هو عمل القدماء عليهم السّلام.

و أمّا ما دل على استحباب الصلاة في أول الوقت.

فاعلم ان الروايات الدالة عليه كثيرة حتى ظاهر بعضها وجوب المبادرة في اوّل الوقت و عدم جواز التأخير من اوّل الوقت الا لعذر (و إن كان يحمل الأمر بقرينة ما عداه على استحباب المبادرة او كراهة التأخير او كليهما) فاذا كان المطلوب و لو

استحبابا اتيان الصلاة في أول الوقت و هي مشروطة بالوضوء، فقهرا يكون المطلوب الوضوء قبل الوقت للتهيّؤ لها، فلا مانع من الالتزام باستحباب الوضوء بهذا العنوان، هذا كله بالنسبة الى استحبابه قبل الوقت.

و امّا استحبابه قبل اوّل زمان امكان اتيان الصلاة إذا لم يمكن اتيانها في أول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 80

الوقت.

فنقول، لا يبعد استحبابه بنحو ما قلنا فى استحبابه قبل الوقت للتهيؤ، بناء على استحباب المبادرة الى الصلاة في الوقت، فيقال و إن كان الوقت موسّعا للصلاة لكن المبادرة الى الصلاة من اوّل الوقت مطلوب، فإن تركها في أول الوقت ففي ما بعده مطلوب استحبابا، و هكذا فاذا كان كذلك فقهرا يكون الوضوء و المبادرة إليه مستحب، لأنّ مقدمة المندوب مندوب، و بناء على هذا لا اختصاص لاستحبابه للتهيّؤ لاداء الصلاة فى أول زمان امكانها إذا لم يمكن اتيانها فى أول الوقت بل كلما تكون المبادرة الى الصلاة مستحبا تكون المبادرة الى الوضوء مستحبا.

و أمّا اعتبار كون استحبابه للتهيّؤ قريبا من الوقت او قريبا من زمان امكان الصلاة، فلا يبعد ذلك لدخل عنوان التهيّؤ ذلك، فلا معنى للوضوء تهيّئا اوّل طلوع الشمس لصلاة الظهر.

المورد الرابع: دخول المساجد.

يستدل على استحبابه بالرواية التى رواها مرازم بن حكيم عن الصادق جعفر بن محمد عليهم السّلام (انه قال عليكم باتيان المساجد فانها بيوت اللّه في الأرض من أتاها متطهرا طهره اللّه من ذنوبه و كتب من زوّاره) «1».

و بالرواية التى رواها كليب الصيداوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: مكتوب في التورية ان بيوتى في الارض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارنى في بيتى، ألا إن على المزور كرامة الزائر) «2» و

غير ذلك.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 10 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 81

المورد الخامس: استحبابه لدخول المشاهد المشرّفة.

و لم اجد نصّا يدل عليه لكن يستدل عليه تارة بما يستفاد من بعض النصوص من انها بيوت اللّه.

و تارة بما روى من كون سرّ فضل المسجد وجود قبر نبى او وصى فيها.

و تارة بتنقيح المناط بل الاولوية.

أمّا كونها بيوت اللّه او كون سرّ صيرورة موضع مسجدا وجود قبر نبى او وصى على فرض تماميته لا يوجب كون المشاهد المشرفة مثل المساجد في هذا الحكم، اى استحباب الوضوء للدخول فيها.

و كذلك الاولوية غير معلوم.

نعم لا يبعد كون الملاك في استحباب الوضوء احترام المساجد، فالمشاهد المشرّفة مثلها.

المورد السادس: مناسك الحج مما عدى الصلاة و الطواف.

يدل عليه الرواية التى رواها معاوية بن عمار قال: (قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

لا بأس ان يقضى المناسك كلها على غير وضوء الا الطواف بالبيت و الوضوء أفضل) «1».

المورد السابع: استحبابه لصلاة الاموات.

يدل عليه الرواية التى رواها الحميد بن سعد (قال: قلت لابى الحسن عليه السّلام:

الجنازة خرج بها و لست على وضوء، فإن ذهبت أتوضأ فاتتنى الصلاة أ تجزينى ان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب الطواف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 82

اصلى عليها و انا على غير وضوء؟ فقال: تكون على طهر احبّ إليّ) «1».

المورد الثامن: زيارة اهل القبور.

لم أر نصا يدل على استحبابه لزيارة اهل القبور، الا ما حكى من تصريح الشهيد الثانى رحمه اللّه في شرح النفلية، و هذا لا يكفى للالتزام باستحبابه، نعم لا بأس به رجاء، هذا بالنسبة الى زيارة قبور المؤمنين بنحو المطلق.

و أمّا فى زيارة المعصومين عليهم الصلاة و السلام، فهو مستحب كما يظهر من بعض الزيارات الماثورة كون الغسل مستحبا.

و يكفى في استحباب الوضوء لزيارتهم عليهم السّلام ما قلنا من استحباب الوضوء للدخول في بقاعهم المتبركة و لا وجه لاحترام بقاعهم الا باعتبارهم صلوات اللّه عليهم.

المورد التاسع: استحبابه لقراءة القرآن او كتبه او لمس حواشيه او حمله.

أمّا استحبابه لقراءته فيدل عليه الرواية التى رواها محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: سألته اقرأ المصحف ثم يأخذنى البول، فاقوم فابول و أستنجي و اغسل يدى و اعود الى المصحف فاقرأ فيه؟ قال: لا حتى تتوضأ للصلاة) «2».

و الرواية التى رواها محمد بن علي بن الحسين فى الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة (قال: لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 21 من ابواب صلاة الجنازة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب قراءة القرآن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 83

يتطهر) «1» و ظاهرهما و إن كان النهى عن قراءته بلا طهارة و هو يفيد التحريم.

لكن يحمل النهى على الكراهة لما فى رواية حريز و أبي بصير المذكورين في كتاب جامع احاديث الشيعة، و الرواية ابن فهد المذكورة في الباب المذكور من (ل) نقلنا فى الفصل السابق عند التعرض لما يكون الوضوء شرطا فى كماله كقراءة القرآن، (فراجع).

لكن حيث يكون المستفاد من رواية حريز و أبي بصير الجواز

بلا وضوء و يكون مقتضى الجمع بينهما و بين ما ظاهره التحريم بلا وضوء، هو الجواز مع الكراهة.

و كذا يستفاد من مرسل ابن فهد كون القراءة بلا وضوء اقل ثوابا من قراءته مع الوضوء، و هذا معنى الكراهة، لان الكراهة فى العبادة اقلية الثواب، فتكون النتيجة كراهية القراءة بلا وضوء، و اما استحباب قراءته مع الوضوء، فلا دليل عليه، الّا ان يقال بان المستفاد كون الوضوء رافعا للكراهة، فيكون الوضوء مستحبا لرفع الكراهة.

و أمّا استحباب الوضوء لكتب القرآن، فيستدل عليه بالرواية التى رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (انه سال عن الرجل أ يحلّ له ان يكتب القرآن في الالواح و الصحيفة و هو على غير وضوء؟ قال: لا) «2» و ظاهرها تحريم الكتب بغير وضوء إلّا ان يحمل النهى على الكراهة لعدم قائل بحرمته.

و لو حمل النهي فيها على الكراهة فالرواية تدل على كراهة كتبه بغير وضوء

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب مسّ قراءة القرآن من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 84

و كذا على استحباب الوضوء لكتبه بعنوان كونه رافع الكراهة.

مضافا الى انه من المحتمل كون مورد النهى صورة استلزام الكتابة مسّ القرآن فيكون محرّما بلا وضوء، كما هو ظاهر النهى، فلم اجد دليلا يمكن الاتكاء به دالا على استحباب الوضوء لكتبه فيما لا يوجب الكتب مس كلماته الشريفة، نعم لا بأس لوضوء له رجاء و باحتمال مطلوبيته.

و أمّا استحبابه لمس حواشيه او حمله فيستدل بالرواية التى رواها ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السّلام (قال: المصحف لا تمسه على

غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خطّه و لا تعلقه، ان اللّه تعالى يقول: (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ). «1»

أقول: أمّا في الوسائل طبع امير بهادر، ذكر (و لا تمسّ خطّه) اى كلماته، لكن في جامع احاديث الشيعة روى الحديث فذكر (و لا تمسّ خيطه).

فإن كان الصادر (خطه) فتدل على عدم جواز مس خطّ القرآن بلا طهارة.

و إن كان الصادر (خيطه) تدل على عدم جواز مس خيط يخاط به القرآن، فيقال ان الخيط من حواشى القرآن فلا يجوز مس مطلق حواشيه بلا وضوء، و لكن بعد اختلاف النسخ، فلا ندرى ما هو الصادر عن المعصوم عليه السّلام فلا يمكن الاستدلال على استحباب الوضوء لمس حواشى القرآن بهذه الرواية.

و أمّا استحبابه لحمله، يتمسك له بقوله عليه السّلام في الرواية المذكورة (و لا تعلّقه) لأنّ التعليق يوجب الحمل.

و فيه، أوّلا ان تم الاستدلال بهذا الوجه لا بدّ من القول بتحريم الحمل بدون الوضوء.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 85

إلّا ان يقال بكراهته لعدم القول بالحرمة، فعلى هذا يوجب ذلك كراهة الحمل بدون الوضوء لا استحباب الوضوء لحمله.

و ثانيا، حمل الشي ء غير تعليقه و تكون النسبة بينهما عموم من وجه، فلا تدل الرواية على النهى عن مطلق الحمل حتى فيما لا يكون بنحو التعليق، فاذا لا دليل على استحباب الوضوء لكتب القرآن و لمس حواشيه و لحمله، نعم لا بأس به رجاء.

و بعد عدم الدليل على استحبابه لها لا يوجب الوضوء الطهارة لو اتى بقصد احدها.

المورد العاشر: استحبابه للدعاء و طلب الحاجة من اللّه تعالى.

و قيل يمكن استيناس استحبابه من الرواية التي رواها معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فاذا اراد ذلك قدم شيئا فتصدق به و شم شيئا من طيب و راح الى المسجد و دعا فى حاجته بما شاء اللّه) «1» بدعوى أن التصدق و شم الرائحة و الذهاب الى المسجد إذا كان مستحبا عند الدعاء و طلب الحاجة، فالوضوء و الطهارة بطريق الاولى

و فيه، أن ذلك كما قيل استيناس و ليس بدليل فلم اجد ما يدلّ على استحبابه عند الدعاء و طلب الحاجة منه تعالى.

المورد الحادى عشر: استحبابه لزيارة الائمة عليهم السّلام و لو من البعيد.

يتمسّك على استحبابه بما في النصوص الكثيرة من استحباب الطهارة لزيارتهم.

المورد الثاني عشر: استحبابه لسجدة الشكر و التلاوة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الدعاء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 86

أمّا استحبابه لسجدة الشكر، يدل عليه ما رواها عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من سجد سجدة الشكر لنعمة و هو متوضئ كتب اللّه له بها عشر صلوات و محا عنه عشر خطايا عظام) «1».

أمّا استحبابه لسجدة التلاوة.

يستدلّ عليه بالرواية التى رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (قال:

إذا قرء شي ء من العزائم الاربع فسمعتها فاسجد و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنبا، و إن كانت المرأة لا تصلّى، و ساير القرآن انت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد). «2»

و فيه، انه لا يستفاد منها استحباب الوضوء لا للقاري و لا للمستمع، بل يدل على المبادرة باتيان السجدة للمستمع و إن كان على غير وضوء.

و الرواية التى رواها الحلبى (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء؟ قال: يسجد إذا كان من العزائم) «3» تدل على وجوب الاتيان بالسجدة و لم يندب الوضوء قبلها.

بل يمكن أن يقال بأن المقصود إن كان استحباب الوضوء قبل اتيان السجدة لمن قرء آية السجدة او استحبابه في السجدة لمن سمع الآية. فنقول: مضافا الى عدم وجود دليل على الاستحباب قد يقال: بعدم مطلوبيته لأنّ الاشتغال بالوضوء ينافى وجوب السجدة فورا.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب سجدة اللّه الشكر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب قراءة القرآن و لو فى غير الصلاة من

الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 42 من ابواب قراءة القرآن و لو فى غير الصلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 87

و إن كان المقصود استحباب الوضوء لمن يريد أن يقرأ آية السجدة، فقد عرفت عدم الدليل على استحباب الوضوء، إلّا أن يقال: بأنه بعد كون الوضوء رافعا للكراهة يكون مستحبا لاجل هذا العنوان كما عرفت.

المورد الثالث عشر: استحبابه للاذان و الاقامة.

أمّا استحبابه للاقامة بل شرطيته لها فتدل عليه الرواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنه قال: تؤذّن و انت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا و أينما توجّهت، و لكن إذا اقمت فعلى وضوء متهيئا للصلاة). «1»

و الرواية التي رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس أن يؤذّن الرجل من غير وضوء، و لا يقيم الا و هو على وضوء) «2» و غيرهما، ففي الاقامة الطهارة شرط كما افاد المؤلّف رحمه اللّه.

و أمّا في الأذن، فمقتضى الخبرين و بعض الاخر من الأخبار عدم الباس بإتيانه بلا وضوء.

و قد يستدل على استحبابه للاذان بالنبوى (حق و سنة أن لا يؤذن احد الا و هو طاهر). «3»

و بما روى عن دعائم الاسلام (لا بأس أن يؤذن الرجل على غير طهر و يكون على طهر افضل، و لا يقيم الا على طهر) «4» و يجبر ضعف سندهما بمطابقتهما مع فتوى الأصحاب لأنّه عليه فتوى الاصحاب كما عن السرائر.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(2) الرّواية 2 من الباب 9 من ابواب الاذان و الاقامة من الوسائل.

(3) كنز العمّال، ج 4، ص 267.

(4) الرّواية 2 من الباب 8 من ابواب الاذان و الاقامة

من مستدرك الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 88

المورد الرابع عشر: استحبابه لدخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف بالنسبة الى كل منهما.

يستدل عليه بالرواية الّتي رواها أبو بصير (قال: سمعت رجلا و هو يقول لابي جعفر عليه السّلام: انّى رجل قد اسننت و قد تزوجت امرأة بكرا صغيرا و لم أدخل بها و انا اخاف إذا دخلت عليّ فراتنى أن تكرهنى لخضابى و كبرى. فقال: أبو جعفر عليه السّلام إذا دخلت فمرها قبل أن تصل أليك أن تكون متوضئة، ثم انت لا تصل إليها حتى توضأ وصل ركعتين، ثم تحمد اللّه و صل على محمد و آل محمد، ثم ادع اللّه و مر من معها أن يؤمنوا على دعائك، و قل: اللهم ارزقنى الفها و ودّها و رضاها و ارضنى بها و اجمع بيننا باحسن اجتماع و انس و ايتلاف إنك تحبّ الحلال و تكره الحرام) «1».

و قد اورد على الاستدلال بها لاستحباب الوضوء لمطلق دخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف بأنها وردت في مورد خاص، فلا بدّ على الاقتصار بالمورد، فلا وجه للتعدى.

و قيل جوابا، بأنه لا خصوصية للمورد بل الغرض حصول الايتلاف و الوداد بينهما، فلا فرق بين كون الزوج مسنّا أو لا، و كذلك لا فرق في الزوجة بين كونها صغيرة او كبيرة، و لا يبعد ذلك.

كما أن الاشكال بأن استحباب الوضوء لعله يكون للصلاة ركعتين، لا لمطلوبيته للدّخول على الزوجة قابل الدفع، لأنّه بالنسبة الى الزوجة ما أمر بالصلاة ركعتين، و الظاهر كون الوضوء مطلوبا بنفسه و لا من باب كونه مطلوبا من باب أن الدعاء في هذا الحال يقع مع الطهارة، بل الظاهر كون كل هذه الاعمال مطلوبا

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 55 من ابواب مقدمات النكاح و

آدابه من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 89

لحصول الودّ و الالفة و هذا يكفى في استحبابه، فتامل.

المورد الخامس عشر: استحبابه لورود المسافر على اهله

فيستحبّ قبله.

و يستدل على ذلك بالرواية التى رواها مرسلا فى المقنع عن الصادق عليه السّلام (من قدم من سفر فدخل على أهله و هو على غير وضوء و راى ما يكره، فلا يلو منّ الا نفسه).

و هذه الرواية كما ترى تدل على كراهة القدوم بلا وضوء، إلّا أن يقال بأن الوضوء يرفع به الكراهة فيستحب لاجل هذا العنوان و لكن العمدة ضعف سند المرسلة فلا بأس به رجاء.

المورد السادس عشر: استحبابه للنوم.

يدل عليه الرواية التي رواها محمد بن كردوس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من تطهر ثم أوى الى فراشه بات و فراشه كمسجده) «1» و غير ذلك.

المورد السابع عشر: استحبابه لمقاربة الحامل.

يدل عليه الرواية التي رواها محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبي سعيد الخدرى في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله لعلى عليه السّلام (قال: يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلّا و انت على وضوء، فانه إن قضى بينكما ولد يكون اعمى القلب بخيل اليد) «2».

المورد الثامن عشر: استحبابه في جلوس القاضى لمجلس القضاء.

و لم اجد نصّا عليه إلّا ما حكى عن بعض الفقهاء فلا بأس به رجاء.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 90

المورد التاسع عشر: استحبابه للكون على الطهارة.

و قد مرّ في الفصل السابق استحباب الوضوء للكون على الطهارة.

المورد العشرون: استحبابه لمسّ كتابة القرآن

في صورة عدم وجوبه و هو شرط في جوازه كما مرّ بناء على استحباب مسّه حتى يكون الوضوء له مستحبا.

و يمكن أن يستدل على استحباب مسّه رجحان التبرك بمسّه بيده و وجهه و تقبيله، فتأمل.

و أمّا ما قال المؤلف رحمه اللّه بعد ذكر هذه الموارد بأنه قد عرفت استحباب الوضوء نفسيا، فنقول قد عرفت عدم وجود دليل على استحبابه نفسا (راجع الفصل السابق).

أمّا القسم الثانى: من اقسام الوضوءات المستحبة، فهو الوضوء للتجديد.

اشارة

و الكلام فيه في جهات:

الجهة الاولى: في استحباب الوضوء التجديدي.

يدل عليه الرواية التي رواها المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من جدّد وضوئه لغير حدث جدّد اللّه توبته من غير استغفار) «1».

و الرواية التي رواها ابو على الاشعرى عن بعض اصحابنا عن اسماعيل بن مهران عن صباح الحذاء سماعة (قال: كنت عند أبي الحسن عليه السّلام فصلّى الظهر و العصر بين يدي، و جلست عنده حتى حضرت المغرب، فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة، ثم قال لى: توضّأ. فقلت: جعلت فداك انا على وضوء. فقال: و إن كنت على وضوء، إن

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 8 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 91

من توضأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه فى يومه إلّا الكبائر، و من توضأ للصبح كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته إلّا الكبائر) «1» و غير ذلك فلا اشكال في الجملة في استحبابه.

الجهة الثانية: هل يكون استحبابه مرة واحدة

مثلا إذا توضأ يستحب تجديده مرة واحدة او يستحب و لو كان الف مرة و ازيد.

الاقوى استحبابه مطلقا و لو كان الف مرة لاطلاق الرواية الاولى.

الجهة الثالثة: لا يستحب الغسل التجديدى

لعدم دليل على مشروعيته.

و قد يقال بدلالة الرواية التي رواها سعدان عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الطهر على الطهر عشر حسنات) «2» على استحبابه، لأنّ الغسل طهر فيستحب الغسل على الغسل و هو الغسل التجديدى.

لكن فيه:

أمّا أولا: كون الرواية ضعيفة السند لعدم معلومية بعض الاصحاب الذي روى عنه سعدان.

و أمّا ثانيا: بعد كون ظاهر الاصحاب اختصاص المشروعية بالوضوء بعد الوضوء بقصد التجديد، يمكن كون المنشأ عدم اعتبار الرواية او اجمال الطهر و كان المتيقن هو الوضوء، و أمّا شموله للغسل فغير معلوم، و الاصل عدم مشروعيته بعد عدم دليل على مشروعيته.

الجهة الرابعة: كما لا يستحب تجديد الغسل بعد الغسل،

كذلك لا يستحب

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 92

الوضوء بعد غسل الجنابة و إن طالت المدة.

و دعوى شمول اطلاق رواية المفضل المتقدمة له و كذلك اطلاق رواية سعدان فاسد، لانه لا اطلاق لرواية المفضل بل الظاهر منه الوضوء على الوضوء، لا الوضوء على الغسل.

و أمّا رواية سعدان فقد عرفت الاشكال فيه بارسالها و اجمالها.

و أمّا الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قال امير المؤمنين عليه السّلام: الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا) «1»، فإن قلنا باجمال الطهور و إن المتيقن كما هو ظاهر الاصحاب هو الوضوء و تشريع الوضوء التجديدى بعد الوضوء فقط فلا تدل على استحباب الوضوء بعد الغسل.

و إن قلنا بعدم اجماله، فتارة يقال بأنه لا بدّ من تخصيص الطهور او تقييده فيها بخصوص الوضوء، لان الوضوء بعد غسل الجنابة بدعة.

و تارة يقال بأن نفي تشريع

الوضوء يكون لحدث الجنابة و إن حدث الجنابة ارتفع بالغسل و لا وضوء له.

و أمّا للتجديد فغير منفى، فلا يدل الدليل على نفى مشروعية الوضوء حتى للتجديد.

فإن قلنا بالاول، نقول بعدم مشروعية الوضوء بعد الغسل.

و إن قلنا بالثانى، فيقال باستحبابه.

و يحتمل قويا كون النظر فى بعض ما ورد من عدم الوضوء بعد غسل الجنابة

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 8 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 93

الى عدم الوضوء لحدث الجنابة، لا نفى مشروعيته حتى بقصد تجديد الطهارة، لكن مع ذلك لعدم القول به و احتمال اجمال الرواية الاحوط وجوبا ترك الوضوء التجديدى بعد الغسل.

أمّا القسم الثالث: من اقسام الوضوءات المستحبة فلامور:

الأمر الأول: لذكر الحائض في مصلاها مقدار الصلاة
اشارة

كما هو المشهور.

يدل عليه الرواية التي رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: و كنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يقضين الصلاة إذا حضن و لكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة و يتوضين ثم يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن اللّه عزّ و جل) «1».

و الرواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا كانت المرأة طامثا فلا تحلّ لها الصلاة، و عليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة، ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر اللّه عزّ و جل و تسبّحه و تهلّله و تحمده كمقدار صلاتها، ثم تفرغ لحاجتها) «2».

و الرواية التي رواها زيد الشحام (قال، سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ينبغى للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، ثم تستقبل القبلة و تذكر اللّه مقدار ما كانت تصلّى) «3».

و الرواية التي رواها محمد بن مسلم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة

و تذكر اللّه؟ قال: أمّا الطهر فلا و لكنّها تتوضأ وقت الصلاة ثم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 40 من أبواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 94

تستقبل القبلة و تذكر اللّه تعالى) «1».

و الرواية التي رواها معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: تتوضأ المرأة الحائض إذا ارادت أن تأكل، و إذا كان وقت الصلاة توضات و استقبلت القبلة و هلّلت و كبّرت و تلت القرآن و ذكرت اللّه عزّ و جلّ) «2».

ثم إنه بعد مطلوبية الوضوء و ذكر اللّه في اوقات الصلاة للحائض يقع الكلام فى موردين:

المورد الأول: هل تكون مطلوبيته بنحو الاستحباب

كما عليه المشهور، او بنحو الوجوب كما حكى عن الصدوقين رحمه اللّه.

أقول: الظاهر من بعض الروايات المتقدمة و إن كان الوجوب بمقتضى قوله (عليها) كما في الرواية الثانية او قوله (توضأ) او (توضأت) كما في الرابعة و الخامسة، إلّا أنه بعد كون المتوهم ممنوعية الحائض عن العبادة، لا يبعد كون الأمر فى مقام دفع توهم الحظر فاذا لا يستفاد منه الوجوب.

كما أن قوله عليه السّلام في الرواية الثالثة (ينبغى للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة) يوهن ظهور الروايات الثلاثة في الوجوب، و الرواية الاولى حيث تكون فى مقام بيان فعل نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا يستفاد منها الا رجحان فعلهن، و أمّا وجوب ذلك فلا، مضافا الى اعتضاد الاستحباب بفتوى المشهور فهو أيضا مؤيّده.

المورد الثاني: هل المستحب ذكر اللّه للحائض مع الوضوء بقدر زمان صلاته، فلو كان ازيد او انقص منه

لا تدل الأخبار المتقدمة على استحباب الوضوء،

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 40 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 95

او يكون الوضوء مستحبا مطلقا لذكرها اللّه تعالى؟

و على تقدير الاختصاص بمقدار الصلاة، هل الميزان مقدار صلاتها قبل أن تحيض، او مقدار صلاتها في حال الحيض لو لم تكن حائضا، مثلا لو كانت قبل الحيض حاضرا و تكون في زمان حيضه مسافرا فالعبرة بزمان قبل الحيض فكان زمان صلاتها اطول لوجوب اربع ركعات عليها، او العبرة زمان حيضها لو لم تكن حائضا فهي حيث تكون في الفرض مسافرا كان الواجب عليها لو لم تحض ركعتين و زمان اتيانها اقصر من زمان صلاتها قبل أن تحيض.

أمّا فى الجهة الاولى، اعنى فى اعتبار استحباب الوضوء لذكر اللّه تعالى في خصوص مقدار الصلاة

و عدم اعتباره.

فنقول بعونه تعالى: ظاهر الرواية الاولى و الرابعة و الخامسة عدم تحديده بمقدار الصلاة، و ظاهر الثانية و الثالثة استحبابه بمقدار الصلاة.

فإن كشفنا وحدة الملاك بين المطلق و المقيّد، نقول بحمل المطلق على المقيّد و تكون النتيجة استحباب الوضوء للذكر بمقدار الصلاة.

و إن لم نكشف وحدة الملاك كما لا يبعد وجود الملاك لكل منهما، فالوضوء و الذكر مطلقا في اوقات الصلاة للحائض مطلوب، و الوضوء و الذكر في خصوص مقدار صلاتها مطلوب آخر، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد، و تكون النتيجة استحباب الوضوء للذكر في اوقات الصلاة لها سواء كان بمقدار الصلاة او انقص او ازيد.

و على تقدير اعتبار كونه بمقدار الصلاة، يقع الكلام في الجهة الثانية، و هى ان العبرة بمقدار الصلاة قبل حيضها او حال حيضها، و تظهر الثمرة فيما مر من اختلاف

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 96

حالها قبل الحيض و حال الحيض من حيث السفر و الحضر.

و لا يبعد كون العبرة بزمان حيضها، لأنّه من المحتمل قويا كون حكمة جعل هذا الحكم الاستحبابى لها انها حيث كانت محرومة عن اتيان الصلاة تشتغل بالذكر بمقدارها، فكل مقدار من الزمان كانت مشتغلة بالصلاة لو لم تكن حائضا شرّع لها اشتغالها بذكر اللّه تعالى، فافهم.

الأمر الثاني: استحباب الوضوء لنوم الجنب و اكله و شربه و جماعه و تغسيله الميت.
أمّا استحبابه لنوم الجنب:

يستدل عليه بالرواية التي رواها عبيد اللّه بن على الحلبى (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل أ ينبغى له أن ينام و هو جنب؟ فقال: يكره ذلك حتى يتوضأ) «1» و يستفاد منها كراهة النوم بلا وضوء بل استحباب الوضوء للنوم لانه مطلوب ترفع به الكراهة.

و الرواية التي رواها سماعة (قال: سألته عن الجنب يجنب ثم يريد النوم؟ قال:

ان

احبّ أن يتوضأ فليفعل و الغسل احبّ إليّ، و افضل من ذلك، و إن هو نام و لم يتوضأ و لم يغتسل فليس عليه شي ء إن شاء اللّه). «2».

و يستفاد منها استحباب الوضوء.

و أمّا استحبابه لاكل الجنب و شربه:

يدل عليه الرواية التي رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 24 من أبواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 24 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 97

أبيه عليه السّلام (قال: إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتى يتوضأ) «1»، يستفاد منها النهى عن الاكل و الشرب ما لم يتوضأ فيكون مفادها كراهة الاكل و الشرب بلا وضوء لا استحباب الوضوء.

و الرواية التي رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه فى حديث قال: (قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: أ يأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال: انا لنكسل و لكن ليغسل يده فالوضوء افضل) «2» تدل على استحباب الوضوء و إن كان منشأ استحبابه كراهة الأكل بلا وضوء.

فهذه الرواية و إن كانت فى خصوص استحباب الوضوء للاكل، لكن بعد كون المستفاد منها كون استحباب الوضوء لرفع الكراهة فتشعر بكون ملاك استحباب الوضوء رفع الكراهة، فيقال بأن الوضوء في الرواية الأولى مستحب لرفع كراهة الاكل و كذا الشرب، بقرينة هذه الرواية فتأمل.

و أمّا استحبابه للجماع على من يكون جنبا:

أمّا الدليل على استحباب الوضوء لمن كان يريد الجماع و قد كانت جنابته بالجماع:

فالرواية التي رواها عبد اللّه بن جعفر الحميري في كتاب الدلائل على ما نقله عنه على بن عيسى في كشف الغمة عن الحسن بن على الوشاء قال: (قال فلان بن محرز: بلغنا أن أبا عبد اللّه عليه السّلام كان إذا اراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة فاحبّ أن تسأل أبي الحسن الثاني عليه السّلام. قال الوشاء: فدخلت عليه فابتدأني من غير

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 20

من أبواب الجنابة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 20 من ابواب الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 98

أن اسأله فقال: كان أبو عبد اللّه عليه السّلام إذا جامع و اراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة، و إذا أراد أيضا توضأ للصلاة) «1».

و الرواية التي رواها عثمان بن عيسى عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا اتى الرجل جاريته ثم اراد أن يأتى الاخرى توضأ). «2»

و أمّا من كان جنبا بالاحتلام و يريد الجماع، فإن قلنا بأن الروايتين المتقدمتين و إن كانتا واردتين في استحباب الوضوء لمن يريد الجماع و قد كانت جنابته بالجماع، لكن العرف يلقى هذه الخصوصية و يرى أن الملاك في استحباب الوضوء للجماع كونه جنبا، فيقال باستحبابه في هذا المورد أيضا و إلّا فلا دليل على استحبابه في هذا المورد.

و أمّا ما يقال باستحبابه فيه للمرسلتين المذكورتين في الذكرى و المدارك، فلا يمكن التعويل عليهما، نعم لا بأس باتيانه رجاء.

و أمّا استحبابه لتغسيل الجنب الميت:

يستدل عليه بالرواية التي رواها شهاب بن عبد ربه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجنب أ يغسل الميت، او من غسل ميّتا له أن يأتى اهله ثم يغتسل؟ قال: هما سواء و لا بأس بذلك اذا كان جنبا غسل يديه و يتوضأ و غسل الميت و هو جنب، و إن غسل ميّتا ثم اتى اهله، توضأ ثم اتى اهله و يجزيه غسل واحد لهما). «3»

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 154 من ابواب مقدمات النكاح من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 35 من أبواب غسل الميت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 99

و هذه الرواية كما ترى واردة فيمن غسل ميّتا أنه يستحب له الوضوء قبل ان يأتى اهله، و كذا من كان جنبا و يريد غسل الميت يستحب له الوضوء قبل أن يغسل الميت.

الأمر الثالث: استحبابه لجماع من مسّ الميت و لم يغتسل بعد.

لم ار دليلا يدل عليه من النصوص إلّا أن يقال بدلالة رواية شهاب بن عبد ربّه المتقدمة عليه بأنه من غسّل الميت و يريد الجماع قبل أن يغتسل يستحب له الوضوء من باب مسّه الميت، فكل من مسّ ميّتا و يريد الجماع يستحب له الوضوء.

و لكن كون الملاك في استحباب الوضوء مسّ الميّت غير معلوم، بل يمكن كون استحبابه بعد غسله الميّت لا مطلق المسّ، فعلى هذا لا دليل على استحبابه، نعم لا بأس بالوضوء في المورد رجاء.

الأمر الرابع: استحبابه لتكفين الميّت أو دفنه

بالنسبة إلى من غسّله و لم يغتسل غسل الميت.

يستدل على استحبابه لتكفين الميت، بالرواية التي رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام (قال: قلت له: الذي يغمض الميت- الى أن قال:

فالذى يغسله يغتسل. فقال: نعم. قلت: فيغسله ثم يلبسه اكفانه قبل أن يغتسل؟ قال:

يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه اكفانه، ثم يغتسل الحديث) «1»، و نظيرها الرواية 2 و 3 من الباب المذكور و هي كما ترى لا تدلّ على استحباب الوضوء.

و قيل و لعلّ اشعار هذه الأخبار مع نص الاصحاب باستحبابه كاف في ثبوت استحبابه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب التكفين من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 100

أقول: و لكن مع ذلك القول باستحبابه مشكل و لا بأس به رجاء.

و أمّا استحبابه لدفنه لمن غسّل الميت:

يستدل عليه بالرواية التي رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: توضأ إذا دخلت الميت القبر) «1» و هي مع كونها مطلقا غير مختص بمن غسّل الميت تعارض مع الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما

السّلام في حديث (قال: قلت له: من ادخل الميت القبر عليه وضوء؟ قال لا إلّا أن يتوضأ من تراب القبر إن شاء) «2»، إلّا أن يحمل الخبر الثاني على نفى وجوب الوضوء فلا ينافي استحبابه، فعلى هذا يستحب لمن غسّل الميت إذا أراد دفنه الوضوء، كما يستحب لمن اراد دفنه و إن كان لم يغسله الوضوء.

***

[مسئلة 3: لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التى توضأ لاجلها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التى توضأ لاجلها بل يباح به جميع الغايات المشروطة به، بخلاف الثاني و الثالث فانهما إن وقعا على نحو ما قصدا لم يؤثر إلّا فيما قصدا لاجله، نعم لو انكشف الخطاء بأن كان محدثا بالحدث الاصغر فلم يكن وضوؤه تجديديا و لا مجامعا للاكبر رجعا الى الأول، و قوى القول بالصحة و إباحة جميع الغايات به إذا كان قاصدا لامتثال الأمر الواقعى المتوجه إليه فى ذلك الحال

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 53 من أبواب الدفن من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 53 من ابواب الدفن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 101

بالوضوء، و إن اعتقد أنه الأمر بالتجديدى منه مثلا فيكون من باب الخطاء في التطبيق و تكون تلك الغاية مقصودة له على نحو الداعى لا التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعى على خلاف ما اعتقده لم يتوضأ أمّا لو كان على نحو التقييد كذلك ففي صحته حينئذ اشكال.

(1)

أقول: أمّا القسم الأول من الاقسام الثلاثة من الوضوء المستحب، فكما قال المؤلف رحمه اللّه و عليه الشهرة بل عليه الاجماع على ما حكى، لا يختص بالغاية التي توضأ لاجلها بل يباح به جميع الغايات المشروطة بالوضوء.

و الوجه في ذلك هو أن الوضوء في كل مورد

قلنا به من القسم الأول يرفع الحدث و يفيد الطهارة كما ينادى بذلك ظاهر النصوص المتقدمة الواردة في الموارد المتقدمة، مثل قوله عليه السّلام في الصلاة (لا صلاة الا بطهور)، فكل ما عبّر في الروايات من الطهور و ساير اشتقاقات الطهارة او الوضوء ينادى بكون الوضوء رافعا للحدث و موجبا للطهارة لأنّ دخل الوضوء في هذه الموارد و بنحو الوجوب او الاستحباب يكون لرفع الحدث و حدوث الطهارة فاذا كان الوضوء مفيدا للطهارة و رافعا للحدث فقهرا لا يختص بالغاية التي توضأ لاجلها بل يباح جميع الغايات، لأنّ الغايات الاخر موقوفة على الطهارة و على الفرض مع هذا الوضوء صار واجدا للطهارة.

و أمّا القسم الثاني، و هو الوضوء التجديدى، و القسم الثالث، و هو الوضوء في حال الحدث الاكبر فهما إن وقعا على ما قصدا لم يؤثر الا فيما قصدا لاجله.

أمّا الوضوء التجديدى فحيث قصد به التجديد و وقع على ما قصد لا يتصور

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 102

له غاية اخرى غير التجديد فلم يؤثر في غيرها من الغايات.

و اما الوضوء في حال الحدث الاكبر من الجنابة و الحيض، فلا اشكال في عدم تأثيره في اتيان ما يعتبر فيه الطهارة، سواء كان اعتبار الطهارة بنحو الصحة كاعتبارها في الصلاة، او في كماله كقراءة القرآن مثلا إذا المفروض كما ينادى به بعض رواياته لا يحصل بهذا القسم من الوضوء طهارة و هذا المقدار مما لا اشكال فيه، انما الاشكال في صورة اخرى.

و هي أنه لو قصد بالوضوء احد القسمين، مثلا قصد بوضوئه التجديد و الحال إنّه كان واقعا محدثا بالحدث الأصغر او فى حال الحدث الأكبر قصد الوضوء لاحد المذكورات من

القسم الثالث مثلا قصد الحائض بوضوئها ذكرها في مصلاها، و الحال إنّها كانت محدثة بالحدث الأصغر فلم يكن الوضوء في الأوّل تجديديا و لا فى الثاني مجامعا للحدث الاكبر.

فهل يقع هذا الوضوء مؤثرا في رفع الحدث الأصغر و يرفع به الحدث الأصغر و يحصل به الطهارة مطلقا، أو لا يقع مطلقا، أو التفصيل بين صورة كون المتوضي قاصدا للامتثال الأمر الواقعي المتعلق به و المتوجه إليه في ذلك الحال بالوضوء و إن اعتقد أن هذا الأمر هو الأمر بالوضوء التجديدى او الأمر المتوجه به حال الحدث الأكبر، فيكون من باب الخطاء في التطبيق فيقال بأن الوضوء في هذه الصورة يرفع الحدث الأصغر و يحصل به الطهارة.

و بين صورة كون قصد الوضوء التجديدى او الوضوء للذكر حال تخيله الحدث الأكبر يعنى الحيض بنحو التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعى على خلاف توهمه و اعتقاده لم يتوضأ، فيقال بعدم رافعية هذا الوضوء للحدث الأصغر و عدم كونه محصلا للطهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 103

أمّا القول برافعيته للحدث الأصغر و موجبيته لحصول الطهارة مطلقا، فلا يمكن القول به كما نقول فى وجه عدم رافعيته مطلقا أو في الصورة الثانية من الصورتين إن شاء اللّه، و كذلك القول بعدم رافعيته مطلقا، لما يأتي في وجه صحّة القول بالتفصيل.

و الأقوى التفصيل بين ما قصد الأمر الواقعى و تخيل كونه الأمر التجديدى او الأمر المجامع مع الحدث الأكبر، فانكشف كونه محدثا بالحدث الاصغر فكان قصده الأمر الخاص من باب الخطاء في التطبيق، و بين ما يكون على وجه التقييد فيصح الوضوء في الاول و يرفع الحدث و يحصل به الطهارة بخلاف الثاني.

و الفرق كون المكلف في الفرض

الأول قاصد الاتيان الأمر الواقعى كيفما كان، و إن قصد الأمر الخاص أيضا، لكن كان هذا من باب تخيله أن الأمر الواقعى هو هذا الأمر الخاص، و هذا لا يضر بقصده الأمر الواقعى فيكون نظير من قصد الاقتداء برجل خاص و زعم انه ابن فلان، ثم انكشف عدم كونه ابن فلان، فكشف الخلاف فيكون الامام ابن فلان لا يضر بقصده الاقتداء بهذا الرجل الخاص المطابق مع منويّه

و ما قيل من عدم الصحة من باب أن ما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد ففيه، أن هذا الكلام يصح لو كان الوضوء باعتبار اختلاف غاياته مختلفا بحسب النوع، فكان الوضوء التجديدى غير الوضوء الرافع للحدث، و لكن الأمر ليس كذلك بل الوضوء حقيقة واحدة و كلها افراد هذه الحقيقة، ففي المقام ما قصد وقع في الخارج لأنّه المقصود بحسب نيته و إن لم يقع الفرد الخاص الذي تخيل كونه هو المامور به، ففي الحقيقة قصد الموصوف و تخيل أن له صفة خاصة فانكشف عدم كونه متصفا بهذه الصفة، فعدم كونه متصفا بالصفة الكذائية لا ينقلب الموصوف عما هو عليه على هذا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 104

و هذا بخلاف الفرض الثاني، لأنّه بعد كونه قاصدا للفرد الخاص مقيدا به بحيث لو لم يكن هو المطلوب لم يكن قاصدا اتيانه، فهو و إن قصد الأمر الواقعى لكن ليس هو بنفسه مقصوده، بل مقيدا بكونه متعلقا بالفرد الخاص، ففي الحقيقة في هذا الفرض يكون قاصدا لامتثال الأمر الذي يعتقد كونه متعلقا به و هو الوضوء التجديدى مثلا لا غير، فالأقوى فيه البطلان.

***

[مسئلة 4: لا يجب في الوضوء قصد موجبه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجب في الوضوء قصد موجبه بأن

يقصد الوضوء لاجل خروج البول او لاجل النوم، بل لو قصد احد الموجبات و تبيّن انّ الواقع غيره صحّ، إلّا أن يكون على وجه التقييد.

(1)

أقول: أمّا عدم وجوب قصد موجب الوضوء، فلان دخل شي ء وجودا و عدما في مقام الامتثال و اطاعة الأمر، إمّا يكون اعتباره عقلا من باب كون الحاكم في باب الاطاعة و العصيان هو العقل.

و إمّا يكون اعتباره شرعا من باب تصرف منه في كيفية الاطاعة و إن لم يحكم به العقل فيكون حكمه تخطئة لحكم العقل، ففي المقام نقول:

أمّا اعتباره عقلا، فلا وجه له لعدم حكم العقل به و عدم دخله في امتثال الأمر بنظره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 105

و أمّا شرعا، فيمكن أن يقال: يكفى في عدم اعتباره انّ الاطلاقات الواردة في باب الوضوء خالية عن هذا التقييد، فمقتضى الاطلاقات عدم اعتباره، او ان مقتضى الإطلاق المقامى عدم اعتباره لأنّه بعد عدم حكم العقل باعتباره و كونه مغفولا عنه عند العرف، فإن كان معتبرا عند الشارع كان عليه البيان و الّا لا خلّ بغرضه.

و أمّا لو قصد احد الموجبات و تبين أن الواقع غيره، فتارة يقال بعدم اعتبار قصد الموجب رأسا كما اخترنا.

و تارة يقال: باعتبار قصده، و فى كل من الصورتين، تارة يكون قصد الموجب الخاص من باب الخطاء في التطبيق فهو يكون قاصدا للوضوء لما هو موجبه واقعا لكنه تخيل كون الموجب هو النوم مثلا فاتفق خطائه لكون الموجب واقعا البول، فلا يكون قصد الموجب الخاص على وجه التقييد.

و تارة يكون على وجه التقييد بمعنى انه يقصد الامتثال الأمر المتعلق بالوضوء للموجب الخاص لا غير فيكون في الحقيقية قاصدا لهذا الموجب الخاص لا غيره

من الموجبات.

إذا عرفت ذلك نقول، أمّا إذا كان قصد الموجب غير معتبر و كان قصد الخاص من باب الخطاء في التطبيق، فلا اشكال في صحة الوضوء لما قلنا في المسألة الثالثة من كون المكلف في هذه الصورة قاصد الامتثال الأمر الواقعى و وقع ما قصد و لا يضر قصد الخصوصية بعد عدم كونه على وجه التقييد، و مثله إذا قلنا باعتبار قصد الموجب لكن قصد الخاص لا يكون على وجه التقييد بل كان من باب الخطاء في التطبيق لما قلنا في الفرض الأول.

و اما اذا كان على وجه التقييد بمعنى انه يقصد الوضوء لموجب خاص لا غير،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 106

فلا يصح وضوئه سواء قلنا بعدم اعتبار قصد الموجب او قلنا باعتباره لما قلنا في المسألة السابقة.

***

[مسئلة 5: يكفى الوضوء الواحد للاحداث المتعددة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: يكفى الوضوء الواحد للاحداث المتعددة إذا قصد رفع طبيعة الحدث، بل لو قصد رفع احدها صحّ و ارتفع الجميع إلّا إذا قصد رفع البعض دون البعض فإنه يبطل لأنّه يرجع الى قصد عدم الرفع.

(1)

أقول: لأنّ المستفاد من بعض الأخبار كون موجبات الحدث ناقضا للطهارة، و النقض ليس قابلا للتكرر، فاذا طرأ احدها و صار محدثا فقد نقض به الطهارة، فلو طرأ بعده ناقض آخر فلا يؤثر في النقض لعدم كونه قابلا للتكرر، و لاجل هذا يكفى وضوء واحد للاحداث المتعددة، بل بعد كون الحدث غير قابل للتكرر فالمناسب التعبير بالحدث لا الاحداث، لأنّه كلما تكرر الناقض لا يتكرر الحدث إلّا أن يكون التعبير بالاحداث باعتبار قابلية كل منها لحدوث الحدث.

مضافا الى دعوى الاجماع بل الضرورة على كفاية وضوء واحد للاحداث المتعددة و لعل نظر المجمعين الى هذا.

فبناء على ما

قلنا في وجهه، لا فرق بين القول بتداخل الاسباب و عدمه، لان مورد عدم التداخل ما يكون المسبب بحيث يكون قابلا للتكرر، و اما ما لا يقبل التكرار فلا اشكال في عدم سببية كل سبب لمسبب مستقل غير السبب الأول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 107

كالقتل، و مثله الحدث لأنّه بعد كون اسبابه موجبا لنقض الطهارة فبالسبب الأول حصل النقض فلا معنى لسببية السبب الثاني له.

هذا كله فيما قصد بوضوء واحد رفع طبيعة الحدث فمما لا اشكال فيه.

و أمّا إذا قصد الوضوء لحدث واحد، مثلا طرأ له النوم و البول و الريح و قصد الوضوء لرفع حدث النوم هل يصح و يرتفع الجميع أم لا.

أقول: للمسألة فروض:

الفرض الأول: ما إذا طرأ موجب مع موجب آخر في عرض واحد، مثل طرو البول و الريح فى عرض واحد.

الفرض الثاني: طروهما طولا، مثل ما إذا نام ثم بال.

و في كل من الفرضين إما يقصد بوضوئه رفع طبيعة الحدث، و إمّا رفع خصوص احدهما من النوم او البول.

و في فرض قصد رفع احدهما، إمّا يقصد احدهما بنحو التقييد بمعنى قصده الوضوء الذي بفعله يرفع احد الحدثين دون الآخر. و إمّا يقصد احدهما لا بنحو التقييد بل بنحو الخطاء في التطبيق.

أمّا إذا طرأ الحدثين عرضا و قصد بوضوئه رفع طبيعة الحدث فكما عرفت يصح الوضوء و يرتفع الجميع.

و كذا إذا كان الحدثان طوليا و لكن قصد بوضوئه رفع طبيعة الحدث فهو كسابقه لما عرفت من كفاية وضوء واحد لاسباب متعددة إذا قصد بوضوئه رفع طبيعة الحدث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 108

و أمّا اذا طرأ الحدثان عرضيا، و قصد بوضوئه رفع احدهما.

فإن كان

ذلك من باب تخيله كون السبب هو الّذي يقصد رفعه، فهو في الحقيقة يقصد رفع الحدث الحاصل له، لكن قصده رفع السبب الخاص من باب الخطاء في التطبيق، و أن الطارئ له هو السبب الخاص لاجل الغفلة عن كون السبب مجموع الحدثين لوقوعهما عرضا، فيكون اسناد النقض بالمجموع، فمن اجل الغفلة قصد بوضوئه احد السببين، فلا اشكال في الصحة و إن قيل باعتبار قصد الموجب لما قلنا في المسألة الثالثة من الصحة في هذه الصورة.

و مثل هذا الفرض ما إذا طرأ الحدثان طوليا و قصد الحدث الصادر متأخرا، فإنه إن كان هذا القصد من باب الخطاء فى التطبيق و زعم انه هو الأول، او زعم عدم طرو حدث إلّا هذا و توضأ ثم توجه بكون المقصود هو الثاني فيصح الوضوء أيضا لما قلنا في الفرض السابق.

و أمّا إذا طرأ عرضيا و قصد الوضوء لرفع احدهما دون الآخر، بحيث يكون عدم الآخر جزء القصد فيقصد الوضوء الرافع للنوم بالخصوص و عدم كونه رافعا للبول مع فرض طروهما عرضيا، و كون استناد النقض بكل منها فلا يصح الوضوء، لأنّ الوضوء بهذا النحو غير مشروع، فهو حيث قصد الغير المشروع لم يقع لعدم كون هذا الوضوء بهذا النحو مقربا.

و مثله إذا طرأ طوليا و قصد بوضوئه الحدث المتأخر، مثلا نام ثم بال فقصد بوضوئه رفع حدث الحاصل من البول بالخصوص و عدم رفع حدث الحاصل من النول، فلا يصح هذا الوضوء لعدم كونه مقرّبا لعدم مشروعية الوضوء بهذا النحو، لجهتين:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 109

الاولى: لعدم كون الحدث المتأخر حدثا حتى يقصد رفعه لما قلنا من أن الحدث امر واحد غير قابل للتكرر، و

قد وقع بالحدث الطارئ أولا و هو النوم فليس البول بعد النوم ناقضا حتى يقصد بوضوئه رفعه فلا يكون الوضوء له مشروعا.

الثانية: أن الوضوء الذي يقصد به احد الرافعين دون الآخر غير مشروع، فهذا الوضوء غير مشروع.

و أمّا إذا قصد في صورة طرو الحدثين طوليا الحدث المتقدم فقط، فيصح و يرفع الحدث حتى لو قيد رفع الأول دون الثاني لما قلنا من أن الحدث غير قابل للتكرر فاذا طرأ النوم نقض الوضوء و صار محدثا ثم اذا بال بعد ذلك لا معنى لناقضيته و لا لكونه سببا للحدث، فاذا قصد بوضوئه رفع الحدث الأول يكفى.

***

[مسئلة 6: إذا كان للوضوء غايات متعددة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: إذا كان للوضوء غايات متعددة فقصد الجميع حصل امتثال الجميع و اثيب عليها كلها، و إن قصد البعض حصل الامتثال بالنسبة إليه و يثاب عليه، لكن يصح بالنسبة الى الجميع و يكون اداء بالنسبة الى ما لم يقصد، و كذا إذا كان للوضوء المستحب غايات عديدة، و إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة أيضا يجوز قصد الكل و يثاب عليها و قصد البعض دون البعض و لو كان ما قصده هو الغاية المندوبة. و يصح معه اتيان جميع الغايات و لا يضرّ في ذلك كون الوضوء عملا واحدا لا يتصف بالوجوب و الاستحباب معا و مع وجود الغاية الواجبة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 110

لا يكون إلّا واجبا لأنّه على فرض صحته لا ينافى جواز قصد الأمر الندبى و إن كان متّصفا بالوجوب فالوجوب الوصفى لا ينافى الندب الغائى لكن التحقيق صحة اتصافه فعلا بالوجوب و الاستحباب من جهتين.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

الاولى: إذا كان للوضوء غايات متعددة فقصد الجميع

حصل امتثال الجميع و اثيب عليها كلها لان هذه الغايات لا تقتضى إلّا الوضوء و الطهارة، فلو قصد بوضوئه جميع الغايات فقد حصلت الطهارة و يثاب على كلها لانها كانت مقصودة للفاعل فيستحق الثواب عليها.

الثانية: إذا قصد بوضوئه بعض غاياته

حصل الامتثال بالنسبة إليه و يثاب عليه لكن يصح بالنسبة الى الجميع و يكون اداء بالنسبة الى ما لم يقصد.

أمّا حصول الامتثال بالنسبة الى خصوص ما قصده لأنّه قصد امر هذا البعض فيتحقق الامتثال بالنسبة إليه.

و كذلك الثواب لأنّ الثواب متفرع على الاطاعة، و الاطاعة امر قصدى و هو على الفرض لم يقصد إلّا البعض فيحصل الامتثال بالنسبة إليه و يستحق الثواب عليه.

و أمّا صحته بالنسبة الى الجميع و اداء بالنسبة الى ما لم يقصد، لتحقق ما هو اقتضاء الغاية من الوضوء و الطهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 111

الثالثة: ما إذا كان للوضوء المستحبّ غايات عديدة

، فيحصل الامتثال بالنسبة الى الكل و يثاب عليها إذا قصد الجميع.

و إذا قصد البعض منها يحصل الامتثال بالنسبة إليه و يثاب عليه و لكن يصح بالنسبة الى جميع هذه الغايات المستحبة و يكون اداء بالنسبة إليه، لما قلنا في المسألة الاولى و الثانية.

الرابعة: إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة

يجوز قصد الكل و يثاب عليها لما قلنا في المسألة الاولى و الغايات المستحبة و إن لم تكن متعلقة بالامر الندبى فعلا مع فرض الأمر الوجوبى الفعلى المتعلق بالغايات الواجبة في عرض الواجبات، لكن يكفى ملاك الأمر فيها لأن يقصدها مع الغايات الواجبة و يثاب على كلها و يحصل الامتثال بها.

الخامسة: إذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة و قصد البعض دون البعض،

اشارة

فإن كان البعض الذي قصده هو الغاية الواجبة فأيضا لا اشكال في حصول الامتثال لخصوص ما قصده و استحقاق الثواب عليه لما قلنا فى المسألة الثانية.

و أمّا لو اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة، فهل يجوز أن يقصد بوضوئه بعض الغايات المندوبة و يصحّ معه اتيان جميع الغايات أم لا.

منشأ الإشكال احد الأمرين او كلاهما:

الامر الأول: بعد اتصاف الوضوء مع فرض الغاية الواجبة بالوجوب فعلا

لا يمكن اتصافه بالندب الفعلى لتضاد الوجوب و الندب و قد تحقق عدم جواز اجتماع الحكمين في محل واحد و لهذا قيل بعدم جواز اجتماع الأمر و النهى، و مثل الأمر و النهى الوجوب و الندب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 112

و إن قلت: الحق جواز اجتماع الامر و النهى مع تعدد الجهة كما اختاره كثير من الأصوليين.

قلت: إذا نقول فى جوابه ما نقول فى الامر الثانى.

الامر الثاني: و هو انه من يقول بجواز اجتماع الأمر و النهى يقول به مع تعدد الجهة

بحيث يكون الشي ء بجهة متعلق الأمر و بجهة متعلق النهى، كالصلاة في الدار المغصوبة فهو لاجل كونها صلاة واجب و لاجل كونه غصبا حرام.

و أمّا مع اتحاد الجهة فلا يجوز اجتماع الأمر و النهى حتى عند من يجوّزه مع تعدد الجهة، و المورد هكذا لأنّ الوضوء و إن كان واجبا لكونه مقدمة للصلاة الواجبة و هو احد غاياته الواجبة، و كذا يستحب لكونه مقدمة لقراءة القرآن المستحبة و هى احد غاياته المستحبة، لكن ما يكون حقيقة و بالحمل الشائع مركب الأمر هو نفس الوضوء لا جهة مقدميته و يكون حيث مقدميته حيثية تعليلية لا تقييديه فليس في البين جهتان يكون الوضوء بجهة مركب الأمر و بجهة مركب النهى فلا يجوز اجتماع الحكمين في مثل المورد.

فإن من يقول بجواز اجتماع الأمر و النهى مع تعدد الجهة يرد عليه الاشكال الثانى و من لا يقول به يرد الاشكال الأول و الثاني كليهما.

أقول: في جواب الاشكال بأنه و لو كان الوضوء المتصف بالوجوب الفعلى غير قابل لاتصافه بالاستحباب الفعلى بناء على عدم جواز اجتماع الحكمين في الواحد و إن كانت الجهة متعددا او بناء على كون الجهة متحدا و لهذا لا يجوز الاجتماع حتى على القول بجواز الاجتماع،

لكن نقول بأنه بعد كون ملاك المحبوبية موجودا في الغاية المندوبة فلو اتى بالوضوء بداعى هذا الملاك الموجود في الغاية المندوبة يصح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 113

الوضوء و يثاب عليه و إن لم يعدّ امتثالا لامره باعتبار عدم امر متعلق بهذا الملاك فعلا.

و الظاهر أن هذا هو مراد السيد رحمه اللّه من أن الوجوب الوصفى لا ينافى الندب الغائى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 115

فصل: في بعض مستحبات الوضوء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 117

قوله رحمه اللّه

فصل في بعض مستحبات الوضوء

[الأول: أن يكون بمدّ]

اشارة

الأول: أن يكون بمدّ و هو ربع الصاع و هو ستّمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال فالمدّ مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و حمّصة و نصف.

(1)

أقول: اعلم أن الكلام في مقامين:

المقام الأول: في استحباب كون ماء الوضوء مدّا.

يدل عليه الرواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كان رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتوضأ بمدّ و يغتسل بصاع و المدّ رطل و نصف و الصاع ستة ارطال) «1».

(قال الشيخ يعنى ارطال المدينة فيكون تسعة ارطال بالعراقى).

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 118

و الرواية التى رواها ابو بصير و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (أنهما سمعاه يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يغتسل بصاع من ماء و يتوضأ بمدّ من ماء) «1».

و الرواية التي رواها سليمان بن حفض المروزى قال: (قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام: الغسل بصاع من ماء و الوضوء بمدّ من ماء و صاع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وزن مأتين و ثمانين درهما و الدرهم وزن ستة دوانيق و الدانق وزن ستة حبات و الحبة وزن حبتى الشعير من اوسط الحب لا من صغائره و لا من كبائره). «2».

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 118

و الرواية التي رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء فقال:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و

سلّم يتوضأ بمدّ من ماء و يغتسل بصاع) «3».

و مرسلة الصدوق رحمه اللّه قال: (قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الوضوء مدّ و الغسل صاع، و سيأتى اقوام بعدى يستقلّون ذلك، فاولئك على خلاف سنّتي، و الثابت على سنّتى معى فى حظيرة القدس). «4».

و المستفاد من الروايات استحباب كون الوضوء بمدّ.

أمّا ما يكون منها نقل فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فالفعل حيث يكون اعم من الاستحباب و الوجوب فلا يثبت منه إلا رجحان الفعل، فلا يدلّ على الوجوب، و رواية الحفص قائلة للحمل على الاستحباب خصوصا مع تسلم الاستحباب عند الأصحاب كما صرح بعض الفقهاء رحمهم اللّه الاجماع عليه، مضافا الى دلالة بعض الأخبار على كفاية اليسير و ما يكون كالتدهين فإن ذلك انقص من المد (راجع

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 6 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 119

الباب 52 من ابواب الوضوء من الوسائل).

و أمّا مرسلة الصدوق فلإرسالها ضعيفة من حيث السند.

المقام الثاني: في ما هو المراد من المد،

و المد على ما يستفاد من الرواية الاولى رطل و نصف و بعد ضمّ قول الشيخ رحمه اللّه بأنّ الرطل الوارد في الرواية بارطال المدينة يكون تسعة ارطال بالعراقى.

و لعلّ وجه قول الشيخ رحمه اللّه و كل من يقول بكون المراد من الرطل المدنى كون المتعارف في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم او زمن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام

هو الرطل المدنى في المدينة، و حدّد كما في المتن بربع الصاع و هو ستّمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال، فالمدّ مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و حمّصة و نصف، هذا كله بمقتضى هذه الرواية.

و قد يتوهم كون المراد من المدّ خمس الصاع، لاربع الصاع بدعوى دلالة الرواية التى رواها سماعة (قال: سألته عن الذي يجزى من الماء للغسل؟ فقال:

اغتسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بصاع و توضأ بمدّ، و كان الصاع على عهده خمسة امداد و كان المد قدر رطل و ثلث اواق) «1».

و فيه، أنه بعد التحديد في الرواية الاولى رواها زرارة بأن المدّ ربع الصاع و دعوى الإجماع على هذا القول فلا يمكن التعويل على رواية سماعة لكونها غير معمول بها.

***

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 50 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 120

[الثاني: الاستياك]

قوله رحمه اللّه

الثاني: الاستياك بأى شي ء كان و لو بالاصبع و الافضل عود الاراك.

(1)

أقول: أمّا استحباب السواك قبل الوضوء:

يدل عليه الرواية التي رواها معاوية بن عمّار (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام أن قال: يا على اوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنّى، ثم قال: اللهم اعنه، و عدّ جملة من الخصال الى أن قال: و عليك بالسواك عند كل وضوء) «1».

و الرواية التي رواها المعلى بن خنيس (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السواك بعد الوضوء؟ فقال: الاستياك قبل أن يتوضأ. قلت: أ رأيت أن نسى حتى يتوضأ؟

قال: يستاك ثم يتمضمض ثلث مرات)

«2» و غير ذلك.

و أمّا كفاية الاستياك و لو بالاصبع:

يدل عليه الرواية التي رواها على باسناده (قال: ادنى السواك أن تدلكه باصبعك). «3»

و الرواية التي رواها السكونى عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (قال: التسوك بالابهام و المسبحة عند الوضوء سواك) «4»، مضافا الى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من أبواب السواك من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب السواك من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 9 من أبواب السواك من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب السواك من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 121

اطلاق ما يدل على استحباب السواك، فإن المستفاد من اطلاقه استحبابه بكل ما يحصل به السواك.

و أمّا افضلية كونه بعود الاراك، فلم اجد له مدركا، إلّا ما حكى عن مكارم الاخلاق و فى الرسالة الذهبية، و يستفاد منهما استحباب كون السواك بالاراك.

***

[الثالث: وضع الاناء الذي يغترف منه على اليمين]

قوله رحمه اللّه

الثالث: وضع الاناء الذي يغترف منه على اليمين.

(1)

أقول: لم اجد نصا على ذلك، إلّا أن المحكى كونه ظاهر كلام الاصحاب رضوان اللّه عليهم جميعا.

و قد يستدل عليه بأن وضع الاناء على اليمين يكون امكن للاستعمال.

و لعل وجه تقييد المؤلّف رحمه اللّه الاستحباب بخصوص الاناء الّذي يغترف منه، يكون من باب امكنية استعمال ظرف يمكن منه الاغتراف، من باب كونه واسع الرأس، و أمّا إن كان ضيّق الرأس فوضعه على اليسار امكن للاستعمال.

و لكن كون منشأ حكمهم بالاستحباب الامكنية غير معلوم.

و الانحصار بخصوص ما يغترف منه، لعله كان من باب مورد كلام المتعرضين من الفقهاء خصوص هذا المورد.

و أمّا ما قيل من أن المستفاد من بعض الروايات

و هى الرواية التي رواها زرارة هو وضع الاناء بين اليدين لأنّ فيها قال: (فدعا بقعب فيه شي ء من ماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 122

فوضعه بين يديه) «1».

ففيه، انها لا تنافى كون المستحب وضع الاناء على اليمين.

أمّا أولا لعدم لزوم التزام المعصوم عليه السّلام دائما على العمل بكل ما يستحب.

و ثانيا وضع الاناء بين اليدين لا ينافى كونه على يمينه، لأنّه لو وضع على اليمين يصدق كونه بين يديه و هذه العبارة كناية عن وضعه حيال وجهه.

و قد يتمسك على استحباب وضع الاناء على اليمين بما روى عن طريق العامة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (أن كان يحبّ التيامن في طهوره و شغله و شأنه كله) و ينجبر ضعف سندها بعمل المشهور على طبقها او مطابقتها مع فتوى المشهور بل روى عن طرق الخاصة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (كان يحبّ التيامن في كل شي ء) «2» و لم اقف عليها بعد، فبعد ذلك كله يطمئن الانسان بوجود وجه لاستحبابه.

و مع هذا، الاحوط الاتيان به رجاء.

***

[الرابع: غسل اليدين قبل الاغتراف]

قوله رحمه اللّه

الرابع: غسل اليدين قبل الاغتراف مرة في حدث النوم و البول و مرتين في الغائط.

(1)

أقول: يدل على استحباب غسل اليدين مرة في حدث النوم و البول و مرتين

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) مصباح الهدى ج 3 ص 194.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 123

في حدث الغائط الرواية التي رواها عبيد اللّه بن علي الحلبى (قال: سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الاناء؟ قال: واحدة من حدث البول و

اثنتان من حدث الغائط و ثلث من الجنابة) «1»، هذه الرواية تدل على الغسل مرة في حدث البول و مرتين في الغائط.

و الرواية التي رواها حريز عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: يغسل الرجل يده من النوم مرة و من الغائط و البول مرتين و من الجنابة ثلثا) «2» و قد يستشكل في الرواية بمعارضتها مع الرواية الاولى لدلالتها على الغسل مرتين في البول، و الحال أن الاولى تدل على الغسل مرة.

و يدفع كما قالوا بأنه من المحتمل كون مورد هذه الرواية صورة جمع البول مع الغائط كما هو الغالب من انه متى يخرج الغائط يخرج البول بخلاف عكسه لخروج البول كثيرا بلا غائط، فالرواية لا تنافى مع ما يدل على كفاية الغسل مرة لخروج البول، لأنّ ما يدل على كفاية الغسل مرة صورة خروج البول منفردا و تدل هذه الرواية على الغسل مرتين في صورة اجتماع خروج البول مع خروج الغائط.

و الرواية التي رواها عبد الكريم بن عتبة الهاشمى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يبول و لم يمسّ يده اليمنى شي ء، أ يدخلها في وضوئه قبل ان يغسلها؟ قال:

لا حتى يغسلها. قلت: فإنه استيقظ من نومه و لم يبل، أ يدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: لا، لأنّه لا يدرى حيث باتت يده، فليغسلها) «3» و فيها و إن كان الأمر بالغسل لكن حيث يحصل الغسل بالمرة تكون الرواية دالة على كفاية الغسل مرة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 27 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 27 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 27 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 124

واحدة في حدث البول و النوم فتحصل مطلوبية الغسل مرة واحدة في حدث البول و النوم و مرتين في الغائط.

ثم إن الظاهر من الأمر الوجوب فيستفاد من الأخبار وجوب ذلك لا استحبابه لكن، كما هو المحكى عن المشهور استحباب هذا الفعل، لما فى الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته عن الرجل يبول و لا يمسّ يده اليمنى شيئا، أ يغمسها في الماء؟ قال: نعم و إن كان جنبا) «1» بناء على كون المراد الغمس فى الماء للوضوء و الّا فغير مربوطة بالباب.

و لما فى الرواية الثانية «2» و فيها مع حكاية فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وضوئه، لم يغسل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده قبل الوضوء، و غير ذلك (راجع الباب المذكور) خصوصا الرواية 8 من الباب المذكور ففيها مع التصريح بأن أبا جعفر عليه السّلام بال قبل وضوئه مع ذلك لم يغسل يده قبل الوضوء.

إن قلت: انها فى خصوص البول، فلا تدل على استحباب الغسل مرة فى النوم و مرتين فى الغائط.

قلت: المعلوم عدم الفرق بين حدث البول و بين النوم و الغائط من هذا الحيث، فبعد كونه مستحبا فيه كذلك مستحب فيهما، او يقال بعد كون الامر بالغسل فى البول مستحب بقرينة هذه الرواية يوهن ظهور الامر فى النوم و الغائط فى دلالته على الوجوب، فيحمل على الاستحباب.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 28 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 125

[الخامس: المضمضة و الاستنشاق]

قوله رحمه اللّه

الخامس: المضمضة و الاستنشاق كل

منهما ثلاث مرات بثلث اكف و يكفى الواحدة أيضا لكل من الثلاث.

(1)

أقول: نذكر بعض الأخبار المربوطة بالمسألة ثم نتكلم إن شاء اللّه فيما يستفاد منها، فنقول بعونه تعالى:

الاولى: الرواية التي رواها الحسن بن محمد الطوسى في مجالسه ينتهى سندها بأبى إسحاق الهمدانى عن امير المؤمنين عليه السّلام (في عهده الى محمد بن أبي بكر لما ولّاه مصر الى أن قال: و انظر الى الوضوء فإنه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرات و استنشق ثلثا و اغسل وجهك، ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك و رجليك فإنّى رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصنع ذلك، و اعلم أن الوضوء نصف الايمان) «1».

الثانية: الرواية التي رواها محمد بن محمد بن النعمان المفيد في الارشاد عن محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل (أن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء، فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلثا و تستنشق ثلثا و تغسل وجهك ثلثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر اذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الى الكعبين ثلثا و لا تخالف ذلك الى غيره. فلمّا وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب بما رسم له أبو الحسن عليه السّلام فيه مما جميع الصحابة على خلافه، ثم قال: مولاى اعلم بما قال و أنا امتثل امره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر ابي الحسن عليه السّلام و سعى بعلى بن

يقطين الى الرشيد و قيل انه رافضى،

______________________________

(1) الرواية 19 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 126

فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر الى وضوئه ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة. و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام ابتداء من الآن يا على بن يقطين و توضأ كما امرك اللّه تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة، و اخرى اسباغا و اغسل يدك من المرفقين كذلك، و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنّا نخاف منه عليك و السلام) «1».

و استشكل «2» علي الاستدلال بالرواية لاستحباب المضمضة و الاستنشاق، بأن الرواية صدرت تقية فليست في مقام بيان الحكم الواقعى و الشاهد على ذلك عدم ذكر استحبابهما بعد رفع التقية.

إن قلت: ان ما ذكره المعصوم عليه السّلام بعد رفع التقية خصوص الواجبات من الوضوء و حيث انهما من المستحبات لم يذكرهما في ذيل الرواية فى كتابه ثانيا الى علي بن يقطين.

قلت مع ذكره اسباغ الوضوء في كتابه ثانيا مع كون الاسباغ مستحبا فهو في مقام ذكر كل من واجب الوضوء و مستحبه و مع ذلك لم يذكرهما فالرواية على خلاف ما استدل به عليه ادلّ.

أقول: أمّا ما قيل من كون صدور الرواية تقية يوجب عدم الاخذ بها مطلقا.

ففيه: أن الممنوع الاخذ بها في خصوص المقدار الّذي صدر تقية، و هو كما ترى في ذيل الرواية في كتابه عليه السّلام ثانيا هو كيفية غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و القدمين لا غير ذلك، فالرواية في غيرها و هو المضمضة و

الاستنشاق باقية على

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) قاله صاحب المستمسك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 127

حجيتها.

و أمّا عدم ذكرهما في ذيل الرواية فلا يوجب عدم استحبابهما ثلثا.

أمّا أولا، فلانه لو كان ترك ذكرهما موجبا لعدم مطلوبيتهما، فلازمه عدم استحبابهما رأسا، و الحال أن استحبابهما في الجملة لا اشكال فيه نصّا و فتوى.

و ثانيا، لم يذكر في الرواية بعض الاخر من المستحبات من الوضوء مثل السواك و غيره، فإن كان عدم الذكر موجبا لعدم الاستحباب يلزم عدم استحباب شي ء من مستحباته غير الاسباغ، و هو مما لا يمكن الالتزام به، فالرواية تدل على استحباب المضمضة و الاستنشاق ثلث مرات.

الثالثة: الرواية التي رواها عبد اللّه بن كثير الهاشمى مولى محمد بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: بينا امير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم جالسا مع محمد بن الحنفية اذ قال له: يا محمد ائتنى باناء من ماء أتوضأ للصلاة) الى أن قال (ثم تمضمض فقال) الى ان قال: (ثم استنشق فقال الخ) «1» (لم انقل تمام الخبر)، و من فعله عليه السّلام يستفاد استحبابهما.

الرابعة: الرواية التي رواها مالك بن اعين (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن توضأ و نسى المضمضة و الاستنشاق، ثم ذكر بعد ما دخل في صلاته؟ قال:

لا بأس). «2»

الخامسة: الرواية التي رواها أبو بصير (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عنهما.

فقال: هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا تعد) «3» بناء على كون مرجع الضمير في قوله

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية

4 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 128

(عنهما) هو المضمضة و الاستنشاق، و هنا اخبار اخر يستفاد من ضم بعض الأخبار ببعض كونهما مستحبين قبل الوضوء.

فعلى هذا نقول:

أمّا استحبابهما فى الجملة قبل الوضوء مما لا اشكال فيه.

كما لا اشكال في استحبابهما ثلث مرات لدلالة الرواية الاولى و الثانية عليه.

و أمّا استحباب كون ذلك بثلث اكف بمعنى أن يؤخذ لكل منهما ثلث اكف فيمضمض بعد كل كف و يستنشق بعد كل كف من الماء، فلم اجد دليلا عليه و لا ظهور للرواية الاولى و الثانية في اعتبار ذلك بل اطلاقهما يقتضي عدم الاعتبار.

فعلى هذا نقول، يكفى أن يتمضمض ثلث مرات بكف واحد و كذلك في الاستنشاق.

***

[السادس: التسمية عند وضع اليد في الماء]

اشارة

قوله رحمه اللّه

السادس: التسمية عند وضع اليد في الماء او صبه على اليد و اقلّها بسم اللّه و الافضل بسم اللّه الرحمن الرحيم و افضل منهما بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلني من المتطهرين.

(1)

أقول: اما استحباب التسمية في الجملة، يستفاد من الروايات نذكر بعضها عند التعرض لفروع المسألة إن شاء اللّه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 129

أما الفروع:

الفرع الاول: كون أقل التسمية بسم اللّه:

يدلّ عليه الرواية التي رواها العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من ذكر اسم اللّه على وضوئه فكانما اغتسل) «1» فمن قال بسم اللّه فقد ذكر اسم اللّه، فتدل على كفاية بسم اللّه.

و الرواية 4 و 5 و 6 و 9 و 11 و 12 و 13 من الباب المذكور.

الفرع الثاني: في افضلية بسم اللّه الرحمن الرحيم:

ما يمكن أن يستدل عليه الرواية التى رواها محمد بن قيس (قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يحدث الناس بمكة في حديث: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال للثقفى قبل أن يسأله: أما انك جئت أن تسألنى عن وضوئك و صلاتك مالك فيهما، فاعلم انك إذا ضربت يدك في الماء و قلت: بسم اللّه الرحمن الرحيم، تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك الخ). «2».

و ما روى عن تفسير الامام الحسن العسكرى عليه السّلام و فيه قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: و إن قال فى اوّل وضوئه «بسم اللّه الرحمن الرحيم» طهرت اعضائه كلها من الذنوب الخ) «3».

و هما كما ترى لا تدلان الا على مطلوبية ذكر «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و أمّا كون هذا افضل من (بسم اللّه) فلا تدلان عليه.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 26 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 21 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 130

إلّا أن يقال بأن الأخبار الدالة على استحباب ذكر اسم اللّه مطلقة يشمل لسانها كل ما يكون مشتملا على اسم اللّه و إن كان (بسم اللّه) فقط و هاتين الروايتين تدلان على

استحباب خصوص «بسم اللّه الرحمن الرحيم» فمن باب خصوصيته لهذه التسمية يكون هذه الالفاظ افضل لتخصيصها بالذكر في الروايتين، مثل الأمر بالدعاء بنحو الاطلاق و الأمر بدعاء خاص في نص، خصوصا مع كون بسم اللّه الرحمن الرحيم مشتملا على صفتين لله و هو الرحمن و الرحيم، فهذا يوجب كونه افضل من (بسم اللّه) فقط، و بما قلنا يمكن أن يقال بافضلية كيفية اخرى نذكرها في الفرع الثالث إن شاء اللّه.

الفرع الثالث: و الافضل من قول (بسم اللّه الرحمن الرحيم)

(بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلنى من المتطهرين).

من باب اشتمال هذا القول على اسم اللّه و الدعاء كليهما، و قد ذكر هذا القول في الرواية التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «1»، و الرواية التى رواها فى الخصال باسناده عن على عليه السّلام «2»، و قد نقل بعض كيفيات اخر في المقام مثل ما فى الرواية التي رواها عن فعل امير المؤمنين عليه السّلام ففيها قال لمحمد بن حنفية: (يا محمد ايتنى باناء من ماء أتوضأ للصلاة فاتاه محمد بالماء فاكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى، ثم قال:

بسم اللّه و باللّه الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا). «3»

و لكن يمكن أن يقال باختلاف موردهما، فإن مورد هذا القول على ما في الرواية إذا اكفى الماء بيده قال هذا القول.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 10 من الباب 26 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 131

و أما مورد قول (بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلنى من المتطهرين) على ما

يظهر من الروايتين المشتملتين على هذا القول هو ما إذا وضع يده في الماء قال (اللهم اجعلنى الخ) او إذا مس الماء قال (اللهم اجعلنى الخ).

و أمّا ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من استحباب التسمية عند وضع اليد في الماء او صبه على اليد، فكما يظهر من الروايات الدالة على استحباب ذكر اسم اللّه، هو استحبابه في الوضوء و لم يذكر فيها محل لذكر التسمية.

و لكن في الروايتين المتعرضتين لذكر بسم اللّه الرحمن الرحيم قال في رواية محمد بن قيس (إذا ضربت يدك في الماء و قلت بسم اللّه الرحمن الرحيم الخ) و في تفسير الامام قال (و إن قال في اوّل وضوئه بسم اللّه الرحمن الرحيم)، يستفاد كون موضع التسمية حين يضرب يده في الماء و أوّل الوضوء حين يضرب يده في الماء لأن يأخذ الماء و يغسل وجهه.

و في الروايتين المتعرضين لقول (بسم اللّه و باللّه الخ) قال في إحداهما:

(إذا وضعت يدك في الماء فقل بسم اللّه و باللّه الخ) و في إحداهما (يقول قبل أن يمسّ الماء: بسم اللّه و باللّه الخ) فتدلان على استحباب هذا القول عند مس الماء، لأنّ المراد من قوله في اولهما (إذا وضعت يدك في الماء) يكون المراد حين إرادة وضع اليد و يحتمل استحبابه في كلتا الحالتين، حالة إرادة وضع اليد في الماء و حالة وضع اليد في الماء.

فتلخص انه لا تنافى بين الروايات، لأنّ الأخبار الواردة في استحباب مطلق التسمية و إن لم تتعرض لمحل التسمية، لكن لمناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كونها اوّل الشروع في الوضوء لأنّ الابتداء بها مطلوب، و اوّل الوضوء و ابتداء الشروع فيه هو اوّل ما يضع يده في الماء

لأن يغترف، او إذا يصب الماء على اليد لأن يشرع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 132

في الوضوء و يغسل الوجه، و على كل حال يكفى في استحباب التسمية عند الشروع ما يدل على مطلوبيتها عند الشروع في الأمور.

***

[السابع: الاغتراف باليمنى]

قوله رحمه اللّه

السابع: الاغتراف باليمنى و لو لليمنى بأن يصّبه في اليسرى ثم يغسل اليمنى.

(1)

أقول، تعرض المؤلف رحمه اللّه فى هذه المسألة لبيان كون اغتراف الماء باليمنى مستحب مطلقا، حتّى اذا اراد غسل اليمنى يستحب ان يغترف الماء بيده اليمنى ثم يصبه فى يده اليسرى ثم يغسل يده اليمنى.

و ما يمكن كونه دليلا لهذا الحكم، الرواية التي رواها عمر بن اذينة (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لما اسرى بى الى السماء، اوحى اللّه إليّ: يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك و طهرها و صل لربك، فدنى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من صاد، و هو ماء يسيل من ساق العرش الايمن، فتلقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الماء بيده اليمنى فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين، ثم اوحى اللّه إليه ان اغسل وجهك فإنك تنظر الى عظمتى، ثم اغسل ذراعيك اليمنى و اليسرى فإنك تلقى بيديك كلامى، ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك فإنّى أبارك عليك و أوطئك موطئا لم يطأه احد غيرك). «1»

و لكن في دلالتها تأمل، اذ كون اوّل الاغتراف باليمنى مما يستفاد من الرواية

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 133

و لكن كون الاغتراف بعد غسل الوجه لغسل اليمنى أيضا باليمنى فهو غير معلوم.

الّا ان يقال بأن قوله (فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين) يدل على كون الوضوء هكذا، و الوضوء عبارة عن الغسلتين و المسحتين، فيشمل غسل اليمنى أيضا.

و الرواية التي رواها ابن اذينة عن بكير و زرارة بن اعين (انهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فدعا بطست او بتور فيه ماء فغسل كفيه، ثم غمس كفه اليمنى في التور فغسل وجهه بها و استعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه، ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء، فغسل يده اليمنى من المرفق الى الاصابع لا يرد الماء الى المرفقين، ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فافرغه على يده اليسرى من المرفق الى الكف لا يرد الماء الى المرفق كما صنع باليمنى، ثم مسح رأسه و قدميه الى الكعبين بفضل كفيه و لم يجدّد ماء) «1»، هذه الرواية تدل على المطلوب.

و هذه الرواية يروى الشيخ رحمه اللّه عن المفيد عن احمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن ابن اذينة عن بكير و زرارة.

لكن يروى الكلينى عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن اذينة عن زرارة و بكير، و فيها قال: (فغمس يده اليمنى فغرف بها غرفة فصبها على وجهه فغسل بها وجهه، ثم غمس كفه اليسرى فغرف بها غرفة فافرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق الى الكف لا يردها الى

المرفق، ثم غمس كفه اليمنى فافرغ بها على ذراعه اليسرى الخ). «2»

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 134

و مع هذه الرواية يشكل الحكم باستحباب الاغتراف باليمنى حتى لنفس غسل اليمنى.

أمّا أولا: لانهما رواية واحدة و بعيد أن يسأل زرارة و بكير عن فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن أبي جعفر عليهما الصلاة و السلام مرة فاجاب بنحو ما ذكر في الرواية المروية عن الشيخ رحمه اللّه، و مرة اخرى فاجاب بنحو آخر مطابقا لنقل الكلينى، خصوصا مع كون الراوى و المروى عنه واحدا لأنّ المروى عنه هو ابو جعفر عليه السّلام و الراوى زرارة و بكير.

و أما ثانيا: لو فرض كونهما روايتين فحيث يكون كل منهما نقل فعل النبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نقل فعله لا يمكن أن يكون نحوين، و إن كان فعله نحوين كان اللازم أن يقول في كل من الروايتين بأن فعله صلّى اللّه عليه و آله كان مختلفا، فتارة كان باغتراف يده اليمنى حتى لغسل يده اليمنى، و تارة باغتراف يده اليسرى لغسل اليمنى.

و لا يمكن أن يقال بالاخذ باحدهما من باب اصالة عدم الزيادة، او اصالة عدم النقيصة لأنّه ليس فى البين إلّا كلمه واحدة نقل في احد الخبرين (اليمنى) و في الآخر (اليسرى)، فاذا يشكل التمسك لاستحباب الاغتراف باليمنى حتى لغسل اليمنى بهذه الرواية، نعم يمكن الجمع و توجيهه يأتى إن شاء اللّه.

و الرواية التي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال؟ يأخذ احدكم

الراحة من الدهن فيملأ بها جسده الماء اوسع ألا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟

قلت: بلى. قال: فادخل يده في الاناء فلم يغسل يده، فاخذ كفا من ماء فصبه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله، ثم اخذ كفا آخر بيمينه فصبه على يساره، ثم غسل به ذراعه الايمن، ثم اخذ كفا آخر فغسل به ذراعه الايسر، ثم مسح رأسه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 135

و رجليه بما بقى في يديه) «1» و هذه الرواية تدل على كون فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الاغتراف باليمنى حتى لغسل اليمنى.

إذا عرفت ذلك كله، نقول أن الأخبار الواردة في ذكر وضوء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، امّا ينتهى سنده بزرارة و بكير او باحدهما، و امّا ينتهى سنده بمحمد بن مسلم، و امّا ينتهى سنده بعمر بن اذينة.

أمّا ما ينتهى سنده بزرارة و بكير روايتان، و هما الرواية 3 و 15 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

اوليهما، تدل على أن فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان الاغتراف لغسل يد اليمنى بيد اليسرى.

و ثانيهما تدل على كون الاغتراف لغسل الوجه وليد اليمنى و اليسرى بيد اليمني.

و أمّا ما ينتهى سنده بزرارة و هي الرواية 2 من الباب المذكور، و ما ينتهى سنده ببكير و هى الرواية 4 من الباب المذكور، تدلان على كون الاغتراف لغسل يد اليمنى بيد اليسرى، فليس في روايتهما الا رواية واحدة دالة على كون الاغتراف مطلقا حتى لغسل يد اليمنى بيد اليمنى، فمع كون كل هذه الروايات في مقام بيان

فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كلها مروية عن أبي جعفر عليه السّلام إمّا أن يقال بكون كلها رواية واحدة، لبعد سماع زرارة و بكير قضية واحدة مرات عن أبي جعفر عليه السّلام و هذا الاحتمال قوى بالنظر، فإن كان كذلك فلا ندرى أن الصادر من المعصوم اى رواية من الروايات هل الصادر ما يدل على كون الاغتراف لغسل اليمنى بيد اليمنى، او ما يدل على كون

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 136

الاغتراف لغسل اليمنى باليسرى، و بعد عدم معلومية ذلك لا تدل ما ينتهى سنده بزرارة و بكير على استحباب كون الاغتراف لغسل يد اليمنى باليمنى.

و إمّا قلنا بكونها روايات متعدّدة، فينتهى الامر الى ما نقول فى وجه معارضة رواية محمد بن مسلم مع هذه الروايات إن شاء اللّه.

و أمّا ما ينتهى سنده بمحمد بن مسلم دال على كون الاغتراف مطلقا حتى لغسل يده اليمنى بيد اليمنى، فنقول بعد كون الروايات في مقام ذكر فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيقع التعارض، فإن امكن الجمع بين الطائفتين نقول به.

و الجمع بينهما:

إمّا بأن يقال ان هذه الأخبار تحكى عن وقائع متعددة، لا واقعة واحدة، فهو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان مرة يغترف بيده اليمنى في تمام الغسلات فحكى هذا الفعل، و مرة كان يغترف لغسل يدى اليمنى باليسرى فحكى هذا الفعل أيضا، فتكون النتيجة جواز كل منهما و لا ينافى ذلك استحباب الاغتراف باليمنى مطلقا كما هو المشهور، بل ترك مرة او مرات هذا الفعل المستحب كان لمصلحة اخرى فيرتفع التنافى

من البين.

و إمّا بأن يقال أن مقتضى طائفة الاغتراف لغسل اليمنى باليمنى و مقتضى طائفة اعتراف الماء لغسل اليمنى باليسرى هو التخيير بينهما، لكن مقتضى هذا الجمع عدم استحباب كون الاغتراف باليمنى لغسل اليمنى و هذا خلاف ما عليه المشهور من استحبابه.

لكن هذا الاحتمال بعيد، لأن الوضع الطبيعى يقتضي كون اغتراف الماء لغسل اليمنى بيد اليسرى فرفع يده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن هذا الوضع و اغترافه بيده اليمنى حتى لغسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 137

يده اليمنى، كما فى رواية محمد بن مسلم شاهد على رجحان هذا العمل، و هذا معنى الاستحباب.

و لو ابيت عن الجمع بأحد الوجهين يمكن أن يقال بأنه بعد سقوط روايات زرارة و بكير عن الحجية في هذه الجهة لعدم معلومية ما هو الصادر من المعصوم عليه السّلام من بينهما تبقى رواية محمد بن مسلم بلا معارض، و تدل على استحباب الاعتراف باليمنى مطلقا حتى لغسل اليمنى، كما أن رواية عمر بن اذينة بناء على كون قوله عليه السّلام فيها (فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين) ناظرا الى ان الوضوء مطلقا باليمين لأنّ الوضوء عبارة عن غسلتين و مسحتين و من الغسلتين غسل اليد اليمنى، فتلخص من ذلك كله استحباب اغتراف الماء باليمنى مطلقا كما قاله المؤلّف رحمه اللّه و عليه الشهرة.

***

[الثامن: قراءة الادعية الماثورة]

قوله رحمه اللّه

الثامن: قراءة الادعية الماثورة عند كل من المضمضة و الاستنشاق و غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين.

(1)

أقول: راجع الباب 16 من ابواب الوضوء من الوسائل.

[التاسع: غسل كل من الوجه و اليدين مرتين]

اشارة

قوله رحمه اللّه

التاسع: غسل كل من الوجه و اليدين مرتين.

(2)

أقول:

الاقوال في المسألة ثلاثة:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 138

الأول: استحباب غسل كل من الوجه و اليدين مرتين، بأن يغسل كل منهما بعد غسل الأول مرة ثانية و هذا هو المشهور بل حكى نقل الاجماع عليه من بعض، او نفي الخلاف بين المسلمين.

الثاني: جواز الغسلة الثانية لا استحبابها.

الثالث: القول بعدم جواز الغسل الثاني و كونه بدعة و هو المحكى عن صاحب الحدائق رحمه اللّه.

و ما يمكن أن يستدل به على القول الأول روايات:

الاولى: الرواية التي رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الوضوء مثنى مثنى، من زاد لم يوجر عليه و حكى لنا وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فغسل وجهه مرة واحدة و ذراعيه مرة واحدة، و مسح رأسه بفضل وضوئه و رجليه). «1»

الثانية: الرواية التي رواها أبو جعفر الاحول عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: فرض اللّه الوضوء واحدة واحدة، و وضع رسول اللّه للناس اثنتين اثنتين). «2».

الثالثة: الرواية التي رواها عمر و بن أبي المقدام (قال: حدثنى من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: انى لاعجب ممن يرغب ان يتوضأ اثنتين اثنتين و قد توضأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اثنتين اثنتين). «3».

الرابعة: الرواية التي رواها معاوية بن وهب (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 16 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 139

الوضوء؟ فقال: مثنى مثنى). «1».

الخامسة: الرواية التي رواها صفوان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: الوضوء مثنى مثنى). «2».

السادسة:

الرواية التي رواها فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام الّا انه قال: (أن الوضوء مرة فريضة و اثنتان اسباغ). «3».

السابعة: الرواية التي رواها محمد بن الفضل (أن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء (الى أن قال فى ذيلها) (اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا الخ). «4».

الثامنة: الرواية التي رواها داود الرقى (قال: دخلت على أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت له جعلت فداك: كم عدّه الطهارة؟ فقال: ما أوجبه اللّه فواحدة، فواحدة و اضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم واحدة لضعف الناس) «5». الى أن قال في ذيلها أيضا ما يدل على هذا.

و أمّا ما يمكن أن يستدل به على القول الثاني

و هو جواز الغسلة الثانية لا استحبابها روايات:

الأول: الرواية التي رواها زرارة قال (قال أبو جعفر عليه السّلام: إن اللّه وتر يحبّ الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلث غرفات واحدة للوجه و اثنتان للذراعين،

______________________________

(1) الرواية 28 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 29 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 23 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 140

و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقى من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قد اليسرى) «1».

و اعلم أن المستفاد منها كونه اقل ما يجزى، فلا ينافى استحباب الغسلة الثانية.

الثانية: الرواية الّتي رواها محمد بن أبي عمير عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال الوضوء واحدة فرض و

اثنتان لا يوجر و الثالثة بدعة). «2».

الثالثة: الرواية الّتي رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر و ينتهى السند بابن يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الوضوء قال: اعلم ان الفضل في واحدة و من زاد على اثنتين لم يوجر). «3».

و ما يمكن أن يستدل به على القول الثالث

اى عدم جواز الغسل الثاني و كونه بدعة روايات:

الاولى: الرواية الّتي رواها ميسر عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: الوضوء واحد و وصف الكعب في ظهر القدم). «4».

الثانية: الرواية الّتي رواها يونس بن عمار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء للصلاة؟ فقال: مرة مرة هو). «5».

الثالثة: الرواية الّتي رواها عبد الكريم يعنى ابن عمرو (قال: سألت

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 31 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 27 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(5) الرواية 6 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 141

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء؟ فقال: ما كان وضوء على عليه السّلام الّا مرة مرة). «1»

الرابعة: الرواية الّتي رواها حماد بن عثمان (قال: كنت قاعدا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدعا بماء فملأ به فعم به وجهه، ثم ملأ كفه فعم به يده اليمنى، ثم ملأ كفه فعم به يده اليسرى، ثم مسح على رأسه و رجليه و قال: هذا وضوء من لم يحدث حدثا يعنى به التعدّى في الوضوء). «2».

و المراد بعدم احداث الحدث في الوضوء هو عدم التعدى في الوضوء كما في ذيل الرواية بناء على كون الذيل من

كلام الامام عليه السّلام و إن لم يكن الذيل جزء الرواية يدل عليه الرواية 25 من هذا الباب.

الخامسة: الرواية الّتي رواها محمد بن علي بن الحسين مرسلا قال: (قال الصادق عليه السّلام: ما كان وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الا مرة مرة. فقال: و توضأ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة الا به). «3».

السادسة: الرواية الّتي رواها الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام (انه كتب الى المأمون محض الاسلام شهادة ان لا إله إلّا اللّه، (الى أن قال) ثم الوضوء كما امر اللّه في كتابه غسل الوجه و اليدين الى المرفقين و مسح الرأس و الرجلين مرة واحدة) «4».

إذا عرفت حال الأخبار الواردة في المسألة، نقول في مقام

العلاج بين الطوائف الثلاثة من الاخبار:

أمّا الطائفة الاولى مع الثانية، فلا يمكن الجمع بينهما، لأنّ مقتضى الاولى هو

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 10 و 11 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 22 من الباب 31 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 142

كون الافضل وقوع الوضوء مثنى مثنى و كون الفضل في ذلك، و الحال أن مقتضى الثانية كون الفضل في المرة و عدم الامر في الغسل الثانى.

و بعد عدم امكان الجمع بينهما لا بدّ من الاخذ بالطائفة الاولى، لأنّ أوّل المرجحات و هو الشهرة معها سواء كانت الشهرة الروائى هو المرجح او الفتوائى.

فإن كان المرجح الشهرة الروائى، فالطائفة الأولى رواها المشهور فهى إمّا مشهور او اشهر.

و

إن كان المرجح الشهرة الفتوائى، كان الترجيح أيضا معها، لأنّ المشهور شهرة عظيمة أفتوا على طبقها و لم ينقل القول بالطائفة الثانية إلّا ما قيل من كونه ظاهر عبارة الكلينى رحمه اللّه في الكافي، و المترائى من عبارة الصدوق رحمه اللّه في الفقيه و المحكى عن البزنطي، و قال به جمع من المتأخرين.

و إن كان المرجح مخالفة العامة، فكما قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف القول بالطائفة الاولى افتى به الشافعى و افتى مالك على طبق الطائفة الثانية، فلا ترجيح لإحداهما على الاخرى و لكن لا تصل النوبة بهذا المرجح بل حيث تكون الشهرة على طبق الطائفة الاولى يؤخذ بها و يطرح الثانية.

و أمّا الكلام في معارضة الطائفة الاولى مع الطائفة الثالثة من الأخبار، فنقول بعونه تعالى، أن بعض الأخبار من الطائفة الثالثة يحمل على أن مرة مرة فرض الوضوء و لا ينافى ذلك استحباب مرة اخرى بعنوان سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الاسباغ استحبابا و هو الرواية الاولى و الثانية و السادسة، بل الرابعة قابلة الحمل على هذا و قوله فيها (هذا وضوء من لم يحدث حدثا) يكون في قبال العامة القائلين بثلث مرات، و اما الخامسة فهى ضعيفة السند لانها مرسله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 143

و على هذا لا يبقى خبر معارض من الطائفة الثالثة مع الطائفة الاولى الا الرواية الثالثة و الرابعة لو ابيت عن حملها على ما قلنا، لأنّ فى الثالثة قال (ما كان وضوء على عليه السّلام الّا مرة مرة) و ظاهرها التزامه عليه السّلام بالمرة، و هذا ينافى استحباب الغسل مرتين، فلا يمكن جمعها مع الطائفة الاولى الدالة على مشروعية

الثاني و رجحانه و استحبابه، فيقع التعارض بينهما، فلا بدّ في مقام التعارض الأخذ بما فيه المرجح و الترجيح مع الطائفة الاولى لأنّ أوّل المرجحات الشهرة و هي سواء كانت الشهرة الروائى أو الفتوائى تكون علي طبق الطائفة الاولى.

بل نقول بأن مقتضى الحجية غير موجود في الطائفة الثالثة من رأس و لا تصل النوبة بالتعارض، لأنّ هذه الطائفة مما اعرضت عنها الاصحاب فالاقوى هو استحباب الغسل مرتين.

***

[العاشر: أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى]

قوله رحمه اللّه

العاشر: أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى و في الثانية بباطنهما و المرأة بالعكس.

(1)

أقول: فى المسألة قولان.

الأول: ما اختاره المؤلّف رحمه اللّه من استحباب كون ابتداء الغسل في المرة الاولى للرجل بظاهر ذراعيه و في الثانية بباطنهما و للمرأة بالعكس.

الثاني: أن يبدأ الرجل في كل من الغسلتين بظاهر ذراعيه و المرأة في كل من الغسلتين تبدأ بباطن ذراعيها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 144

و أمّا النص فليس في البين الّا الرواية التى رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: فرض اللّه على النساء في الوضوء للصلاة أن يبدئن بباطن اذرعهن و في الرجال بظاهر الذراع) «1».

و أمّا مرسلة الصدوق رحمه اللّه المذكورة في هذا الباب فهي ظاهرا ليست الا هذه الرواية رواها مرسلا.

فهل المستفاد من الرواية ما لا يساعد كل من القولين بدعوى كون مفادها استحباب ابتداء الغسل في المرة الاولى للنساء بباطن الذراع و للرجال بالعكس، فلا تعرض لها للغسل الثاني الذي يأتى به استحبابا لقوله (ما فرض اللّه على النساء في الوضوء) و ليس الفرض إلّا الغسل الأول.

او يقال بأن مفادها يساعد مع القول الثاني، لأنّ مفادها كون مفروض اللّه فى الوضوء للنساء

الابتداء بباطن الذراع و للرجال بظاهره، فكل غسل يقع في الوضوء وجوبا أو استحبابا فرض فيه هذه الكيفية، و الفرض هنا يكون بنحو الاستحباب لعدم قول بوجوب هذه الكيفية، و لا يبعد ذلك، فعلى هذا لا يوجد للقول الأول مدرك، بل ربما ينافي الرواية.

فما يأتى بالنظر عاجلا هو العمل بهذه الكيفية في الغسل الأول و الثاني، و هو مقتضى القول الثاني، لكن في الغسل الثاني يشكل الحكم باستحبابه بالكيفية الواقعة في الغسل الأول من باب ما ادعى من الإجماع على أن يكون الابتداء في الغسل الثاني بعكس الابتداء فى الغسل الأول، و إن حكى عن الذكرى أن الاصحاب يقولون بالقول الثاني و هو كون الابتداء فى كل من الغسلتين للرجل بظاهر الذراع

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 145

و للمرأة بباطنه، إلّا أن يقال بعدم تحقق اجماع كاشف عن وجود النص و قول المعصوم عليه السّلام فنحن و ما نستفاد من الرواية، فإذا نقول بعد احتمال كون الرواية متعرضة لمفروض الغسل فلا تعرض لها للغسل الثاني، و بعد عدم تعرض النص للغسل الثاني نشك في استحباب هذا العمل بكل من النحوين في الغسل الثاني، و لا وجه لنا للقول باستحبابه.

و يمكن القول بالإتيان به باحدى الكيفيتين رجاء لاحتمال مشروعية كل منهما مع الاحتمالين الموجودين في البين فأفهم.

***

[الحادى عشر: أن يصب الماء على اعلى كل عضو]

قوله رحمه اللّه

الحادى عشر: أن يصب الماء على اعلى كل عضو، و أمّا الغسل من الاعلى فواجب.

(1)

أقول: يستدل عليه بالرواية التى رواها زرارة قال: (قال: ابو جعفر عليه السّلام الا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقلنا: بلى. فدعا

بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه، ثم غمس فيه كفه اليمنى، ثم قال: هكذا إذا كانت الكف طاهرة، ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته، ثم قال «بسم اللّه» و سد له على اطراف لحيته، ثم امر يده على وجهه و ظاهر جبهته مرة واحدة، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى، فامر كفّه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه، ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 146

فامر كفّه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه الخ) «1».

يستفاد منها كون صبّ الماء من الاعلى، هذا بالنسبة الى استحباب كون صب الماء من الاعلى لأنّه من فعله يستفاد صلّى اللّه عليه و آله الاستحباب.

و أمّا كون الغسل من الاعلى فياتى إن شاء اللّه في محله.

***

[الثاني عشر: أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء]

قوله رحمه اللّه

الثاني عشر: أن يغسل ما يجب غسله من مواضع الوضوء بصب الماء عليه لا بغمسه فيه.

(1)

أقول: يستدل عليه بما ورد في الوضوءات البيانية من كون وضوئه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بصب الماء على محال الوضوء لا بالغمس.

و لكن ما يأتى بالنظر عدم كون مجرد وضوئه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالصب دليلا على استحباب الصب لان الغالب من الماء في زمنهم و محل سكناه هو الماء القليل لا يمكن الغمس في الماء باليد و الوجه، و هذا لا يوجب الاستحباب، و الّا ينبغى ان يقال بكون غسل النجاسات بالماء القليل افضل لانهم عليهم السّلام غالبا يكون المطهر عندهم الماء القليل، نعم لا بأس به رجاء.

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15

من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 147

[الثالث عشر: أن يكون ذلك من امرار اليد على تلك المواضع]

قوله رحمه اللّه

الثالث عشر: أن يكون ذلك من امرار اليد على تلك المواضع و إن تحقق الغسل بدونه.

(1)

أقول: يدل عليه الرواية التى ذكرناها سابقا، «1» لأنّ فيها قال إنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم امرّ يده على وجهه و ظاهر جبهته و كذلك في اليدين ربما حكى عن قرب الاسناد، و لكن يشكل الاستدلال بهما على حكم المذكور لاحتمال كون امرار اليد لوصول الماء الى محال الوضوء و تحقق الغسل، اما كون امرار اليد مستحبا حتى مع تحقق الغسل، فلا تدلان عليه، لهذا يؤتى به رجاء.

***

[الرابع عشر: أن يكون حاضر القلب في جميع افعاله]

قوله رحمه اللّه

الرابع عشر: أن يكون حاضر القلب في جميع افعاله.

(2)

أقول: كما يحكى ذلك عن المعصومين عليهم السّلام راجع الباب 15 من أبواب الوضوء من جامع احاديث الشيعة مضافا الى مطلوبية ذلك في العبادات مطلقا بحكم العقل و النقل.

***

[الخامس عشر: أن يقرأ القدر حال الوضوء]

قوله رحمه اللّه

الخامس عشر: أن يقرأ القدر حال الوضوء.

(3)

أقول: لما روى في الفقه الرضوى (ايما مؤمن قرء في وضوئه انا انزلناه في ليلة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 148

القدر، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه) و لكن مع ضعف سنده يؤتى رجاء او يؤتى استحبابا بقصد مطلق قراءة القرآن.

***

[السادس عشر: أن يقرأ آية الكرسى بعده]

قوله رحمه اللّه

السادس عشر: أن يقرأ آية الكرسى بعده.

(1)

أقول: لما حكى عن كتاب الاختيار عن الباقر عليه السّلام (من قرء على اثر وضوئه آية الكرسى مرة اعطاه اللّه ثواب اربعين عاما و رفع له اربعين درجة و زوجه اللّه اربعين حوراء) لا بأس باتيانها رجاء «1».

***

[السابع عشر: أن يفتح عينيه حال غسل الوجه]

قوله رحمه اللّه

السابع عشر: أن يفتح عينيه حال غسل الوجه.

(2)

أقول: يستدل عليه بالرواية التى رواها محمد بن علي بن الحسين مرسلا قال:

(قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلّها لا ترى نار جهنم) «2» و رواه أيضا في المقنع مرسلا، و في ثواب الاعمال و في العلل عن محمد بن الحسن عن الصفار عن العباس بن معروف عن حماد و أبي همام عن محمد بن سعيد بن غزوان

______________________________

(1) الرّواية 8 من الباب 24 من ابواب الوضوء من مستدرك الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 53 من ابواب الوضوء من ل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 149

عن السكونى عن ابن جريح عن عطا عن ابن عباس قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر مثله) فبهذا الطريق تكون الرواية مسندة و مع ضعف السند لا بأس به رجاء لعدم اثبات الاستحباب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 151

فصل: في مكروهات الوضوء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 153

قوله رحمه اللّه

فصل في مكروهات الوضوء

[الأوّل: الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة]

الأوّل: الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة كأن يصبّ الماء في يده، و أمّا في نفس الغسل فلا يجوز.

(1)

أقول: يستدل عليه بروايات:

الأولى: الرواية الّتي رواها الحسن بن علي الوشاء (قال: دخلت علي الرضا عليه السّلام و بين يديه ابريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة، فدنوت منه لاصبّ عليه، فأبى ذلك و قال عليه السّلام: مه يا حسن، فقلت له. لم تنهانى أن أصبّ على يديك تكره أن اوجر؟ قال: توجر أنت و اوزر أنا، فقلت، و كيف ذلك؟ فقال: أ ما سمعت اللّه عزّ و جل يقول: فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه احدا) و ها أنا إذا أتوضأ للصلاة و هي العبادة فاكره أن يشركنى فيها احد) «1».

الثانية: و هى مرسلة الصدوق (قال: كان امير المؤمنين عليه السّلام إذا توضأ لم يدع

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 154

احدا يصبّ عليه الماء. فقيل له: يا امير المؤمنين لم لا تدعهم يصبون عليك الماء؟

فقال: لا احب أن اشرك في صلاتي احدا و قال اللّه تبارك و تعالى: فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) «1»، و في العلل رواها مسندا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن امير المؤمنين عليه السّلام على ما في الوسائل و نحوها و قال و رواه الشيخ رحمه اللّه الخ.

الثالثة: الرواية الّتي رواها السكونى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام عن علي عليه السّلام قال:

(قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: خصلتان لا احبّ أن يشاركنى فيها احد، وضوئى فإنه من صلاتي، و صدقتى فإنها من يدى الى يد السائل فأنها تقع في يد الرحمن) «2».

الرابعة: الرواية الّتي رواها المفيد رحمه اللّه في الارشاد (قال: دخل الرضا عليه السّلام يوما و المأمون يتوضأ للصلاة و الغلام يصب على يده الماء، فقال: لا تشرك يا امير المؤمنين بعبادة ربك احدا، فصرف المأمون الغلام و تولى تمام وضوئه بنفسه) «3».

و المستفاد من مجموع الروايات هو كراهية الاستعانة كما هو المعروف بين الاصحاب، لأنّ قوله عليه السّلام فى الرواية الاولى (توجر انت و اوزر انا شاهد على مرجوحيته، لأنّه إن كانت الاستعانة حراما لم يكن للمعين أجر، بل كان عليه الاثم لاعانته على المحرم.

كما أن قوله عليه السّلام في الثانية (لا احب أن اشرك في صلاتي) شاهد على الكراهة، و كما أن قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (لا احب) في الثالثة شاهد على الكراهة، مضافا الى عدم حرمة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 47 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 155

الاستعانة في الصدقة.

كما أن في الرابعة تم المأمون الوضوء بلا اعانة، فإن كان مفاد كلامه عليه السّلام هو التحريم كان المناسب انه عليه السّلام يأمره بان يعيد وضوئه، لا ان يتمه و لا يعيد ما اوقع منه بالاستعانة.

و بعد ظهور الأخبار في الكراهة فلا نحتاج فى حملها على الكراهة بما ورد في الرواية الّتي رواها أبو عبيدة الحذاء (قال:

وضأت أبا جعفر عليه السّلام بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجى، ثم صببت عليه كفا فغسل به وجهه (و كفا غسل به ذراعه الايمن) و كفا غسل به ذراعه الايسر، ثم مسح بفضلة الندى رأسه و رجليه). «1».

بدعوى دلالة هذه الرواية على جواز الاستعانة بفعل الغير، لأنّه وضع الماء في يد أبي جعفر عليه السّلام على ما في هذه الرواية، لما قلنا أولا من وجود الشاهد على الكراهة في نفس الروايات، نعم تكون هذه الرواية ذوا احتمالين:

الأول: ما قيل من كون ابو عبيدة يصب الماء على كف أبي جعفر عليه السّلام و هو يصبه على مواضع وضوئه و يغسلها، فعلى هذا الاحتمال تدل على جواز الاستعانة فى هذه المقدمة القريبة.

الثاني: و هو كونه يصب الماء على مواضع وضوئه عليه السّلام، و هو عليه السّلام يغسلها بعد الصب، فعلى هذا تدل على جواز الاستعانة بنفس صب الماء على مواضع الوضوء للغسل.

و يأتي الكلام إن شاء اللّه ما هو الحق فى هذه الصورة، فى الشرط التاسع من شرائط الوضوء.

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 156

و على كل حال مقتضى هذه الرواية جواز الاستعانة بالمقدمات، و مقتضى الاخبار السابقة على تقدير تمامية دلالتها عدم الجواز، فلا بدّ من حمل الاخبار المذكورة بقرينة هذه الرواية على الكراهة، لان هذا مقتضى الجمع العرفى فحمل النهى بقرينة ما دل على الخلاف على الكراهة، لكن هذا ان كان الوارد فى الرواية (ثم صببت عليه كفا) و اما ان كان (ثم اخذ كفا) يعنى اخذ الامام عليه السّلام كفا من الماء، فلا تدل هذه الرواية اعنى رواية أبي عبيدة

الحذاء على جواز صب الغير ماء الوضوء حتى يدل على جواز تولية الغير لصب الماء، فلا يتم ما قلنا من الجمع فيها و تمّت الاخبار الثلاثة المتقدمة.

و على كل حال لا اشكال فى كراهة الاستعانة على بعض المقدمات القريبة من الوضوء، و المراد بالاستعانة ليس خصوص ما طلب المتوضى الاعانة، كما هو مفاد الاستعانة، بل تشمل موردا يكون المعين فى مقام الاعانة و لو لم يكن بطلب المعان و المتوضى، كما هو صريح بعضها و اطلاق بعضها الآخر.

و اما الكلام في الاستعانة في نفس الغسل من الوضوء فيأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

***

[الثاني: التمندل]

قوله رحمه اللّه

الثاني: التمندل بل مطلق مسح البلل.

(1)

أقول: يستدل على ذلك بالمروى عن الصادق عليه السّلام مسندا كما في ثواب الأعمال للصدوق رحمه اللّه و عن الكلينى رحمه اللّه و عن البرقى في المحاسن، و مرسلا كما عن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 157

الصدوق رحمه اللّه أيضا أنه عليه السّلام قال: (من توضأ و تمندل كتبت له حسنة، و من توضأ و لم يتمندل حتى يجفّ وضوئه كتب اللّه له ثلثون حسنة). «1»

وجه الاستدلال انه بعد كون معنى الكراهة في العبادات اقلية ثوابها، تدل الرواية على الكراهة، لانها تدل على كون الوضوء الذي تمندل بعده له حسنة، و الحال أن الوضوء الذي لا يتمندل بعده له ثلثون حسنة، فالأول أقل ثوابا من الثاني و هذا معنى الكراهة، و هذا هو المشهور بين الاصحاب على ما نسب إليهم.

لكن هنا كلام في دلالة الرواية على كراهة التمندل، لاحتمال كون المراد من الرواية هو استحباب ابقاء ماء الوضوء بحاله حتى يجفّ بنفسه، لا كراهة عدم ابقائه و رفعه بالمنديل، فمع هذا

الاحتمال لا وجه لحملها على كراهة التمندل، لأنّ هذا الاحتمال لو لم يكن اقوى، فلا أقل من تساويه مع ما احتمل من حملها على كراهة التمندل، فالرواية ذو احتمالين.

و أمّا اختيار المشهور فإن كان من باب فهمهم من الرواية كراهة التمندل، ففهمهم ليس بحجة.

و إن كان من باب وقوفهم على ما لم نقف عليه من النص- و لا يبعد ذلك، لأنّ الأخبار التى تدل على جواز التمندل فيها الاشعار بل الدلالة على الكراهة خصوصا لو حملت هذه الأخبار المجوزة على التقية و انها صدرت على طبق نظرهم العمياء تقية، و هذه الأخبار ذكرها صاحب الوسائل رحمهم اللّه فى الباب المذكور، و يظهر من بعضها جواز التمندل و من بعضها التزام بعض المعصومين عليهم السّلام على التمندل بعد الوضوء، و يظهر للمتأمل في هذه الأخبار انه يلوح منها ريح التقية- فاذا نقول: لا يبعد كراهة

______________________________

(1) الرّواية 5 من الباب 45 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 158

التمندل كما نسب الى المشهور.

و هل يكون مثل التمندل في الكراهة مطلق مسح البلل و لو بغير المنديل، مثل مسحه باليد أو لا؟ لا يبعد ذلك، لأنّ المستفاد من الخبر كون كراهة التمندل لاجل مرجوحية امحاء ماء الوضوء حتى يجف بنفسه لا باعمال عمل، فمطلق اعمال العمل لتجفيف ماء الوضوء مكروه على هذا.

***

[الثالث: الوضوء في مكان الاستنجاء]

قوله رحمه اللّه

الثالث: الوضوء في مكان الاستنجاء.

(1)

أقول: يستدل عليه بما حكى عن جامع الأخبار مرسلا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (انه قال: عشرون خصلة تورث الفقر: اوله القيام من الفراش للبول عريانا- الى أن قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و غسل الاعضاء

فى موضع الاستنجاء). «1»

و لا يخفى الاشكال في سندها، و كذا دلالتها لأنّ المراد من (غسل الاعضاء) غسل الاعضاء للوضوء او غسلها لرفع القذارة الشرعية او العرفية، و لاجل ذلك نقول بأنه لو ترك يترك رجاء.

و بعد الإغماض عن الاشكالين و قبول دلالتها على كراهته، فما يدل على جواز ذلك نقلا من فعل امير المؤمنين عليه السّلام عن الصادق عليه السّلام على ما في الرواية الّتي رواها عبد الرحمن بن كثير هاشمى مولا محمد بن على «2»، و كذا من فعل الباقر عليه السّلام في الرواية

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 29 نوادر ما يتعلّق بابواب الخلاء من مستدرك الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 159

التى رواها عبيد بن الحذاء «1»، لا ينافي الكراهة، اذ يجوز ارتكاب المكروه مضافا الى احتمال كون فعله لمصلحة اهم او دفع مفسدة اهم.

***

[الرابع: الوضوء من الآنية المفضضة او المذهبة]

قوله رحمه اللّه

الرابع: الوضوء من الآنية المفضضة او المذهبة او المنقوشة بالصور.

(1)

أقول: يستدلّ عليه بالرواية التي رواها إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (عن الطست يكون فيه التماثيل او الكوز او التور يكون فيه التماثيل او فضة لا يتوضأ منه و لا فيه، الحديث) «2»، بعد حمل النهى فيها على الكراهة لعدم حكاية قول بالحرمة و هذا يوهن ظهور النهى في التحريم.

ثم أن المذهبة لم تكن مذكورة في الرواية، و قيل في وجه كراهة الوضوء منها أو فيها بكونها مثل المفضضة في مورد تحريم استعمالها، او ادعاء الاولوية أو تنقيح المناط، و مع ذلك يترك رجاء.

***

[الخامس: الوضوء بالمياه المكروهة]

قوله رحمه اللّه

الخامس: الوضوء بالمياه المكروهة، كالمشمس، و ماء الغسالة من الحدث الاكبر، و الماء الآجن، و ماء البئر قبل نزح

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 55 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 160

المقدرات، و الماء القليل الذي ماتت فيه الحية او العقرب او الوزغ و سؤر الحائض و الفار و الفرس و البغل و الحمار و الحيوان الجلّال و آكل الميتة بل كل حيوان لا يؤكل لحمه.

(1)

أقول: أمّا الكراهة بماء المشمس، يستدل عليه بالرواية التي رواها اسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الماء الّذي تسخنه الشمس لا تتوضئوا به و لا تغسلوا به و لا تعجنوا به فأنه يورث البرص) «1»، و الشاهد على كون النهى فيها النهي التنزيهى هو ما ذكر فيها من المفسدة من كونه موجبا للبرص و هذا يناسب الكراهة.

مضافا الى

الرواية التى رواها محمد بن سنان، يدلّ مفادها على جواز الوضوء منه، و مقتضى الجمع حمل النهى في رواية اسماعيل على الكراهة الّا ان يستشكل بضعف سند الرواية الدالة على الجواز لعدم معلومية (بعض اصحابنا) يروى عنه محمد بن سنان، مضافا الى الاشكال في نفس محمد بن سنان.

و أمّا كراهة الوضوء بماء الغسالة من الحدث الاكبر، فقد عرفت مما مر عند البحث عنه.

و أمّا كراهة الوضوء بالماء الآجن، يدل عليه الرواية الّتي رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الماء الآجن يتوضأ منه إلّا أن تجد ماء غيره فتنزه منه) «2».

و المراد بالماء الآجن الماء المتغير فيكون مورد الكراهة الماء المتغير

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 6 من أبواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 161

بغير النجاسة مع بقائه على المائية و إلّا لو كان متغيرا بالنجاسة او تغير بحيث لا يصدق عليه الماء فلا يجوز التوضى منه.

و أمّا كراهة ماء البئر قبل نزح المقدرات، لأنّ مفاد بعض الأخبار المتقدمة في ماء البئر النهى عنه و عن استعماله قبل نزح المقدرات لو وقع شي ء من المذكورات في الأخبار في البئر، و بعد حمل النهى فيها على الكراهة فيكون الوضوء قبل نزح المقدرات مكروها.

و أمّا كراهة الوضوء بالماء القليل الذي ماتت فيه الحية او العقرب او الوزغ و سؤر الحائض و الفار و الفرس و البغل و الحمار و الحيوان الجلّال و آكل الميتة بل كل حيوان لا يؤكل لحمه، فلم اجد بعد دليلا على كراهة الوضوء في هذه الموارد، و ما ورد من النهى

عن اسئار بعضها او كلها لا يكون دليلا على مرجوحية الوضوء منها، نعم لا بأس بترك الوضوء بالماء القليل في الموارد المذكورة رجاء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 163

فصل: في افعال الوضوء

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 165

قوله رحمه اللّه

فصل في افعال الوضوء

[الأول: غسل الوجه، وحده]

اشارة

الأول: غسل الوجه، وحده من قصاص الشعر الى الذقن طولا و ما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى عرضا. و الانزع و الاغم و من خرج وجهه او يده عن المتعارف يرجع كل منهم الى المتعارف، فيلاحظ ان اليد المتعارفة فى الوجه المتعارف الى اى موضع تصل و إن الوجه المتعارف اين قصاصه فيغسل ذلك المقدار.

و يجب اجراء الماء فلا يكفى المسح به. و حدّه أن يجرى من جزء الى جزء آخر و لو باعانة اليد. و يجزى استيلاء الماء عليه و إن لم يجر إذا صدق الغسل.

و يجب الابتداء بالاعلى، و الغسل من الاعلى الى الاسفل عرفا و لا يجوز النكس. و لا يجب غسل ما تحت الشعر بل يجب غسل ظاهره سواء شعر اللحية و الشارب و الحاجب بشرط صدق احاطة الشعر على المحل و الّا لزم غسل البشرة الظاهرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 166

في خلاله.

(1)

أقول:

في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: الأول من افعال الوضوء غسل الوجه،

و هذا مما لا شبهة فيه.

و يدلّ عليه الكتاب الكريم «1» و النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام نذكر بعضها إن شاء اللّه و به اطباق الفتوى من الخاصة و العامة.

المسألة الثانية: في حد الوجه الذي يجب غسله،

و هو كما قال المؤلّف رحمه اللّه: من قصاص الشعر الى الذقن طولا و ما اشتمل عليه الابهام و الوسطى عرضا.

يستدل عليه بالرواية الّتي رواها الصدوق باسناده عن زرارة بن اعين (أنه قال لابى جعفر الباقر عليه السّلام: اخبرنى عن حدّ الوجه الذي ينبغى ان يوضأ الذي قال اللّه عزّ و جل. فقال: الوجه الذي قال اللّه و امر اللّه عزّ و جل بغسله- الذي لا ينبغى لاحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه إن زاد عليه لم يوجر و إن نقص منه أثم- ما دارت عليه الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس الى الذقن و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه فقال له: الصدغ من الوجه؟ فقال: لا) «2».

و رواها الكلينى رحمه اللّه باسناده عن زرارة (قال: قلت له: اخبرنى، و ذكر مثلها إلّا أنه قال (و ما دارت عليه السبابة و الوسطى و الابهام). «3».

______________________________

(1) سورة المائدة- آية 6.

(2) الرواية 1 من الباب 17 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 17 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 167

و رواها الشيخ رحمه اللّه بإسناده عن محمد بن يعقوب مثلها.

و المستفاد من الرواية لو خلينا و الذهن العرفى، هو ما يكون المشهور او الجمع عليه و المسلّم عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم، لأنّ الظاهر منها تحديد الوجه الذي يجب غسله في الوضوء.

فلا

مجال للبحث في أن الشارع تصرف في موضوع له الوجه أم لا، لأنّه حدّد ما هو مراده من الوجه في الوضوء سواء كان ذلك بتصرف في موضوع له الوجه او تصرف فيه من حيث حكمه لا فى موضوعه.

مع أن الظاهر عدم جعل حقيقة شرعية للوجه، بل الوجه باق على ما هو موضوع له، لأنّ قوله في السؤال (أخبرنى عن حد الوجه الذي ينبغى أن يوضأ) هو أن الوجه من حيث تعلق هذا الحكم به ما هو حدّه.

فبعد سؤاله عن حد الوجه الوضوئي، حدّ الباقر عليه السّلام له حدّا طولا و حدّا عرضا، فكما هو ظاهر الرواية (ما دارت عليه الوسطى و الابهام من قصاص شعر الرأس الى الذقن) و المراد من قوله (دارت) اى احاطت عليه الوسطى و الابهام و يقال بالدائرة الدائرة لاحاطتها يعنى ما احاطت عليه الوسطى و الابهام.

و المراد من الابهام و الوسطى معلوم، لأنّ الابهام هو الاصبع الذي له مفصلان و ما يليه السبابة و الوسطى ما تلى السبابة و من (قصاص الشعر) منتهى إليه مذبت الشعر و من (الذقن) مجتمع اللحيين من اسفلهما.

فيكون الحاصل أن حدّ الوجه في الوضوء عرضا و طولا، ما احاطت به الوسطى و الابهام من قصاص الشعر من الرأس الى الذقن، فللوضوء حد عرضا و هو ما دارت عليه الوسطى و الابهام (و ما في نقل الكليني رحمه اللّه ما دارت عليه السبابة الوسطى و الابهام) لا ينافي مع نقل الصدوق رحمه اللّه، لانه بعد كون احد طرفى الحد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 168

الوسطى فقهرا يكون الابهام داخلا في الحد لكون الوسطى اطول من السبابة.

فالحد العرضى يشمل ما يحيط و يدور

عليه به الوسطى و الابهام و بعد قوله عليه السّلام في الحديث المتقدم (من قصاص شعر الرأس الى الذقن) يكون الحد الطولى اعلاه قصاص شعر الرأس و اسفله الذقن، و هذا المقدار يستفاد من الرواية و من قوله (و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه) يستفاد أنه لا بدّ من غسل ما يشمل عرض الاصبعين من ابتداء قصاص شعر الرأس الى الذقن.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أن كل ما يحيطه هذا الطول و العرض، فهو داخل في حد الوجه الواجب غسله في الوضوء، و ما يكون خارجا لا يجب غسله الا من باب المقدمة العلمية.

ثم إن الاشكال بأن الاخذ بما قال الاصحاب من حد الوجه عرضا و طولا كما عرفت لا يناسب مع ما في الرواية من قوله (ما دارت عليه الوسطى و الابهام) او (و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا) اذ لا استدارة في البين و لا يكون وضع الوجه و التحديد عرضا او طولا بنحو الدائرة.

ففيه: أن معنى (دارت) اى احاطت، و الدائرة يقال لها الدائرة لاحاطتها، و لا حاجة الى التكلف في أن الجبهة او الوجه او بعضه يكون بشكل الدائرة تقريبا و لو لم يكن دائرة حقيقة، و الانصاف أن هاتين الفقرتين إذا عرض على العرف يفهمون منه ما قلنا و لا يشكون فيه و هذا معنى كون اللفظ ظاهرا فى المعنى.

كما أن الاشكال بأن لازم كون الحدّ ما قلتم خروج ما يكون داخلا في الحد كالنزعتين و الصدقين مع كونهما خارجين بنظركم، خصوصا صرح في الرواية المتقدمة خروج الثانى، لا وجه له، لأنّ النزعتين (و هو ثنية النزعة بالتحريك و هو البياض المكتنف بطرفى الناصية في مقابل من

يكون اغم و هو الّذي يكون الشعر على جبهته)، خارجتان عن الوجه، و توهم دخولهما في الحد حصل من كون القصاص

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 169

مطلق منتهى منبت الشعر من الرأس، و الحال أنه ليس المنتهى لوجود الشعر بحيالهما فوق الناصية، فيكون قصاص شعر الرأس منتهى منبته و منتهى منبته فوق الناصية، كما أن الصدغين خارجان عن حد الوجه بنصّ الرواية.

فنقول فى توضيحه: بأن الصدغ باحد معنييه خارج عن حد عرض الوجه المحدود فى الرواية، و هذا المعنى ما حكى من بعض اهل اللغة انه عبارة عما بين العين و الاذن، و بهذا المعنى يقع بعضه جزء حد الوجه، و لكن بعد التصريح في الرواية بخروجه نقول بخروجه في المقدار الخارج مما دارت عليه الوسطى و الابهام لاستثناء هذا المقدار عن الحد.

و عن بعض آخر خصوص الشعر المتدلى على ما يلى الاذن، و هذا معنى آخر للصدغ و على هذا خارج عن الحد راسا لعدم شمول الوسطى و الابهام، له و على كل حال بعد دلالة النص على خروجه لا اشكال فيه.

المسألة الثالثة: قد ظهر لك حكم الانزع

و انه خارج عن الحد المذكور في الرواية.

نعم من لم يكن في مقدم رأسه شعر او كان و لكن ليس شعر له فوق ناصيته، يرجع الى المتعارف بنحو نقول في المسألة الرابعة إن شاء اللّه.

المسألة الرابعة: الاغم و هو من يكون الشعر على جبهته يرجع الى المتعارف.

و اعلم انه، تارة يراد من الرجوع الى المتعارف، المتعارف من مطلق الوجوه و من مطلق الاصابع، بمعنى انه يلاحظ متعارف للوجه من بين وجوه جميع الناس و متعارف للأصابع من بين اصابع جميع الناس بدون ملاحظة صغر الافراد و كبرهم،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 170

فبهذا المعنى لا وجه للرجوع الى المتعارف، لأنّ الأمر بالوضوء و غسل الوجه فيه توجه على كل احد و قد حدّد لكل احد كون الغسل من قصاص الشعر الى الذقن طولا و مما دارت عليه الابهام و الوسطى عرضا، فكل مكلف يكون مأمورا بغسل وجهه بهذا الحدّ و باصابع نفسه و من قصاص شعره الى ذقن نفسه لا من ذقن شخص آخر، و قصاص شعر شخص آخر و اصابع شخص آخر، حتى يقال انهم مختلفون من حيث كبر وجوههم و صغرها و طول اصابعهم و قصرها فيرجع الى المتعارف من الناس.

و تارة يراد من المتعارف، المتعارف في كل شخص بالنسبة الى نفسه بين وجهه و اصبعيه سواء كان كل من وجهه و اصبعيه على النحو المتعارف فى اوساط الناس او لا، و كذا بالنسبة الى قصاص شعره فإن كان متناسبا بحسب نفسه يؤخذ به، و إن كان على خلاف متعارف نفسه يرجع الى المتعارف.

ثم بعد ما عرفت المراد من المتعارف، يقع الكلام في وجه الرجوع الى المتعارف، لأنّه ربما يقال بعد كون الامر بعموم الناس من غسل وجوههم بالكيفية المعهودة، فمقتضاه

أن يغسل كل احد وجهه من قصاص شعره الى ذقنه، بقدر ما دارت عليه الوسطى و ابهامه، فكل مكلف مكلف بغسل هذا، فان كان اصبعه مثلا طويلا و وجهه قصيرا، لا بدّ من غسل كل مقدار يحيطه ابهامه و وسطاه او بالعكس، فربما يختلف باختلاف وجوه الاشخاص و من حيث اختلاف اصابع الاشخاص طولا و قصرا، فلا بدّ من وجه فى الرجوع الى المتعارف.

و في مقام الوجه، قد يقال بان المطلق حيث يكون منزّلا على المتعارف، فنقول من لزوم الأخذ بالمتعارف من الوجه و الاصبع، و سرّ حمل المطلق على المتعارف هو إنّه إن كان المتكلم او كل فى كلامه الى المتعارف، و لهذا لا يذكر القيد، فلا بدّ من حمل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 171

مطلقه على المتعارف و الّا اخلّ بغرضه.

و فيه، انه بعد كون الامر فى المقام هو العموم، لان قوله تعالى (إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ الخ) عام لا مطلق، حتى يمكن ان يقال بلزوم حمل المطلق على المتعارف.

فما يمكن ان يقال وجها للزوم الرجوع الى المتعارف هو انه بعد ما نعلم بان الوجه الواجب غسله فى الوضوء امر واحد بالنسبة الى جميع المكلفين، و لا يختلف باختلاف الاشخاص من حيث طول وجوههم و اصابعهم و قصرها، بحيث يكون الواجب على من يكون وجهه و اصبعه بنحو المتعارف هو غسل تمام الوجه، و بالنسبة الى من يكون وجهه قصير و اصبعه طويل غسل الوجه مع مقدار زائد، و بالنسبة الى من يكون وجهه كبيرا و اصبعه قصيرا غسل بعض الوجه، بل الواجب على كل منهم امر واحد، فعلى هذا لا بدّ من الالتزام بان الخارج عن

المتعارف يرجع الى المتعارف بالمعنى الّذي قلنا.

فقد ظهر لك المراد من المتعارف، و ما هو وجهه، و مما مر يظهر لك حال الانزع و الاغم، فانهما لا بدّ من الرجوع الى المتعارف بالنحو الّذي قلنا و للوجه الّذي قلنا.

المسألة الخامسة: يجب اجراء الماء و لا يكفى المسح به

و حدّه كما قال المؤلّف رحمه اللّه أن يجرى من جزء الى جزء آخر، و ادعى بعض كونه المعروف بين الفقهاء رحمه اللّه او كونه ظاهر الاصحاب او الاتفاق عليه كما عن بعض.

و استدل عليه بالآية الشريفة الآمرة فيها بالغسل و ببعض الروايات الدالة على الغسل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 172

مثل الرواية التى رواها داود بن فرقد (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن أبي كان يقول: إن للوضوء حدّا من تعدّاه لم يوجر و كان أبي يقول: انما يتلدد فقال له رجل: و ما حدّه؟ قال: تغسل وجهك و يدك و تمسح رأسك و رجليك) «1».

و الرواية التى رواها زرارة ففيها قال: (فغسل بها وجهه الخ) «2».

و الرواية التى رواها عمر بن اذينة و فيها قال: (ثم اوحى اللّه إليه أن اغسل وجهك الخ) «3» الى غير ذلك لا حاجة الى ذكرها بعد فهم كون المعتبر في الغسل لغة و عرفا الجريان.

و ببعض الأخبار الدالة بلسانها على اعتبار الجريان في غسل الوجه و اليدين:

مثل الرواية الّتي رواها اسحاق بن عمّار عن جعفر عن ابيه (أن عليا عليه السّلام كان يقول: الغسل من الجنابة و الوضوء يجزى منه ما اجزى من الدهن الذي يبل الجسد) «4».

بناء على كون قوله (ما اجرى) بالراء المهملة، و الا لو كان بالزاء المعجمة فيدل على كفاية مثل التدهين فنكلم فيما هو المراد من بعض

الروايات الدالة على كفاية مثل الدهن إن شاء اللّه.

و الرواية التى رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: ا رايت ما كان تحت الشعر؟ قال: كل ما احاط به الشعر فليس للعباد ان يغسلوه و لا يبحثوا عنه

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 52 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 173

و لكن يجرى عليه الماء) «1».

و ببعض الأخبار الواردة في غسل الجنابة الدالة على اعتبار جريان الماء في مواضع الغسل بعد ضم كون الوضوء من هذا الحيث مثل الغسل، كما يدل على كونهما مثلين الرواية المتقدمة اى رواية إسحاق.

و في قبال هذه الأخبار، بعض الأخبار يدل على كفاية مقدار من الماء في مقام الوضوء يكون مثل التدهين.

الأولى: الرواية الّتي رواها حريز عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: انما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم اللّه من يطيعه و من يعصيه و إن المؤمن لا ينجسه شي ء، انما يكفيه مثل الدهن) «2».

الثانية: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (في الوضوء قال: إذا مسّ جلدك الماء فحسبك) «3».

الثالثة: رواية إسحاق بن عمّار المتقدمة بناء على كون الصادر (ما اجزى) بالزاء المعجمة.

الرابعة: الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: يأخذ أحدكم الراحة من الدهن فيملأ بها جسده و الماء أوسع إلّا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قلت: بلى.

قال: فادخل يده في الاناء فلم يغسل يده، فاخذ كفّا من ماء فصبه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله، ثم اخذ كفا آخر بيمينه فصبه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 46 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 52 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 52 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 174

على يساره ثم غسل به ذراعه الايمن، ثم اخذ كفا آخر فغسل به ذراعه الايسر، ثم مسح راسه و رجليه بما بقى فى يده) «1».

أعلم أن هنا كلاما فى دلالة الأخبار على ما يستدلّ بها و كلاما في الجمع بينها.

أمّا الكلام في دلالتها، فنقول: اما ما يدل على اعتبار غسل الوجه و اليدين في الوضوء من باب نقل فعلهم عليهم السّلام، او الأمر في بعضها، فوجه كون مفادها اجراء الماء و عدم كفاية المسح هو أن المعتبر فى الغسل بحسب وضعه اللغوى و بنظر العرف الجريان.

فاقول: اما بحسب وضعه اللغوى، فما يرى من بعض اهل اللغة عدم ذكر اعتبار الجريان في الغسل كالقاموس، و يظهر من بعضهم اعتبار الجريان كاقرب الموارد، فبناء عليه دخله فيه بحسب الوضع اللغوى غير معلوم و إن لم يكن معلوم العدم.

و أمّا بحسب النظر العرفى، فقد يقال باعتبار الجريان في الغسل، و لعل هذا هو الفرق بين الغسل و المسح، و هذا هو المراد من بعض النصوص المفصل بين الوجه و اليدين و بين الرأس و الرجلين بالغسل في الاولين و المسح في الأخيرين، و لهذا يقال أن نفس التفصيل بين الوجه و اليدين و بين الرأس و الرجلين يدل على اعتبار امر زائد

على المسح في الوجه و اليدين و هو الغسل، و لا بدّ فيه من الجريان و لو باقله كى يتحقق الفرق بين الغسل و المسح.

و يمكن منعه بان دخل الجريان فى الغسل غير معلوم عرفا، بل المعتبر فى الغسل استيلاء الماء و غلبته على المحل، و هذا هو الفرق بين الغسل و بين المسح، لعدم

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 175

اعتبار ذلك فيه، بل يكفى فى تحقق المسح امرار الماسح ذى البلل على المحل، كما انه يمكن ان يقال ان بعض ما يكون ظاهره اجراء الماء من الاخبار يكون محمولا على الغالب، من ان الغالب جريان الماء فى الغسل، فيكون ذكر الجريان فى هذه الاخبار من باب الغالب المتعارف.

هذا بالنسبة الى بعض الاخبار المصرحة فيها بالغسل.

و أمّا بعض الأخبار المصرحة فيها بالجريان، مثل بعض ما دل على الجريان في الغسل بعد ضم كون الوضوء مثله، او بعض ما ورد في خصوص الوضوء و فيه التصريح باجراء الماء على المحل، فبعد الاغماض فنقول: اما التمسك ببعض الاخبار الواردة فى غسل الجنابة فمورد اشكال من جهتين:

الأولى: من ان دعوى عدم الفصل بين الغسل و الوضوء، فبهذا الحيث دعوى بلا دليل، لعدم نص دال عليه و لا اجماع انعقد عليه.

الثانية: ان لزوم الجريان فى غسل الجنابة أيضا محل اشكال، و يأتى الكلام فى محله إن شاء اللّه، لأنّه و إن كان فى بعض اخباره التعبير باجراء الماء، لكن المستفاد من رواية التى رواها زرارة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن غسل الجنابة. فقال: تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل

فرجك و مرافقك، ثم تمضمض و استنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك الى قدميك، ليس قبله و لا بعده وضوء و كل شي ء امسسته الماء فقد انقيته، و لو ان رجلا جنبا ارتمس فى الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده) «1»، هو كفاية مسّ الماء الجسد فى مقام الغسل.

و اما رواية اسحاق بن عمار، فان كان الصادر عن المعصوم عليه السّلام (ما اجزى من

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب غسل الجنابة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 176

الدهن) بالزاء المعجمة، فالمستفاد منها هو المقدار الّذي يبل الجسد لا ازيد من ذلك، فهى دليل على عدم اعتبار الجريان.

و ان كان الصادر عن المعصوم عليه السّلام (ما اجرى) بالراء المهملة، فأيضا المستفاد منها اعتبار الجريان الّذي يحصل بالتدهين، فتبقى رواية واحدة و هى رواية زرارة، و يمكن ان يقال فيها انه ربما يكون ذكر الجريان من باب كون الغالب المتعارف فى مقام الغسل حصول الجريان بطبعه، لا من باب دخله فى الغسل، و خصوصا يمكن ان يقال فى خصوص الرواية بان النظر كان الى عدم لزوم تخليل الشعر، بل يكفى اجراء الماء على ظاهر الشعر.

و أمّا الأخبار الدالة على كفاية مجرد التدهين او مس الماء الجلد، فظاهرها اجزاء ذلك و لا يحتاج الى اكثر منه.

إذا عرفت ذلك، يقع الكلام فى انه هل يكون التعارض بين الاخبار او لا، و على فرض التعارض هل يمكن الجمع بينهما أم لا.

فنقول بعونه تعالى: اما بناء على عدم اعتبار الجريان فى الغسل و عدم كون ما ظاهره اعتبار الجريان فى الاخبار دخل الجريان فى الغسل، بل ذكره كان من

باب حصول الجريان به غالبا، فلا تعارض بين الاخبار، بل نتيجة كلها استيلاء الماء و ان كان بنحو التدهين.

و اما ان قلنا باعتبار الجريان فى الغسل لغة او عرفا و دخل الجريان فى الغسل كما هو ظاهر بعض الاخبار و عدم كون ذكره لمجرد غلبة حصوله بالغسل، فيكون المستفاد من الطائفتين الاولتين من الاخبار اعتبار اجراء الماء، و من الطائفة الثالثة كفاية كون وصول الماء بالوجه و اليدين كالتدهين، فيقال بعد عدم صدق اجراء الماء بمس الماء المحل بنحو التدهين، و الحال أن ظاهر هذه الطائفة الاكتفاء به، فيقع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 177

التعارض بين الطائفة الاولى و الثانية الدالتان على اعتبار الجريان، و بين الطائفة الثالثة الدالة على كفاية مسّ الماء المحل بمثل التدهين، فبعد وقوع التعارض بينهما ما نقول فى المقام، فهل يكون طريق للجمع بينهما او لا؟

أقول: ما يأتى بالنظر أنه يمكن التوفيق بين الطائفتين بحفظ ظاهر الطائفة الاولى و الثانية من اعتبار اجراء على المحل كما هو المشهور، و حمل الطائفة الثالثة على أنه بما فيها من كفاية مثل التدهين او مجرد مسّ الماء المحل يصدق الجريان، كما هو نظر المشهور من الاكتفاء باجراء الماء على المحل و لو باعانة اليد مثل الدهن فيكون التشبيه بالدهن او الاكتفاء و اجزاء المسّ في مقام القلة اعنى يكفى مجرد الجريان و إن كان في القلة مثل التدهين.

و لا تقل: ان كفاية مسّ الجلد كما في رواية زرارة ينافى الجريان لأنّه ليس فيه جريان.

لانا نقول: إن كان الجمود على ظاهرها يكون لازمها كفاية المسح في الوجه و اليدين لصدق المس حتى بالمسح، و الحال انه لا يكتفى به مسلّما

فما ينبغى أن يقال في هذه الرواية بحيث يمكن الاخذ بها هو الاكتفاء بمس الماء و أمّا كون المسّ بأى نحو فهو مستفاد مما يدل على كونه مثل التدهين، و هو اقل ما يجزى في الغسل.

فتلخص أن مفاد هذه الطائفة لا ينافى مع الطائفة الاولى و الثانية من الأخبار و شاهد هذا الجمع رواية محمد بن مسلم المتقدمة، و هى الرواية الرابعة من الروايات المتمسكة بها على كفاية مجرد التدهين، لانه بعد التنظير فيها بالتدهين اخذ كفا من الماء و صبه على وجهه، و الحال انه يجرى الماء بالماء الواقع فى الكف، و هذا المقدار من الجريان موجود فى التدهين لتنظيره به.

و يؤيد هذا الجمع بل يدل عليه رواية إسحاق بن عمّار المتقدمة بناء على كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 178

(ما اجرى) بالراء المهملة، فإن المراد منها على هذا هو اجراء ما يجرى من الدهن الّذي يبل الجسد يعنى إذا كان جريانه بمثل جريان الدهن الّذي يبل الجسد يكفى و يجزى من غسل الجنابة و الوضوء، ففي الحقيقة تكون هذه الرواية على هذا النقل شارحا للطوائف الثلاثة من الأخبار.

نعم لو كان الصادر (ما اجزى) بالزاء المعجمة، تكون الرواية مفادها مثل باقى روايات الطائفة الثالثة، و على كل حال بهذا يمكن الجمع بين الطوائف الثلاثة من الاخبار.

و أمّا الجمع بحمل الطائفة الاولى و الثانية على حال الاختيار و الثالثة على حال الاضطرار، لا شاهد له كما ان الجمع بانه بعد الاكتفاء بمثل الدهن، كما في الطائفة الثالثة، نفهم ان الشارع اكتفى عن الغسل بما ليس بالغسل غير صحيح، لأنّ معنى هذا طرح الطائفة الاولى و الثانية، لأنّ مفادهما اعتبار الغسل و

انت تقول بعدم اعتباره، مضافا الى ان القرآن الكريم نص فى اعتبار الغسل.

كما أن الجمع بالتخيير بينهما لا وجه له، لأنّه مع التصريح في الطائفة الثالثة بالاجراء بمثل التدهين، فالقول بالتخيير بينه و بين الغسل و اجراء الماء يكون من قبيل التخيير بين الاقل و الاكثر.

و الحاصل اعتبار اجراء الماء في غسل الوجه و اليدين و إن كان بمعونة اليد و بمثل التدهين، فافهم.

المسألة السادسة: هل يجزى استيلاء الماء على المحل

و إن لم يجر إذا صدق الغسل كما في ارتماس الوجه و اليدين في مقام غسل الوضوئي في الماء او لا يجزى؟

يظهر حكم المسألة مما بينا فى المسألة الخامسة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 179

فإن قلنا بعدم اعتبار الجريان فلا اشكال فى كفاية استيلاء الماء على المحل، و إن قلنا باعتبار الجريان، فكما عرفت فى المسألة الخامسة يحصل الجريان و لو كان بنحو التدهين، فان حصل الاستيلاء بهذا المقدار من الجريان فهو، و الّا فلا يكفى.

ثم ان ما ذكره المؤلف رحمه اللّه فى المقام حيث قال: (و يجب اجراء الماء فلا يكفى المسح به، و حدّه ان يجرى من جزء الى جزء آخر و لو باعانة اليد، و يجزى استيلاء الماء عليه و ان لم يجر اذا صدق الغسل) لا يصح بظاهره، لانه ان كان الواجب اجراء الماء و حدّه كما قال (ان يجرى الماء من جزء الى جزء آخر و لو باعانة اليد) فلا معنى لقوله بكفاية استيلاء الماء (اذا صدق الغسل) لانه ان كان المعتبر فى الغسل اجراء الماء من جزء الى جزء آخر، إمّا من باب اعتباره فى مفهومه لغة او عرفا، و امّا من باب ما ورد فى بعض الروايات من اعتبار اجراء الماء،

فقوله بكفاية الاستيلاء فى صورة صدق الغسل باستيلاء الماء على المحل و لو لم يجر الماء، و بعبارة اخرى ترديده فى كفاية الاستيلاء من باب الترديد فى صدق الغسل عليه، لا وجه له، لانه بعد اعتباره الجريان كما يظهر من صدر كلامه رحمه اللّه، فإن كان يتحقق الجريان بالاستيلاء لا بدّ أن يقول بكفايته، و إن لم يتحقق الجريان بالاستيلاء لا بدّ أن يقول بعدم كفايته.

و الحاصل أنّ الترديد فى كفاية الاستيلاء إن كان من باب صدق الغسل عليه و لو لم يعتبر فى الغسل الجريان، فهذا مخالف مع صدر كلامه رحمه اللّه، و إن كان من باب أن الغسل و إن كان معتبرا فيه الجريان، إما من باب دخله فى مفهومه لغة او عرفا، و إما من باب كونه شرطا فيه لبعض الاخبار، فلا بد ان يقول بعدم كفاية الاستيلاء جزما، لعدم حصول ما يعتبر فى الغسل كما صرح فى صدر كلامه رحمه اللّه، و العجب من عدم تفطن احد من المحشين المحترم بالاشكال.

المسألة السابعة: هل يجب الابتداء بالاعلى
اشارة

و الغسل من الاعلى الى الاسفل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 180

عرفا، او لا يجب ذلك بل يجوز النكس؟ المنسوب الى الاكثر الأول بل حكى دعوى الاجماع عليه.

يستدل على الحكم المذكور بروايات:

الأولى: ما رواها زرارة قال (قال أبو جعفر عليه السّلام: ألا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. فقلنا: بلى. فدعا بقعب فيه شي ء من ماء فوضعه بين يديه، ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى، ثم قال: هكذا إذا كانت الكف طاهرة، ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبهته، ثم قال بسم اللّه و سد له على اطراف لحيته، ثم امر يده على وجهه و ظاهر جبهته مرة واحدة، ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمر كفه الماء على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمر كفه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه الخ) «1».

وجه التمسك إنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وضع الماء ابتداء على جبهته و هي اعلى الوجه و كذا على مرفقه اليمنى و اليسرى و هو اعلى موضع يجب غسله من اليدين.

أقول: و هنا كلام في أن الظاهر من الرواية هو كون صب الماء على جبهته فلا يدل على كون الغسل من الجبهة او أن ظاهرها هو وضع اليد على الجبهة للغسل و لا يبعد كون الظاهر هو الثاني.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 180

الثانية: ما رواها زرارة قال: (حكى

لنا أبو جعفر عليه السّلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فدعا بقدح من ماء فأخذ كفّا من ماء فاسد له على وجهه من اعلى الوجه، ثم مسح وجهه من الجانبين جميعا ثم اعاد يده اليسرى في الاناء فاسد لها على يده اليمنى ثم

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 181

مسح جوانبها ثم اعاد اليمنى في الاناء فصبّها على اليسرى ثم صنع بها كما صنع باليمنى ثم مسح بما بقى في يده رأسه و رجليه و لم يعدهما في الاناء) «1».

و عن المنتهى و الذكرى انه قال عليه السّلام بعد ما توضأ: (إن هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به) و هذه الرواية كما ترى تدل على كون عمله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في غسل وجهه بالابتداء من اعلى الوجه، و أمّا اليد فلا تعرض في الرواية لها من حيث الابتداء بأعلاها.

الثالثة: ما رواها في قرب الاسناد عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي جرير الرقاشى «2» قال: (قلت لابى الحسن موسى عليه السّلام: كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال:

لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما و لكن اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء مسحا، و كذلك فامسح الماء على ذراعيك و رأسك و قدميك) «3».

الرابعة: ما حكى عن تفسير العياشى (انه غرف غرفة فصبّها على جبهته).

هذا كله في الروايات المربوطة بالمسألة.

ثم إن الكلام تارة يقع في سند هذه الروايات، فنقول يكفى في اعتبارها عمل الاصحاب على طبقها مضافا الى حجية بعضها بنفسها، للاطمينان بصدوره.

و تارة يقع الكلام في دلالتها

فما يمكن أن يورد عليها، أمّا بالنسبة إلى بعضها المذكور فيه فعل المعصوم عليه السّلام و يستشكل:

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الظاهر على ما حصل لى بعد التتبع بمقدار الوسع و الوسيلة، أنّ أبا جرير اما يكون ذكريا بن ادريس او ذكريا بن عبد الصمد و كلاهما معتمد عليهما، لكن لم اجد فى الرجال ذكريا بن (الرقاشى) المذكور فى الوسائل فى قوله (أبي جرير الرقاشى). (المؤلف).

(3) الرواية 22 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 182

أولا: بأن المذكور فيه فعل المعصوم- مثلا فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و مجرد فعله لا يدل إلّا على مجرد جواز هذا الفعل، و لا يدل على الاستحباب فضلا عن الوجوب، لأنّه بعد كون الفعل مما له فردان او الافراد و لا يكون في بعضها ترجيح على الآخر فمن يريد فعله يختار قهرا احد الافراد من هذا الفعل، مثلا فيما نحن فيه و هو غسل الوجه، يمكن تحققه تارة بنحو يكون الابتداء من اعلى الوجه، و تارة بنحو لا يكون من الاعلى، فمجرد اتيانه بأحد النحوين- مثلا من الاعلى- لا يدل على كون هذا الفرد افضل من الفرد الآخر فضلا عن كونه متعينا، نعم يدل اختيار هذا الفرد على جوازه، بل لا يدلّ على عدم كراهة هذا الفرد، بل يمكن كونه مكروها و مع هذا اتى به المعصوم عليه السّلام لمصلحة مثل أن يعلم الناس عدم حرمته.

أقول: إن كان الاشكال هذا فقط، يمكن دفعه بان التزام المعصوم عليه السّلام بعمل، مثل التزامه بالوضوء و غسل الوجه من الاعلى كما يظهر من

نحو حكاية عمله كونه ملتزما به، لأنّ معنى قوله عليه السّلام (الا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) هو كون وضوئه بهذا النحو كما فرض التزامه باحد الفردين من الفعل و هو الابتداء بالاعلى، يكشف رجحان هذا النحو و هذا الفرد.

فالاشكال بأن الفعل لا يدل إلّا على مجرد جواز الابتداء بالاعلى، لا على استحبابه فضلا عن وجوبه في غير محله.

و ثانيا: بأن فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و التزامه بالابتداء بالاعلى في مقام غسل الوجه و إن كان يدل على رجحان هذا النحو، لكن لا يدل على وجوبه لأنّ الفعل ليس له لسان، و غاية ما يدل عليه مجرد رجحان الفعل الذي يجمع مع الاستحباب أيضا، و أمّا الرجحان مع المنع من الترك الذي هو معنى الوجوب فلا يدل عليه، فلا يمكن الاستدلال بهذا النحو من الروايات على وجوب الابتداء بالاعلى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 183

و أمّا بعضها الذي فيه الامر بالابتداء بالاعلى، فما يستدل به ليس إلّا الرواية المروية عن قرب الاسناد، فيقال في مقام الاشكال بالاستدلال بها بأن قوله عليه السّلام فيها: (و لكن اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء مسحا) ذو احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يكون قوله (مسحا) حال عن فاعل (اغسله) و هو المكلف، فيكون المعنى انه اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء في حال تمسح الماء يعنى يكون الغسل من اعلى الوجه في حال انت تمسح الماء على وجهك في مقام الغسل، و بعبارة ثالثة اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء ماسحا له، فعلى هذا تدل الرواية على وجوب كون الغسل من اعلى الوجه.

الاحتمال الثاني:

كون (مسحا) مفعولا مطلقا لقوله (اغسله) و حيث لا بدّ أن يكون المفعول المطلق من جنس فعله فلا بدّ أن يراد من الغسل المسح، فيكون المراد اغسله اى امسحه من اعلى وجهك الى اسفله بالماء مسحا، فعلى هذا يكون المراد من هذه الفقرة مطلوبية كون ابتداء المسح في مقام الغسل من اعلى الوجه، و أمّا وجوب كون نفس الغسل من الاعلى فلا تدل عليه.

و حيث أن مسح الوجه بمعنى امرار اليد على الوجه بعد الغسل مستحب مسلما فلا يمكن القول بوجوب كون الابتداء بالمسح واجبا.

و بعد كون الرواية ذو احتمالين و لا ترجيح للاحتمال الأول على الثاني فلا يمكن الاستدلال على وجوب كون الابتداء بالاعلى في غسل الوجه بهذه الرواية.

أقول: يمكن أن يقال فيما نقل فعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأنه و إن كان المذكور فعله و الفعل في حد ذاته لا يدل إلّا على رجحانه، لكن ما يرى من خلال الرواية من وجود عناية بذكر هذه الخصوصية اى الابتداء بالاعلى و هذا يدل على كون فعله من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 184

باب كونه واجبا، خصوصا لو كان ما ذكر في المنتهى و الذكرى (أن هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة الا به) في ذيل الرواية الثانية، لأنّ معنى عدم قبول الصلاة الا به كون الكيفيّة المذكورة في الوضوء معتبرة فيه.

و ما قيل من أن مسح جانبى الوجه لا يكون واجبا، و مع هذا يكون مذكورا في الرواية فلا يمكن القول بكون ما ذكر فى الرواية بتمامه واجبا فيه: أن (مسح) الجانبين لا من باب خصوصية له، بل هو لاعتبار تحقق الغسل و هو معتبر قطعا

فما يتحقق به الغسل واجب أيضا، لكن الاشكال في صدور هذه الفقرة فإنها مرسلة.

و أمّا الرواية المروية عن قرب الاسناد، فهى و إن كانت ذو احتمالين إلّا أن الانصاف كون الظاهر فيها هو الاحتمال الأول، لأنّ الاحتمال الثاني يوجب التصرف في ظاهر معنى (اغسله) لأنّ حمل الغسل على المسح خلاف الظاهر، فعلى هذا نقول:

لا يبعد القول بوجوب الابتداء من الاعلى خصوصا مع كونه مشهورا.

المسألة الثامنة: فيما هو المراد من الابتداء بالاعلى و فيه احتمالات:
الأول: أن يكون المراد من الابتداء بالاعلى مجرد كون الشروع من الاعلى،

فإذا شرع من الاعلى يكفى و لا يلزم الترتيب في باقى الوجه.

و الإنصاف أن هذا خلاف ظاهر الأخبار، لأنّ معنى كون الغسل من الاعلى الى الأسفل كون الشروع من الاعلى فالاعلى الى الذقن كما هو صريح الرواية الثالثة اعنى رواية قرب الاسناد.

الثاني: أن يكون المراد من الابتداء من الاعلى فالاعلى،

الابتداء بالاعلى حتى بالنسبة الى ما لا يكون مسامتا للاعلى، مثلا إذا يغسل نقطة من جانب الايمن من الوجه يبدأ بالاعلى حتى بالنسبة الى جانبه الايسر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 185

و هذا الاحتمال كما ترى مخالف لما يرى من الوضوءات البيانية مثل رواية زرارة المتقدمة بل هو حرج كما قيل.

الثالث: أن يكون المراد الابتداء من الاعلى قبل اسفله المسامت له

حقيقة، بمعنى انه مثلا لا يغسل اسفل الجبهة قبل اعليها حقيقة.

الرابع: أن يكون المراد الابتداء بالاعلى الى الاسفل عرفا لا بالدقة العقلية،

و هذا الوجه اقرب الوجوه لأنّ غاية ما يستفاد من الروايات هو الابتداء بالاعلى و بعد عدم تعيين موضوعه و ما هو المراد من الابتداء بالاعلى يرجع في ذلك الى العرف.

المسألة التاسعة: و لا يجب غسل ما تحت الشعر بل يجب غسل ظاهره.

يستدل عليه بالرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام (قال:

سألته عن الرجل يتوضأ لحيته؟ قال: لا) «1».

و الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال قلت له: ا رايت ما احاط به الشعر؟ فقال: كل ما احاط به من الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجرى عليه الماء) «2».

و المستفاد من الاولى عدم وجوب غسل باطن الشعر، لكنها واردة في خصوص اللحية.

و أمّا الثانية فيعمّ غير اللحية و لهذا كما قال المؤلف رحمه اللّه: (سواء شعر اللحية و الشارب و الحاجب بشرط) صدق احاطة الشعر على المحل يشمل الحكم لغير

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 46 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) و الرواية 3 من الباب 1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 186

اللحية من الشارب و الحاجب بشرط صدق احاطه الشعر المحل، و الا لزم غسل البشرة الظاهرة فى خلاله.

و اعلم انّ مورد الرواية الثانية إما خصوص الوضوء او يعمّه، و يأتى إن شاء اللّه تمام الرواية فى المسألة السادسة من الجهات فى غسل اليد و أن موردها الوجه فى الوضوء، مضافا الى نسبة هذا الحكم الى اصحابنا و حكاية الاجماع عليه.

ثم ان المراد مما احاط به الشعر هل هو خصوص منابت الشعر الكثيف الساتر للبشرة بسبب كثافته، او يعمّ ما يستر البشرة و لو باسترساله على البشرة؟

أمّا أولا، فلانه ان كان المراد خصوص منبت الشعر

فلا يمكن غسل بشرته، لأنّ هذا المحل محفوف بالشعر، فالنظر ليس الى خصوص منبت الشعر.

و ثانيا، الظاهر مما احاط به الشعر هو ما احيط من البشرة بسبب الشعر، بحيث يحتاج ايصال الماء الى البشرة الى التخليل، فعلى هذا نقول ان الاحتمالات ثلاثة:

الاول: خصوص منبت الشعر، و هو كما قلنا ليس المراد قطعا، لانه مع كونه منبت الشعر ليست للبشرة الا هو.

الثانى: ما تستره الشعر باسترساله على المحل المستور به، مثل ما يكون موضع بلا شعر اصلا لكن ستر الشعر النابت فى الموضع الآخر هذا الموضع باسترساله.

الثالث: ما يستره الشعر من البشرة لكثافته فلم يظهر المحل الواقع بين منابت الشعر لاجل كثافة الشعر، و يمكن ظهوره بالتبطين.

الحق كون المراد هو الاحتمال الثالث، لان ظاهر الخبر هو وجوب غسل الشعر المحيط بالبشرة و عدم وجوب الطلب فى البحث عن البشرة المحاط به المستلزم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 187

تغسيله الى التخليل و التبطين.

و توهم كفاية غسل الشعر عن البشرة المحاط به و ان كان من باب استرسال الشعر، او من باب وجود الشعر الخفيف الّذي يغسل بمجرد صب الماء على البشرة و مسحها، نشأ من توهم ان المراد من انه غير هو ما يواجه به و هو يشمل حتى الشعر المحيط بالبشرة لانه يواجه به بعد التوهم بان المراد من الوجه هو العضو الخاص الّذي ينبت عليه الشعر لا مطلق ما يواجه به النظر. فافهم.

***

[هنا مسائل]

[مسئلة 1: يجب ادخال شي ء من اطراف الحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: يجب ادخال شي ء من اطراف الحد من باب المقدمة و كذا جزء من باطن الانف و نحوه.

و ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن فلا يجب غسله.

(1)

أقول: أمّا وجوب ادخال شي ء من

اطراف الحد و كذا جزء من باطن الانف و نحوه، يكون من باب حكم العقل لأنّه بعد اشتغال اليقينى بالمحدود من الوجه على ما في النصوص يجب بحكم العقل البراءة اليقينية و هى لا تحصل الا بادخال شي ء من اطراف الحد أو جزء من باطن الانف و نحوه، فيجب غسل هذا المقدار بحكم العقل و هذا معنى كون ذلك واجبا من باب المقدمة العلمية.

و ليس نظر المؤلف رحمه اللّه من قوله بوجوب إدخال شي ء من اطراف الحد من باب المقدمة، المقدمة الوجودية كما توهمه فى المستمسك من باب انه لا يمكن الغسل إلى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 188

الحد الحقيقى اختيارا الا بضم جزء مما يخرج عن الحد.

ثم أورد عليه بانه ليس ما هو خارج عن الحد، مقدمة وجودية لداخل الحد، بل هما متلازمان، و وجوب احد المتلازمين لا تقتضى وجوب الآخر.

وجه عدم كون نظره الى ما توهمه ان المؤلف رحمه اللّه لم يقل الا ان هذا الوجوب يكون من باب المقدمية، و بعد ما نعلم انه لا وجه للقول بوجوبه من باب المقدمة الوجودية، فمراده هو المقدمة العلمية التى يقال بها فى امثال هذه الموارد.

و أمّا الكلام في أنّ ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق هل هو من الظاهر حتى يجب غسله او من الباطن حتى لا يجب غسله في الوضوء.

فنقول بعونه تعالى: انه مضى بعض الكلام فيه و الأخبار المربوطة به فى المسألة الثانية من المسائل المتعلقة بالعاشر من المطهرات.

و نقول في المقام: لا يبعد كون ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق من الباطن، لأنّ الظاهر المقابل للباطن هو ما يكون ظاهرا بطبعه، و بعبارة اخرى يكون

بارزا بحسب طبعه، فليس كلّ ما يرى و كان قابلا لان يرى من الظاهر و الا يلزم كون باطن الفم و الانف من الظاهر.

و بعد عدم كونه من الظاهر يقال بعدم وجوب غسله لدلالة بعض الأخبار على وجوب غسل خصوص الظاهر في الوضوء كالرواية التى رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة، انما عليك ان تغسل ما ظهر) «1».

و موردها اما خصوص الوضوء لاستحبابهما قبل الوضوء او يعمّ الوضوء

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 189

و الغسل.

و الرواية التى رواها حكم بن حكيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن المضمضة و الاستنشاق. قال: ليس هما من الوضوء هما من الجوف) «1» و غير ذلك.

***

[مسئلة 2: الشعر الخارج عن الحد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: الشعر الخارج عن الحد كمسترسل اللحية في الطول و ما هو خارج عما بين الابهام و الوسطى في العرض- لا يجب غسله.

(1)

أقول: لعدم كونه داخل الحدّ، و على الفرض لا يجب الّا غسل ظاهر ما بين القصاص الى الذقن طولا و ما بين الابهام و الوسطى عرضا، و ما هو خارج عن الحدين لا يجب غسله إلّا بمقدار المقدمة العلمية.

***

[مسئلة 3: إن كانت للمرأة لحية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: إن كانت للمرأة لحية فهى كالرجل.

(2)

أقول: لدلالة اطلاق رواية زرارة المتقدمة في المسألة التاسعة و هو قوله عليه السّلام (أ رأيت ما احاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجرى

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 190

عليه الماء).

***

[مسئلة 4: لا يجب غسل باطن العين و الانف و الفم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يجب غسل باطن العين و الانف و الفم إلّا شي ء منها من باب المقدمة.

(1)

أقول: لما تقدم في المسألة الاولى.

***

[مسئلة 5: فيما احاط به الشعر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: فيما احاط به الشعر لا يجزى غسل المحاط عن المحيط.

(2)

أقول: لما تقدم من دلالة رواية زرارة المتقدمة في أن ما احاط به الشعر ليس للعباد أن يطلبوه و فيها قال عليه السّلام: (و لكن يجرى عليه الماء) فاوجب اجراء الماء على المحيط و هو الشعر فلا يكفى غسل ما تحت الشعر عن غسل الشعر.

***

[مسئلة 6: الشعور الرقاق]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الشعور الرقاق المعدودة من البشرة يجب غسلها معها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 191

(1)

أقول: لانها من اجل رقتها يعدّ من البشرة و لا اشكال في وجوب غسل البشرة.

***

[مسئلة 7: إذا شك في أن الشعر محيط أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: إذا شك في أن الشعر محيط أم لا، يجب الاحتياط بغسله مع البشرة.

(2)

أقول: مقتضى الجمع بين رواية زرارة المتقدمة في اوّل الفصل، و بين رواية المذكورة في المسألة التاسعة من المسائل المربوطة بالفصل من قوله عليه السّلام في الاولى:

(الوجه الذي قال اللّه و امر اللّه عزّ و جل بغسله الذي لا ينبغى لاحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يوجر و إن نقص منه أثم، ما دارت عليه الوسطى و الابهام من قصاص الشعر الرأس الى الذقن و ما جرت عليه الاصبعان مستديرا فهو من الوجه الخ) و من قوله عليه السّلام في الثانية: (ا رايت ما احاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجرى عليه الماء) بعد ما قلنا من عدم تصرف من الشارع فى الوجه موضوعا، بل الوجه الذي يكون موضوع هذا الحكم هو هذا المقدار، فيكون مقتضى الأمر بغسل ظاهر ما احاط به الشعر من الوجه كون الوجه الذي يجب غسله في الوضوء ما احاط به الشعر من الوجه فتكون نتيجة النصين انه فيما يكون في الوجه شعر محيط به يجب غسل ظاهر الشعر و فيما لا يكون شعر محيط بالبشرة يجب غسل البشرة.

فاذا شككنا في أن الشعر محيط أم لا، فحيث أن الشبهة تكون في المصداق لعدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 192

الشك في مفهوم الاحاطة كما

هو ظاهر فرض المؤلّف رحمه اللّه يجب الاحتياط بغسل الشعر و البشرة، لأنّه يعلم اجمالا بوجوب غسل احدهما، فمقتضى العلم الاجمالى الاحتياط بالجمع بين غسلهما.

و اما اذا كانت الشبهة مفهومية من باب الشك فيما هو المراد مما احاط به الشعر مفهوما كما قلنا فى طى المسألة التاسعة التى تعرضنا فى اصل الفصل، فكانت الشبهة مفهومية، فان كان الشك من باب اجمال المخصص فاجماله يسرى الى العام و تكون النتيجة بعين ما قلنا فى الشبهة المصداقية من الاحتياط، و ان كان من باب دورانه بين الاقل و الاكثر، فالمحكم فى مورد الشك هو العام، فيقال بوجوب غسل البشرة، و اما غسل الشعر فيجب غسله ان كان مثل الشعور الرقاق المعدودة من البشرة من باب كونه البشرة لا من باب انه محيط بالبشرة.

***

[مسئلة 8: إذا بقى مما في الحد ما لم يغسل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: إذا بقى مما في الحد ما لم يغسل و لو مقدار رأس ابرة لا يصح الوضوء فيجب أن يلاحظ آماقه و اطراف عينه لا يكون عليها شي ء من القيح او الكحل المانع و كذا يلاحظ حاجبه لا يكون عليه شي ء من الوسخ و أن لا يكون على حاجب المرأة و سمة او خطاط له جرم مانع.

(1)

أقول: اما عدم صحة الوضوء لو بقي في الحد ما لم يغسل و إن كان قليلا كمقدار رأس الابرة فلكون الواجب غسل تمام ما فى الحد و على الفرض لم يغسل بعضه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 193

فلا يصح وضوئه نظير ما امر باتيان مركب ذى الاجزاء فلم يأت المكلف بجزء منه فلا يصح بل يجب اتيانه.

و أمّا وجوب الملاحظة لأن لا يكون مانعا من القيح و غيره على البشرة و

موضع الغسل فيما يكون عالما بوجود المانع فلوجوب رفع المانع مقدمة لوصول الماء على محل الغسل.

و أمّا في صورة الشك فى مانعية الموجود او فى اصل وجود المانع، فيأتى الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة الآتية.

***

[مسئلة 9: إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: إذا تيقن وجود ما يشك في مانعيته يجب تحصيل اليقين بزواله او وصول الماء الى البشرة و لو شك في اصل وجوده يجب الفحص او المبالغة حتى يحصل الاطمينان بعدمه او زواله او وصول الماء الى البشرة على فرض وجوده.

(1)

أقول: اما فيما يكون الشك في مانعية الموجود مثل ما تيقن وجود الوسخ على بعض الوجه لكن يشك في ان هذا الوسخ هل يكون مانعا من وصول الماء الى البشرة أم لا؟ فمقتضى القاعدة وجوب تحصيل اليقين بزواله، لأنّ الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية، مضافا الى استصحاب الحدث السابق، لأنّه يشك في أنه مع وجود محتمل المانعية هل زال الحدث أم لا فيستصحب بقائه، و لا يفيد استصحاب عدم الحاجب او استصحاب عدم حاجبية الموجود او استصحاب عدم محجوبية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 194

البشرة المقتضية لغسلها على فرض جريانه لكونها مثبتا.

و يمكن التمسك على ذلك بالرواية التى رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام قال: (سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدرى يجرى الماء تحته أم لا، كيف تصنع إذا توضأت او اغتسلت؟ قال: تحركه حتى يدخل الماء تحته او تنزعه. و عن الخاتم الضيق لا يدرى هل يجرى الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف تصنع؟ قال. إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ). «1».

و قد يستشكل في

الرواية بأن ذيلها معارض مع صدرها، لان صدرها يدل على وجوب تحريك السوار و الدملج او نزعها في صورة شكه في جريان الماء تحتهما.

و ذيلها يدل على وجوب نزع الخاتم في خصوص ما إذا علم بعدم دخول الماء تحته فيعارض الصدر مع الذيل، لأنّ منطوق الصدر وجوب النزع او التحريك فيما يشك دخول الماء تحتهما، و الحال أن مفهوم الذيل عدم وجوب النزع في صورة الشك في وصول الماء تحته لأنّ مفهوم قوله: (إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه) عدم وجوب الاخراج فيما يشك و لم يعلم بدخول الماء تحته، و الحال أن منطوق الصدر وجوب التحريك او النزع في هذه الصورة.

و حيث لا يمكن الجمع بين الصدر و الذيل تصير الرواية مجملا.

و ما قيل من الجمع بينهما بأن الحكم في صورة الشك حيث يكون في الصدر بالمنطوق و في الذيل بالمفهوم يؤخذ بالمنطوق لكون المنطوق أظهر.

ففيه، أنه ليس الأمر مطلقا كذلك، يعنى ليس لنا قاعدة كلية على ترجيح المنطوق المعارض مع المفهوم على المفهوم.

كما أن ما قيل من لزوم الأخذ بالصدر لكون الصدر نص فى وجوب النزع او

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 195

التحريك في صورة الشك في اصابة الماء تحتهما، و الذيل ظاهر فى عدم وجوب النزع فى صورة الشك فى وصول الماء تحته، فيقدّم النص على الظاهر، لأنّ مفهومه يعم الشاك في الوصول و العالم بعدم الوصول كليهما.

اجيب عنه بأن الذيل بعد كون السؤال عن صورة الشك في عدم الوصول لا يكون قابلا للتقييد بغير صورة الشك للزوم اخراج صورة الشك.

و ما يأتى بالنظر عدم تعارض بين

الصدر و الذيل رأسا، لان مورد الصدر و هو السوار و الدملج يقبل لأن يصل الماء تحتهما بالتحريك، و لهذا قال في السؤال عن المرأة إذا توضات او اغتسلت و لا تدرى يجرى الماء تحته أم لا: (تحركه حتى يدخل الماء تحته او تنزعه)

و أمّا في الذيل و هو السؤال عن الخاتم الضيق، قال: (إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه) لعدم قابليته لوصول الماء تحته بالتحريك، فمورد الصدر ما إذا يعلم بوصول الماء بالتحريك او النزع فيتخير بينهما و مورد الذيل ما لا يعلم بالوصول الا بنزعه، و لهذا امر بالنزع فيكون مورد الذيل غير مورد الصدر فلا تعارض بين الصدر و الذيل، فتدل الرواية على انه في صورة الشك في مانعية الموجود يجب تحصيل اليقين بزواله.

و أمّا إذا كان الشك في اصل وجود الحاجب، فهل يجب الفحص او المبالغة حتى يحصل الاطمينان بزواله، او وصول الماء الى البشرة على فرض وجود الحاجب او لا يجب ذلك؟

وجه وجوب الفحص هو ما قلنا من ان الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية، و هي لا تحصل إلّا بالفحص ليحصل الاطمينان بزوال الحاجب او وصول الماء الى البشرة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 196

و وجه عدم وجوب ذلك دعوى الاجماع و السيرة على عدم الفحص.

و الرواية الّتي رواها أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنه بلغه ان نساء كانت إحداهن تدعو بالمصباح في جوف الليل تنظر الى الطهر، فكان يعيب ذلك و يقول: متى كان النساء يصنعن هذا) «1».

أقول: أمّا الاجماع فحصوله غير معلوم.

و أمّا السيرة فهل يكون النظر من دعوى السيرة الى سيرة المتشرعة او سيرة العقلاء؟

ظاهر كلام العلامة الهمدانى رحمه اللّه فى

طهارته سيرة العقلاء، بدعوى ان العقلاء لا يعتنون باحتمال وجود المانع فى امورهم، و لكن الاشكال يكون فى ان هذه السيرة من باب حصول الاطمينان لهم، او يكون هذا سيرتهم حتى مع الشك فى وجود المانع، بل حتى مع الظن بوجود الحاجب و المانع، و قيام سيرتهم في غير صورة الاطمينان بعدم المانع غير معلوم، و مع وجود الاطمينان لا حاجة بالسيرة بعد القول بحجية الاطمينان كاليقين.

كما أنه فى صورة الظن بعدم الحاجب مع عدم بلوغه حدّ الاطمينان تحقق السيرة القطعية المستمرة من زماننا الى زمن المعصومين عليهم السّلام بحيث يورث القطع بكشف السيرة عن رأيهم عليهم السّلام غير معلوم.

و أمّا الرواية فهي في الحيض كما صرح في رواية اخرى في الباب المذكور بالنهى عن النظر الى انفسهن في المحيض بالليل، و هى ما رواها ثعلبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (انه كان ينهى النساء ان ينظرن الى انفسهن فى المحيض بالليل و يقول:

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من أبواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 197

انها قد تكون الصفرة و الكدرة) «1».

فليست الرواية على هذا مربوطة بالمقام و هو عدم وجوب الفحص.

و لو فرض كون النظر فيها الى عدم وجوب الفحص فى الحيض من حصول الطهر منه أم لا، فهو حكم مخصوص بمورده و لا وجه للتعدى الى غيره.

إلّا أن يقال: إن حكمه عليه السّلام و إن كان في الحيض، لكن يكون حكما على القاعدة لعدم البناء على الفحص، و لكن هذا غير معلوم لعدم كون البناء على عدم، بل ربما يكون البناء على الفحص مثل موارد الاستبراء، فعلى هذا نقول: إن الاقوى وجوب الفحص في صورة

الظن بوجود الحاجب، و كذا في صورة الشك في وجود الحاجب بل فى صورة الظن بعدم وجوده بالظن الغير المعتبر.

***

[مسئلة 10: الثقبة في الانف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الثقبة في الانف موضع الحلقة او الخزامة لا يجب غسل باطنها، بل يكفى ظاهرها سواء كانت الحلقة فيها أو لا.

(1)

أقول لما مر فى المسألة الاولى من عدم وجوب غسل الباطن و الثقبة من الباطن.

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 19 من ابواب الحيض من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 198

[الثاني: غسل اليدين]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثاني: غسل اليدين من المرفقين الى اطراف الاصابع مقدّما لليمنى على اليسرى.

و يجب الابتداء بالمرفق و الغسل منه الى الاسفل عرفا فلا يجزى النكس.

و المرفق مركب من شي ء من الذراع و شي ء من العضد، و يجب غسله بتمامه، و شي ء آخر من العضد من باب المقدمة.

و كل ما هو في الحد يجب غسله و إن كان لحما زائدا او اصبعا زائدة.

و يجب غسل الشعر مع البشرة.

و من قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد و إن كان اولى.

و كذا إن قطع تمام المرفق، و إن قطعت مما دون المرفق يجب عليه غسل ما بقى، و إن قطعت من المرفق بمعنى اخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ما كان من العضد جزءا من المرفق.

(1)

أقول: لا اشكال في كون غسل اليدين من فروض الوضوء في الجملة نصا، لدلالة القرآن الكريم و ما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الائمة عليهم السّلام قولا و فعلا عليه، و فتوى لكونه مما اتفق عليه الفريقان، و ما ينبغى أن نعطف عنان الكلام إليه بعض الخصوصيات الواقعة مورد الكلام، فنقول بعونه تعالى أن الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في كون الواجب من غسل اليدين بين المرفق و اطراف الاصابع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 199

بلا اشكال و خلاف بيننا، كما ادعى عليه الاجماع، و كونه المشهور عند العامة و نسب الخلاف الى بعضهم كزفر.

و يدل عليه من الكتاب الكريم قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ.

لكون المراد من كلمة (الى) (مع)، إمّا من باب كون (مع) احد معانيها، و إما من باب كون الغاية داخلة في المغيّا فتكون كلمة (الى) بمنزلة كلمة (مع)، و لبعض الأخبار الوارد

في الوضوءات البيانية نذكره في طى التعرض لبعض الفروع إن شاء اللّه.

الجهة الثانية: يجب تقديم يد اليمنى في الغسل على يد اليسرى،

و ادعى عليه الاجماع.

و يدلّ عليه الرواية الّتي رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين قال: يغسل اليمين و يعيد اليسار) «1».

و الرواية الّتي رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال:

سألته عن رجل توضأ و غسل يساره قبل يمينه كيف يصنع؟ قال: يعيد الوضوء من حيث اخطا، يغسل يمينه ثم يساره ثم يمسح رأسه و رجليه). «2»

الجهة الثالثة: يجب الابتداء بالمرفق و الغسل منه الى الاسفل عرفا،

فلا يجزى النكس و هو المشهور، بل لم ينقل الخلاف الا عن السيد رحمه اللّه في أحد قوليه، فحكم باستحباب الابتداء من المرفق و عن ابن ادريس فحكم بكراهة النكس.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 35 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 15 من الباب 35 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 200

و يدلّ على وجوب ذلك الرواية الّتي رواها محمد بن محمد بن النعمان المفيد في الإرشاد عن محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل: (انّ علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء، فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام: فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، و الذي امرك به في ذلك أن تمضمض ثلثا و تستنشق ثلثا و تغسل وجهك ثلثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر اذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الى الكعبين ثلثا، و لا تخالف ذلك الى غيره. فلمّا وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب مما رسم له أبو الحسن عليه السّلام فيه مما جميع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاى اعلم بما

قال و أنا امتثل امره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر أبي الحسن عليه السّلام، و سعى بعلى بن يقطين الى الرشيد و قيل: إنه رافضى، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلمّا نظر الى وضوئه ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة، و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام:

ابتدأ من الآن يا علي بن يقطين و توضأ كما امرك اللّه تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك، و امسح بمقدّم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام) «1».

فهي كما ترى تدل على أن الواجب هو الابتداء بالمرفق في غسل اليدين لقوله عليه السّلام (و اغسل يديك من المرفقين) و ظاهر الأمر يقتضي الوجوب.

و الرواية الّتي رواها الهيثم بن عروة التميمى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ، فقلت: هكذا و مسحت من

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 201

ظهر كفّى الى المرفق. فقال: ليس هكذا تنزيلها، انما هي فاغسلوا وجوهكم و أيديكم (من) الى المرافق، ثم امر يده من مرفقه الى اصابعه) «1».

تدلّ الرواية على وجوب الابتداء بالمرفق، لكن يشكل الاستدلال بها باعتبار دلالتها على أن النازل من اللّه في قرآنه الكريم (من المرافق)، لا (الى المرافق)، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به لتسلم كون النازل من اللّه في القرآن (الى) لا (من)، لكن بعد كون

المنزل هو (الى المرافق) و بعد كون المستفاد من الرواية كون الواجب الابتداء من المرفق، فلا بدّ من حمل التنزيل في الرواية على التفسير او التأويل و حمل (الى) على معنى (من)، إمّا من باب كون (الى) بمعنى من، أو من باب كون الغاية داخلة في المغيّا.

فعلى الاحتمال الأول يستفاد من الآية الابتداء بالمرفق. و على الاحتمال الثاني لا يستفاد من نفس الآية وجوب الابتداء بالمرفق، بل يستفاد كون المرفق داخلا في اليد الذي يجب غسله.

و لكن بعد بيان الإمام عليه السّلام كما رأيت في الرواية من حمل (الى) على (من) و ابتدائه بالمرفق عملا يدل على وجوب الابتداء بالمرفق.

و الرواية الّتي رواها على بن عيسى بن أبي الفتح الاربلى في كشف الغمة قال:

(ذكر علي بن ابراهيم بن هاشم، و هو من اجل رواة اصحابنا، في كتابه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و ذكر حديثا في ابتداء النبوة يقول فيه، فنزل عليه جبرئيل و انزل عليه ماء من السماء فقال له: يا محمد قم توضأ للصلاة، فعلمه جبرئيل الوضوء على الوجه و اليدين من المرفق و مسح الرأس و الرجلين الى الكعبين) «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 24 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 202

فهي و إن كانت تدل على كون تعليمه في الوضوء في غسل اليدين من المرفق، لكنها على ما ترى من نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه الرواية تكون مرسلة، إلّا أن يكون في كتاب علي بن ابراهيم سند الرواية.

و الرواية الّتي رواها عن صفوان قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن قول

اللّه عزّ و جل: «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ» فقال عليه السّلام: قد سئل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن ذلك، فقال:

سيكفيك او كفتك سورة المائدة يعنى المسح على الرأس و الرجلين، قلت: فإنه قال:

(اغسلوا ايديكم الى المرافق) فكيف الغسل قال هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى يفضه في اليسرى ثم يفضه على المرفق ثم يمسح على الكف، قلت له: مرة واحدة؟

فقال كان ذلك يفعل مرتين، قلت: يردّ الشعر؟ قال: إذا كان عنده آخر فعل و الا فلا) «1».

يستدلّ بها للمسألة بقوله المعصوم عليه السّلام (إذا كان عنده آخر فعل و الا فلا) في جواب سؤال السائل عن ردّ الشعر لأنّ معنى رد الشعر الغسل منكوسا من الكف الى المرفق فنهى عنه إذا لم يكن مورد التقية.

و أما قوله عليه السّلام: (هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى، ثم يفضّه على المرفق ثم يمسح على الكف) فلا يدل على وجوب الابتداء في الغسل من المرفق لاحتمال كونه في مقام بيان استحباب كون الابتداء في صبّ الماء من المرفق لا وجوب كون الابتداء بالغسل منه.

و هذه الرواية تدل على وجوب الابتداء بالمرفق و عدم جواز النكس لدلالتها

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 23 من أبواب الوضوء من جامع احاديث الشيعة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 203

على عدم جواز رد الشعر و كذلك الرواية الثانية و الثالثة.

و أمّا بعض الروايات الواردة في الوضوءات البيانية، فهو و إن كان يدلّ على أن فعل المعصوم و عمله عليه السّلام كان بالابتداء من المرفق، لكن لا يدل على وجوب ذلك، لأنّ فعله عليه السّلام يمكن كونه من

باب استحباب ذلك كما حكى القول به عن السيد المرتضى رحمه اللّه في أحد قوليه.

و على كل حال لا اشكال في وجوب الابتداء بالمرفق و الغسل منه الى الاسفل و عدم جواز النكس.

الجهة الرابعة: فيما هو المراد من المرفق،

و هو على ما قاله المؤلّف رحمه اللّه مركّب من شي ء من الذراع و شي ء من العضد.

أقول: ما حكى من اللغوييّن و إن كان تفسير بعضهم له مخالفا مع بعض الآخر منهم، مثلا عن القاموس و مجمع البحرين و محكى الصحاح أن المرفق (موصل الذراع في العضد). و عن بعضهم انه موصل الذراع، أو انه مجمع عظمى الذراع و العضد، او رأس العظمين، او المقدار المتداخل من كل منهما، لكن لا يبعد ارجاع الكل الى ما ذكره المؤلّف رحمه اللّه من انه مركّب من شي ء من الذراع و شي ء من العضد، لأنّه بعد كون مقدار بين كل من عظمى الذراع و العضد متصلا بالآخر و داخلا احدهما في الآخر، فسواء يكون المرفق موصل الذراع من العضد او في العضد او بالعضد، او مجمع عظمى الذراع و العضد، او المقدار المتداخل من كل منهما، أو رأس العظمين، يكون شي ء من الذراع و شي ء من العضد هو المرفق، لأنّ هذا المقدار منهما هو محل اتصال كل منهما بالآخر، و مجمعهما و راس كل من العظمين.

ثم اعلم أن تفسير المرفق بانه شي ء من الذراع و شي ء من العضد لا يخلو من اجمال، لاجمال الشي ء الذي من الذراع و العضد، و لاجل اجماله يمكن ارجاع تفاسير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 204

اهل اللغة به، فهل نقول إنه بمجرد غسل شي ء من العضد المتواصل بالذراع و إن كان اوّل طرفه المتداخل مع الذراع

غسل المرفق. أو نقول لا بدّ من غسل مجموع المقدار المتواصل من كل منهما بالآخر.

لما يمكن ان يقال: بأنّ ظاهر من فسر المرفق بموصل الذراع في العضد او بالعضد او مفصل الذراع و العضد او مجمعهما او المقدار المتداخل من كل منهما، يكون الظاهر من كلامه كون تمام مقدار المتصل من كل من العظمين بالآخر مرفقا، فيرجع كل التعاريف بامر واحد و هو يساعد مع ما قال المؤلف رحمه اللّه من أنّه (شي ء من العضد و الذراع) و المراد بالشي ء هو المقدار المتداخل و مجموعهما و موصل كل منهما بالآخر في قبال الجزء المنفصل من كل منهما عن الآخر و هو القول المنسوب الى المشهور أيضا، فافهم.

الجهة الخامسة: و يجب غسل المرفق بتمامه و شي ء من العضد،

الأول نفسيا و الثاني من باب المقدمة.

أما وجه وجوب غسل المرفق بتمامه وجوبا نفسيا خلافا لبعض من يحكى عنه بكون وجوب غسل المرفق مقدميا.

يقال من أنه ثبت عن الائمة عليهم السّلام كون لفظ (الى) في آية (فاغسلوا وجوهكم و ايديكم الى المرافق) بمعنى (مع).

و بعض الروايات الناقلة عن وضوءات الائمة عليهم السّلام من أنهم غسلوا المرفق كما غسلوا ما بقى من الذراع الى رءوس الاصابع.

و بعض الآخر الدال على وجوب غسل المرفق، و من الواضح كون وجوبه نفسيا لا مقدميا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 205

و أمّا وجوب غسل شي ء من العضد مضافا الى غسل تمام المرفق فهو يكون من باب المقدمة العلمية كى يحصل العلم بامتثال الأمر المتعلق بغسل اليد من المرفق الى رءوس الاصابع.

الجهة السادسة: و كل ما في الحد يجب غسله و إن كان لحما زائدا

او اصبعا زائدة، و يدل على وجوب غسل جميع ما فى الحدّ مضافا الى دعوى الاجماع على وجوبه بعض الروايات:

منها الرواية التى رواها زرارة و بكير انهما سالا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (و فيها بعد بيان وضوئه) قال: إن اللّه تعالى يقول: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ فليس له أن يدع شيئا من وجهه الا غسله، و امر بغسل اليدين الى المرفقين، فليس له ان يدع من يديه الى المرفقين شيئا الا غسّله الخ) «1».

و منها الرواية التى رواها اسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن امير المؤمنين عليهم السّلام في حديث (قال: و المحكم من القرآن مما تاويله في تنزيله مثل قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى

الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و هذا من المحكم الذي تأويله في تنزيله لا يحتاج تاويله الى اكثر من التنزيل. ثم قال: و أمّا حدود الوضوء فغسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و ما يتعلق بها، و يتصل سنّة واجبة على من عرفها و قدر على فعلها). «2».

وجه الاستدلال دلالة الاولى من الروايتين على انه لا بدّ من أن لا يدع شيئا

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل

(2) الرواية 23 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 206

من يديه الى لمرفقين الّا غسّله، فكلّ ما يكون داخلا في الحدّ هو من الشي ء الذي لا بدّ من غسله.

و دلالة الثانية على وجوب غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و ما يتعلق بها و يتصل بها، فاللحم الزائد و الاصبع الزائدة من المتعلقات باليد فلا بدّ من غسلها.

و الحاصل أن اطلاق الروايتين يشمل وجوب غسل كل ما في الحد من المرفق إذا عدّ من متعلقاتها عرفا، و إن ابيت عن دلالة الروايتين على غسل الزائد من اللحم و غيره تصل النوبة بالاصل العملى، فنقول:

لو شككنا في وجوب غسله و عدمه فهل المورد مورد اصالة الاشتغال او استصحاب الحدث او يكون مورد البراءة.

الحق كون المورد مورد الاشتغال في ما يشك في بقاء التكليف المتعلق بالوضوء و استصحاب الحدث فيما يكون الاثر مترتبا عليه في خصوص الجزء الزائد في ما يعدّ الزائد من اليد عرفا، لأنّ رافع الحدث هو الوضوء المعتبر فيه غسل تمام اليد من المرفق و هو على الفرض لم يغسله بتمامه.

و أمّا فيما

لا يعدّ الزائد جزءا من اليد عرفا، فلا وجه للاشتغال و لا لاستصحاب الحدث، بل يقتضي البراءة عن غسل الزائد تحقق رافع الحدث و إن لم يغسل هذا المشكوك.

و ليس المورد من قبيل الشك في المحصّل، حتى يكون مورد الاشتغال، لأنّ الواجب هو الغسلتان و المسحتان، و انما يشك في دخل شي ء فيه زائدا على ما يعلم، فيرتفع باصالة البراءة، لأنّه من قبيل الاقل و الاكثر الارتباطى و الحق فيه البراءة،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 207

فمما مر ظهر لك أن كل ما يعد عرفا من اليد و متعلقاتها يجب غسله و لو كان اطول من رءوس الاصابع.

و توهم أن ايجاب الغسل في الأخبار الى رءوس الاصابع يدل على أن الازيد منها غير واجب الغسل فاسد، لأنّ الأخبار ليست في مقام التحديد من هذا الحيث، و لو شككنا فكما قلنا: إذا كان يعد الزائد عرفا من اليد و متعلقاتها يجب غسله لقاعدة الاشتغال، إن ابيت عن دلالة بعض ما ذكرنا من النصوص و الا فالدليل هو النصّ اعنى الاصل اللفظى و معه لا تصل النوبة بالاصل العملى، و يأتى الكلام فى اليد الزائدة إن شاء اللّه فى طى المسألة 14.

الجهة السادسة: و يجب غسل الشعر مع البشرة.

اما وجوب غسل الشعر مضافا الى دعوى الاجماع عليه عن بعض كون الشعر من جملة اجزاء اليد و توابعها، فيجب غسله لما مر في الجهة الرابعة و الخامسة.

و اما وجوب غسل البشرة مع الشعر بمعنى وجوب غسل كل منهما، فلكونها من اليد فيجب غسلها.

و لا وجه لعدم وجوب غسلها إلّا ما توهم من دلالة الرواية التى رواها زرارة (قال: قلت له: ا رايت ما كان تحت الشعر؟ قال: كلّ ما احاط به

الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء) «1».

هذه الرواية بنقل الكلينى رحمه اللّه على ما فى الوسائل و رواه الصدوق رحمه اللّه و هي الرواية 3 من الباب المذكور و تقطعها صاحب الوسائل رحمه اللّه و ذكر بعضها في هذا الباب و بعضها في الباب 17 من أبواب الوضوء، و تمام الرواية هكذا بنقل جامع احاديث

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 46 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 208

الشيعة في الباب 19 من أبواب الوضوء منه (قال زرارة بن اعين لأبي جعفر الباقر عليه السّلام: اخبرنى عن حد الوجه الذي ينبغى (له) ان يوضأ، الّذي قال اللّه عزّ و جل فقال: الوجه الّذي امر اللّه عز و جل بغسله، الّذي لا ينبغى لاحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يوجر و إن نقص منه اثم، ما دارت عليه (السبابة) و الوسطى و الإبهام من قصاص (شعر) الرأس الى الذقن، و ما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه. قلت: الصدغ (ليس) من الوجه؟ قال: لا قال زرارة، قلت له: ا رايت ما احاط به الشعر؟ فقال: كلّ ما احاط اللّه به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء).

روي هذه الرواية الكلينى رحمه اللّه في الكافى و الشيخ رحمه اللّه فى التهذيب و الصدوق رحمه اللّه في الفقيه.

و الراوى فى كل من الروايتين زرارة يروى عنه حماد الرواية الاولى بلا واسطة، و الثانية بتوسيط حريز، و كما ترى فى

الفقرة المشتركة بين الروايتين اعنى من قوله (قلت له الخ) يكون متن الروايتين متحدا تقريبا باختلاف يسير.

فمع هذا يحصل الاطمينان بكون الروايتين رواية واحدة، غاية الأمر حصل التقطيع إمّا من نفس زرارة أو بعض الروايات منه، فلا يمكن لنا الوثوق بصدور رواية غير الرواية الثانية و كون الرواية الاولى بعضها.

فإذا لا مجال للاستدلال على عدم وجوب غسل البشرة بالرواية الاولى، و يتمسك بعمومها و انه كلّ ما احاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه، لأنّه ليست هذه رواية مستقلة، بل تمام الرواية الرواية الثانية و ينبغى ان يتكلم في اطرافها، و أنها هل تدل على عدم وجوب غسل البشرة من اليد إذا احاط به الشعر بدعوى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 209

عموم (كلّ ما احاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه) فكما لا يجب غسل البشرة المحاط بالشعر في الوجه كذلك في اليدين من الوضوء، او لا وجه للتمسك بها.

أقول: كل من يتأمل في السؤال و الجواب و هو (قال زرارة قلت له: ا رايت ما احاط به الشعر؟ فقال: كل ما احاط به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه الخ) مع كون السؤال و الجواب قبل ذلك عن حد الوجه و ما يجب غسله فيه، لا يشك في أن السؤال عن خصوص ما احاط به الشعر في الوجه، فقوله كلّ ما احاط به الشعر يكون ناظرا الى خصوص الوجه، يعنى كلّ ما يكون في الوجه محاطا بالشعر لا يجب غسل البشرة المحاطة بالشعر، فالكلام عام بالنسبة الى اجزاء الوجه و لا يعمّ غير الوجه فلا يقبل حمل (كلّ ما) مع ملاحظة الصدر، اعنى ملاحظة السؤال، على عمومه حتى

بالنسبة الى غير الوجه.

و أمّا الرواية التى رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة، انما عليك أن تغسل ما ظهر) «1» فليس المراد منها ما ظهر من الشعر و انه لا يجب غسل البشرة المحيط بها الشعر، بل المراد من الظاهر الظاهر في قبال الباطن مثل باطن الانف و الفم كما صرّح في الصدر من كون السؤال عن المضمضة و الاستنشاق.

فتلخص مما مر وجوب غسل الشعر و البشرة من اليد من المرفق الى اطراف الاصابع.

الجهة السابعة: و من قطعت يده من فوق المرفق لا يجب عليه غسل العضد

و إن كان اولى.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 29 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 210

وجه عدم الوجوب انعدام الحكم بانعدام موضوعه، لأنّ المفروض كون موضوع الوجوب من المرفق و هو مقطوع و فوقه لم يكن موضوعا للوجوب فلا يجب غسله و حكى عليه الاجماع و ادعى عدم الخلاف فيه.

و ما في بعض الروايات مثل الرواية التى رواها رفاعة قال: (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الاقطع فقال: يغسل ما قطع منه) «1».

و الرواية التى رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الاقطع اليد و الرجل؟ قال: يغسلهما) «2».

و الرواية التى رواها رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (سألته عن الاقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه) «3».

و الرواية التى رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال:

سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ما بقى من عضده) «4».

محمول على ما كان القطع من دون المرفق بحيث يكون شي ء من موضع الوضوء

من اليد باقيا.

إما من باب كون مناسبة الحكم و الموضوع مقتضيا لذلك، لأنّه لا معنى لجعل شي ء آخر واجبا عوض شي ء آخر، فمع قطع مقدار الواجب بتمامه لا معنى لايجاب شي ء آخر و هو ما بقى من العضد، فمناسبة الحكم و الموضوع يقتضي حمل الأخبار على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 49 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 211

ما بقى من الموضع الواجب غسله من اليد فامر بغسل الباقى، لان طبع الحكم يقتضي اتيان ما بقى من الوضوء، لأنّ ما بقى كان معروض الحكم من اوّل الأمر فاذا لم يتمكن من المقدار المقطوع لا وجه لسقوط حكم ما بقى من الموضوع فيكون حكما على وفق القاعدة.

و إمّا من باب انه مع الاجماع و دعوى عدم الخلاف على عدم وجوب غسل ما بقى من العضد فوق المرفق الا ما حكى عن المفيد رحمه اللّه لا يمكن التعويل على هذه الأخبار في هذا المورد، ففي الحقيقة هذه الأخبار على فرض دلالتها على وجوب غسل ما بقى من العضد غير معمول بها.

و إمّا من باب انه لو بنينا على الاخذ بهذه الأخبار كان لازمه الحكم بوجوب غسل الكتف على من قطع يده من الكتف، لأنّ الروايات غير الاخيرة تدل على وجوب الغسل على الاقطع، و الاقطع من قطع يده فيشمل من قطعت يده من الكتف. و هكذا بمقتضى الرواية الثانية و الثالثة يجب غسل ما بقى من رجل من يكون مقطوع

الرجل، و هذا مما يخالف مذهبنا من وجوب المسح على الرجلين لا الغسل، لكن يمكن ان يقال بأن الامر غسل الرجل كان من باب التقية. و إمّا من باب عدم كون مورد الأخبار بظاهرها صورة قطع اليد من فوق المرفق بل موردها ما بقى شي ء من الموضع الواجب غسله من اليد في الوضوء مثل ما قطع من تحت المرفق او قطعت اليد مع بعض المرفق، بدعوى أن ظاهر الرواية الاخيرة و هي رواية على بن جعفر هو القطع من دون المرفق، لأنّ مورد السؤال من قطعت يده من المرفق و ظاهره كون المرفق كله او بعضه باق لأنّ هذا ظاهر الابتداء، و كذلك غيرها من الروايات لقرب ظهور الاقطع فيمن قطعت يده من دون المرفق.

أقول: و اعلم أن كل هذه الوجوه قابل للاشكال، إلّا انه بعد الاجماع المدعى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 212

لا بأس بتوجيه او الاشكال في الروايات باحد الوجوه المتقدمة، فتأمل.

و أمّا ما قاله المؤلّف رحمه اللّه من أنه لا يجب غسل العضد في فرض المسألة و إن كان اولى، وجه اولوية غسل العضد إمّا احتمال دلالة كل من الروايات الاربعة المتقدمة على غسله، و إما خصوص الرواية الاخيرة و هي رواية علي بن جعفر علي ذلك، فمجرد احتمال كون المراد منها من قطعت يده من فوق المرفق يكفى في اولوية غسله على عدم غسله.

الجهة الثامنة: و من قطعت يده من تمام المرفق

فلا يجب عليه غسل ما بقى من عضده لما عرفت فى الجهة السابعة، و ما يمكن كونه وجها لوجوب غسله أيضا ما عرفت في الجهة السابعة مع جوابه.

الجهة التاسعة: و إن قطعت يد الشخص دون المرفق يجب عليه غسل ما بقى.

و ما يمكن أن يكون وجها له مع ما حكى من الاجماع عليه او نسبة الوجوب الى اهل العلم، هو أن المتيقن من الروايات المتقدمة في الجهة السابعة هذا المورد، لأنّ مورد الروايات إمّا يكون مطلق من قطعت يده حتى من فوق المرفق، فيشمل المورد الذي قطعت دون المرفق يقينا.

و إمّا يكون خصوص المورد الذي قطعت مما دون المرفق لما قلنا في الجهة السابعة في وجه عدم كون مورد الروايات صورة قطع اليد من فوق المرفق.

و نقول هنا تتميما لبيان المطلب: إن مورد الرواية الاولى و الثانية و الثالثة هو الاقطع، و المراد من الاقطع في الروايات بظاهرها ليس من قطعت يده من الكتف، لأنّ ظاهرها وجوب غسل الباقى من اليد و من قطعت يده من الكتف لم تبق له يد حتى يغسله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 213

فموردها إما مطلق من قطعت بعض يده و إن كان من فوق المرفق، او خصوص من قطعت يده من دون المرفق، و الأول لا يمكن الالتزام به لما قلنا من بعض الاشكالات في الجهة السابعة، إمّا لكون مورد الروايات غير من قطعت يده من المرفق ظاهرا، و إمّا من جهة عدم امكان الاخذ بها على تقدير دلالتها على من قطعت يده من فوق المرفق للاجماع على خلافه.

فيكون مورد هذه الأخبار الثلاثة خصوص صورة القطع من دون المرفق كما افتوا به.

و أمّا الاشكال في الروايات بأن ظاهرها وجوب غسل خصوص موضع القطع.

ففيه أن ظاهرها ليس هذا خصوصا

الثانية منها لأنّ قوله عليه السّلام: (يغسلهما) هو غسل اليد و الرجل لا خصوص موضع القطع.

و أمّا الرواية الرابعة اعنى رواية على بن جعفر، فالمراد منها صورة قطع اليد من دون المرفق بناء على حملها على كون المرفق في قوله: سألته عن رجل قطعت يده من المرفق خارجا عما قطع من اليد و هذا غير بعيد عن ظاهر الرواية.

و يمكن أن يتمسك بوجوب غسل الباقى من اليد في فرض قطع اليد من دون المرفق بقوله: اذا امرتكم بشي ء فاتوا منه ما استطعتم بقاعدة الميسور و ما لا يدرك كله لا يترك كله على الكلام فيها و في مقدار دلالتها و موردها.

و يمكن التمسك بالاستصحاب، فيقال فيما كان القطع بعد دخول الوقت: بأنه قبل قطع ما قطع من يده كان الواجب غسل ما بقى الى المرفق فيستصحب وجوبه.

ان قلت: إن الموضوع قد تبدل، و الشرط في اجراء الاستصحاب بقاء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 214

الموضوع.

قد يقال جوابا عن هذا الاشكال: بان الموضوع باق، لأنّ غسل هذا المقدار الباقى من اليد دون المرفق كان واجبا قبل قطع ما قطع من اليد بانبساط الوجوب عليه بدون تقديم عروض الوجوب له بعروضه بما قطع من اليد فيستصحب الوجوب.

هذا اذا كان التكليف المتعلق باليد انبساطيا على كل جزء من اليد، و لكن هذا غير معلوم بل يكون معلوم العدم فعلى هذا لا وجه للاستصحاب.

و اما فيما قطعت يده من دون المرفق قبل دخول الوقت فاذا دخل الوقت يستصحب الوجوب، لكن الاستصحاب في هذه الصورة يكون استصحابا تعليقيا، فيقال لو كان يده بتمامها باقية كان هذا المقدار الباقى واجبا فكذلك في هذا الحال.

ففي كلتا الحالتين اى حالة

قطع يده من دون المرفق بعد الوقت و قبل الوقت يجرى الاستصحاب، غاية الامر فيما كان القطع بعد الوقت فعليا و قبل الوقت تعليقيا.

لكن هذا الاستصحاب يجرى على فرض كون التكليف انبساطيا، و اما أن كان تكليفا واحدا بمجموع اليد فلا مجال للاستصحاب لعدم بقاء الموضوع و هو تمام اليد كما قلنا في الفرض الأول.

اقول: اما اذا لم يكن التكليف انبساطيا، فكما اعترف المجيب عن الاشكال لا مجال لاستصحاب، و اما اذا كان انبساطيا فكما بينا فى الاصول، لا مجال أيضا للاستصحاب وجوب باقى الاجزاء، فراجع.

فعلى هذا لا مجال لاستصحاب وجوب الباقى، و اما قاعدة الميسور فمضافا الى بعض ما اورد عليها، و قد بينا فى الاصول لا يمكن التمسك بها لضعف سندها و جبرها

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 215

بعمل الاصحاب غير معلوم، فراجع ما كتبنا فى الاصول فى هذه المسألة.

الجهة العاشرة: و إن قطعت اليد من المرفق

بمعنى اخراج عظم الذراع من العضد يجب غسل ما كان من العضد جزء المرفق.

لعين ما قلنا في الجهة التاسعة لأنّه على الفرض قد بقى بعض مواضع الوضوء و هو الجزء الذي من العضد يكون داخلا في المرفق.

***

[مسئلة 11: إن كانت له يد زائدة دون المرفق]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: إن كانت له يد زائدة دون المرفق وجب غسلها أيضا كاللحم الزائد.

و إن كانت فوقه فأن علم زيادتها لا يجب غسلها و يكفى غسل الاصلية، و إن لم يعلم الزائدة من الاصلية وجب غسلهما و يجب مسح الرأس و الرجل بهما من باب الاحتياط.

و إن كانتا اصليتين يجب غسلهما أيضا و يكفى المسح بإحداهما.

(1)

أقول: تارة يقع الكلام في يد زائدة دون المرفق فالحق وجوب غسلها، لما عرفت من بعض الأخبار الدال على ذلك في الجهة السادسة من الجهات التى تعرضنا في وجوب غسل اليدين، و هي روايتا زرارة و بكير و رواية اسماعيل بن جابر فإنّ مفاد الاولى انه يجب أن لا يدع شيئا مما بين الحدين و مفاد الثانية وجوب غسل اليد مع متعلقاتها، مضافا الى قاعدة الاشتغال و استصحاب الحدث ان كان الاثر مترتبا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 216

عليه و صورة صدق اليد عليه عرفا.

و تارة يقع الكلام فيما كانت فوق المرفق و له صورتان:

الصورة الاولى: ما كانت اليد الاصلية مرددة بين اليدين

فلا يعلم صاحب اليدين بأن ايّا منهما اصلية و أيا منهما زائدة، مثل ما كانتا متحدة في جميع الجهات ففي هذه الصورة يجب غسل كل منهما، لانه إمّا الواجب غسل كل من الاصلية و الزائدة (كما هو احد القولين في الصورة الثانية التي نتعرض لها و هي ما تكون الاصلية معلومة و الزائدة معلومة) فيجب غسلهما.

و إمّا أن الواجب غسل اليد الاصلية فقط، فأيضا يجب غسل كل منهما في الفرض لتردد الاصلية بين اليدين، فمقتضى العلم الاجمالى هو وجوب غسل كل منهما.

كما انه في هذه الصورة يجب مسح الرأس و الرجل اليمنى بكل منهما أيضا إن كانت اليد الزائدة

في يده اليمنى و مسح رجل اليسرى بهما إن كانت اليد الزائدة في يده اليسرى، و مسح كل منهما بكل منهما إن كانت يد الزائدة في كل من اليمنى و اليسرى.

هذا إذا قلنا بعدم وجوب غسل اليد الزائدة و اما لو قلنا بوجوب غسله من باب صدق اليد عليها فيكفى المسح بواحدة من اليد الاصلية و الزائدة، لان المسح لا بد و ان يكون باليد و كل منهما يد، فكما يكتفى بالاصلية يكتفى المسح بالزائدة، و ان كان الاحوط استحبابا المسح باليد الاصلية.

الصورة الثانية: ما إذا علم تفصيلا باليد الزائدة و الاصلية

فيدرى أن ايهما الاصلية و ايهما الزائدة، فهل يجب غسل كل منهما كما حكى عن بعض، او لا يجب الّا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 217

غسل اليد الأصلية كما حكى عن جمع و اختاره المؤلّف رحمه اللّه.

وجه عدم الوجوب كون الوارد في بعض الأخبار ذكر اليد تثنية و هذا يقتضي كون الواجب غسل اليدين لا الايادى الثلاثة، و بعد كون الواجب غسل احد من هذين اليدين الواقعتين في يده اليمنى او اليسرى، فلا اشكال في أن الواجب من بينهما الاصلية لا الزائدة و لانصراف الاطلاق عن اليد الزائدة.

و وجه وجوب غسل كل من الاصلية و الزائدة صدق اسم اليد على كل منهما، و قد قال اللّه تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ).

و أمّا ما قيل من عدم وجوب غسل الزائدة لما ورد في بعض الأخبار اليدان تثنية لان المراد من اليدين يد اليمنى و اليسرى، فمعنا الامر بغسل اليدين غسل كل من اليد اليمنى و اليد اليسرى، و عدم كفاية غسل احدهما، و هذا لا ينافى مع كونه فى كل من اليمنى و اليسرى ذا يد اصلية

و زائدة او ذا اليدين الاصليتين.

مضافا الى ما قيل من كون ذكر اليدين جريا على المتعارف لكون المتعارف ذا اليدين و هذا لا يصلح لتقييد الحكم بخصوص الاصلى منهما و عدم وجوب غيرهما مع كون اليد صادقا عليه.

و أمّا ما قيل من انصراف اليد عن الزائدة بمعنى انه لو كان اطلاق في البين من باب التعبير باليد لا وجه لأخذ الاطلاق منه و دعوى كون اليد صادقا على الزائدة لانصراف الاطلاق عنها.

ففيه أن مجرد ندرة الوجود لا يوجب الانصراف كما ذكر في محله، و إلّا لو كان ندرة الوجود موجبا للانصراف فنقول إن الآية الشريفة و الأخبار الواردة في الوضوء الدالة على غسل اليد منصرف عمن يكون في واحدة من يديه او فيهما يدان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 218

اصليتان او اصلية و زائدة، فلا يجب عليه غسل اليد التي تكون فيها يدان و هذا مما لا يمكن الالتزام به، فالاقوى وجوب غسل كل منهما.

و هل يجب المسح بكل منهما او يكفى المسح بواحدة منهما؟

الحق الاكتفاء بكل واحدة منهما لأنّ كلتيهما يد و الواجب كون المسح باليد، و إن كان الاحوط استحبابا المسح باليد الاصلية لاحتمال كون اليد واقعا خصوصها كما احتمل بعض و قال به.

و تارة تكون كلتا اليدين اصليتين فيجب غسل كل منهما كما قلنا في الفرض السابق، بل في الفرض لا يرد ما اورد في الفرض السابق من انصراف اليد الى غير الاصلية.

بل يمكن أن يقال في الفرض بأنه بعد العلم بوجوب غسل اليد لو فرض كون الواجب واقعا غسل احدهما، لكن حيث تكون كل منهما اصلية لا يعلم الواجب عن غير الواجب فيجب غسل كل منهما من

باب العلم الاجمالى بوجوب غسل إحداهما، فلو لم نقل في الفرض السابق بوجوب غسل كل من الاصلية و الزائدة لا بدّ أن نقول هنا بوجوب غسلهما.

مع انك عرفت أن الحق وجوب غسل كل منهما حتى في الفرض السابق، ففى الفرض بطريق الاولى.

و أمّا المسح فيكفى بكل منهما بناء على ما قلنا من وجوب غسل كل منهما لكونهما يدا و اليد يجب غسلها و في المسح يجب كون المسح باليد.

و أمّا لو قلنا بوجوب غسلهما من باب العلم الاجمالى بوجوب غسل إحداهما فلا بدّ من المسح بكل منهما حتى يعلم بوقوع المسح باليد، لأنّه على هذا لا يدرى أن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 219

اليد الواجب غسلها و الواجب المسح بها اى منهما فافهم.

***

[مسئلة 12: الوسخ تحت الاظفار إذا لم يكن زائدا على المتعارف]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: الوسخ تحت الاظفار إذا لم يكن زائدا على المتعارف لا تجب ازالته، إلّا إذا كان ما تحته معدودا من الظاهر فإن الاحوط ازالته.

و إن كان زائدا على المتعارف وجبت ازالته كما انه لو قصّ اظفاره فصار ما تحتها ظاهر اوجب غسله بعد ازالة الوسخ عنه.

(1)

أقول: اعلم انّ الظاهر فى مقابل الباطن يجب غسله حتى عرفت أن البشرة المستورة تحت الشعر في اليدين يجب غسلها و لا يكتفى بغسل الشعر عن غسلها (و إن كان غسل الشعر عن البشرة المحيط بها كاف في خصوص الوجه للدليل الخاص).

فبناء عليه نقول: بأنه لو عدّ البشرة الواقعة تحت الاظفار من الظاهر يجب غسلها و ايصال الماء إليها.

فإن كان الوسخ قليلا بحيث يصل الماء بوصف الاطلاق إلى البشرة الواقعة تحت الوسخ لا يجب على المتوضى ازالته.

و إن كان مانعا من وصول الماء إليها او مانعا من وصول الماء بوصف

الاطلاق إلى البشرة تجب ازالة الوسخ.

فعلى فرض عدّها من الظاهر، لا وجه لان يقال: بعدم وجوب غسلها، إما بانه مع عموم البلوى بوقوع الوسخ تحت الاظفار، فلو كان غسل البشرة الواقعة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 220

تحت الوسخ واجبا كان اللازم بيانه، فمن عدم بيانه نكشف عدم وجوبه بالإطلاق المقامى، و إما بان استحباب اطالة المرأة اظفار يديها شاهد على عدم وجوب غسل البشرة الواقعة تحت الاظفار.

ففيه، لانّ ما قيل من الاطلاق المقامى فمردود، فانه يكفى فى مقام بيان وجوب غسل تمام ما فى الحد من الظاهر ما ورد فى بعض الروايات، مثل قوله عليه السّلام فى رواية زرارة و بكير المتقدمة فى الجهة السادسة من الجهات المتقدمة فى غسل اليد (فليس له ان يدع شيئا من يديه الى المرفقين شيئا الا غسّله).

و أما استحباب اطالة المرأة اظفارها فلا يستفاد منه كون باطن الاظفار من الظاهر، و مع هذا لا يجب غسله، لانه لو كان ما تحتها من الظاهر يمكن غسله مع اطالة الظفر.

و لو عدّ البشرة الواقعة تحت الظفر من الباطن مثل الفم و الانف و الاذن، لا يجب غسلها رأسا فلا تجب ازالة الوسخ عن البشرة في هذه الصورة سواء كان زائدا على المتعارف او أقل منه.

إذا عرفت ذلك فما ينبغى أن نتكلم في اطرافه هو أن البشرة التي احاط به الظفر هل يعدّ من الباطن حتى لا يجب غسله، و لو لم يكن فوقها وسخ، أو من الظاهر حتى يجب غسلها حتى كان الواجب ازالة الوسخ المانع من وصول الماء إليها او من وصوله إليها بوصف الاطلاق.

و الحق أن البشرة إذا كانت بحيث لا تظهر الا بقصّ الظفر

فهى من الباطن بنظر العرف، و بعبارة اخرى الجزء المستور بالظفر منها هو من الباطن فلا يجب غسلها حتى يجب ازالة الوسخ لوقوع الغسل عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 221

هذا كله في البشرة المستورة بالظفر، و أمّا لو قص اظفاره فصار ما تحتها من البشرة ظاهرا وجب غسله و مع وجوب غسله يجب ازالة الوسخ المانع من وصول نفس الماء او من وصوله بوصف الاطلاق إلى البشرة.

***

[مسئلة 13: الاكتفاء عن الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الى الزندين و الاكتفاء عن الكفين بالغسل المستحب قبل الوجه باطل.

(1)

أقول: و وجهه واضح لأنّ الواجب غسل اليدين من المرفقين الى اطراف الاصابع في الوضوء.

***

[مسئلة 14: إذا انقطع لحم من اليدين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع، و يجب غسل ذلك اللحم أيضا ما دام لم ينفصل و إن كان اتصاله بجلدة رقيقة.

و لا يجب قطعه أيضا ليغسل ما تحت تلك الجلدة و إن كان احوط لو عدّ ذلك اللّحم شيئا خارجيا و لم يحسب جزءا من اليد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 222

(1)

أقول: اما وجوب غسل ما يظهر بعد قطع اللحم من اليدين، فلانّ ما ظهر بالقطع يصير من الظاهر و قد عرفت وجوب غسل ظاهر اليدين من المرفق الى اطراف الاصابع.

أمّا وجه وجوب غسل ذلك اللحم ما لم ينفصل فلكونه من اجزاء اليد و متعلقاتها فيجب غسله لما مرّ من دلالة الرواية على انّه لا يدع شيئا من بين المرفق الى رءوس الاصابع الا غسّله.

أما عدم وجوب قطع اللحم لعدم الدليل على وجوب قطعه.

و ما يمكن أن يكون دليلا عليه هو كون هذا اللحم يعدّ حائلا عند العرف، فكما يجب رفع الحائل لوصول الماء الى البشرة كذلك يجب قطع هذا اللحم، لأن يظهر المقدار المعلق عليه اللحم من البشرة.

و حيث إن كونه من قبيل الحائل غير مسلم بل مشكوك بنظر المؤلّف رحمه اللّه قال:

بأن الاحوط قطعه.

و لكن كون هذا اللحم من الحائل اللازم إزالته لوصول الماء إلى البشرة محل تامل جدّا، بل ما يأتى بالنظر هو كون البشرة المستورة باللحم او بجلدة منه معدودا من

الظاهر الذي يجب غسله حتى لاجله كان الواجب قطع اللحم غير معلوم بل معلوم العدم، نعم لوعد هذا اللحم شيئا خارجا عن اليد يمكن أن يقال بكونه كالحائل، لكن ما لم يقطع يعدّ من اليد لا شيئا خارجيا و ليست البشرة المستورة به من الظاهر، فلا وجه لوجوب قطعه خصوصا اذا كان فى قطعه مشقة او ضرر، فتامل.

بل اللحم المستور به مقدار من البشرة هو الظاهر من البشرة الواجب غسله لا باطنه.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 223

[مسئلة 15: الشقوق التى تحدث على ظهر الكف]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: الشقوق التى تحدث على ظهر الكف من جهة البرد إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب ايصال الماء فيها و الا فلا و مع الشك لا يجب عملا بالاستصحاب و إن كان الاحوط الايصال.

(1)

أقول: حكم الشقوق الحادثة على ظهر الكف او في الموضع الآخر من مواضع الوضوء إن عدت من الظاهر معلوم و هو وجوب الغسل، كما انها لو عدّت من الباطن حكمه معلوم و هو عدم وجوب غسلها.

غاية الأمر ما قاله المؤلّف رحمه اللّه في كلامه يظهر منه أن الميزان في كونها من الظاهر كونها وسيعة بحيث يرى جوفها، و هذا ليس بإطلاقه تعريفا و ميزانا للظاهر في قبال الباطن و الا لو كان كذلك يلزم عدّ ما يرى من باطن الفم و الانف و الاذن من الظاهر، و الحال انها من الباطن و كذلك يلزم كون باطن العين من الظاهر لإمكان رؤيته.

و لا يبعد الايكال في تشخيص موضوع الظاهر و الباطن الى العرف و الانصاف أن العرف يحكم في بعض الموارد انه من الظاهر و في بعض الموارد انه من الباطن من باب أن الظاهر بنظره ما هو بارز

بطبعه و الباطن ليس بارزا بطبعه و إن كان قابلا للرؤية كما ذكرنا في طى المسألة الاولى من المسائل المربوطة بافعال الوضوء، و في بعض الموارد و ان كان لا يمكن له الحكم و يكون من الصغريات المشكوكة بنظره، لكن فى خصوص مفروض المسألة لا يبعد كونها من الظاهر بنظر العرف.

إذا عرفت ذلك نقول: لو شككنا في كون الشقوق من الظاهر حتى يجب غسلها او من الباطن حتى لا يجب غسلها، فهل المرجع هو الاستصحاب او لا يجرى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 224

الاستصحاب؟

و بعد عدم جريان الاستصحاب يكون المرجع قاعدة الاشتغال او البراءة؟

فنقول: ان

الاستصحاب يتصور على انحاء:
النحو الأول: أن يقال بعد عدم تبين مفهوم الظاهر و الباطن

نشك في أن ما شق صار ظاهرا او باق على ما كان من الباطن، فيستصحب كونه من الباطن.

و قد يشكل فيه أنه لا مجال للاستصحاب هنا، لأنّ في المورد لا يكون شك بل الشك ليس الا من باب الشك في مفهوم الظاهر فلو تبين مفهوم الظاهر مثلا يدرى بأن سعة مفهومه يكون بحيث هذا من الظاهر فلا يكون شك في البين كما انه لو تبين مفهوم الباطن و إن سعة مفهومه يشمل المورد فأيضا لا يكون شك، و بعبارة اخرى لا بدّ في الاستصحاب من أن يكون كل من طرفى الوجود و العدم مشكوك على كل حال و في المقام ليس كذلك لأنّ منشأ الشك صدق الظاهر عليه من جهة الشك في مفهوم الظاهر.

و لكن هذا الاشكال مدفوع، اذ على الفرض فعلا يكون طرفى الوجود و العدم مشكوكا، و إن كان منشأ الشك عدم تبين مفهوم الظاهر و الباطن فيجرى الاستصحاب.

النحو الثاني: في أن يكون منشأ الشك في أن مورد الشقوق من الظاهر

من باب الشك في كون المورد مصداق الظاهر بعد تبين مفهوم الظاهر مثل ما اذا يدرى ن الظاهر عبارة عن كل ما يرى و يشك بعد تبين مفهوم الظاهر، مثل ما كان في ظلمة و لا يدرى انه مصداق الظاهر أم لا، فلا اشكال في اجراء الاستصحاب، لكن بناء على كون الواجب الطهارة فلا يثبت استصحاب كونه باطنا الطهارة الا على القول بالاصول المثبتة ان كان الواجب الطهارة، و اما ان كان الواجب غسل الظاهر فاثر الاستصحاب عدم وجوب غسل المشكوك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 225

النحو الثالث: الاستصحاب التعليقى

بأن يقال أنه لو لم تكن هذه الشقوق تحصل الطهارة بدون غسل ما في الشقوق من البشرة، فيشك في تحقق الطهارة بدون غسل جوف الشقوق و عدمه بعد الانشقاق فيستصحب.

و فيه أن هذا الاستصحاب مثبت، لأنّ تحقق الطهارة بدون غسل ما في الشقوق يكون اثرا عقليا لا اثرا شرعيا، مضافا الى ما عن بعض من الاشكال في الاستصحاب التعليقى رأسا.

النحو الرابع: الاستصحاب الحكمى المنجز

بأن يقال انه قبل هذه الشقوق لا يجب غسل ما ظهر بالشقوق من البشرة، فكذلك فيما بعد الشقوق، و استشكل بهذا الاستصحاب بأن الواجب إن كان مجرد الغسل و المسح في الوضوء كان لهذا الاستصحاب مجال و اثره عدم وجوب غسل ما في الشقوق.

و لكن الواجب هو الطهارة و الغسلتان و المسحتان محصلتان لهذه الطهارة فلا يثبت بعدم وجوب الغسل الطهارة الاعلى القول بالاصول المثبتة.

أقول: و يمكن ان يقال بأن الشرط و إن كانت الطهارة إلّا أن الواجب محصّلها و هو الغسلتان و المسحتان، فهو يشك في كون غسل ما ظهر بين الشقوق دخيلا في الغسلتين او لا، فيرتفع وجوبه باستصحاب عدم وجوبه قبل الانشقاق.

و مما قلت من أن المورد ليس من قبيل الشك في المحصل يظهر لك انه مع فرض عدم اجراء الاستصحاب في المورد تجرى البراءة.

نعم لو كان الواجب الطهارة يكون المورد مجرى الاشتغال، لأنّه يشك في حصول الطهارة فالاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 226

[مسئلة 16: ما يعلو البشرة مثل الجدرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: ما يعلو البشرة مثل الجدرى عند الاحتراق ما دام باقيا يكفى غسل ظاهره و إن انخرق، و لا يجب ايصال الماء تحت الجلدة بل لو قطع بعض الجلدة و بقى البعض الآخر يكفى غسل ظاهر ذلك البعض و لا يجب قطعه بتمامه، و لو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه، لكن الجلدة متصلة قد تلزق و قد لا تلزق يجب غسل ما تحتها و إن كانت لازقة يجب رفعها او قطعها.

(1)

أقول: أمّا كفاية غسل ظاهر البشرة و إن انخرق ما حدث بالاحتراق و الحكّ فلان الواجب غسل الظاهر من البشرة.

و لا يجب ايصال الماء تحت الجلدة لكونه

من الباطن.

بل لو قطع بعض الجلدة و بقى البعض الآخر يكفى غسل ظاهر ذلك البعض لأنّ هذا البعض من الظاهر و لا يجب قطعه بتمامه.

و أمّا الجلدة المتصلة التى قد تلزق و قد لا تلزق يجب غسل ما تحتها لأنّه مع هذا الوضع يكون ما تحت الجلدة من الظاهر الحادث على فوقه المانع.

و إن كانت الجلدة لازقة يجب رفعها او قطعها لوجوب ايصال الماء إلى البشرة و رفع المانع كى يصل الماء إلى البشرة و على الفرض تكون الجلدة كالحاجب و المانع.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 227

[مسئلة 17: ما ينجمد على الجرح عند البرء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: ما ينجمد على الجرح عند البرء و يصير كالجلد لا يجب رفعه و إن حصل البرء، و يجزى غسل ظاهره و إن كان رفعه سهلا و أمّا الدواء الذي انجمد عليه و صار كالجلد فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة يكفى غسل ظاهره و إن امكن رفعه بسهولة وجب.

(1)

أقول: لكون ما ينجمد على الجرح عند البرء بعد صيرورته كالجلد جزءا للبدن عرفا فيكفى غسل ظاهره و إن كان رفعه سهلا.

و أمّا الدواء فما دام لا يمكن رفعه فهو بمنزلة الجبيرة يكفى غسل ظاهره بتفصيل يأتى إن شاء اللّه في الجبائر.

و إن امكن رفع الدواء بسهولة يجب لأنّه من الحاجب و المانع الّذي يجب رفعه لايصال الماء إلى البشرة.

***

[مسئلة 18: الوسخ على البشرة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الوسخ على البشرة إن لم يكن جرما مرئيا لا يجب ازالته و إن كان عند المسح بالكيس في الحمام او غيره يجتمع و يكون كثيرا ما دام يصدق عليه غسل البشرة، و كذا مثل البياض الذي يتبين على اليد من الجص او النورة إذا كان يصل الماء الى ما تحته و يصدق معه غسل البشرة، نعم لو شك في كونه حاجبا أم لا وجب ازالته.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 228

(1)

أقول: الميزان وصول الماء الى البشرة فكلّ ما يكون مانعا من وصوله إليها تجب ازالته سواء كان وسخا او شيئا آخرا، فلا بدّ من كون مفروض المسألة صورة عدم كون الوسخ مانعا، و كذا البياض المبيّن على اليد من الجص او النورة.

لكن هنا كلام آخر من حيث إنه لو كان الوسخ بحيث يوجب وجوده صيرورة الماء مضافا و لو لم يكن مانعا يجب رفع

الوسخ لوصول الماء المطلق إلى محل الوضوء.

و لو شك في كون الوسخ حاجبا أم لا، تجب ازالته لأنّ الشك في مانعية الموجود لأنّ اشتغاله بغسل البشرة مسلم و مع هذا الوسخ يشك في الوصول فلا بدّ من ازالته لأن يقطع ببراءة ذمته كما قلنا في المسألة التاسعة من المسائل المتعلقة بغسل الوجه.

***

[مسئلة 19: الوسواسى الّذي لا يحصل له القطع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: الوسواسى الّذي لا يحصل له القطع بالغسل يرجع الى المتعارف.

(2)

أقول: لكون امره دائرا بين امور ثلاثة:

ترك العمل رأسا فلا يعمل على نحو المتعارف و لا غير المتعارف اعنى بنحو الوسواس، و هو لا يجوز ضرورة من الدين.

و العمل بنحو الوسواس و غير المتعارف، فهو لا يجوز للنهى الوارد عنه.

و العمل على طبق المتعارف و هو متعين عليه بعد عدم جواز الأول و الثاني

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 229

و النهى عن العمل بالوسواس يشمل خصوص مقداره الغير المتعارف، و المتعارف ليس وسواسا فليس منهيا عنه.

***

[مسئلة 20: إذا نفذت شوكة في مواضع الوضوء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 20: إذا نفذت شوكة في اليد او غيرها من مواضع الوضوء او الغسل لا يجب اخراجها إلّا إذا كان محلها على فرض الاخراج محسوبا من الظاهر.

(1)

أقول: كما عرفت يكون الميزان غسل الظاهر فاذا نفذت الشوكة في اليد و لا تشغل شيئا من الظاهر لا يجب اخراجها.

و إن شغلت بعض الظاهر من البشرة مثل ما إذا كانت له رأس اشغل رأسه مقدار من ظاهر اليد، او كان لمحل نفوذها سعه يعدّ من الظاهر، يجب اخراجها لكونها في كلا الفرضين كالحاجب الواجب ازالته كى يصل الماء إلى البشرة.

***

[مسئلة 21: يصحّ الوضوء بالارتماس]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 21: يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الاعلى فالاعلى، لكن في اليد اليسرى لا بدّ أن يقصد الغسل حال الاخراج من الماء حتى لا يلزم المسح بالماء الجديد.

بل و كذا فى اليد اليمنى إلّا أن يبقى شيئا من اليد اليسرى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 230

ليغسله باليد اليمنى حتى يكون ما يبقى عليها من الرطوبة من ماء الوضوء.

(1)

أقول: الكلام في جهات:

الجهة الاولى: في صحة الوضوء بالارتماس

و صحته مسلّم عند الفقهاء لدعوى الاتفاق عليها من بعض الفقهاء و عدم حكاية المخالف.

و يكفى دليلا عليه ان المطلوب في الوضوء هو غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و الرجلين و الغسل كما يحصل بصب الماء على الوجه و اليدين كذلك يحصل بارتماسهما في الماء.

و ما يتوهم من عدم كفاية الارتماس، إمّا بأن كل ما نقل من الوضوءات البيانية هو كون الغسل بصب الماء على المحل لا بالارتماس.

و إمّا بأن الجريان مأخوذ في مفهوم الغسل و بارتماس الوجه او اليدين لا يتحقق الجريان فلا يصدق الغسل و المأمور به هو الغسل كما في قوله تعالى:

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ.

و فيه، أمّا كون المنقول من وضوء المعصومين عليهم السّلام هو الغسل بصب الماء، فهو ليس من باب كون الواجب خصوص الصب و عدم كفاية الارتماس، بل ربما كان من باب عدم وجود ماء كر او جار غالبا و الاكثر في زمنهم و بلادهم وجود خصوص الماء القليل، و لهذا كان بصب الماء القليل على المحل، فمجرّد كونه المنقول لا يوجب الحصر كما أن جل الروايات الواردة في تطهير النجاسات كان بالماء القليل و لا يستفاد منها كون المطهر منحصرا بالماء القليل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5،

ص: 231

و أمّا اعتبار الجريان في الغسل فقد بيّنا تمام الكلام فيه في الجهة الخامسة من الجهات التى تعرضنا عنها في غسل الوجه، و ما قلنا في المراد من الجريان المعتبر في الغسل بعد جمع الروايات الواردة في الباب فراجع.

مضافا الى أنه لو قلنا باعتبار الجريان فى مفهوم الغسل يحصل الجريان في الارتماس في الماء بنفسه او بتحريك الوجه و اليد بعد الرمس في الماء فيتحقق الجريان.

الجهة الثانية: يجب مراعاة الاعلى فالاعلى

في صورة الغسل بالارتماس لوجوب ذلك كما عرفت، و لا يكتفى مجرد نية كون الغسل من الاعلى فالاعلى، بل لا بد من ايقاع ذلك خارجا لان الواجب ايجاد الغسل من الاعلى فالاعلى خارجا.

الجهة الثالثة: بعد ما ننقل عليك إن شاء اللّه من وجوب كون المسح بنداوة الوضوء

فيجب أن يكون الغسل بالارتماس على نحو يقع المسح بنداوة ماء الوضوء، و لا بماء جديد، فعلى هذا يقع الكلام في أنه على اى نحو يتحقق الوضوء بالارتماس بحيث يتحقق المسح بنداوة ماء الوضوء؟

قال المحقق الثاني رحمه اللّه بأنه بعد كون الارتماس بالغمس في الماء من الادخال في الماء و البقاء فيه و إخراجه شيئا واحدا و ليس في البين امر مستأنف لأنّه مع الغمس لا يصدق الاستيناف و لا كون الماء ماء مستأنفا غير ماء الوضوء لأنّ الغمس امر واحد و هو كان للوضوء فيتحقق المسح بنداوة ماء الوضوء.

و فيه انه لو نوى الغسل قبل اخراج اليد عن الماء فلا يصدق على ما يخرجه من الماء باخراج اليد انه ماء الوضوء فاذا لم يكن ماء الوضوء يكون ماء غير نداوة الوضوء و هو معنى كونه مستأنفا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 232

و إذا كان قصد الوضوء بادخال اليد في الماء او ابقائه لا باخراجه مورد الاشكال كما عرفت فهل يرتفع الاشكال، إمّا بأن ينوى غسل كل من اليد اليمنى و اليسرى حال خروجهما من الماء لأنّه على هذا يكون ما بقى في اليدين ماء الوضوء فالمسح يقع بنداوة ماء الوضوء.

و إمّا بأن ينوى غسل خصوص اليد اليمنى حال الخروج من الماء و يبقى مقدارا من اليد اليسرى بلا غسلة بالارتماس ثم يغسل هذا المقدار باليد اليمنى كى يصير كل من اليدين مائهما ماء الوضوء.

أمّا اليسرى فلان الماء

فيها ماء الوضوء لأنّه قصد غسل مقدار منها باخراجه من الماء فالماء الواقع فيه ماء الوضوء و أمّا مقدارها الباقى فحيث يغسله باليد اليمنى فالماء فيه ماء الوضوء أيضا.

و أمّا اليد اليمنى فغسلها و إن كان حين الارتماس في الماء او حين بقائها في الماء لا حال الخروج من الماء، إلّا أنه حيث غسل بها بعض الباقى من اليد اليسرى فصار الماء الواقع في كفه اليمنى ماء الوضوء فيقع المسح بنداوة ماء الوضوء.

و لكن قد يشكل ذلك بما استشكلنا به في كلام المحقق رحمه اللّه من أنّ ما يخرجه من الماء باخراج يده عن الماء ليس ماء الوضوء لو قصد بادخال يده او ابقائها في الماء بالارتماس و هذا بعينه يجرى في هذين النحوين، و لأنّه لو قصد الغسل باخراج اليد عن الماء لكن ما يخرج من الماء باخراج يده ليس خصوص ماء الوضوء بل مختلط مع غيره من الماء الذي ارتمست يده فيه.

فما نقول في المقام؟ هل نقول: إن عدم جواز كون المسح بغير نداوة ماء الوضوء غير هذا الفرض؟ و إن المراد من الماء الخارجى ما كان بعد تمام الغسل؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 233

فمعنى عدم كون المسح بالماء الجديد الماء الجديد بعد الغسل لا مثل هذا الماء الذي به يحصل الغسل و إن كان مخلوطا بالماء الآخر.

أو نقول: إنه بعد ما نرى من تجويزهم الوضوء بالارتماس، فقدر المتيقن من صورة جوازه هذه الصورة؟

او نقول: بأنه بعد هذا المخطور نلتزم بعدم جواز الوضوء بالارتماس؟

لا يمكن القول بعدم الجواز لتسلّم جوازه، فلا بدّ من اختيار احد الأمرين.

***

[مسئلة 22: يجوز الوضوء بماء المطر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 22: يجوز الوضوء بماء المطر كما إذا قام تحت السماء

حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعات الاعلى فالاعلى، و كذلك بالنسبة الى يديه، و كذلك إذا قام تحت الميزاب او نحوه.

و لو لم ينو من الأول لكن بعد جريانه على جميع محال الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله و كذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضا.

و كذا لو ارتمس في الماء ثم خرج و فعل ما ذكر.

(1)

أقول: أمّا جواز الوضوء بماء المطر كما إذا قام تحت السماء حين نزوله فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه، يكون مورد الاتفاق على ما حكى عن ظاهر الجواهر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 234

و استدل عليه بالرواية التى رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام (قال: سألته عن الرجل لا يكون على وضوء فيصيبه المطر حتى يبتل رأسه و لحيته و جسده و يداه و رجلاه، هل يجزيه ذلك من الوضوء؟ قال: إن غسله فإن ذلك يجزيه) «1» و الرواية تدل اجمالا على كفاية الوضوء بماء المطر.

ثم إنه كما قلنا في المسألة السابقة يجب مراعات الاعلى، فالاعلى و كذلك ما قلنا من غسل اليدين بنحو يكون المسح بنداوة الوضوء لا بدّ من مراعاته فيما نحن فيه.

هذا كله فيما كان الوضوء بماء المطر حين نزوله من السماء، يعنى يقصد الوضوء بالماء النازل حين النزول.

و أمّا لو جرى ماء المطر على محال الوضوء فمسح يده على وجهه بقصد غسله و كذا يديه اذا حصل الجريان بمسح يده كفى ذلك و لكن هذا غير مربوط بالوضوء بماء المطر و هو مفروض الكلام في صدر المسألة.

و مثل الصورة الثانية لو ارتمس في الماء ثم خرج و فعل ما ذكر، اى

مسح بيده على وجهه و يديه بنية الوضوء و حصل جريان الماء بمسحه.

***

[مسئلة 23: إذا شك في شي ء أنه من الظاهر او الباطن]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 23: إذا شك في شي ء أنه من الظاهر حتى يجب غسله او الباطن فلا، فالاحوط غسله، إلّا إذا كان سابقا من الباطن و شك في أنه صار ظاهرا أم لا كما انه يتعين غسله لو كان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 36 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 235

سابقا من الظاهر ثم شك في أنه صار باطنا أم لا.

(1)

أقول: أمّا في الصورة الاولى من المسألة و هي صورة الشك في كون شي ء من الظاهر او الباطن مع عدم العلم بحالته السابقة، فإن قلنا بأن الواجب نفس افعال الوضوء لا محصّلها و هو الطهارة، ففي مورد الشك سواء كان الشك من باب اجمال مفهوم الظاهر، او يكون الشك في كون المشكوك مصداق الظاهر مع تبين مفهومه لا يجب غسل المشكوك، لان وجوب غسل هذا الجزء مشكوك و مقتضى البراءة عدم وجوبه.

و إن كان الواجب الطهارة و هذه الافعال محصّلها، فمع الشك في كون شي ء من الظاهر سواء كانت الشبهة مفهومية او مصداقية لو لم يغسل المشكوك يشك في حصول الطهارة و عدمه، فمع الاشتغال بها يقتضي غسل المشكوك كى يحصل له البراءة اليقينية.

و أمّا في الصورة الثانية و هي صورة معلومية حاله السابقة فإن كانت الحالة السابقة كونه باطنا، و قلنا بكون الواجب نفس الغسلتين و المسحتين لا محصّلهما و الواجب فيهما غسل الظاهر فيستصحب كونه باطنا و يترتب عليه اثره من عدم وجوب غسله.

و إن كان الواجب هو المحصّل اعنى الطهارة فاستصحاب كونه من الباطن لا يثبت حصول الطهارة بدون غسله فمقتضى القاعدة

الاشتغال.

و إن كانت الحالة السابقة كونه ظاهرا يستصحب ذلك و يترتب عليه الاثر الشرعى و هو وجوب غسله.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 236

[الثالث: مسح الرأس]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الثالث: مسح الرأس بما بقى من البلّة في اليد.

و يجب أن يكون على الربع المقدّم من الرأس فلا يجزى غيره.

و الاولى و الاحوط الناصية و هي ما بين البياضين من الجانبين فوق الجبهة.

و يكفى المسمى و لو بقدر عرض اصبع واحدة او أقل.

و الافضل بل الاحوط أن يكون بمقدار عرض ثلاث اصابع، بل الاولى أن يكون بالثلاثة.

و من طرف الطول أيضا يكفى المسمى و إن كان الافضل أن يكون بطول اصبع.

و على هذا فلو اراد إدراك الافضل ينبغى أن يضع ثلاث اصابع على الناصية و يمسح بمقدار اصبع من الاعلى الى الاسفل، و إن كان لا يجب كونه كذلك فيجزى النكس و إن كان الاحوط خلافه.

و لا يجب كونه على البشرة، فيجوز أن يمسح على الشعر النابت في المقدم بشرط أن لا يتجاوز بمدّه عن حدّ الرأس، فلا يجوز المسح على المقدار المتجاوز و إن كان في الناصية، و كذا لا يجوز على النابت في غير المقدم و إن كان واقعا على المقدم.

و لا يجوز المسح على الحائل من العمامة او القناع او غيرهما و إن كان شيئا رقيقا لم يمنع عن وصول الرطوبة الى البشرة.

نعم في حال الاضطرار لا مانع من المسح على المانع كالبرد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 237

أو إذا كان شيئا لا يمكن رفعه.

و يجب أن يكون المسح بباطن الكف، و الاحوط أن يكون باليمنى و الاولى أن يكون بالاصابع.

(1)

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10

جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 237

أقول: لا اشكال في وجوب مسح الرأس في الوضوء نصا و فتوى عندنا، انما الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: كون المسح بما يبقى من البلة

من ماء الوضوء في اليد.

و الكلام فيه يقع تارة في وجوب كون المسح بنداوة الوضوء، و فى المقام نتعرض له.

و تارة يقع فى وجوب كون المسح بخصوص نداوة الباقية فى اليد، و نتعرض له إن شاء اللّه فى المسألة الخامسة و العشرين عند تعرض المؤلف رحمه اللّه له.

فنقول: اما وجوب كون المسح بنداوة الوضوء، فيستدل عليه مضافا الى ما في بعض الروايات الواردة في الوضوءات البيانية من مسحهم عليهم السّلام رأسهم و رجليهم من نداوة ما في ايديهم، بروايات:

الاولى: الرواية التى رواها زرارة فيها قال أبو جعفر عليه السّلام: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى الخ) «1».

الثانية: الرواية التى رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث

______________________________

(1) الرواية 2 من ابواب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 238

طويل يذكر معراج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فيها قال: (ثم اوحى اللّه إليه أن اغسل وجهك فإنك تنظر الى عظمتى ثم اغسل ذراعيك اليمنى و اليسرى فانك تلقى بيديك كلامى، ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك الخ) «1».

الثالثة: الرواية التى رواها محمد بن الفضل إن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء و في ذيلها

قال: (و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام ابتداء من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما امرك اللّه تعالى اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام) «2».

و لو اشكل في دلالة الروايات الواردة في الوضوءات البيانية بأنه لا يستفاد من فعلهم إلّا رجحان كون المسح بنداوة الوضوء و اما وجوبه فلا، لأنّ الفعل كما يساعد مع الوجوب يساعد مع استحباب العمل، فلا يمكن الاشكال في دلالة الروايات الثلاثة.

و ربما يستدل على وجوب المسح بنداوة الوضوء بالرواية التى رواها خلف بن حماد عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (قلت: له الرجل ينسى مسح رأسه و هو فى الصلاة؟ قال: ان كان فى لحيته بلل فليمسح به. قلت: فان لم يكن له لحية؟

قال: يمسح من حاجبيه او اشفار عينيه) «3».

و هذه الرواية مضافا الى ضعف سندها لعدم معلومية من يخبر عنه خلف بن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 239

حماد مشتمل على ما لا يمكن القول به، و هو وقوع بعض صلاته بلا طهارة.

و مثلها الرواية 2 و 3 من الباب المذكور، فهما تدلان على وجوب الاخذ من اللحية، و لازمه وجوب كون المسح من نداوة الوضوء، لكن تدلان على صحة ما مضى من الصلاة بلا طهارة، الا ان يقال: بانه و لو

لم يمكن الأخذ بها من هذه الجهة، الا انها تدل على وجوب كون المسح بنداوة الوضوء و هو يكفى لنا، و الاولى فى مقام التمسك لحكم هذه المسألة التمسك بالرواية 7 و 8 من الباب المذكور، فان فيهما صرح بانه لو لم يبق من نداوة وضوئه فى لحيته يجب اعادة الوضوء، و هذا شاهد على عدم الاكتفاء بالمسح بماء جديد. فافهم.

مضافا الى كون الحكم مسلما لم يحك مخالفا إلّا ما نسب الى ابن الجنيد من قوله بجواز كون المسح بماء جديد.

و ربما يستدل على قوله بالرواية التى رواها أبو بصير قال: (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسح الرأس قلت: امسح بما على يدى من الندى رأسى؟ قال:

لا بل تضع يدك في الماء ثم تمسح) «1».

و بالرواية التى رواها جعفر بن أبي عمّاره قال: (سألت جعفر بن محمد عليه السّلام امسح رأسى ببلل يدى؟ قال: خذ لرأسك ماء (جديدا) «2».

و هاتان الروايتان على تقدير حجيتهما يكون مفاد هما مخالفا لما نسب بابن الجنيد، لأنّه قال بجواز المسح بالماء الجديد لا بوجوبه و النهى عن كونه بماء الوضوء، و الروايتان تدلان اوليهما على النهى عن المسح بنداوة الوضوء و الثانية على وجوب

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 21 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 240

الاخذ عن الماء الجديد لمسح الرأس.

و العمدة عدم حجيتهما لتوافقهما مع مذهب اكثر العامة و تخالفهما على ما اتفقت عليه الخاصة، لأنّه ليس في الخاصة من يقول بعدم جواز المسح بنداوة الوضوء حتى ابن الجنيد منهم كما عرفت.

الجهة الثانية: في وجوب كون المسح على الربع المقدم من الرأس

و عدم اجزاء المسح بغير الربع

المقدم منه و ادعى عليه الاجماع.

و تدلّ عليه الرواية التى رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: مسح الرأس على مقدّمة) «1».

و الرواية التى رواها عماد بن عيسى عن بعض اصحابه عن احدهما عليه السّلام (في الرجل يتوضأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه، فيمسح على مقدّم رأسه) «2».

و الرواية التى ذكرنا محل الحاجة منها في الجهة الاولى و فيها قال عليه السّلام: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك الخ) «3» بناء على كون الناصية مقدم الرأس أو بعضه، و اما بناء على كونها مقدم الرأس او مؤخره كما عن بعض اهل اللغة، فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على كون الواجب مقدم الرأس، و يأتى الكلام فى ذلك إن شاء اللّه فى الجهة الثالثة.

و الرواية التى ذكرنا بعضها في الجهة الاولى و فيها قال عليه السّلام: (و امسح بمقدم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 22 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 22 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 241

رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك الخ) «1».

و غير ذلك ربما نذكره في البعض الجهات الآتية إن شاء اللّه.

و بعد دلالة هذه الأخبار على وجوب المسح بخصوص مقدم الرأس، فبها يقيّد اطلاق الآية الشريفة و بعض ما يدل على كون المسح بالرأس بدون ذكر خصوص مقدّمه مثل بعض الأخبار المبينة لوضوء بعض المعصومين عليهم السّلام من أنه مسح على الرأس و الرأس مطلق مع امكان انكار اطلاقه، لأنّ المستفاد منها ذكر وقوع مسحه على الرأس، و لم يذكر

محل الرأس، و هذا لا يفيد كون فعله على غير مقدم الرأس، اذ ربما كان كذلك و لم يذكر في الحديث.

و اما بعض الروايات الدالة بظاهرها على كفاية المسح بمؤخر الرأس كالرواية (4 و 5 و 6 من الباب 22 من ابواب الوضوء من وسائل) فلا يمكن الاخذ بمضمونها لعدم عامل بها منّا، مضافا الى ما قيل من صدورها تقية، لكونها موافقا لبعض العامة.

ثم انه و إن لم يكن فى الروايات المتقدمة الا كون المسح بمقدم الرأس، و لكن عنوان المؤلف رحمه اللّه كان (على الربع المقدم من الرأس) لكن المقدم حيث يكون فى قبال المؤخر و اليمين و اليسار من الرأس، فقهرا يكون مقدم الرأس ربعه المقدم. فافهم.

الجهة الثالثة: و هل يجب ايقاع المسح على خصوص الناصية من الرأس

او يكفى مطلق الربع المقدم من الرأس و إن كان خارجا عن الناصية؟

أقول: منشأ اعتبار خصوص الناصية بعض الروايات:

منها رواية زرارة المتقدمة في الجهة الاولى لأنّ فيها قال عليه السّلام (و تمسح ببلة

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 242

يمناك ناصيتك).

و منها الرواية التى رواها عبد اللّه بن الحسين بن زيد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام عن ابيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، انما المرأة إذا اصبحت مسحت رأسها و تضع الخمار عنها، و إذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها) «1».

بدعوى دلالة الروايتين على وجوب المسح بالناصية، و الناصية اضيق سعة من ربع المقدم من الرأس، لأنّ المراد بالناصية ما بين البياضين من الجانبين، فتكون اضيق سعة من ربع المقدم من الرأس، فيكون

ما دل على وجوب المسح بمقدّم الرأس مطلقا لشموله للناصية و مقدار آخر يكون داخلا في ربع المقدم من الرأس.

و ما دل على المسح بالناصية مقيدا لكونه بعضا من مقدّم الرأس، و مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيد مع وحدة الملاك فتكون النتيجة مسح خصوص الناصية.

هذا غاية ما يمكن ان يقال في وجه وجوب المسح بخصوص الناصية من مقدم الرأس.

و لكن يشكل ذلك لان الرواية الثانية، أوّلا لا يمكن الاخذ بها في موردها و هو التفصيل في مسح المرأة بين الصبح و بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء، و انه يجب عليها في الصبح المسح بالرأس و في غيرها بالناصية.

و ثانيا يستفاد منها كون الناصية غير الرس، فإن كان المراد منها الشعر المحيط بمقدم الرأس فلا تكون الناصية اضيق من مقدم الرأس و إن كانت خارجة عن

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 243

الرأس فلا يمكن القول بكفاية مسح غير الرأس.

و ثالثا كما ترى الرواية تدلّ على اختصاص الحكم بالمرأة و لا يمكن التعدى منها إلى الرجل.

و لا مجال لالغاء الخصوصية بعد التصريح في الرواية بأنه (لا تمسح المرأة كما يمسح الرجال) و بعد كونها في مقام بيان حكم مخصوص بالنساء، فليست الرواية دليلا على وجوب المسح بالناصية للرجال، و في النساء تدل على التفصيل، ففي الصبح تدل على كون مسحها برأسها، فلا يمكن جعلها دليلا على المسألة.

فبعد ذلك كله تبقى الرواية الاولى، فنقول. بأنها مع الاجمال في مفهوم الناصية للاختلاف في معناها، فهل هي قصاص الشعر كما فى القاموس، او قصاص الشعر فوق الجبهة كما فى المجمع البحرين (و

ما روى من انه عليه السّلام مسح ناصيته يعنى مقدم رأسه، فكيف يستقيم على هذا تقدير الناصية بربع الرأس، و كيف يصح اثباته بالاستدلال و الامور النقلية لا تثبت الا بالسماع)، أو مقدم الرأس، أو قصاص الشعر اى منتهى منبته من مقدمه او مؤخر، و قيل الناصية مقدم الرأس و قالوا الطرة هى الناصية كما عن اقرب الموارد، أو مقدم الرأس او مؤخر الرأس كما يرى كل هذه التفاسير عن بعض اهل اللغة، أو خصوص ما بين البياضين من الجانبين.

فاذا الالتزام بكونها خصوص قصاص الشعر مشكل، لأنّه يلزم كون محل الغسل و المسح واحدا، مع أن الظاهر من الآية الشريفة كون الغسل بالوجه و كون المسح بالرأس، و إن الوجه في الوضوء غير الرأس، فبعد كون الوجه من قصاص الشعر فلا بدّ ان يكون الرأس الموضع الاعلى منه.

كما أن الالتزام بكونها مقدم الرأس و مؤخره لا يمكن الالتزام به لما دل على كون المسح بمقدم الرأس و عدم تجويز فقهائنا المسح بمؤخره و هو المسلم عندهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 244

فيدور الامر بين كونها مطلق مقدم الرأس فتكون الناصية مقدم الرأس او مقدم الرأس الناصية، و بين كونها خصوص ما بين البياضين من الجانبين، و لم أر احدا من أهل اللغة فسرها بذلك.

و على تقدير تسلم كون الناصية اضيق سعة من ربع المقدم من الرأس مثلا تكون ما بين البياضين) فبعد ما قلنا من الاشكال في الرواية الثانية من الروايتين المتمسكة بهما على وجوب كون محل المسح خصوص الناصية اعنى رواية عبد اللّه بن الحسين، لا تبقى إلّا الرواية الاولى منهما، و هي رواية زرارة، فيدور الأمر بين تقييد ما دل

على كون المسح بمقدّم الرأس و لو لم يكن الناصية، و بين حمل ما دل على كون المسح بالناصية على الاستحباب.

فنقول: حيث إن الظاهر من قوله عليه السّلام في رواية زرارة (و تمسح ببلّه يمناك ناصيتك) يقتضي كون الواجب المسح بتمام الناصية، و هذا يقتضي كون أقل الواجب من المسح بثلاثة اصابع عرضا بل اكثر، و الحال أنه لا يجب اكثر من ثلث اصابع عرضا، بل لا يجب ثلث اصابع كما يأتى إن شاء اللّه في الجهة الآتية، و لا يجب مسح تمام ظهر القدم كما يأتى إن شاء اللّه في مسح الرجلين.

فعلى هذا لا بدّ من حمل الأمر بمسح الناصية في رواية زرارة على الاستحباب، الا أن يحمل الأمر بمسح الناصية على كون النظر الى وقوع المسح بها فى مقابل غيرها من نقاط الرأس لا استيعاب مسحها، و كذلك الامر بمسح ظهر القدم يكون بمعنى وقوعه على الظهر فى مقابل الباطن من القدم، لا استيعاب مسح الظاهر، فعلى هذا يبقى ظاهر الامر على وجوبه.

فان قلنا بذلك لا تعارض بينها و بين ما يدل على اجزاء مسمى المسح،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 245

و تكون النتيجة كفاية المسمى، كما انه على فرض كون ظاهرها وجوب مسح تمام الناصية لا بد من حمل الامر فيها على الاستحباب، فتكون النتيجة استحباب ايقاع المسح على الناصية، و هذا معنى قول المؤلف رحمه اللّه من أن الاولى و الاحوط الناصية.

الجهة الرابعة: هل يكفى في مسح الرأس عرضا

مسمى المسح و لو لم يكن بمقدار عرض ثلاث اصابع، بل و لو لم يكن بمقدار عرض اصبع؟ كما نسب الى المشهور و اكثر الاصحاب و ادعى عليه الاجماع.

او أنه لا بدّ من أن لا يكون

أقل من مقدار عرض الاصبع كما نسب الى بعض؟

أو أنه لا بدّ أن لا يكون أقل من عرض ثلث اصابع كما هو المحكى عن بعض.

أو التفصيل بين حالتى الاختيار و الاضطرار، فلا يكتفى باقل من ثلث اصابع في الأول و الاكتفاء بمقدار اصبع في الثاني؟

أو التفصيل بين الرجل و المرأة، بأنه يكتفى باصبع في الرجل و يكتفى بثلاث اصابع في المرة؟

أقول: أمّا وجه الاكتفاء بمسمّى المسح و إن كان أقل من اصبع، فلما في بعض الروايات:

منها الرواية التى رواها زرارة (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: الا تخبرنى من اين علمت و قلت أن المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك و قال: يا زرارة! قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نزل به الكتاب من اللّه عزّ و جلّ، لأنّ اللّه عزّ و جلّ قال:

فاغسلوا وجوهكم. فعرفنا أن الوجه كله ينبغى أن يغسل، ثم قال: و ايديكم الى المرافق. فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه، فعرفنا انه ينبغى لهما أن يغسلا الى المرفقين، ثم فصّل بين الكلام فقال: و امسحوا برؤسكم. فعرفنا حين قال «برؤسكم»

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 246

أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و ارجلكم الى الكعبين. فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما، ثم فسّر ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للناس فضيّعوه الحديث) «1».

و لا اشكال في أن المسح بمقدار يصدق مسمى المسح يكون المسح ببعض الرأس فيكتفى به.

و منها الرواية التى رواها ابن اذينة عن زرارة و بكير ابنى اعين عن أبي جعفر عليه السّلام (انه قال:

من المسح تمسح على النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك و إذا مسحت بشي ء من رأسك او بشي ء من قدميك ما بين كعبيك الى اطراف الاصابع فقد أجزأك) «2».

و المسح بشي ء من الرأس يحصل بمسمى المسح.

وجه لابدية كون المسح بمقدار عرض اصبع و عدم كفاية الاقل بعض الروايات:

منها الرواية التى رواها حماد بن عيسى عن بعض اصحابه عن أحدهما عليهم السّلام (في الرجل يتوضأ و عليه العمامة. قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدم رأسه) «3».

و منها الرواية التى رواها حماد عن الحسين قال: (قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل توضأ و هو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد، فقال: ليدخل اصبعه) «4».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 23 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 24 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 247

و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة لكون راويهما حماد.

و منها الرواية التى رواها عبد اللّه بن يحيى عن الحسين بن عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة باصبعه، ا يجزيه ذلك؟

فقال: نعم) «1».

و لا يمكن الاخذ بهذه الرواية لو كان المراد منها المسح بمؤخّر الرأس، إلّا أن يحمل على ادخال الاصبع من خلف و مسح مقدم الرأس بعد الادخال.

(و لا يبعد كون كل من الثلاثة رواية واحدة رواها الحسين فتارة روى الحماد عن الحسين مرسلا و تارة مسندا و تارة روى عبد اللّه عن الحسين.

و على كل

حال ما يأتى بالنظر كون السؤال و الجواب في هذه الروايات عن كيفية المسح مع العمامة، و كان عليه السّلام في مقام بيان عدم لزوم نزع العمامة و امكان المسح بدون نزعها بادخال الاصبع، و لا يكون في مقام لزوم كون المسح بقدر الاصبع، و ذكر الاصبع يكون من باب أن المسح يقع به و النزع غير محتاج إليه للمسح، لا أن يكون ذكر المسح للابدية وقوع المسح بمقدار الاصبع، و لو ابيت عن ظهور الروايات في ذلك فلا أقل من كونه احد محتمل الروايات، فلا منافاة بينها و بين ما دل على كفاية مسمى المسح، و لتكن على ذكر ما قلنا حتى يأتى إن شاء اللّه تمام الكلام بعد ذلك.

وجه عدم الاكتفاء باقل من ثلث اصابع:

الرواية التى رواها معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: يجزى من المسح على الرأس موضع ثلث اصابع، و كذلك الرّجل) «2».

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 22 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 248

و يمكن أن يقال بأن الرواية تدل على اجزاء هذا المقدار و لا تنفى اجزاء الاقل من ذلك.

و رواية زرارة و بكير تدل على اجزاء مطلق الشي ء و إن كان أقل من ثلث اصابع و لا تنافى بينهما لأنّ اجزاء مقدار ثلث اصابع لا ينافى اجزاء الاقل منها.

و الرواية التى رواها زرارة قال: (قال أبو جعفر عليه السّلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلث اصابع و لا تلقى عنها خمارها) «1».

إذا عرفت ذلك نقول: مضافا الى ما قد يقال بعدم وجود مقتضى الحجية

في الروايات المتمسكة بها على كون المسح بقدر اصبع او بقدر ثلث اصابع لاعراض المشهور عنها لو حملت على موضوعية الاصبع او ثلث اصابع، نعم لو حملت على كون الاجزاء بها لاجل حصول المسمى بها لا لموضوعيتها لا مانع من العمل بها، بأنه كما قلنا: أمّا الروايات الدالة على المسح باصبع:

أولا: ليست الا في مقام بيان عدم لزوم نزع العمامة لامكان المسح بدونه، و يكون ذكر الاصبع من باب وقوع المسح به لا لخصوصيته في هذا الحد.

و ثانيا: يمكن أن يكون ذكر الاصبع من باب حصول المسمى به لا لخصوصية في نفس الاصبع.

و ثالثا: يمكن أن يكون ذكر الاصبع من باب أن الغالب فى التعبير عن الاقل بالاصبع، لا لخصوصية مدخلية في الاصبع، فعلى هذا لا تنافى هذه الأخبار مع ما دل على كفاية المسمّى.

و أمّا ما دل على ثلث اصابع:

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 24 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 249

أمّا أولا: فلما قلنا من أن الاجتزاء بثلث لا ينافى الاجزاء باقل منها، نعم لو قال أقل ما يجزى ثلث اصابع كان دالا على عدم الاكتفاء بالاقل منها.

و أما ثانيا: إن ما فى رواية معمر من الاجتزاء في الرجل بالثلث إن كان ظاهرها ما توهم من العبارة خصوص ثلث اصابع تدل على اعتبار ذلك فى مسح الرجل، و الحال أنه لا قائل به، أو لو كان قائلا لا يكون إلّا واحدا كما يأتى إن شاء اللّه في مسح الرجل.

و أما ثالثا: رواية زرارة الدالة على أن المرأة يجزيها قدر ثلث اصابع وردت في خصوص المرأة، و لا مجال لالغاء الخصوصية بين الرجل و المرأة في هذا

الحكم مع ما عرفت من القول بالتفصيل بين المرأة و الرجل، و وجه هذا القول هذه الرواية.

فالحق هو القول الأول بين هذه الاقوال الثلاثة.

و كما قاله المؤلّف رحمه اللّه: و الافضل بل الاحوط أن يكون بمقدار عرض ثلث اصابع، بل الاولى أن يكون بالثلاثة.

وجه افضلية ثلث اصابع، حمل ما دل على المسح بثلث اصابع على الاستحباب، و استفادة الافضلية منه لا دليل عليه.

و وجه كونه احوط، لأنّه مع وجود القائل بوجوب ثلث يحصل الاتفاق و عدم المخالفة فهو احوط.

و وجه اولوية كون المسح بخصوص ثلث اصابع لا بمقدار ثلث اصابع من باب كون المتعارف المسح بهذه الكيفية بجعل ثلث اصابع متصلة كل واحدة منها بالآخر و المسح من الاعلى الى اسفل الرأس، و إن كان يمكن بغير المتعارف مثل أن يمسح بطول اصبع واحدة بقدر عرض ثلث اصابع، لأنّ المذكور في الخبرين الدالين على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 250

إجزاء ثلث اصابع هو مقدار ثلث اصابع لا ان يكون بنفس ثلث اصابع.

و أمّا التفصيل بين حالتى الاختيار و الاضطرار بوجوب ثلث اصابع في الأول و اصبع واحدة في الثاني فغير تمام، لأنّ ما توهم من قوله في الرواية الثانية من الروايات الثلاثة التي ذكرناها وجها لكفاية اصبع واحدة (رجل توضأ و هو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد) لا يدل على كون ادخال ثلث اصابع ثقيل عليه، بل يدل على ثقالة نزع العمامة للبرد، فيمكن له ادخال ثلث اصابع مثل ما يكون متمكنا من ادخال اصبع واحدة، فلا وجه لحمل هذه الأخبار على صورة الاضطرار مضافا الى أن مورد الرواية صورة الاضطرار لاجل البرد لا مطلق الاضطرار.

كما أن التفصيل بين

الرجال و النساء بوجوب المسح باصبع على الأول و ثلث اصابع للثانية تمسكا برواية زرارة المتقدمة الدالة على انه يجزى ثلث اصابع للمراة فيحمل ما دل على الثلث على خصوص المرأة و ما دل على اصبع على خصوص الرجال ليس له وجه،

أمّا أولا فلما قلنا من أن اجزاء الثلث لا ينافى اجزاء الاقل.

و أما ثانيا بأن ما دل على كون المسح بثلث اصابع مطلقا يشمل للرجل و المرأة لا مقيد له، كما أن ما دل على اصبع واحدة مطلق لا مقيد له، لأنّ ما يدل على اجزاء ثلث على المرأة لا يدل على عدم اجزاء أقل من ثلث.

و أما ثالثا كون هذا التفصيل مهجورا و لا قائل له إلّا ما حكى عن الاسكافى، فافهم.

الجهة الخامسة: و هل يكتفى في طرف الطول أيضا المسمى،

او لا يكتفى به

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 251

بل يجب أن يكون بمقدار عرض ثلث اصابع؟

وجه وجوب كونه بمقدار ثلث اصابع حمل الخبرين المتقدمين الدالين بظاهرهما على كون المسح بثلاث اصابع على الطول لا على عرض الرأس.

و فيه أن الظاهر منهما هو بيان المقدار من حيث عرض الرأس، و الشاهد على ذلك رواية معمر حيث قال فيها (يجزى من المسح على الرأس ثلث اصابع و كذلك الرجل) فهو في مقام بيان حدّ الرأس و الرجل كليهما، و لا اشكال في أنه فى الرجل يكون التحديد من حيث عرض الرجل لا طوله، لأنّ فى طوله يجب الاستيعاب من رءوس الاصابع الى قبتى القدمين او المفصل بين الساق و القدم على ما يأتى إن شاء اللّه الكلام فيه، فلا يقدر من حيث الطول بالاصابع، فهذا قرينة على أن التحديد في الرأس و الرجل من حيث العرض، و أمّا

من حيث الطول فيكفى المسمى، مضافا الى أن المسمّى من المسح كاف كما عرفت سواء في الطول و في العرض، و قلنا أن ما دل على المسح بثلاث اصابع لا يدل الاعلى كون المسح بها مجزيا، و هذا لا ينافي مع كون مسمى المسح مجزيا.

و هل الافضل أن يكون بطول اصبع لاحتمال كون ما دل على تقدير المسح باصبع تقديرا من حيث الطول او لا؟

أقول: لا وجه للافضلية، لان بعض ما دل على اجتزاء الاصبع كان من حيث الرجل بقرينة اخباره الواردة فى جواز المسح مع العمامة.

و ما قاله المؤلف رحمه اللّه فلو اراد ادراك الافضل ينبغى أن يضع ثلث اصابع على الناصية و يمسح بمقدار اصبع. و عندى محل تأمل، لعدم كون الافضل المسح بطول اصبع، لعدم معلومية افضليته بعد عدم حمل الروايات الدالة على المسح باصبع او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 252

ثلث اصابع على طول الرأس، بل لعله لا يكون قائل على وجوب كون طول المسح بقدر اصبع، نعم الاحوط استحبابا ما قاله المؤلّف رحمه اللّه حفظا لاحتمال كون الواجب طولا بمقدار عرض ثلث اصابع او قدر اصبع.

الجهة السادسة: هل يجب كون المسح من اعلى الرأس الى اسفله

او يجوز عكس ذلك؟

قد يقال بجواز النكس لاطلاق الادلة، و لما في الرواية الّتي رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) «1».

و لما يأتى من جواز النكس في مسح الرجلين و لا فصل بين مسح الرأس و الرجل من حيث الكيفية.

أمّا دعوى اطلاقات الادلة فالاشكال فيها بانه ليس في البين ما يكون له اطلاق من هذا الحيث من الآية الشريفة و الروايات، مندفع بأنّه لو لم يكن في النصوص

ما يدل على أن الغسل في الوجه يكون من الاعلى لكان لقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) اطلاق من هذا الحيث، و كذلك قوله تعالى (وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) لو لم يكن مقيدات في النصوص، فاطلاقه يقتضي كفاية المسح بأىّ موضع من الرأس و بأىّ نحو يقع من وقوعه من الاعلى و عدمه، و هكذا بعض الروايات.

اما الجواب عن الاستدلال بالإطلاقات، بأنه بعد كون المتعارف المسح من اعلى الرأس الى اسفله ينزّل الاطلاق على المتعارف، فلا اطلاق يشمل غير المتعارف و هو المسح منكوسا.

فيمكن ردّه أيضا بأنه قبل نزول الآية الشريفة و النص لا يكون فى البين

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 20 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 253

متعارف حتى يقال إن المطلق منزّل عليه، بل التعارف إن كان كان بعد نزول الآية و الأمر بالوضوء، و حصول التعارف بعد ذلك يمكن أن يكون لتعارفه الطبيعى لا الشرعى لكون المسح منكوسا على خلاف الطبع.

أو كان من باب استحباب المسح من الاعلى لا وجوبه، فلا يمكن استكشاف السيرة على المسح من الاعلى، مضافا الى امكان دعوى منع كون المتعارف من اوّل الأمر المسح من الاعلى، و بعد اللتيا و اللتي لا مجال لحمل المطلق على المتعارف و انكار اطلاقه بعدم كون المسح منكوسا متعارفا لما عرفت.

و أمّا الرواية فقد روى عن حماد رواية اخرى و هي الرواية الّتي رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا) «1».

و لا يبعد كون الروايتين واحدة، لكون الراوى و المروى عنه واحدا و بعد كونها رواية واحدة فلا ندرى أن الصادر من المعصوم عليه السّلام

(لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) او (لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا).

و لكن يؤيد كون الصادر القدمين الرواية الّتي رواها يونس (قال: اخبرنى من راى أبا الحسن عليه السّلام بمنى يمسح ظهر القدمين من اعلى القدم الى الكعب، و من الكعب الى اعلى القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا، فانّه من الأمر الموسّع إن شاء اللّه) «2».

لانها تدل على انه في مسح الرجل تكون التوسعة و مشعر بل دليل على عدم وجود هذا التوسع في غيره اى مسح الرأس، فلو كان ما رواها سماعة روايتين و كان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 20 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 254

قوله في رواية الاولى (لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) بإطلاقه شامل لمسح الرأس، لكن مرسلة يونس المتقدمة تكون كالشارح و المفسّر لهذه الرواية، و أن موردها هو خصوص مسح الرجل لاسهلية التى فى خصوصها لا فى غيرها.

و أمّا التمسك بعدم الفصل بين مسح الرأس و الرجل فكما يجوز النكس في مسح الرجل كذلك يجوز في مسح الرأس.

ففيه أنه مع كون جواز النكس في مسح الرجلين محل الخلاف، و لو جوّزنا النكس فيه يكون من باب الدليل الخاص او تمسكا بإطلاق بعض الادلة و هذا لا يوجب كون مسح الرأس مثل مسح الرجلين إلّا بدليل.

و قد يتمسك على وجوب الابتداء بالاعلى و عدم جواز النكس بقاعدة الاشتغال، لأنّه مع المسح منكوسا نشك في حصول براءة الذمة و حكم العقل يقتضي اتيانه من الاعلى كى

يقطع ببراءة ذمته يقينا.

أقول: هذا بناء على كون الواجب هو الطهارة فيكون الشك من قبيل الشك في المحصل، و أمّا بناء على كون الواجب الغسلتان و المسحتان فمع الشك في اعتبار هذا الشرط و عدمه تجرى البراءة.

و مع ما قلنا من أن اطلاق بعض الادلة يقتضي عدم اعتبار هذا الشرط و حصول الوضوء بدونه فلا تصل النوبة بالاصل، و لكن مع هذا ينبغى الاحتياط بالمسح من اعلى الرأس الى الاسفل.

الجهة السابعة: هل يجب المسح على خصوص البشرة من الرأس او يكفى المسح على الشعر النابت في مقدم الرأس؟

لا اشكال من حيث الفتوى فى جواز المسح على الشعر النابت على البشرة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 255

من مقدم الرأس، و عليه الاجماع بل عدّ من ضروريات الفقه، مع قطع النظر عن الاجماع و الضرورة، قد يستدل على جوازه بأن الرأس بحسب المتعارف اعم من ظاهر البشرة و من الشعر النابت فيه، الّا أن يدل دليل خاص على عدم كون الشعر منه و خروجه عنها.

و بما دل على المسح بالناصية بناء على كون المراد من الناصية الشعر النابت في مقدم الرأس.

أقول: أمّا كون المتفاهم عرفا من جعل الرأس موضوع الحكم هو الاعم من البشرة و من شعر النابت عليه غير بعيد، و يظهر من وضع بيان الحكم فى طى الروايات كون الرأس شاملا للشعر النابت على الرأس خصوصا إن كان موضوع الحكم نفس الرأس فهو يكون بحسب العادة و في اغلب الناس من الرجال و جميع النساء موجبا للمشقة العرفية التي لا يناسب مع الشريعة المسحة السهلة.

و أمّا التمسك بما دل على المسح بخصوص الناصية فقد عرفت فى الجهة الثالثة كثرة الاختلاف في

معناها، مضافا الى انه لو كانت الناصية الشعر النابت على مقدّم الرأس، يكون لازمه وقوع المسح على خصوص الشعر و عدم كفاية البشرة، و الحال أنه سيأتى كفاية وقوع المسح على البشرة لانها المتيقن.

فالعمدة في المسألة تسلم ذلك عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم و ما قلنا من اعمّية البشرة بنظر العرف، و ما قلنا من تناسب ذلك مع ما عليه مبنى الاحكام الشرعية من السهولة.

و الحاصل مما مر هو جواز المسح بكل من بشرة الرأس و الشعر النابت عليه لما عرفت من كون الرأس اعم من البشرة و من الشعر النابت عليها، فأفهم.

و اعلم انه لا مجال لتوهم وجوب المسح بخصوص بشرة الرأس و عدم جوازه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 256

بشعر النابت فى محلها لبعض الروايات الدالة على عدم جواز المسح بالحائل كالحناء و العمامة نذكرها فى الجهة الثامنة إن شاء اللّه، لانها و إن دلت على المسح بالبشرة، لكن المراد منها البشرة فى مقابل الشي ء الخارجى الّذي يكون حائلا بين الرأس و الماسح، لا الشعر النابت الّذي قلنا بكونه من الرأس، كما لا مجال للتمسك بجواز المسح على الشعر النابت ببعض ما يدل على جواز المسح على الحائل لعدم امكان العمل بها، كما يأتى إن شاء اللّه فى الجهة الثامنة أيضا.

إذا عرفت جواز المسح على الشعر النابت في مقدم الرأس في الجملة، يقع الكلام في امرين:

الأول: هل يجوز المسح بالشعر النابت في مقدم الرأس، (أى: في المقدار من الرأس الذي يجب المسح عليه) مع فرض اجتماعه في موضع المسح من الرأس و إن كان هذا الشعر يتجاوز بمده عن حد الرأس الذي يكون محل المسح او لا يجوز المسح

عليه؟

الاقوى عدم الجواز، لعدم كون هذا المقدار المتجاوز عن حد رأس الواجب مسحه من الرأس، مثلا لو قلنا بأن المسح لا بدّ و أن يكون على الربع المقدم من الرأس فالشعر النابت في هذا الموضع إذا كان بحيث لو مده يتجاوز عن هذا الحد، لا يجوز المسح عليه و إن كان فعلا مجتمعا في هذا الحد، لعدم كون المقدار المتجاوز من بشرة الربع المقدم و لا شعر النابت على هذا الربع.

الثاني: لو كان شعر نابتا في غير المقدم من الرأس لكن تجاوز و كان واقعا فعلا على المقدم من الرأس، لا يكفى المسح به لعدم كونه من الشعر المعدود من مقدم الرأس و المسح لا بدّ و أن يكون على مقدم الرأس على الفرض.

الجهة الثامنة: هل يجوز المسح على الحائل

من العمامة أو القناع او غيرهما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 257

مطلقا و لو كان مانعا عن وصول الماء على البشرة، أو لا يجوز مطلقا و إن كان المانع شيئا رقيقا غير مانع من وصول الرطوبة الى البشرة؟

اعلم انه تارة يقع الكلام في حال الاختيار، و تارة في حال الاضطرار.

أمّا إذا كان في حال الاختيار فلا يجوز المسح على الحائل، كما حكى عليه الاجماع، لأنّ الواجب المسح على الرأس و المسح على الحائل مسح على الحائل لا على الرأس.

و يدل عليه أيضا بعض الروايات:

منها الرواية الّتي رواها محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الذي يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء، قال: لا يجوز حتى يصيب بشرة رأسه بالماء) «1».

و منها الرواية الّتي رواها علي بن جعفر عن أخيه عليهم السّلام (قال: سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على

الخمار؟ قال: لا يصلح حتى تمسح على رأسها) «2».

و منها الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام أنه سئل عن المسح على الخفين و على العمامة. فقال: لا تمسح عليهما) «3».

و في قبال ذلك بعض الأخبار يكون بظاهره شامل و لو بالإطلاق لحال الاختيار.

منها الرواية الّتي رواها عمر بن يزيد قال: (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 37 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 38 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 258

يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء؟ قال: يمسح فوق الحناء) «1».

و منها الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء، ثم يتوضأ للصلاة. فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه) «2».

و هاتان الروايتان لا يمكن الاخذ بإطلاقهما حتى يشمل حال الاختيار، لمخالفتهما مع ما عليه الشهرة بل الاجماع، و موافقتهما للعامة.

و يمكن حملهما على حال الضرورة كالبرد و نحوه جمعا بين ما دل على عدم الجواز و بين هاتين الروايتين الدالتين على الجواز، فيحمل ما دل على الجواز على حال الضرورة، و ما دل على عدم الجواز على حال الاختيار حتى فى ما كان الحائل رقيقا.

هذا كله في حال الاختيار و قد عرفت عدم الجواز، و أمّا في حال الاضطرار كالبرد فيجوز المسح على الحائل و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه فى الجبائر.

الجهة التاسعة: و هل يجب أن يكون المسح بباطن الكف أم لا؟

اشارة

و هل يجب أن يكون بخصوص الاصابع أم لا.؟

و هل يجب أن يكون بخصوص اليد

اليمنى أم لا؟

لا اشكال فى وجوب كون المسح باليد و ان لم يذكر الغاسل و الماسح في الآية الشريفة كما حكى عليه الاجماع و الاتفاق.

و تدل عليه الرواية الّتي رواها زرارة و فيها بعد ذكر وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 37 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 259

قال أبو جعفر عليه السّلام: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و، ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى الخ) «1».

و الرواية الّتي رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث ذكر معراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: (ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك الخ) «2».

و يدل عليه بعض الروايات الواردة في الوضوءات المأثورة عن المعصومين عليهم السّلام.

و ما يدل على كون المسح بالاصابع فانها من جملة اليد.

هذا و

يقع الكلام في أمور:
الأول: هل يجب كون المسح بخصوص الكف من اليد في مقابل الذراع او لا؟

الحق وجوب ذلك لما في بعض الأخبار المتعرضة للوضوءات البيانية مثل الرواية الّتي رواها زرارة و بكير «3». و ما نقول وجها لوجوب كونه بباطن الكف و ما يدل على المسح بالاصابع من الروايات التى ذكرنا بعضها فى بعض المباحث الماضية.

مضافا الى أن المنصرف إليه في مثل المورد الّذي يكون موضوع الحكم اليد هو الكف منها، مثلا إذا قيل (خذ بيدك) او (كل بيدك) لا يفهم العرف إلّا وجوب كون الاخذ و الاكل باليد، لأنّ المناسب صدور مثل ذلك الفعل من الكف منها، و مثل (خذ و كل)

فى ذلك (امسح) فان المناسب لقوله (امسح بيدك) هو كون متعلق

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) و الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 260

الوجوب خصوص الكف من اليد لا غير.

الثاني: يجب أن يكون المسح بخصوص الباطن من الكف

و عدم كفاية الظاهر منه فلمعهودية كون المسح بالباطن من الكف، و يمكن أن يستدل عليه بما ورد من المسح باصبع او الاصابع، فإن المتعارف المسح بباطنه، و انه المتيقن، فلو شككنا في كفاية الظاهر مقتضى القاعدة المسح بباطن الكف حتى تحصل البراءة اليقينية بناء على كون الواجب الطهارة لا محصلها اى الغسلتان و المسحتان.

كما انه في كل هذه الموارد لو لم يكن دليل و تصل النوبة بالاصل فهو الاشتغال بناء على كون الواجب الطهارة.

و لكن نحن استشكلنا في ذلك بأن الواجب الغسل و المسح و إن كان الشرط للصلاة الطهارة، فتأمل.

الثالث: هل يجب المسح بخصوص باطن الاصابع

من الكف او يكفى مطلق الباطن؟

وجه اختصاص المسح بالاصابع ما فى بعض الروايات من الأمر بثلث اصابع او اصبع او ادخال اصبع تحت العمامة و المسح به.

و وجه عدم اختصاصه بالإصبع أن الحكم بثلث اصابع او اصبع كان من باب كونها جزءا من الكف، و لتحديد المقدار عرضا او طولا على ما عرفت الكلام فيه، و لذا كان التعبير فى بعض الروايات مقدار الاصبع.

و الحكم بادخال الاصبع تحت العمامة و المسح بالاصبع في صورة مشقة نزع العمامة او مطلقا، يمكن أن يكون من باب أن طبع سهولة المسح بدون نزع العمامة يقتضي ادخال رءوس الاصابع او رأس اصبع، لا كون خصوصية لها فلا خصوصية للاصبع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 261

الرابع: هل يجب كون مسح الرأس باليد اليمنى

او يجوز بها و باليسرى، فيكون مخيرا بين المسح بايهما شاء؟

وجه الوجوب قوله عليه السّلام في رواية زرارة المكررة ذكرها (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك الخ).

و وجه عدم الوجوب و التخيير ما في ساير الروايات من اطلاق اليد و عدم ذكر يد خاصّة و الاطلاق يقتضي التخيير.

فهل نقول بوجوب كون المسح باليمنى معينا بتقييد المطلقات برواية زرارة، او يحمل الأمر باليد اليمنى في رواية زرارة على الاستحباب، لأنّ بعض هذه المطلقات حيث تكون فى مقام البيان لا يقبل التقييد، خصوصا مع ما حكى من اتفاق الفقهاء رضوان اللّه عليهم على استحباب كون المسح باليمنى، و ربما يؤيّد حمله على الاستحباب أن الأمر ربما كان من باب ما هو المعتاد من المسح باليمنى، و لكن الاحوط مع ذلك هو المسح بخصوص اليد اليمنى.

***

[مسئلة 24: في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 24: في مسح الرأس لا فرق بين أن يكون طولا او عرضا او منحرفا.

(1)

أقول: أمّا المسح منكوسا، فقد عرفت أن الاقوى جوازه و إن كان الاحتياط من الاعلى مما ينبغى رعايته.

و أمّا كيفيات اخرى، فكما قلنا في الجهة المتعرضة للمسح منكوسا بعد اطلاق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 262

الادلة من هذا الحيث فيكون الاقوى جوازها، الا أن يقال بعدم كون الوضوء بهذه الكيفيات فى مسحها معهودا عند المتشرعة من السلف و الخلف، و لكن مجرد ذلك لا يوجب عدم الجواز.

***

[الرابع: مسح الرجلين]

اشارة

قوله رحمه اللّه

الرابع: مسح الرجلين من رءوس الاصابع الى الكعبين، و هما قبتا القدمين على المشهور، و المفصل بين الساق و القدم على قول بعضهم و هو الاحوط.

و يكفى المسمى عرضا و لو بعرض اصبع او أقل، و الافضل أن يكون بمقدار عرض ثلث اصابع، و افضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم.

و يجزى الابتداء بالاصابع و بالكعبين، و الاحوط الأول، كما أن الاحوط تقديم الرجل اليمنى على اليسرى و إن كان الاقوى جواز مسحهما معا، نعم لا يقدّم اليسرى على اليمنى.

و الاحوط أن يكون مسح اليمنى باليمنى و اليسرى باليسرى، و إن كان لا يبعد جواز مسح كليهما بكل منهما.

و إن كان شعر على ظاهر القدمين فالاحوط الجمع بينه و بين البشرة في المسح.

و تجب ازالة الموانع و الحواجب، و اليقين بوصول الرطوبة الى البشرة و لا يكفى الظن.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 263

و مع قطع بعض قدمه مسح على الباقى، و يسقط مع قطع تمامه.

(1)

أقول: أمّا وجوبه و كونه من واجبات الوضوء، فمما لا اشكال فيه نصا و فتوى عندنا خلافا لجمهور

مخالفينا و النصوص عليه متواترة، و قد حكى عن انتصار السيد رحمه اللّه انها اكثر من عدد الرمل و الحصى، فانظر الى كتاب الكريم حيث يقول جل جلاله (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فأمر بمسح الرجل كما امر بمسح الرأس لأنّ قوله تعالى: وَ أَرْجُلَكُمْ عطف على قوله تعالى بِرُؤُسِكُمْ سواء كان عطفا على لفظ كلمة بِرُؤُسِكُمْ او على محله و لا معنى لكونه عطفا على وُجُوهَكُمْ فإن من يكون له ادنى بصيرة بالقواعد العربية يعلم ضعف هذا الاحتمال.

و من يقول هذا ليس نظره إلّا العنا دو المخالفة مع ظاهر القرآن و حكم اللّه تعالى، و ما ورد من الذين نزل القرآن فى بيوتهم، و هم احد الثقلين الذين امر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالتمسك بهما لأن لا يضلوا ابدا، فجعلوا كلامهم وراء ظهورهم فضلوا و اضلّوا خذلهم اللّه.

فعلى كل حال لا اشكال فى أن مسح الرجلين من جملة واجبات الوضوء و هو المسح لا الغسل، فإنما الحري عطف عنان الكلام الى بعض الجهات التي تعرضها المؤلف رحمه اللّه فنقول بعونه تعالى:

الجهة الاولى: يجب أن يكون المسح بظاهر الرجلين فقط

لا بخصوص باطنهما، و لا التخيير بين ظاهرهما و باطنهما، و قد حكى عليه الاجماع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 264

و يمكن أن يستدل عليه بقوله تعالى: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ بناء على كون الكعب نقطة في ظاهر القدم.

و ما قيل من أن الرواية الّتي رواها الصدوق مرسلا عن امير المؤمنين عليه السّلام (لو لا انى رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يمسح ظاهر قدميه لظننت أن باطنهما اولى بالمسح

من ظاهرهما) «1»، تدل على عدم كون الآية دالة على وجوب المسح بالظاهر، لأنّه لو كانت دالة علم ذلك على عليه السّلام ضعيفة السند لارسالها فلا يعبأ بها.

و يدلّ على ذلك بعض الروايات:

منها الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيها قال: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى الخ) «2».

و منها الرواية الّتي رواها محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل أن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء، الى أن قال في ذيلها:

(و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك الخ) «3».

تدل الروايتان على وجوب كون المسح بظاهر القدم للامر به.

و ما في بعض الأخبار من مسح ظاهر القدم و باطنه، كالرواية الّتي رواها سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما، ثم قال: هكذا فوضع يده على الكعب و ضرب الاخرى على باطن قدميه،

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 265

ثم مسحهما الى الاصابع) «1»، و الرواية الّتي رواها احمد بن محمد بن عيسى رفعه الى أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في مسح القدمين و مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس و مؤخره، و مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما) «2» غير معمول بهما عند الاصحاب و موافقتان مع بعض العامة كما حكى

عن الشيخ رحمه اللّه.

الجهة الثانية: يجب أن يكون المسح طولا من اطراف اصابع الرجلين الى الكعبين

اشارة

و هو مما لا خلاف فيه ظاهرا عندنا على ما حكى.

و تدلّ الآية الشريفة على كون المسح الى الكعبين، و كذلك فى جمع من الروايات حدّد مسح الرجلين بما بين اطراف الاصابع و الكعبين.

و لا كلام فى مفهوم اطراف الاصابع، انما

الكلام فيما هو المراد من الكعب، و الاحتمالات فى موضوعه تبلغ أربعة:
الاحتمال الأول: ما ذهبت إليه العامة

من كونه عبارة عن العقدتين الناتئتين اى العاليتين في طرفى الساق، فعلى هذا يكون لكل رجل كعبان، و هذا الاحتمال لا مجال للاخذ به لكونه مخالفا لقول اصحابنا و كون اجماعهم على خلافه، مضافا الى العقدتين ليستا من جملة ظهر القدم، و قد عرفت دلالة بعض الأخبار على وجوب كون المسح بظهر القدم لا بالساق، فلو كان بعض معانى الكعب فى اللغة فرضا العقدتين الواقعتين على الساق، لا يمكن القول به.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من الكعب العظم الناتئ

اى: العالى في وسط القدم ما بين المشط- يعنى: العظام الصغار الواقعة في ظهر القدم المتصلة الى

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 23 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 266

اصول الاصابع- و بين المفصل و هو القول المشهور.

الاحتمال الثالث: كون الكعب عبارة عن العظم المائل الى الاستدارة

الواقع في ملتقى الساق و القدم و قد يعبّر عنه بالمفصل، و هو ما حكى كونه مختار الشيخ البهائى رحمه اللّه.

الاحتمال الرابع: كونه عبارة عن نفس المفصل

المجتمع عنده عظم الساق و القدم، و هو ما ذهب إليه العلامة رحمه اللّه على ما حكى عنه.

اعلم أن المذكور في بعض ما رأينا من كتب اللغة كما في القاموس و اقرب الموارد كون الكعب كل مفصل بين العظام و العظم الناشز فوق القدم، او العظمان الناشزان من جانبيهما، فلا يمكن استفادة كون المراد خصوص العظم العالى فى وسط القدم، كما لا يمكن استفادة كونه لغة غيرها، بل كل منهما من موارد استعماله، فما قيل من اتفاق اهل اللغة على كون الكعب هو العظم الناتئ بين المشط و المفصل غير تمام.

ثم بعد ذلك نقول بعونه تعالى:

يستدل على القول الثاني-

و هو كون الواجب المسح ما بين اطراف الاصابع و العظم العالى في وسط القدم بين المشط و المفصل، و هو ما عليه المشهور او المجمع عليه- بروايات:

الاولى: الرواية الّتي رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم فقلت: جعلت فداك، لو أن رجلا قال باصبعين من اصابعه هكذا فقال لا إلّا بكفّه) «1»، وجه الدلالة كون قوله: (الى ظاهر القدم)

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 24 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 267

بدلا او عطف بيان لقوله: (الى الكعبين) فيكون المراد أنه يمسحها الى ظاهر القدم و المراد من ظاهر القدم الجزء المرتفع منه و هو قبة القدم.

إن قلت: إن المراد من قوله: (الى ظاهر القدم) اى الظاهر فى مقابل الباطن يعنى المسح على ظاهر القدم لا باطنه.

قلت: الواجب وقوع المسح كما عرفت على ظاهر القدم، فإن كان المراد

بيان ذلك كان المناسب أن يقول فمسحها الى الكعبين بظاهر القدم، لا الى ظاهر القدم، لأنّ كلمة (الى) يفيد الانتهاء و انّ منتهى إليه المسح الظاهر، و الحال انه إن كان المراد الظاهر في مقابل الباطن كان الظاهر تمامه محل المسح لا منتهى إليه المسح فلا تناسب العبارة مع كون المراد من (الى ظاهر القدم) الظاهر في مقابل الباطن.

و أمّا قيل من أن الرواية تحمل على الاستحباب، لانها متعرضة لطول الممسوح و عرضه، فقال: فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين، و بعد كون المسح بتمام الكف مستحبا فلا بدّ من حمل الرواية على الاستحباب من جهة طوله فلا يصح الاستشهاد بها على كون المسح الى الكعبين حتى يقال إن المسح إليهما واجب و الكعب على ما في الرواية ظهر القدم اى موضع ارتفاعه، فيقال: تدل الرواية على قول المشهور، لأنّه بعد لابدّية حملها في جهة العرض اى مقدار الكف على الاستحباب لا بدّ من حملها في جهة الطول أيضا على الاستحباب، لعدم امكان التفكيك بين الطول و العرض.

ففيه انه لا يمكن حمل الرواية في جهة الطول على الاستحباب، لأنّ وجوب كون المسح الى الكعب مسلّم لا اشكال فيه كما أن المسح الى قبة القدم اي ظاهر القدم مسلّم، و انما الاشكال في وجوب ازيد من هذا المقدار فافهم.

و يؤيد بل يدل على كون المراد من (ظاهر القدم) الكعب، قوله عليه السّلام فى الرواية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 268

الثانية التى نذكرها بعد ذلك إن شاء اللّه، بانه: (وضع يده على ظهر القدم، ثم قال هذا هو الكعب)، لان مفاده كون الكعب عبارة عن ظهر القدم، فالمراد من ظاهر القدم هو

الكعب.

الثانية: الرواية الّتي رواها ميسر عن أبي جعفر عليهما السّلام (قال: الا احكى لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم اخذ كفّا من ماء فصبّها على وجهه، ثم اخذ كفّا فصبّها على ذراعه ثم اخذ كفا آخر فصبّها على ذراعه الاخرى، ثم مسح رأسه و قدميه، ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال: هذا هو الكعب. و قال: و اومى بيده الى اسفل العرقوب ثم قال: إن هذا هو الظنبوب) «1».

بدعوى أن المستفاد من الرواية كون الكعب غير ما اومى بيده الى اسفل العرقوب ثم قال: إن هذا هو الظنبوب. و بعد كون الظنبوب طرف الساق اسفل من العرقوب الواقع فوق العقب على ما فسّر، فيكون الكعب هو الموضع المرتفع من ظهر القدم اى قبة القدم.

و يحتمل أن يكون ما اومى إليه هو عين ظهر القدم الذي قال: هذا هو الكعب، و على هذا يكون المفصل بين الساق و القدم و لا ينطبق على ما ذهب إليه المشهور.

و لا يبعد كون ما اومى إليه غير الكعب كما أن ما اومى إليه نقطة اسفل من العرقوب بحسب الظاهر.

و يؤيد ما قلنا من نفى البعد عن كون الكعب غير الظنبوب ما روى العياشى في الوضوءات البيانية على ما حكى، و فيه: ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال: إنّ هذا هو الكعب، و اومى بيده الى العرقوب و قال: إن هذا هو الظنبوب و ليس بالكعب.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 269

و لا تنافى بينها و بين رواية ميسر من باب كون المستفاد من رواية ميسر كون

الظنبوب غير العرقوب و من هذه الرواية كونه عينه.

وجه عدم التنافى أنّ المستفاد من الاولى كون الظنبوب اسفل نقطة من العرقوب، فلا مانع من أن يشير الى العرقوب كما في الثانية، و يقول أن هذا هو الظنوب، و على كل حال يستفاد منهما كون الكعب في اسفل موضع من الظنبوب و هو ينطبق مع قول المشهور.

الثالثة: الرواية الّتي رواها زرارة و بكير «1»، بناء على أحد احتمالاتها نتعرض لها إن شاء اللّه عند التعرض لوجه القول بكون الكعب هو المفصل إن شاء اللّه.

الرابعة: بعض الروايات الواردة في عدم استبطان الشراك.

مثل الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أن عليا عليه السّلام مسح على النعلين و لم يستبطن الشراكين) «2».

بدعوى كون محل الشراك بين المفصل و قبة القدم، فمن عدم ايجاب استبطان الشراك مع فرض عدم جواز المسح على ظاهر الشراك، لعدم جواز المسح على الحائل، نفهم عدم وجوب مسح تحت الشراك الواقع فوق قبة القدم من باب عدم كونه داخلا في الحدّ الواجب مسحه، فنفهم أن آخر الحدّ هو قبة القدم لا الاعلى منه.

و فيه أن الاستدلال بها يتوقف على تحقق كون محل الشراك بين قبة القدم و المفصل، و إلّا لو كان محله نفس المفصل يمكن المسح الى المفصل و لا يساعد مع الاحتمال الثاني اى قول المشهور.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 270

و الانصاف عدم معلومية موضع الشراك حتى يستدل بها.

الخامسة: ما ورد في السارق فيما إذا عاد الى السرقة، فيجب قطع رجله، من انه يقطع السارق من

رجله من وسط القدم و يبقى عقبه و يقطع ما بقى من قدمه (راجع الباب 6 من أبواب حد السرقة من الوسائل)، ثم ورد فى الرواية الّتي رواها عبد اللّه بن هلال عن ابيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال: (انما يقطع الرجل من الكعب و يترك من قدمه ما يقوم عليه و يصلى و يعبد اللّه الخ) «1»، فمقتضى هذا كون الكعب هو قبة القدم و لا يساعد مع المفصل.

هذا كله فيما يمكن أن يستدل به على كون الكعب قبّة القدم و وجوب المسح الى هذا الحدّ.

و أمّا ما يمكن أن يستدل به على قول المنسوب إلى العلامة رحمه اللّه

من كون المراد من الكعب المفصل بين القدم و الساق، فهى الرواية الّتي رواها زرارة و بكير انهما سالا أبا جعفر عليه السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى أن قال فيها: (فاذا مسح بشي ء من رأسه او بشي ء من قدميه ما بين الكعبين الى اطراف الاصابع فقد أجزأه. قال: فقلنا:

اين الكعبان؟ قال: هاهنا يعنى المفصل دون عظم الساق. فقلنا: هذا ما هو؟ فقال:

هذا من عظم الساق و الكعب اسفل من ذلك الخ) «2».

اعلم أن هذه الرواية كما تكون مورد الاستدلال للقول بأن الكعب هو المفصل القدم و الساق، كذلك يستدل بها على كون الكعب قبة القدم.

منشأ ذلك تأتّى الاحتمالين في الرواية:

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 8 من ابواب حد السرقة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 271

الاحتمال الأول: أن يكون المراد من المفصل في الرواية هو المفصل بين القدم و الساق، إما بان يقال بأن المفصل الواقع دون عظم الساق هو المفصل بين

الساق و القدم.

و لو فرض كون قبة القدم مفصلا فهو ليس المفصل الّذي دون عظم الساق بل هو واقع بين المشط و بين مفصل القدم و الساق.

و إمّا بأن يقال: إن المراد من قوله (دون عظم الساق) يكون (عند عظم الساق) فالمفصل عند عظم الساق هو المفصل بين القدم و الساق، فعلى هذا تكون الرواية دليلا على قول العلامة رحمه اللّه، اعنى كون الكعب هو المفصل بين الساق و القدم.

الاحتمال الثاني: أن يقال بأنه بعد ما قال عليه السّلام فى مقام بيان حقيقة الكعب بأنه (المفصل دون عظم الساق) يكون المراد أن الكعب هو المفصل الذي ما دون عظم الساق اى اسفل منه او تحته، فيكون المستفاد منها أن الكعب مفصل يكون دون عظم الساق، و لا ينطبق هذا الا مع قبة القدم، و لا يمكن كون الكعب نفس مفصل الساق و القدم لأنّ مفصل الساق و القدم هو نقطة اتصال كل من عظمى الساق و القدم بالآخر، فليس هو شي ء آخر غير رأس العظمين المربوطين كل منهما بالآخر حتى يقال أن هذا الشي ء الآخر ما دون عظم الساق هو المفصل و هو الكعب.

فلا ينطبق قوله عليه السّلام (المفصل دون عظم الساق) الا مع قبة القدم، و على هذا تكون الرواية دليلا على كون الكعب قبة القدم و هو ما ذهب إليه المشهور.

إذا عرفت الاحتمالين في الرواية نقول:

إن الظاهر منها لو لم يكن الاحتمال الثاني، فلا أقل الظاهر منها لا يكون الاحتمال الأول، لأنّ لازم الاحتمال الاوّل جعل المفصل شيئا آخر دون عظم الساق،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 272

و الحال ان المفصل هو نقطة اتصال كل من عظمى الساق و القدم

لا شيئا آخر إن اخذ بظاهر قوله (دون عظم الساق).

و إن اريد بقوله (دون) (عند) حتى يكون المراد عند عظم الساق، فهو مع لزومه ارتكاب خلاف الظاهر و هو حمل (دون) على (عند) فلازمه كون المفصل عند عظم الساق مع أن المفصل بين الساق و القدم ليس عند عظم الساق بل هو المفصل بين عظمى الساق و القدم.

فتلخص أن الاقوى موافقا لما عليه المشهور، و إن كان كفاية المسح بين قبة القدم و رءوس الاصابع، لكن الاحوط المسح بين مفصل الساق و القدم و رءوس الاصابع.

الجهة الثالثة: بعد الفراغ عما هو المراد من الكعب، يقع الكلام في أنه هل يكون نفس الكعب داخلا في الممسوح،

اشارة

بمعنى وجوب مسحه، او لا يكون داخلا بل يجب وصول المسح الى اوّل نقطة الكعب؟

لا يمكن استفادة عدم وجوب مسحه من قوله تعالى (الى الكعبين) و كذا النصوص التى تكون بهذه العبارة، بدعوى عدم كون الغاية داخلة فى المغيّا.

لأنّ الاقوال في لفظ (الى) المجعول لانتهاء الغاية و إن كانت ثلاثة:

القول بالدخول مطلقا.

و القول بعدم الدخول مطلقا.

و التفصيل بين ما كانت الغاية من جنس المغيّا مثل قولك: اكلت الخبز الى آخره، فتكون الغاية داخلة، و بين ما لا تكون من جنس المغيّا مثل صم الى الليل فتكون الغاية خارجة عن المغيّا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 273

لكن لا يبعد كون لفظة (الى) موضوعة لانتهاء الغاية و لا دلالة لها لدخول الغاية او خروجها.

و لهذا ليست استعمالها فيما تكون الغاية داخلة مجازا، كما ليست استعمالها فيما ليست الغاية داخلة في المغيّا مجازا أيضا.

فلا بدّ لفهم كون الغاية داخلة في المغيّا او خارجة من القرائن الخارجية، و إذا بلغ الأمر الى هنا نقول بعونه تعالى:

ما يمكن الاستدلال به على كون نفس الكعب داخلا في الممسوح امور:
الأوّل: الرواية الّتي رواها يونس

(قال: اخبرنى من رأى أبا الحسن عليه السّلام بمنى يمسح ظهر القدم الى الكعب، و من الكعب الى اعلى القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا، فإنه من الأمر الموسّع إن شاء اللّه) «1»، تدل على كون الابتداء بالمسح من الكعب مرة فتدل على كون الكعب جزء الممسوح.

و لكن يمكن أن يقال:

أمّا أولا، لا يستفاد من الرواية إلّا كون ابتدائه عليه السّلام من الكعب، كما كان ابتدائه من ظهر القدم الى الكعب، و كون الابتداء من الكعب لا يدل على مسح نفس الكعب، بل يكفى فى صدق الابتداء كون الشروع

فى المسح من اوّل نقطة من الكعب بطرف رءوس الاصابع، لا كون المسح من تمام الكعب الى رءوس الاصابع، فهذا الفعل ينطبق مع كون المسح ما بين الكعب الى اطراف الاصابع، كما يظهر من رواية زرارة و بكير الآتية إن شاء اللّه.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 20 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 274

و ثانيا، على فرض كون ابتدائه عليه السّلام من الكعب بنحو مسح نفس الكعب أيضا، فليس الا ذلك فعل صدر عن المعصوم عليه السّلام، فلو دل دليل على اجزاء مسح ما بين الكعب الى رءوس الاصابع كما نقول إن شاء اللّه فى رواية زرارة و بكير، يحمل هذه الرواية على الاستحباب، بل لا يستفاد منها فى حدّ ذاته الا رجحانه لا وجوبه، فافهم.

الثاني: اطلاق ما ورد فيمن قطع بعض محلّ وضوئه

من غسل ما بقى او مسح ما بقى من محل الغسل او المسح، فإن اطلاقه يشمل من قطع رجله من آخر نقطة الكعب من طرف رءوس الاصابع من أنه يجب مسح ما بقى و إن كان ما بقى نفس الكعب.

و فيه ان ما ورد في اقطع اليد و الرجل ليس الا في مقام بيان وجوب غسل ما بقى من محل الغسل او المسح، و ليس في مقام بيان تعيين محل الغسل و المسح، و لا يمكن شمول الاطلاق لما هو مشكوك الفردية للمطلق.

الثالث: كون (الى) فى قوله تعالى (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) بمعنى (مع)

بقرينة كون (الى) في قوله تعالى (إِلَى الْمَرٰافِقِ) بمعنى (مع).

و فيه أن هذا اشبه شي ء بالقياس، و على هذا لا يتم الوجه الثاني و الثالث و كذا الوجه الأول و هو مرسلة يونس.

و في قبال ذلك يتمسك على عدم وجوب نفس الكعب و عدم كونه جزء الممسوح بالرواية الّتي رواها زرارة و بكير أنهما سألا أبا جعفر عليهما السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فيها قال: (فاذا مسح بشي ء من رأسه او شي ء من قدميه ما بين

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 275

الكعبين الى اطراف الاصابع فقد أجزأه الخ) «1»، بدعوى دلالتها على أن الواجب مسح ما بين الكعبين الى اطراف الاصابع فنفس الكعبين خارج عن الممسوح.

و فيه ان هذا الكلام فيه احتمالان:

احدهما: أن يكون المراد من قوله (ما بين الكعبين) انتهاء الكعب الى اطراف الاصابع بحيث يكون الكعب خارجا فيدلّ على خروج الكعب.

ثانيها: أن يكون النظر الى وقوع المسح من الكعب و رءوس الاصابع بحيث يكون الكعب داخلا و أيضا يصح أن يقال ما بين الكعبين، و كليهما محتمل لكن

الظاهر من الاحتمالين الأول لأنّه من بدء بالمسح من اوّل نقطة من الكعب من طرف النازل الى اطراف الاصابع و لم يمسح نفس الكعب بتمامه يصدق كون مسحه ما بين الكعب و رءوس الاصابع.

فعلى هذا يكون الاقوى بالنظر عدم وجوب نفس الكعب بتمامه، نعم يجب مسح اوّل نقطة منه من طرف النازل من باب مقدمة العلمية الى رءوس الاصابع كى يعلم بوقوع المسح بما بين الكعب الى رءوس الاصابع، و لكن مع ذلك الاحوط مسح الكعب بتمامه، فأفهم.

الجهة الرابعة: هل يجب من طرف العرض مسح تمام ظهر القدم

اشارة

او يكفى مسح تمام كف اليد و لو لم يمسح به تمام ظهر القدم، او يكفى مسح ثلاث اصابع، او اصبعين، او اصبع واحدة، او ما يسمى مسحا و إن كان أقل من مقدار اصبع واحدة؟

أقول: اما عدم وجوب مسح تمام ظاهر القدم مضافا الى دعوى الاجماع عن غير واحد عليه عدم دليل عليه، بل وجود الدليل على عدم وجوبه لما نذكر إن شاء اللّه

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 276

من الاكتفاء ببعض الظهر من الكف او أقل منه فيبقى ما بقى من الاحتمالات:

احدها: كفاية مسمّى المسح عرفا

و لو حصل باصبع او أقل منها و هو مختار المشهور بل ادعى الاجماع عليه عن غير واحد من فقهائنا رضوان اللّه عليهم.

يستدل عليه بالرواية الّتي رواها زرارة و بكير (و قد نقلناها مكررا) انهما سألا أبا جعفر عليهما السّلام عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فيها قال: (فاذا مسح بشي ء من رأسه او بشي ء من قدميه ما بين الكعبين الى اطراف الاصابع فقد أجزأه الخ) «1».

تقريب الاستدلال أن المستفاد منها كفاية المسح بشي ء من القدم كما يكفى بشي ء من الرأس، غاية الأمر بعد قوله (ما بين الكعبين) يكون محل شي ء من القدم بين الكعب و رءوس الاصابع، فيكون المستفاد كون المسح طولا ما بين الكعب و رءوس الاصابع، و عرضا بشي ء يعنى مسمى المسح، لأنّ التبعيض في المسح بشي ء إما يكون في الطول و فى العرض او فى الطول فقط او في العرض فقط، و لا يمكن القول بالأول و الثاني لعدم جواز التبعيض فى الطول لوجوب المسح بين الكعب

و رءوس الاصابع، فيتعين الثالث.

و اورد على الاستدلال بان الرواية كما تدل على التحديد طولا من الكعب الى رءوس الاصابع كذلك يدل على التحديد العرضى اى تمام عرض بين الكعب و رءوس الاصابع، و التفكيك بينهما غير ثابت لاحتمال كون النظر في قوله (بشي ء من قدميه) الى كفاية البعض و هذا البعض هو ما بين الكعب و رءوس الاصابع و عدم وجوب الازيد من الكعب من ظهر القدم.

و فيه انه لا مجال لهذا الايراد، لأنّ وجوب الاستيعاب طولا قد استفاد من

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 277

الآية الشريفة و نفس هذه الرواية و غيرها للتحديد بما بين الكعبين الى رءوس الاصابع و لا يلازم الاستيعاب طولا الاستيعاب عرضا.

أمّا أولا فلان معنى الاستيعاب عرضا هو وجوب عرض تمام القدم من رءوس الاصابع الى الكعب لا المسح بالكف فقط، و هذا مما عرفت كون الاجماع على خلافه.

و ثانيا، حمل قوله (بشي ء من قدميه) على تمام عرض ما بين الكعب و رءوس الاصابع حمل لا يساعده الذوق العرفى، لأنّه على فرض وجوب الاستيعاب بالمسح عرضا بين الكعب و رءوس الاصابع يكون اكثر القدم على فرض كون الكعب قبة القدم مما يجب مسحه، و على فرض كون الكعب المفصل يكون تمام ظهر القدم واجب المسح، و لا يصح اطلاق ب (شي ء منه) على هذا المقدار لأنّ التعبير بشي ء منه يكون دالا على كفاية مقدار قليل بل الاقل من القليل.

فعلى هذا نقول: اما وجوب الاستيعاب طولا بين الكعب و اطراف الاصابع فللدليل، و أمّا عدم وجوب مقدار معين في المسح عرضا من الكف او الاصابع او

الاصبع فلدلالة الرواية على كفاية شي ء من قدميه، فدلالة الرواية عن كفاية المسمى سليمة عن الاشكال.

و الرواية الّتي رواها زرارة (قال: قلت لابي جعفر عليه السّلام: الا تخبرنى من اين علمت و قلت: إن المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين) الى أن قال فيها: (ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و ارجلكم الى الكعبين. فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح على بعضهما الخ) «1».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 23 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 278

وجه الاستدلال وجوب المسح على بعض الرأس و كفاية البعض و من المسلم أن النظر الى كفاية البعض يكون الى الكفاية من طرف العرض لا الطول لأنّ الطول قد حدّد الى الكعبين من رءوس الاصابع.

و اورد على الاستدلال بأن الرواية لا تدل إلّا على أن المسح ببعض القدم، و لعله يكون البعض ناظرا الى وجوب الظاهر لا الباطن، فالكل الظاهر و الباطن و البعض خصوص الظاهر، فلا تدل الرواية على كفاية المسمى.

و فيه اما أولا، فإن كان البعض الظاهر في قبال الباطن فلازمه الالتزام باستيعاب مسح الظاهر بتمامه، و الحال انك عرفت دعوى الاجماع على خلافه.

و ثانيا، أن ظاهر الرواية كفاية البعض و هذا البعض مطلق يشمل حتى مجرد مسمى المسح فاطلاقها يقتضي كفاية المسمى.

نعم لو دل دليل على وجوب مقدار خاص يقيد به الاطلاق و إلّا نأخذ بإطلاقها.

و الرواية الّتي رواها القاسم بن محمد عن جعفر بن سليمان عمه قال: (سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام قلت: جعلت فداك، يكون خف الرجل مخرقا فيدخل يده فيمسح ظهر قدمه أ يجزيه ذلك؟ قال: نعم) «1».

وجه الدلالة حكمه عليه السّلام باجزاء

ادخال اليد، و اطلاق الاجزاء يقتضي الاجزاء و إن كان بما يسمى مسحا لتركه الاستفصال، فمن ترك الاستفصال نفهم اطلاق الاجزاء.

و لكن ما يأتى بنظرى القاصر انّ مفروض كلام السائل، إما ادخال اليد فى

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 23 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 279

الخفّ و مسح ظهر القدم بها، لأنّه قال: فيدخل يده فيمسح ظهر قدمه. و الظاهر من وضع السؤال كون السائل واقفا بحكم المسح من حيث الماسح و الممسوح، و انما سؤاله من حيث ادخال اليد فى الخف المخرق و عدم اخراج رجله من الخف للمسح، و بعبارة اخرى سؤاله عن جواز المسح بهذه الكيفية و عدمها، فلا يمكن استفادة الاطلاق منها، و إما يكون نظر السائل فى سؤاله إلى عدم مسحه باطن القدم، لانه لم يخرج الخف من رجله، لكن لاجل كونه مخرقا مسح الظاهر، و أنه هل يكتفى بمسح الظاهر؟ فاجاب باجزائه، و ليس فى مقام بيان انه اى مقدار من ظهر القدم مسح به، فتكون الرواية فى مقام اجزاء مسح الظاهر و عدم وجوب مسح الباطن.

و حيث إن الرواية ذو احتمالين، و لا يبعد كون الظاهر منها الاحتمال الثانى، فلا يمكن الاستدلال بها للمسألة، لا للقول بكفاية مسمى المسح بدعوى ترك الاستفصال، و لا للقول بوجوب الاستيعاب بدعوى كون موردها مسح ظهر القدم و هو يناسب مع مسح تمامه لاحتمال كون الرواية فى مقام بيان عدم وجوب مسح الباطن من الرجل، فتأمل. مضافا الى ما قيل من ضعف سندها.

و الروايات الواردة في وجوب اخذ البلل للمسح عن بلة الواقعة في اللحية او الحاجب او اشفار العين لمن لم يكن له

بلة في كفيه، بدعوى أن البلة الواقعة في اللحية و خصوصا الحاجب و اشفار العين، لا يكفى لأن يحصل بها الرطوبة في تمام الكف فيسمح بها الرأس او الرجل، فهذا دليل على كفاية المسمى لامكان تحصيل مسمى المسح للرأس و الرجل بهذه البلة.

و فيه، أن ثلاثة من الروايات الواردة فى اخذ البلل من اللحية أو الحاجب او اشفار العين- و هي 1 و 2 و 7 من 21 من أبواب الوضوء من الوسائل- وردت في نسيان مسح الرأس فقط و يمكن مسمّى مسح الرأس بالنداوة الباقية في أحدها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 280

نعم الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل ينسى مسح رأسه حتى دخل في الصلاة. قال: ان كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل الحديث) «1». و مرسلة الصدوق رحمه اللّه «2» تدلان على الاخذ من بلل اللحية في اوليهما و من بلل اللحية و إن لم يكن من الحاجب و إن لم يكن من اشفار العين في ثانيهما.

لكن نقول اما الرواية الاولى اعنى رواية زرارة ففيها:

اما أوّلا، كان موردها صورة نسيان المسح و لا وجه للتعدى بغير صورة النسيان.

و ثانيا، لازم الرواية صحة ما وقع من الصلاة بدون الطهارة الحدثية لفرض تذكره بعد الدخول في الصلاة.

و ثالثا، مفروض كلامه عليه السّلام فرض وجود البلل بمقدار المسح و لا مانع من الالتزام به، لأنّه يمكن وجود البلل في اللحية بقدر مسح تمام الكف بالنداوة الواقعة في اللحية.

و أمّا مرسلة الصدوق رحمه اللّه فالمفروض فيها و إن كان كفاية البلل الواقع في الحاجب او اشفار العين، و هما

لا يكفيان إلّا لمسمى المسح، و لا يكفى لأن يتأثّر الكف بتمامه بالرطوبة من احدهما حتى يمسح بكفه القدم، لكنها ضعيفة السند لارسالها، مضافا الى ما قلنا من الاشكال بكون موردها صورة النسيان و لا وجه للتعدي بغير النسيان.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 281

هذا كله فيما يمكن أن يستدل به على كفاية مسمى المسح.

[ثانيها] و أمّا ما يمكن أن يستدل به على اعتبار كون المسح بتمام الكف:
الأول: بعض المطلقات الواردة في مسح الرجلين

فإنه يقتضي بظاهره كون المسح بتمام الكف مثل قوله في الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيها قال: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى الخ) «1».

و ما في الرواية الّتي رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك الخ) «2».

و فيه أن مثل هذين الخبرين ليسا إلّا في مقام بيان وجوب مسح الرجلين باليد، و مع كون المراد باليد هو الكف- كما استظهرنا في الجهة التي تعرضنا لوجوب كون المسح بالكف- لا يستفاد منه كون المسح بتمام الكف او ببعضه، لعدم كونه في مقام ذلك.

مضافا الى أنه لو كان في مقام ذلك و كون الظاهر منه ما قيل، فيكون دالّا على استيعاب تمام ظهر القدم بالمسح، و هو مما عرفت دعوى الاجماع على عدم وجوبه، و مع قطع النظر عن ذلك نقول: ان غايتها ظهورها فى الوجوب للأمر به، و بعد الدليل كما عرفت على كفاية المسمى و ما يأتى من اجزاء

ثلاث اصابع، يحمل امثال الخبرين على الاستحباب جمعا كما عرفت فى الجهة الثالثة من الجهات المتعرضة فى مسح الرأس.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 282

الثاني: الرواية الّتي رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام

(قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم. فقلت: جعلت فداك، لو انّ رجلا قال باصبعين من اصابعه هكذا؟ فقال: لا إلّا بكفيه (بكفه) مطلقا) «1».

و فيه انه يحمل الخبر على الاستحباب بعد ما عرفت من النص على كفاية المسمى، مضافا الى انه لو بقى و حفظ ظهوره في وجوب كون المسح بتمام الكف، لا يمكن العمل به لكونه معرضا عنه عند الاصحاب لوجود الاجماع و لا أقل من الشهرة على خلافه.

الثالث: الرواية الّتي رواها عبد الاعلى مولى آل سام

قال: (قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: عثرت فانقطع ظفرى، فجعلت على اصبعى مرارة، فكيف اصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و اشباهه من كتاب اللّه عزّ و جل قال اللّه تعالى: (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امسح عليه) «2».

بدعوى انه على ما فرض السائل جعل على اصبع من اصابع رجله المرارة، فلو لم يكن المسح بتمام الكف واجبا و يجزى مسمى المسح، كان الحرى أن يقول عليه السّلام:

امسح على ما بقى من اصابعك او على بعض اصابعك الذي لم تكن عليه مرارة، لا أن يأمر بالمسح على المرارة، فيكشف عن الأمر بالمسح على المرارة أن الممسوح لا بدّ و أن يكون تمام الكف.

و ما يمكن أن يقال في الجواب عن الاستدلال بهذه الرواية احتمال كون النظر في السؤال الى ما توهم السائل من وجوب نزع المرارة عن الاصبع و إن كان حرجيا

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 39 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 283

حتى يمسح على البشرة، فقال: كيف اصنع بالوضوء؟ و كان

جواب المعصوم عليه السّلام ناظرا الى عدم وجوب نزع المرارة، لأنّه حرجى و قد رفع الحرج، فليس السائل في مقام السؤال عن تكليفه عن المسح من حيث عدم قدرته على مسح بعض الممسوح لوقوع المرارة عليه حتى يكون الجواب عن هذا، و انه حيث يجب استيعاب مسح ظاهر القدم بالكف فامسح على المرارة.

و بعد احتمال كون النظر في السؤال و الجواب عما قلنا، فلا وجه للاستدلال بالرواية لوجوب المسح بتمام الكف، و هذا الاحتمال لو لم يكن أظهر الاحتمالين فلا أقل من عدم ترجيح الاحتمال الآخر عليه، و هو كاف في عدم كون الخبر دليلا على القول بوجوب المسح بتمام الكف.

و أمّا ما قيل في جواب الاستدلال بالرواية، إمّا بأنه في مورد السؤال يحتمل كون تمام اصابع، الرجل مجروحا، و إمّا بان المجروح و إن كان اصبعا واحدة، لكن المرارة كانت موضوعة على تمام الاصابع، فهو خلاف ظاهر الرواية، لأنّه مع فرض جواز المسح ببعض ظهر القدم لا بد من تفصيل الامام عليه السّلام فى مقام الجواب بانه يمسح على المرارة اذا كان كل الاصابع عليها المرارة، و اما ان امكن المسح على بعض الاصابع يجب المسح عليه، فمن ترك الاستفصال نفهم ان مجرد اشغال بعض الاصابع بالمرارة كاف لوجوب المسح عليها من باب ان المسح لا بدّ و ان يكون على تمام ظهر القدم، و حيث ان بعض الظهر مبتلا بالمرارة يمسح عليها.

نعم يمكن الجواب بنحو آخر، و هو انه على فرض كون الظاهر من الخبر ما استظهره المستدل، فتكون النتيجة وجوب استيعاب تمام ظهر القدم بالمسح لا خصوص تمام الكف، و هو مخالف مع الاجماع فتكون الرواية في هذا الحيث مما اعرض عنه

الاصحاب فلا يمكن التعويل عليها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 284

[ثالثها] و أمّا وجه وجوب كون المسح بثلاث اصابع،

فللرواية الّتي رواها معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: يجزى من المسح على الرأس موضع ثلاث اصابع و كذلك الرجل) «1».

و فيه أن مفادها اجزاء ثلث اصابع و هذا لا يقتضي عدم اجزاء الاقل و هو المسمى و بعد دلالة ما عرفت على كفاية مسمى المسح و اجزائه نقول به و لا تعارض بينهما.

[رابعها] و أمّا وجه وجوب المسح باصبعين او باصبع واحدة،

فلم اجد نصا عليه بالخصوص، نعم ربما يقال بوجوبه لتحقق المسمى بها و عدم تحقق مسمى المسح باقل من اصبعين او اصبع واحدة.

و فيه أن المسح بالمسمى يصدق و لو باقل منها.

إذا عرفت أن الاقوى كفاية المسح بما يسمى مسحا، قال المؤلّف رحمه اللّه و الافضل أن يكون بمقدار عرض ثلث اصابع، و لعله يكون وجه الافضلية رواية معمر المتقدمة.

و لكن في استفادة الافضلية منها تأمل، لأنّ مفادها اجزاء مقدار ثلث اصابع و الاجزاء لا يلازم الاستحباب.

ثم قال المؤلف رحمه اللّه و افضل من ذلك مسح تمام ظهر القدم.

أقول: إن كان نظره الى المسح بمقدار الكف فصحيح، لأنّ استحباب المسح بمقدار الكف يستفاد من رواية احمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة الظاهرة بنفسها في وجوب المسح بمقدار الكف بعد الجمع مع ما يدل على كفاية المسمى.

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 285

و إن كان نظره- كما هو ظاهر كلامه- استحباب استيعاب المسح تمام ظهر القدم الذي يكون اطول عرضا من مقدار الكف، فقد عرفت كون الاجماع على عدم وجوبه على ما ادعى و لا دليل على استحبابه الّا حمل بعض الأخبار المتمسكة بها على وجوب المسح بتمام الكف عليه، كما ذكرنا احتماله، ثم حمله

على الاستحباب جمعا بينه و بين ما دل على كفاية مسمى المسح، و ان الاجماع على عدم الوجوب لا ينافى استحباب الاستيعاب و افضليته.

و هذا مخدوش، لأنّه بعد عدم استفادة الأمر بمسح تمام ظهر القدم من رواية من الروايات فلا يستفاد الاستحباب كما لا يستفاد الوجوب، فعلى هذا لا دليل على الاستحباب.

الجهة الخامسة: هل يجب الابتداء في مسح الرجلين من اطراف الاصابع الى الكعبين،

اشارة

او لا يجب ذلك بل يجوز بعكس ذلك بان يبدأ بالكعبين و ينتهى باطراف الاصابع؟ و هذا هو ما يعبّر عنه بأنه هل يجب المسح مقبلا او يكفى مدبرا أيضا؟

نسب الى المشهور جواز كل من النحوين و حكى عن بعض القدماء و جمع من المتأخرين عدم كفاية المسح مدبرا و وجوب كون الابتداء من اطراف الاصابع و الانتهاء بالكعبين.

أمّا وجه عدم الجواز قوله تعالى:

وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و حيث أن كلمة (الى) تكون للانتهاء فيجب كون منتهى المسح الكعبين و الابتداء من رءوس الاصابع.

و فيه أولا من المحتمل كون قوله تعالى: (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) في مقام بيان غاية الممسوح و عدم وجوب ازيد من الكعبين، لا في مقام غاية المسح فلا يستفاد من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 286

الآية الشريفة وجوب كون ابتداء المسح من رءوس الاصابع و انتهائه الى الكعبين.

و ثانيا على فرض كون الآية في مقام بيان غاية المسح او في مقام بيان غاية المسح و الممسوح كليهما و إن كان ظهور الآية في الانتهاء غير بعيد او مسلم.

لكن بعد وجود النص الدال على كفاية العكس اى الابتداء من الكعبين، لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر و نبيّن لك إن شاء اللّه ما يدلّ على جوازه.

و قد يستدل على وجوب الابتداء برءوس الاصابع بما فى الوضوءات البيانية في أنهم عليهم الصلاة و السلام كانوا يبتدئون بالمسح من اطراف الاصابع و يختمونه بالكعبين

و فيه أولا عدم ظهور الفعل في الوجوب لأنّ التزامهم أعمّ من أن يكون لاجل وجوبه، بل ربما كان لاستحبابه ان ثبت التزامهم بهذا النحو.

و لو لم يثبت التزامهم يمكن دعوى عدم استفادة الاستحباب من فعلهم لأنّه

بعد جواز الابتداء برءوس الاصابع و جواز الابتداء بالكعبين فهم عليهم السّلام قد اخذوا فى فعلهم باحد طرفى الجواز.

و ثانيا على فرض ظهور فعلهم فى الوجوب في حد نفسه، لكن بعد ورود الدليل على عدم الوجوب يرفع اليد عن هذا الظهور.

أمّا ما يمكن كونه وجها لجواز المسح مقبلا و مدبرا روايات:

الاولى: الرواية الّتي رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا) «1»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 20 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 287

الثانية: الرواية التى رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا) «1».

يحتمل كون الروايتين رواية واحدة لكون الراوى و المروى عنه متحدين و إن كان اختلاف في متنهما.

و على كل حال يستدل بهما على جواز الابتداء في مسح القدمين من رءوس الاصابع الى الكعبين و عكس ذلك لدلالة الخبرين على جواز المسح مقبلا و مدبرا.

و الايراد على الروايتين بأنه من المحتمل كون المراد من قوله (مقبلا و مدبرا) الجمع بين النحوين، بمعنى المسح من رءوس الاصابع الى الكعب و من الكعب الى رءوس الاصابع معا، و انه لا بأس بذلك فلا دلالة لهما على الاكتفاء بالمسح منكوسا اى من الكعب الى روس الاصابع فقط، ليس في محله، لأنّه إن كان النظر الى وجوب الجمع بين المسح مقبلا و بين المسح مدبرا، فلا يمكن القول به لأنّ ظاهر قوله عليه السّلام (لا بأس) هو عدم الباس بالاخذ بكل من المسح مقبلا و مدبرا لا وجوب الجمع بينهما.

و إن كان النظر الى جواز الجمع، كان المناسب أن يقول لا بأس مدبرا بعد المسح مقبلا، لأنّه على

فرض جواز الجمع لا اشكال في وجوب المسح مقبلا أولا، ثم لا بأس بضم المسح مدبرا بعده، فعدم الباس يكون في المسح مدبرا لا في المسح مقبلا، و الحال أن ظاهر الخبرين نفي الباس عن كل من المسح مقبلا و مدبرا، فهذا شاهد على كون المراد من جواز المسح بأى منهما شاء، و بعبارة اخرى بالاكتفاء في مقام المسح بأى منهما شاء لا بالجمع بينهما، فتدل الروايتان على جواز كل من النحوين.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 288

الثالث: الرواية الّتي رواها يونس (قال: اخبرنى من رأى أبا الحسن عليه السّلام بمنى يمسح ظهر القدمين من اعلى القدم الى الكعب و من الكعب الى اعلى القدم و يقول:

الأمر في مسح الرجلين موسّع، من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا فأنه من الأمر الموسع إن شاء اللّه) «1».

و دلالتها على جواز كل من النحوين واضح، و لا يرد ما اورد على الاولى و الثانية.

و الاشكال بضعف سند هذه الروايات غير وارد، لكون عمل المشهور جابرا لضعف سندها، و لا يضر ارسال رواية يونس لكونها بمنزلة المسندة، فالاقوى جواز المسح بكلا النحوين.

و إن كان الاحوط أن يمسح بالكيفية المتداولة من الابتداء برءوس الاصابع تأسيا بهم عليهم السّلام بما يحكى عن الوضوءات البيانية.

الجهة السادسة: هل يجب في المسح تقديم الرجل اليمنى على اليسرى

او يجوز مسحهما معا، لكن لا يجوز تقديم اليسرى على اليمنى، او يجوز كل منهما فهو مخير بين تقديم اليمنى على اليسرى و بين مسحهما معا، و بين تقديم اليسرى على اليمنى؟

و القول الثالث ينسب الى المشهور، و يستدل على ذلك، بإطلاق الآية الكريمة، و النصوص الواردة في الوضوءات البيانية، و

غيرها.

بل قد يقال بأن الظاهر من الرواية التى رواها ابن كثير الهاشمى مولى محمد بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (الحاكية عن وضوء امير المؤمنين عليه السّلام) انه مسحهما معا (قال:

بينا امير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم جالس مع محمد بن الحنفية اذ قال له يا محمد ايتينى

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 20 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 289

باناء من ماء، الى أن قال فيها: (ثم مسح رجليه) فقال اللهم ثبتنى على الصراط يوم تزل فيه الاقدام الخ) «1».

وجه الاستدلال ان الوارد فى الرواية انه بعد غسله وجهه يدعو بدعاء، و كذا بعد غسل يده اليمنى، و كذا بعد غسل يده اليسرى، و كذا بعد مسح رأسه و لكن فى مسح رجليه قال (ثم مسح رجليه) و يدعو بدعاء واحد، و هذا شاهد على كون مسح رجليه معا، فالرواية تدل على جواز المعية.

و لكن هذه الرواية لا تدل على معية مسح الرجلين، لأنّه لم يتعرض فيها إلّا لمسحه الرجلين و اما كيفيته فغير مذكور فيها و مجرد ذكر دعاء واحد لا يدل على المعية، لأنّه ربما دعا بعدهما مرة، او دعا مرتين و لم يذكر فى الخبر، كما لم يذكر كيفية مسحهما من المعية و عدمها.

مضافا الى انها لا تدل على القول المنسوب إلى المشهور و هو جواز تقديم مسح الرجل اليسرى على اليمنى، لانها على فرض تمامية دلالتها تدل على جواز المعية و عدم وجوب تقديم مسح اليمنى على اليسرى.

و كذا يستدل على المشهور بأنه لو كان الترتيب واجبا كان وجوبه شايعا بين المسلمين مع عموم البلوى بالوضوء و تكرره في كل يوم

مرة بل مرات.

و يستدل على لزوم الترتيب ببعض الروايات:

منها الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال:

امسح على القدمين و ابدأ بالشق الايمن) «2» تدل على وجوب الابتداء بالرجل اليمنى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 16 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 34 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 290

لظاهر الأمر.

و منها الرواية الّتي رواها الحسن بن محمد الطوسى في مجالسه باسناده ينتهى السند بابى هريرة (أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا توضأ بدء بميامنه) «1».

و منها الرواية الّتي رواها احمد بن علي بن العباس النجاشى و ينتهى سندها بعبد الرحمن بن محمد بن عبيد اللّه بن أبي رافع و كان كاتب امير المؤمنين عليه السّلام (انه كان يقول: إذا توضأ احدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده) «2».

اما الرواية الاولى، فلا اشكال في دلالتها على وجوب الابتداء في المسح بالرجل اليمنى.

و أمّا الرواية الثانية، فهى ضعيفة السند، مضافا الى انها نقل الفعل و الفعل اعم من الوجوب و الاستحباب.

و أمّا الرواية الثالثة، فمضافا الى ما قيل من ضعف سندها، يمكن كونها ناظرة الى كون الابتداء في غسل اليدين في الوضوء باليمين قبل الشمال كما يشعر بذلك التعبير بالشمال لوقوع هذا التعبير في اليد اليسرى، لا فى الرجل اليسرى.

و مع ذلك كله نقول: بأن الاقوى هو جواز المقارنة بين مسح الرجل اليمنى و اليسرى و عدم جواز الابتداء باليسرى.

و يدل عليه التوقيع الشريف و هي الرواية الّتي رواها احمد بن علي بن أبي طالب الطبرسى في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه

بن جعفر الحميرى عن صاحب الزمان روحى و ارواح العالمين له الفداء (انه كتب إليه يسأله عن المسح على

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 291

الرجلين بايهما يبدأ، باليمين او يمسح عليهما جميعا معا؟ فاجاب عليه السّلام: يمسح عليهما جميعا معا، فان بدء بإحداهما قبل الاخرى فلا يبدأ إلّا باليمين) «1».

فإن هذا التوقيع كالمقيد بل هو كالحاكم و الشارح لكلتا الطائفتين.

للطائفة الاولى اعنى بعض الإطلاقات المتمسكة بها على جواز الجمع بل على جواز الابتداء باليسرى، لأنّه يصرّح بجواز الجمع و في صورة الابتداء بإحداهما يبتدأ بالرجل اليمنى.

و كذلك لما تمسك به على الابتداء باليمنى، و عدم جواز الجمع، و الابتداء باليسرى، لأنّ التوقيع يدل على جواز الجمع، فتكون النتيجة بعد ضم الروايات بعضها على بعض جواز الجمع في مقام المسح بين الرجل اليمنى و اليسرى، و إذا اريد الابتداء فلا يبتدأ إلّا بالرجل اليمنى، فافهم.

و إن كان الاحوط استحبابا تقديم اليمنى على اليسرى لبعض الأخبار الدال عليه، و يحمل بعد الجمع على الاستحباب.

الجهة السابعة: و هل يجب كون مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى و الرجل اليسرى باليد اليسرى،

او لا يجب ذلك؟ بل يجوز بالعكس بأن يمسح الرجل اليمنى باليد اليسرى و الرجل اليسرى باليد اليمنى، او مسح كل منهما باليد اليمنى، او كل منهما باليد اليسرى.

ما ينسب الى المشهور هو القول الثاني، و المحكى عن بعض هو القول الأول.

ما يمكن أن يستدل به على القول الأول:

الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و فيها قال: (و تمسح ببلة يمناك

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 34 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة

الوثقى، ج 5، ص: 292

ناصيتك، و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى) «1».

و الاستدلال بالرواية مبنى على كون الأمر فيها للوجوب، و قد عرفت في الجهة الثالثة من الجهات المبحوثة في مسح الرأس أنّ في هذه الرواية احتمالين:

احدهما، كونها في مقام بيان وجوب المسح على الناصية في قبال عدم كفاية غير الناصية، بمعنى وجوب وقوع المسح عليها فى الجملة، و فى مسح الرجل على ظهر القدم فى قبال دفع توهم كفاية مسح باطن القدم، او لزوم الجمع بين الظاهر و باطن القدم، و على هذا تبقى ظهور الامر فى قوله (تمسح) فى الرواية فى الوجوب.

و ثانيهما، كون الامر بمسح ظهر القدم و كونها فى مقام بيان حد الممسوح، و انه يجب مسح ظهر تمام القدم و تمام الناصية، و على هذا لا بدّ من حمل الأمر على الاستحباب لكون ظاهرها وجوب مسح تمام الناصية، و اقتضائه كون الواجب مسح تمام ظهر القدم، و قد عرفت في الجهة الرابعة من الجهات المبحوثة في مسح الرجل عدم وجوب مسح تمام ظهر القدم، و بعد كون الأمر للاستحباب جمعا بين الرواية و بين ما يدلّ على المسمى فلا يستفاد منه وجوب كون مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى و اليسرى باليسرى.

و حيث أن الرواية ذو احتمالين نقول: بأن الاحوط وجوبا لو لم يكن اقوى (لعدم بعد كون اقوى الاحتمالين الاحتمال الاول)، هو مسح الرجل اليمنى باليمنى و الرجل اليسرى باليد اليسرى.

الجهة الثامنة: هل الواجب ايقاع المسح على خصوص بشرة ظهر القدم

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 293

بحيث لا يكتفى بالمسح بالشعر المحيط على البشرة لو يعد

حائلا و مانعا يجب رفعه لوقوع المسح على البشرة، او يكتفى بمسح الشعر المحيط عليها و لا يعد حائلا، او يجب الجمع بمسح كل من البشرة و الشعر المحيط عليها؟

ينسب الى المشهور القول الأول، و يستدل عليه بظاهر الكتاب و السنة الدالين على وجوب وقوع المسح على البشرة، و الشعر خارج عن البشرة فلا يكتفى بمسحه عن مسحها.

و يستدل للقول الثاني بكون الشعر النابت في موضع المسح مما يعد عرفا جزءا من البشرة لا شيئا خارجا عنها كالمانع و الحاجب الخارجى كما عرفت بيانه في مسح الرأس و قلنا لا يبعد كون الأمر كذلك.

و بقوله عليه السّلام في الرواية التى رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: (قلت له:

ا رايت ما احاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه، و لكن يجرى عليه الماء) «1» و اطلاقها يشمل الرجلين و انه يكفى اجراء الماء بالمسح عليهما.

و فيه أنه قد بينّا في الجهة السادسة من الجهات المبحوثة عنها في غسل اليدين أن الرواية مصدّرة بصدر يشهد كون موردها خصوص الوجه و الشعر النابت فيه و لا يمكن القول بإطلاقها، و لذا قلنا في مسح الرأس بعدم صحة الاستدلال على كفاية مسح الشعر حتى الرأس بهذه الرواية.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 293

و وجه القول الثالث هو عدم الوثوق بكون البشرة الواجب مسحها ما يعم الشعر. كما انه لا تثق النفس بكون الشعر خارجا عنها، و لهذا نقول: الاحوط مسح كل من البشرة و الشعر النابت عليها.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب

1 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 294

أقول: أمّا كون الجلد الواقع على ظهر القدم من القدم، و بعبارة اخرى كون البشرة محل المسح فمما لا يمكن الترديد فيه، حتى فيما احاطها الشعر، فاذا امكن المسح عليها فلا ينبغى الاشكال فى الاكتفاء بها، لانه غاية ما يمكن ان يقال فى المقام و هو الحق، كون الشعر المحيط بالبشرة، مثل البشرة من باب ان الرجل الموضوع لحكم وجوب المسح اعم من البشرة و من الشعر النابت عليها، لا انه مع كون الشعر محيطا كان الواجب منحصرا المسح على الشعر، لان ما قلنا فى غسل الوجه من وجوب غسل شعر المحاط، و عدم كفاية غسل البشرة عوضا عن الشعر المحيط به كان من باب ما ورد فى الرواية المتقدمة من قوله عليه السّلام (ما احاط به الشعر فليس للعباد ان يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء)، و لا يمكن التعدى من الغسل الى المسح لما قلنا، فعلى هذا بعد كون كل من البشرة و الشعر المحيط به رجلا فيكفى المسح بالبشرة حتى مع احاطة الشعر بها.

و انما الكلام في كون الشعر النابت على الرجل أيضا من البشرة و من متعلقاتها بحيث يكون المسح عليه مسحا عليها أم لا.

فنقول، إن الاقوى كفاية المسح على الشعر النابت على البشرة، اذا لم يكن خارجا عن ظهر القدم، و لا يكون من خارج ظهر القدم لان الرجل الموضوع لحكم المسح مثل الرأس الّذي قلنا اعم من نفس البشرة و من الشعر النابت عليها، ففي المسح على ظهر القدم إن امكن لقلة الشعر النابت على الظهر، المسح على نفس البشرة بنحو

يتحقق موضوع المسح اى: من طرف الطول من اطراف الاصابع الى الكعب و من طرف العرض بقدر المسمى، فلا اشكال في عدم وجوب مسح الشعر، كما انه يمكن المسح على الشعر النابت او على البشرة و الشعر النابت مع تحقق مقدار المسح الواجب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 295

و إن لم يمكن ذلك بحيث يكون الشعر محيطا بتمام نقاط ظهر القدم بنحو لا يمكن تحصيل أقل موضوع المسح بدون مسح الشعر، فهل يجب مسحها أيضا، لأنّ ما اشغل من البشرة و لا أقل من منبته لا بدّ من مسحه لايجاد مقدار الواجب من المسح، أم لا يجب ذلك، بل يكفى المسح على الشعر المحيط؟

الظاهر كما قلنا فى مسح الرأس أن الرجل الموضوع لحكم المسح اعم من البشرة و الشعر المحيط به، نعم مع امكان المسح بكل من البشرة و الشعر المحيط به فالاحوط استحبابا الجمع بين مسح البشرة و مسح الشعر في هذه الصورة من باب احتمال كون الواجب مسح خصوص البشرة او خصوص الشعر.

الجهة التاسعة: و تجب ازالة الموانع و الحواجب

بحيث يتيقن بوصول الرطوبة الى البشرة و لا يكفى الظن.

أمّا وجوب ازالة الموانع و الحواجب لايصال الرطوبة الى البشرة، لان الواجب مسح البشرة و مع الحاجب لا تصل الرطوبة إلى البشرة، و يدل على وجوب ازالة الموانع ما ورد فى عدم صحة الوضوء فى الخف و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه.

و أمّا وجوب تحصيل اليقين، فلان الذمة مشغولة بمسح البشرة و الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية.

و أمّا عدم كفاية الظن، فإن كان الظن غير معتبر فواضح لعدم حجيته حتى يقوم مقام العلم.

و أمّا الظن المعتبر كالبينة، فيكتفى به لقيامه مقام العلم بدليل اعتباره.

الجهة العاشرة: من قطع بعض قدمه مسح على الباقى

و يسقط مع قطع تمامه.

أمّا وجوب مسح الباقى ممن قطع بعض قدمه، مضافا الى ما حكى من عدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 296

وجود خلاف ظاهر فيه بل كونه من المسلمات:

الرواية الّتي رواها رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الاقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال: يغسل ذلك المكان الذي قطع منه) «1».

و الرواية الّتي رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن الاقطع اليد و الرجل؟ قال: يغسلهما) «2».

و اطلاق الغسل في الرجل مع كون الواجب المسح يكون باعتبار التغليب، اى تغليب جانب اليدين الواجب غسلهما، و قاعدة الميسور المتسالم جريانها في الوضوء.

و استصحاب وجوب ما بقى لأنّه قبل قطع بعضه الآخر كان واجب المسح فيستصحب وجوب مسحه بعد قطع ما قطع منه.

أقول: مضى الكلام في الاقطع اليد في الجهة السابعة و الثامنة و التاسعة و العاشرة من الجهات المبحوثة في مبحث غسل اليدين.

و ما يمكن أن يقال في الأخبار الواردة في الاقطع اليد و الرجل، و إن

مورد الأخبار هو من بقى من مواضع غسل الوضوء او مسحه شيئا، إما لتناسب الحكم و الموضوع، و إمّا لأنّ هذا هو المراد من الاقطع، و إمّا لعدم امكان حملها بغير هذا المورد، و الحاصل بعد الاجماع على وجوب الغسل او المسح فى من قطع بعض من يده الواجب غسله او بعض من رجله الواجب مسحه في الوضوء يحمل الأخبار على هذا المورد.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 49 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 297

و أمّا عدم وجوب المسح على من قطع تمام محل مسحه من الرجل فلعدم بقاء الموضوع فلا معنى لبقاء الوجوب.

و أما وجوب ما بقى من الرجل الذي لم يكن محل المسح فلا يجب مسحه لعدم الدليل، و كما عرفت لا يمكن الاستدلال بروايات رفاعة و محمد بن مسلم و علي بن جعفر على وجوب مسحه، (راجع الجهة 7 و 8 و 9 و 10 من الجهات المبحوثة في غسل اليدين).

***

[مسئلة 25: لا يجوز المسح بماء جديد]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 25: لا اشكال في أنه يعتبر أن يكون المسح بنداوة الوضوء فلا يجوز المسح بماء جديد.

و الاحوط أن يكون بالنداوة الباقية في الكف، فلا يضع يده بعد تمامية الغسل على ساير اعضاء الوضوء لئلّا يمتزج ما في الكف بما فيها، لكن الاقوى جواز ذلك و كفاية كونه برطوبة الوضوء و إن كانت من ساير الاعضاء، فلا يضر الامتزاج المزبور.

هذا إذا كانت البلة باقية في اليد، و أمّا لو جفّت فيجوز الاخذ من ساير الاعضاء بلا اشكال من غير ترتيب بينها على الاقوى، و إن كان الاحوط تقديم اللحية و الحواجب على

غيرهما من ساير الاعضاء.

نعم الاحوط عدم اخذها مما خرج من اللحية عن حدّ الوجه كالمسترسل منها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 298

و لو كان في الكف ما يكفى الرأس فقط مسح به الرأس، ثم يأخذ للرجلين من سايرها على الاحوط و الا فقد عرفت أن الاقوى جواز الاخذ مطلقا.

(1)

أقول: في المسألة مسائل:

الاولى: لا اشكال فى وجوب كون المسح بنداوة الوضوء،

و قد عرفت الكلام فيه في الجهة الاولى من الجهات المبحوثة في مسح الرأس، فراجع.

الثانية: هل الواجب كون المسح بالنداوة الباقية

في خصوص الكف من اليدين، فلا يجوز بعد تمامية الغسل وضع اليد على ساير مواضع الوضوء كى لا يمتزج ما في الكف بما فيها، او لا يجب ذلك، و كفاية كونه بنداوة الوضوء و إن كانت من ساير الاعضاء فلا يضر الامتزاج المذكور؟

وجه الأول ما فى بعض الروايات من المسح باليد بعد كون المنصرف إليه من المسح باليد كونه بالكف مثل قوله (كل بيدك) كما عرفت فى الجهة الاولى.

كالرواية الّتي رواها زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السّلام و فيها قال: (و تمسح ببلة يمناك ناصيتك، و ما بقى من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلة يسارك ظهر قدمك اليسرى) «1».

بناء على كونها في مقام بيان وجوب المسح على الناصية و ظهر القدم في الجملة في قبال عدم كفاية غيرهما.

و أما بناء على كون ظاهرها وجوب مسح تمام الناصية و تمام ظهر القدم، فلا بد

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 299

من حمل الرواية على الاستحباب، و قد تقدم الكلام فيها فى بعض الجهات الراجعة الى مسح الرأس.

و كالرواية الّتي رواها عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل ذكر معراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و فيها قال في مقام وحي اللّه تعالى بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالوضوء:

(ثم امسح رأسك بفضل ما بقى في يدك من الماء و رجليك الى كعبيك الخ) «1».

فان الظاهر المتبادر منها كون المسح بالكف لانه المنساق من

اليد فيما امر بالمسح باليد.

و اما ما يمكن ان يكون وجها لاحتمال الثانى بعض الروايات الدال بظاهره على وجوب كون المسح بنداوة الوضوء، و اطلاقه يقتضي جواز المسح ببلة ما فى اليد و غيرها من اعضاء الوضوء، مثل الرواية التى رواها محمد بن الفضل ان على بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام، و فيها قال: (و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك) «2».

فعلى فرض اطلاقها يقيد بما ذكرنا من وجوب المسح بنداوة ما فى اليد.

كما ان التمسك ببعض الوضوءات البيانية الدالة على كون فعل المعصوم عليه السّلام المسح بنداوة اليد او الكف، لا يدل على وجوب ذلك لما قلنا غير مرة من ان الفعل يدل على الجواز، و اما الوجوب فلا يدل عليه.

و اما بعض الروايات الواردة فى من نسى مسح الرأس و الرجل و شرع في الصلاة انه يأخذ البلل من لحيته او حاجبيه او اشفار عينيه، فنذكرها تتميما للفائدة،

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 300

و هذه الطائفة حيث تكون ذا احتمالين، و ربما يتمسك بها لكل من القولين، و يدعى القائل بالقول الاول دلالته على قوله، كما ربما يدعى القائل بالقول الثانى دلالتها على قوله، فنقول بعونه تعالى:

الاولى: الرواية الّتي رواها خلف بن حماد عمن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة؟ قال: ان كان في لحيته بلل فليمسح به. قلت: فإن لم يكن له لحبة؟ قال: يمسح من حاجبيه او اشفار

عينيه) «1» و هذه الرواية ضعيفة السند لكونها مرسلة، و اما من حيث الدلالة فلياتى الكلام فيها إن شاء اللّه.

الثانية: الرواية الّتي رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (إذا ذكرت و انت في صلاتك انك قد تركت شيئا من وضوئك الى أن قال: و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها اذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدم رأسك) «2».

الثالثة: الرواية الّتي رواها زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل ينسى مسح رأسه حتى دخل في الصلاة. قال: إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصل الحديث) «3».

الرابعة: الرواية الّتي رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في رجل نسى مسح رأسه. قال: فليمسح. قال: لم يذكره حتى دخل فى الصلاة؟ قال: فليمسح رأسه من بلل لحيته) «4».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 21 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(4) الرواية 9 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 301

الخامسة: الرواية التى رواها مالك بن اعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من نسى مسح رأسه ثم ذكر انه لم يمسح رأسه، فان كان فى لحيته بلل فليأخذ منه و ليمسح رأسه، و ان لم يكن فى لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء) «1».

فهل يكون موردها تذكر النسيان حال الصلاة بقرينة قوله (فلينصرف)، او ليس ذلك، بل يمكن ان يكون تذكره فى غير حال الصلاة، فلا يرد عليه ما اورد

على بعض هذه الاخبار الدال على كون تذكر ترك المسح حال الصلاة، من ان لازم هذه الروايات صحة ما اتى به من صلاته بلا طهارة.

و الظاهر الاحتمال الثانى، لان المراد من قوله (فلينصرف) هو الانصراف عن العمل الّذي كان مشتغلا به و هو الوضوء.

ثم اعلم ان ما يتوهم من الاشكال فى هذه الروايات الخمسة بان مقتضاها ان بعض ما وقع من الصلاة بلا طهارة يكون صحيحا، و هذا ينافى مع كون الطهارة الحدثية شرطا مطلقا فى الصلاة حتى حال النسيان، غير تمام، لان المراجع فى هذه الروايات بالدقة يرى ان الروايات غير متعرضة الا من ناحية اخذ البلة عن اللحية و الحاجب و اشفار العين، و لا تعرض فيها لصحة ما مضى من الصلاة، بل غاية ما يمكن ان يقال انها ساكتة عن الصلاة و انه يعيد او لا يعيد، و هذا لا يكون و هنا فى الروايات، مع ان فى الباب المذكور و فى الباب 49 من ابواب الوضوء ما يدل على بطلان الصلاة، فهذا الاشكال لا يرد على هذه الاخبار.

السادسة: الرواية الّتي رواها محمد بن علي بن الحسين قال: (قال:

الصادق عليه السّلام إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوئك،

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 302

فإن لم يكن بقى في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقى منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و اشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك، فان لم يبق من بلة وضوئك شي ء اعدت الوضوء) «1».

و ظهور

هذه الرواية في وجوب حفظ الترتيب من بلة الكف و غيره من مواضع الوضوء لا إشكال فيه، مضافا الى دلالتها على أن المراد من نداوة الوضوء هى النداوة الواقعة فى الكف فيفسر بها اطلاق بعض الروايات الدالة على انه يمسح بنداوة الوضوء.

فلو لم يكن ضعف سندها، كانت دليلا على القول الأوّل و هو وجوب كون المسح بنداوة الواقعة في الكف كما أنها سليمة عن إشكال يرد على ساير الاخبار المذكورة في نسيان المسح، و هو اشتمال تلك الأخبار على صحة بعض الصلاة الواقعة بلا طهارة قبل تذكره نسيان المسح لانها ليست متعرضة لكون تذكر النسيان في اثناء الصلاة.

و فهى سليمة عن هذا الاشكال، و تدل صريحا على كون الواجب المسح أوّلا بنداوة اليد و تقديمها على نداوة ساير الاعضاء من اللحية و غيرها، لكن لا ظهور لليد فيها على ان المراد منها خصوص الكف، لان اليد فيها وقعت مقابل اللحية و ساير الاعضاء، فلا ظهور لها فى أنه يجب الاخذ أوّلا من خصوص الكف من اليد ثم من اللحية، و مع قطع النظر عن ذلك تكون الرواية ضعيفة السند لكونها مرسلة.

و أمّا ما بقي من الروايات فنقول:

لا تعرض لها للاخذ من اليد بل كلها متعرضة للاخذ من بلل اللحية أو

______________________________

(1) الرواية 8 من الباب 21 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 303

الحاجب أو اشفار العين فيما نسي المسح، و فيها احتمالان:

الاحتمال الاوّل: أن يكون مورد عدم وجود البلل في اليد كما هو الغالب، لأنّه ربما يبس ما في اليد من رطوبة الماء الموضوع فيها للغسل، و مع هذا تكون نداوة الغسل باقية في اللحية، فعلى هذا يكون

عدم الأمر بأخذ البلل من اليد لعدم وجود البلل فيها فتصل النوبة إلى اللحية و غيرها فلا تكون الروايات دليلا على عدم تقدم بلل اليد على غيرها من اعضا، الوضوء كما لا تدل على تقديم نداوة اليد على غيرها من الاعضاء.

الاحتمال الثاني: دعوى اطلاق هذه الروايات من حيث وجود البلل في اليد و عدمه، فأمر بالاخذ من البلل سواء كان بلل في اليد أم لا للاطلاق، و على هذا تدل هذه الأخبار على عدم وجوب تقديم بلل اليد على غيره.

اذا عرفت الاحتمالين نقول: إن الاقوى الاحتمال الأوّل،

اما أولا، فلما قلنا من أن الغالب يبوسة اليد قبل يبوسة اللحية لوقوع الماء اكثر في خلال الشعور فيكون قهرا بقى في اللحية، نظائرها.

و ثانيا لازم الاحتمال الثاني وجوب الاخذ من بلل اللحية حتى مع وجود البلل في اليد، لان معنى اطلاق الاخبار وجوب الاخذ من بلل اللحية حتى مع وجود البلل في الكف أو في غيره من ابعاض اليد، و هذا مما لا يمكن الالتزام به لأنّه ليس من يقول بتقديم اللحية على اليد، لان كل من يقول إمّا يقول بتقديم اليد أو تساويها مع ساير الاعضاء.

و ثالثا لا يمكن الاخذ بهذه الروايات غير السادسة و الخامسة بناء على احد الاحتمالين في الخامسة لكون مفادها صحة بعض الصلاة بدون الوضوء فلا يمكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 304

الاخذ بالاحتمال الثانى كما لا يمكن الاخذ بالاحتمال الاول، لان الاخذ بمفاد هذه الروايات غير ممكن لما قلنا من ان مفادها يقتضي صحة بعض الصلاة بلا طهارة و هذا مما لا يمكن الالتزام به.

و اما الرواية السادسة، فقد عرفت انها ضعيفة السند لكونها مرسلة و مع الاغماض

عن ضعف سندها، فالاظهر فيها الاحتمال الاول لما قلنا من الوجهين بتقوية الاحتمال الاول، كما انّ الرواية الرابعة مثلها من حيث كون الظاهر فيها الاحتمال الاول للوجهين المتقدمين، بناء على الاحتمال الاول من الاحتمالين فى الرواية، و اما على الاحتمال الثانى فى الرواية فعلى ما قلنا فى الاحتمال الاول من الاحتمالين فى هذه الروايات و هو كون المفروض فيها صورة عدم بقاء النداوة فى الكف فلا تنافى هذه الرواية مع الروايتين الدالتين على تقدم نداوة الكف على ساير المواضع.

هذا كله على فرض كون مقتضى الروايات صحة ما وقع من الصلاة بلا طهارة، و لكن قد بينا فى ذيل الرواية الخامسة ان الروايات إما ساكتة عن صحة ما وقع من الصلاة، و إما متعرضة لفسادها و وجوب اعادتها، فلا يرد هذا الاشكال على هذه الروايات.

و مع الاغماض عن كل ما قلنا من الاشكالات في هذه الروايات الخمسة لو فرض كون الواجب المسح بنداوة اللحية و اخويها و تمامية الاكتفاء به حال النسيان، فلا يمكن الاستدلال لكون نداوتها فى عرض نداوة الكف حتى فى حال العمد.

هذا اذا قلنا بكون ما دل على وجوب المسح بنداوة الكف عاما، و كون هذه الاخبار، باعتبار دلالتها على الاكتفاء ببلل اللحية لكونها فى مورد النسيان، خاصا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 305

و لكن يمكن منع ذلك، بدعوى ان النسية بينهما العموم من وجه، لان ما دل على وجوب المسح بنداوة الكف عام باعتبار شموله بصورة العمد و النسيان، و خاص باعتبار شموله لخصوص وجود البلة فى الكف، و ما دل على المسح بنداوة اللحية و الحاجب و اشفار العين، عام باعتبار شموله لصورة وجود البلل فى الكف و

عدمه، و خاص باعتبار كون مورده نسيان المسح، و بعد كون النسبة العموم من وجه فلا بد من الاخذ فى مورد التعارض- و هو وجود البلل فى الكف- بالطائفة الدالة على وجوب المسح بالكف لاظهريتها فى مادة الاجتماع من الطائفة الدالة على كفاية الاخذ من نداوة اللحية و الحاجب و اشفار العين، فلا بد من الاخذ بها، لان الميزان فى المتعارضين الّذي تكون النسبة بينهما العموم من وجه، الاخذ بالاظهر ان كان اظهر فى البين، و الّا فتساقط المتعارضان و تصل النوبة إلى الاصل.

و هذا على فرض وجود مقتضى الحجية فى كل من المتعارضين، و لكن عرفت عدم مقتضى الحجية فى الطائفة الثانية و بعض الاشكالات الآخر.

فتلخص أن هذه الطائفة من الروايات ليست مما يمكن الاستدلال بها للقول الثانى كما لا يمكن الاستدلال بها للقول الأوّل الّا بالرواية الرابعة و الخامسة، و الاقوى هو وجوب المسح بالنداوة الباقية في الكف لما بينا من دلالة الروايات عليه إذا كان البلل فى الكف.

المسألة الثالثة: إذا جفت البلة في الكف

يجوز الاخذ من ساير الاعضاء، و هذا ممّا لا إشكال فيه نصا و فتوى.

و يدلّ عليه بعض الأخبار الدالة على وجوب كون المسح بنداوة الوضوء مثل الرواية التى رواها لان فيها قال عليه السّلام: (و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 306

فضل نداوة وضوئك) «1».

فاوجب المسح بنداوة الوضوء، و اطلاقها يقتضي جواز الاخذ من كل مواضع الغسل من الوضوء، و قد قيّد كما قلنا فى الجهة الثانية بخصوص نداوة الكف فيما كان فى الكف نداوة و مع عدم النداوة فى الكف، فان قلنا بتقديم نداوة اللحية و الحاجب و اشفار العين فهى مقدمة على

ساير المواضع، و ان لم نقل بتقديمها كما لم نقل به، فيجوز الاخذ من اى موضع شاء من مواضع الوضوء، فافهم.

و مع عدم النداوة فى الكف و فى ساير الأعضاء، بحيث يمكن اخذها بالكف و مسح الممسوح بنداوة ما فى الكف يجب اعادة الوضوء، و يأتى وجهه إن شاء اللّه فى المسألة 28.

و يدل على جواز الاخذ من ساير الاعضاء فى الجملة، الاخبار المذكورة الدالة على الاخذ من بلل اللّحية او الحاجب و اشفار العين بناء على الاحتمال الاول من الاحتمالين فى هذه الاخبار، و هو حملها على عدم وجود البلل فى الكف.

المسألة الرابعة: هل يكون ترتيب بين الاعضاء

من حيث اخذ البلة عنها بعد جفاف بلة اليد، فلا بدّ من تقديم بلة اللحية و الحاجب و اشفار العين على غيرها، او لا يكون ترتيب فيجوز الاخذ من بلة كل من اعضاء الوضوء مخيرا بينها؟

ثم إنه على فرض اعتبار الترتيب هل يكون ترتيب بين هذه الثلاثة أيضا، فيجب الاخذ أوّلا من نداوة اللحية فإن لم تكن فيها بلة فمن الحاجب و إن لم تكن فيه بلة فمن اشفار العين، او لا ترتيب بينها؟

أقول، أما الكلام في الأوّل أى: وجوب رعاية الترتيب بين اعضاء الوضوء

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 307

بعد جفاف بلة اليد، فالدليل عليه الرواية الاولى و السادسة من الروايات المتقدمة الواردة فى من نسى المسح أنه يأخذ من بلة اللحية، حيث إن ظاهرهما وجوب الاخذ أوّلا من بلة اللحية.

و أما غير هاتين الروايتين من الروايات الستة الواردة فى من نسى المسح فهى ليست متعرضة الا للمسح من بلل اللحية، و لعل موردها ما ليست البلة

الا في اللحية لان في بعضها صرّح بأنه ينصرف و يعيد الوضوء، مع أنه لو كان بلل في غير اللحية من الاعضاء يجب الاخذ منه للمسح.

و لكن حيث تكون الرواية الاولى و السادسة المتعرضة للترتيب مرسلة، لا يمكن القول بوجوب الترتيب بتقديم بلة اللحية و الحاجب و اشفار العين على بلة غيرها من الاعضاء، بل يكفى بنداوة الوضوء كلّ ما كان لما عرفت من دلالة بعض المطلقات على كون المسح بنداوة الوضوء و لم يكن له مقيد كما عرفت.

نعم هو الأحوط استحبابا لدلالة الروايتين عليه، بناء على استفادة الاستحباب من الخبر الضعيف تمسكا باخبار من بلغ، او لحسن الاحتياط عقلا.

و اما الكلام فى الامر الثانى، و هو وجوب رعاية الترتيب بين هذه الثلاثة بتقديم بلة اللحية على الحاجب و الحاجب على اشفار العين، فيستفاد من الرواية الاولى تقديم بلة اللحية عليهما.

و لا يستفاد تقديم الحاجب على اشفار العين، لأنّه قال فيها: (إن كان في لحيته بلل فليمسح به. قلت: فإن لم يكن له لحية؟ قال: يمسح من حاجبيه أو اشفار عينيه) فالتعبير بكلمة (أو) شاهد على عدم تقديم أحدهما على الآخر.

و أما الرواية السادسة فيستفاد منها تقديم بلل اللحية على بلل الحاجب و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 308

اشفار العين، و أما تقديم بلة الحاجب على اشفار العين فلا، لأنّه قال فيها: (و إن لم يكن لك لحية، فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك و امسح به الخ).

فأيضا لا يستفاد من الروايتين الترتيب بين الحاجب و اشفار العين، بل المستفاد منهما كون الواجب الاخذ من بلة الحاجب و أشفار العين بعد عدم بلة اللحية، و أما تقديم بلة أحدهما على الآخر

فلا يستفاد منهما.

نعم كما عرفت، الاحتياط حسن لحسن الاحتياط عقلا برعاية الترتيب بين هذه الثلاثة و غيرها من اعضاء الوضوء، و كذا بين نفس هذه الثلاثة بتقديم اللحية على الحاجب، و الحاجب على أشفار العين

المسألة الخامسة: هل يجوز الاخذ من نداوة المسترسل من اللحية

فيما إذا وصلت النوبة إلى الاخذ من بلة اللحية، أو لا بدّ من الاقتصار على الأخذ من خصوص ما يجب غسله في الوضوء من اللحية؟

أما لو التزمنا بعدم كون مقدار المسترسل من اعضاء الوضوء مما يجب غسله في الوضوء، فلا يجوز أخذ البلة منه لعدم كونه من اعضاء الوضوء و وجوب كون البلة من نداوة الوضوء.

و أما بناء على كونه من جملة اعضاء الوضوء و يجب غسله مع الوجه، فهل يكتفى به أم لا؟

وجه الاكتفاء كونه من اعضاء الوضوء فالبلة منه من بلة الوضوء و نداوته.

و وجه عدم الاكتفاء انصراف الادلة عنه، فلهذا لا يجوز الاخذ من بلته.

أقول: الانصراف فلم أر له وجها، فعلى هذا لو قلنا بكونه داخل الوجه الواجب غسله، يجوز اخذ البلة منه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 309

و لكن العمدة عدم كون مقدار المسترسل من اللحية جزء الوجه الواجب غسله في الوضوء، كما عرفت في المسألة الثانية من المسائل المتعلقة بغسل الوجه، فراجع، فلا يمكن الاخذ من بلته.

المسألة السادسة: لو بقى في الكف بلة بمقدار مسح الرأس فقط

يمسح به الرأس، ثم يأخذ البلل من غيره لمسح الرجلين.

و سرّه واضح، لأنّه على فرض تقديم ما في الكف من البلة على غيرها، فكل مقدار يمكن رعاية الترتيب يجب رعايته، فعلى الفرض يجب المسح بنداوة الكف كلما امكن، ثم لو بقى في محل المسح عضو لم تكف نداوة الكف له يأخذ من غيره و يمسحه.

هذا كله بناء على وجوب تقديم الكف على غيره كما قويناه.

***

[مسئلة 26: يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 26: يشترط في المسح أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح، و أن يكون ذلك بواسطة الماسح لا بأمر آخر، و إن كان على الممسوح رطوبة خارجة فإن كانت قليلة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح فلا بأس، و الّا لا بدّ من تجفيفها و الشك في التأثير كالظن لا يكفى بل لا بدّ من اليقين.

(1)

أقول: أما اشتراط تأثر الممسوح برطوبة الماسح فلتوقف صدق المسح على ذلك، مثلا لو قال امسح اليد بالدهن يكون المراد تأثر اليد بالدهن.

أما اشتراط كون ذلك التأثر بواسطة الماسح لا بأمر آخر، فلان معنى مسح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 310

الرجل باليد او مسح الرأس باليد و الكف، هو تحقق المسح و تأثر الممسوح بالرطوبة بواسطة اليد لا بأمر آخر، فلا بدّ من أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح بواسطة نفس الماسح.

و أما وجود الرطوبة الخارجة في الممسوح، فكما حكى عن العلامة رحمه اللّه تكون وجود الرطوبة الخارجة مضرا لاعتبار كون المسح بماء الوضوء خالصا، لان هذا هو الظاهر من الأمر بايجاد المسح بنداوة الوضوء، و مع الرطوبة الخارجية في الممسوح يخرج ما في الماسح من البلة عن كونها بلة الوضوء لاختلاطها بهذه الرطوبة الخارجية، حيث إنه بمجرد امرار الماسح على

جزء من الممسوح تختلط النداوة في الكف مع الرطوبة الواقعة فى الممسوح، فلا يقع المسح بنداوة الوضوء خالصا.

نعم لو كانت الرطوبة فى الممسوح قليلا بحيث يستهلك في الرطوبة الكائنة في الماسح بحيث يعدّ عرفا المسح بالنداوة الخالصة من ماء الوضوء و أن هذه الرطوبة غير مانعة من تأثير رطوبة الماسح خالصا، يمكن أن يقال بعدم مانعيته.

و بعد ما عرفت من وجوب تأثر الممسوح برطوبة الماسح لا بدّ من اليقين بذلك، لأنّه بعد الاشتغال بالوضوء يشك معه بالبراءة و الاشتغال اليقينى يقتضي البراءة اليقينية، مضافا الى استصحاب الحدث.

و لا يكفى الظن بالتأثر إن لم يكن الظن المعتبر، نعم يكفى ظنا معتبرا لقيامه بدليل اعتباره مقام العلم، و أما الشك فواضح عدم الاكتفاء به.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 311

[مسئلة 27: إذا كان على الماسح حاجب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 27: إذا كان على الماسح حاجب و لو وصلة رقيقة لا بدّ من رفعه و لو لم يكن مانعا من تأثير رطوبته في الممسوح.

(1)

أقول: لوجوب وقوع المسح على الممسوح بالماسح بلا واسطة، فالحاجب ان كان غليظا، فلا تصل الرطوبة إلى الممسوح اصلا.

و إن كان رقيقا و ان كان تصل الرطوبة إلى الممسوح و لكن لا تصل من الماسح إلى الممسوح بلا واسطة بل تصل بوسيلة الوصلة، و الحال أن الواجب كما هو ظاهر الأمر بالمسح ايجاد المسح بخصوص الماسح على الممسوح بلا واسطة.

***

[مسئلة 28: إذا لم يمكن المسح بباطن الكف]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 28: إذا لم يمكن المسح بباطن الكف يجزى المسح بظاهرها.

و إن لم يكن عليه رطوبة نقلها من ساير المواضع إليه ثم يمسح به.

و إن تعذّر بالظاهر أيضا مسح بذراعه، و مع عدم رطوبته يأخذ من ساير المواضع.

و إن كان عدم التمكن من المسح بالباطن من جهة عدم الرطوبة و عدم امكان الاخذ من ساير المواضع اعاد الوضوء.

و كذا بالنسبة الى ظاهر الكف فإنه إذا كان عدم التمكن من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 312

المسح به عدم الرطوبة و عدم امكان اخذها من ساير المواضع لا ينتقل الى الذراع بل عليه أن يعيد.

(1)

أقول: عدم امكان المسح بباطن الكف، تارة يكون لاجل مانع من المسح به كوجود مرض و غير ذلك.

و تارة يكون عدم تمكن المسح به لاجل فقد الرطوبة فيه.

أما الكلام في الأوّل، [عدم امكان المسح لاجل مانع من المسح به]
اشارة

فنقول بأنه تارة يقع الكلام في أنه مع عدم امكان المسح بباطن الكف يجب المسح بغيره من اعضاء اليد كظاهر الكف و الذراع.

و تارة يقع الكلام فى وجوب الترتيب بعد الانتقال الى ظاهر الكف و الذراع بتقديم المسح بظاهر الكف على الذراع و عدمه.

اما الكلام فى المقام الاول: [وجوب المسح بغيره من اعضاء اليد]
اشارة

فما يمكن أن يكون وجها للانتقال بظاهر الكف أو الذراع اذا امتنع المسح بباطنه امور:

الأوّل: قاعدة الميسور

المدعى تسلم شمولها لمثل المورد، فيقال إن المسح بالظاهر ميسور المسح بباطن الكف.

و فيه انه كما قلنا في الاصول بانه و إن لم يكن اشكال فى دلالة قوله عليه السّلام:

(الميسور لا يسقط بالمعسور) على اتيان باقى الاجزاء، و ليس مثل قوله: (اذا امرتكم بشي ء فاتوا منه ما استطعتم) و قوله: (ما لا يدرك كله لا يترك كله)، لكن العمدة ضعف سند الرواية مثل سندهما.

الثاني: أن يقال في وجه وجوب المسح بظاهر الكف

إذا لم يتمكن من المسح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 313

بباطنه، و بوجوب المسح بالذراع إذا لم يتمكن من المسح بباطن الكف و ظاهره، بأنه كما عرفت لم يكن بين الادلة ما يدل بلسانه على وجوب المسح بالكف، لان ما كان من الادلة بلسان الأمر يأمر بالمسح باليد، و ما كان من بيان فعلهم من المسح بالكف لا يستفاد منه الوجوب، بل غايته جوازه أو استحبابه كما عرفت غاية الأمر، قلنا بأن المنصرف إليه من الأمر بمسح الرجل باليد هو ايقاع ذلك بخصوص الكف من اليد، كما إذا قال: (خذ بيدك) أو (كل بيدك) يكون المنصرف إليه الأخذ و الأكل بالكف من اليد.

فعلى هذا نقول: من لم يقدر على المسح بباطن الكف إما أن يقال بعدم كونه مأمورا بالوضوء من رأس، و الحال انا نقطع بعدم سقوط امره كما لا يسقط بتعذر النداوة في الكف، أ و لم يكن مأمورا بالمسح لعدم قدرته من المسح بباطن الكف، أو يكفى أن يمسح بظاهر الكف اذا قدر عليه.

لا سبيل للذهاب الى الاحتمال الأوّل و الثاني، لان اطلاق الآية الشريفة و النصوص الآمرة بالوضوء يشمل هذا الشخص مسلّما، و كذلك ما دل على وجوب المسح في الوضوء باليد، و بعد

شمول اطلاق الأمر بالمسح باليد لمن لا يقدر على المسح بباطن الكف نقول: ان ما قلنا من أن المنصرف إليه من الأمر بمسح اليد هو باطن الكف، يكون لمن يقدر عليه، فمن لم يكن له كف أو لا يقدر على المسح بباطن الكف أو ظاهره إذا قيل له: (امسح بيدك) لا يكون المرتكز المسح بباطن كفه أو ظاهره، و كذا من لم يقدر على المسح بكليهما إذا قيل له: (امسح بيدك) يكون ما بقى من يده مما فيه نداوة الوضوء و هو الذراع، لان ما قلنا من الارتكاز العرفى يكون فى من يكون متمكنا من المسح بباطن الكف، و اما لم يقدر عليه فلا يكون هذا مرتكز العرف، بل الاخذ او المسح بظاهر الكف او غيره من اليد سيّان.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 314

فبهذا البيان يمكن أن يقال بأن من لم يقدر على المسح بباطن الكف يكفى المسح له بظاهره و من لم يقدر عليهما يكفى له المسح بالذراع.

و فيه انه تارة يدعى القطع و انه نقطع بعدم سقوط التكليف بالوضوء، و نقطع بعدم سقوط المسح، فقهرا لا بدّ من انتقال محل المسح من باطن الكف الى ظاهره، او الى الذراع لعدم تمكن المسح بباطن الكف، فان ادعى القطع فلا مجال للبحث، بل نقول بانا لا نقطع بذلك.

و تارة يدعى اطلاق وجوب الوضوء، و اطلاق وجوب المسح حتى لحال التعذر عن المسح بالكف، و يدعى عدم كون الدليل الدال على وجوب المسح بالكف مطلقا يشمل حتى حال العجز، فيقال مع عدم اطلاق لهذا الدليل و فرض اطلاق دليل الوضوء و كذا المسح، فلا بد من القول بوجوب المسح بظاهر الكف او

الذراع، لانه لا يمكن مع فرض اطلاق دليلهما و عدم اطلاق دليل وجوب المسح بالكف، الّا القول بوجوب المسح بالظاهر او الذراع.

فنقول فيه: ان ذلك مجرد الادعاء، لانه كما يكون دليل وجوب الوضوء مطلقا و كذا دليل وجوب المسح كذلك يكون دليل وجوب كون المسح بباطن الكف أيضا مطلقا، و مع اطلاق دليل هذه الثلاثة ينتقل التكليف الى التيمم للعجز عن الوضوء.

الثالث: أن يقال بأنه يكون في البين مطلوبان،

مطلوب متعلق بنفس المسح بنداوة الوضوء بما في اليد، و مطلوب آخر و هو وقوع هذا المسح بخصوص باطن الكف كما يظهر للمراجع إلى الادلة، و بعد كون التكليف من قبيل تعدد المطلوب، فلو لم يكن حفظ كلا المطلوبين لا بدّ من حفظ الآخر و هذا مقتضى نفس الأمر المتعلق بالوضوء.

و إن تم ما قلنا كما لا يبعد، لا حاجة الى التوسل بأمر ثانوى متعلق بالمسح بغير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 315

باطن الكف، بل نفس الأمر الأوّل يقتضي اتيان المسح بظاهر الكف، و إن لم يتمكن من الظاهر أيضا يقتضي المسح بالذراع.

بخلاف التمسك لوجوب المسح بالظاهر بقاعدة الميسور، لأنّه بناء على التمسك بها مقتضاه ترتب امر ثانوى ثابت بهذه القاعدة لما بقى من الوضوء و المسح في صورة عدم امكان المسح بباطن الكف، بعد سقوط امر الأوّل.

و فيه، ان الكلام تارة يكون فى امكان كون التكليف فى المسح بنحو تعدد المطلوب فلا اشكال فى امكانه، و تارة يكون الكلام فى مقام اثبات كون التكليف بنحو تعدد المطلوب، فهو محتاج الى الدليل، و لا دليل يدل على كون المطلوب أوّلا المسح بباطن الكف و ثانيا مطلق المسح و ان كان بغير باطن الكف، الا ان يقال انا نستكشف من

الامر باخذ البلة من غير رطوبة الكف من ساير الاعضاء، ان الامر فى المسح يكون بنحو تعدد المطلوب و لكن استفادة ذلك مشكل.

الرابع: استصحاب بقاء وجوب المسح،

فمع تعذره بباطن الكف يجب بظاهره، لان هذا مقتضى بقاء التكليف بالمسح و بناء على جريان استصحاب وجوب المسح بعد تعذر المسح بالكف يكون وجوب اتيان الوضوء و مسحه بغير باطن الكف بالامر الأوّل لأنّه يستصحب الأمر الأوّل.

و فيه أنه لا مجال لهذا الاستصحاب من باب عدم بقاء الموضوع، لان موضوع الوجوب كان المسح بباطن الكف و مع عدم بقاء الموضوع على الفرض لا معنى لبقاء الوجوب المتعلق به.

ثم إنه بعد تعذر باطن الكف لاجل علة في الباطن و وصول النوبة بظاهره لو لم يكن في الظاهر بلة يأخذ البلة من ساير مواضع الوضوء و قد مضى الكلام فيه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 316

و يمسح به.

و اما الكلام فى المقام الثاني: في وجوب تقديم ظاهر الكف على الذراع

بعد القول بانتقال الوجوب من باطن الكف الى غيره، فما يمكن ان يكون دليلا عليه هو انه بعد كون الدليل على الانتقال قاعدة الميسور، فميسور باطن الكف أوّلا هو ظاهر الكف عرفا و ان لم يتمكن من المسح بظاهر الكف تصل النوبة بالمسح بالذراع.

او ان يقال بان المورد من قبيل دوران الامر بين التعيين و التخيير، فلا بد من الاخذ بظاهر الكف، لانه إما واجب تعيينا او تخييرا لوجوبه يقينا بخلاف الذراع.

و يظهر لك مما مر في تعذر المسح بالباطن ما إذا تعذّر المسح بالظاهر من الكف أيضا لأنّه لو تمت الادلة المتقدمة أو بعضها، فبعد تعذر المسح بباطن الكف تصل النوبة بغيره من اعضاء اليد، غاية الأمر فى المقام الثانى قلنا بتقديم ظاهر الكف على الذراع، و بعد تعذر المسح بظاهر الكف تصل النوبة بالذراع، لعين ما قلنا في تعذر المسح بالباطن.

هذا كله فيما كان عدم امكان المسح بباطن الكف أو بظاهره لاجل

علة في الكف غير عدم الرطوبة.

اما إذا كان عدم التمكن من المسح بباطن الكف من باب عدم وجود رطوبة باقية فيه

من نداوة الوضوء و عدم امكان أخذ الرطوبة من ساير مواضع الوضوء، ففي هذه الصورة يجب عليه اعادة الوضوء و المسح مع النداوة الباقية من الوضوء لوجوب المسح بالنداوة الباقية من الوضوء، و على الفرض لم تكن في اعضاء الوضوء نداوة فالواجب في المقام هو اعادة الوضوء، الا فيما لا يمكن حفظ الرطوبة في الماسح،

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 317

و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة 31، و لا ينتقل التكليف الى ظاهر الكف أو الى الذراع لو لم تكن الرطوبة في الكف لأنّه متمكن من حفظ الشرط و لو باعادة الوضوء.

***

[مسئلة 29: إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 29: إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح لا يجب تقليلها، بل يقصد المسح بامرار اليد و إن حصل به الغسل، و الاولى تقليلها.

(1)

أقول: بعد ما عرفت في صدر مسئلة مسح الرجلين، أن الواجب هو مسح الرجلين و لا يجوز غسلهما كما ينادى به الآية الشريفة و الأخبار.

مثل الرواية الّتي رواها محمد بن مروان قال (قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنه يأتى على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة. قلت: كيف ذلك؟ قال: لأنّه يغسل ما امر اللّه بمسحه) «1» و غير ذلك راجع الباب المذكور.

يقع الكلام في أنه إذا كانت الرطوبة على الماسح زائدة بحيث توجب جريان الماء على الممسوح، فهل يجب تقليل الرطوبة، أو يكفى المسح معها بقصد المسح و إن حصل الغسل بهذا المسح أيضا؟

الاقوى الثاني، لان النسبة بين الغسل و المسح و إن كانت التباين بحسب

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 5، ص: 318

المفهوم، لان الغسل عبارة عن اجراء الماء على المحل و لو بمعونة اليد أو غيرها، و المسح عبارة عن امرار الماسح على الممسوح و ايصال ما على الماسح إلى الممسوح بالامرار، فمفهوم الغسل مباين مع مفهوم المسح، لكن مع ذلك يجتمعان موردا لامكان امرار اليد المبتلة بالماء على المحل فيصدق المسح لامرار الماسح على الممسوح و ايصال الماء الكائن عليه إلى الممسوح، و مع هذا يصدق الغسل أيضا لو كان الماء الكائن في الماسح بمقدار يصدق اجراء الماء عليه.

اذا عرفت ذلك نقول، لو كانت رطوبة الماسح زائدة و مسح بها الممسوح بقصد المسح يصدق أنه مسحه و امتثل الأمر المتعلق بالمسح و إن كان يصدق الغسل بهذا المسح لكونه موجبا لاجراء الماء على الممسوح.

و السر في ذلك هو أنه بعد ما يكون المصداق الخارجى قابل الانطباق بالمفهومين او ازيد، فلا يضر مصداق كل واحد من المفهومين الا بالقصد، نظير اربع ركعات القابل الانطباق بالمفهوم الظهر و العصر.

نعم لو كان المعتبر في المسح عدم تحقق الغسل في ضمنه كان لعدم الصحة وجه، و لكن لا يعتبر ذلك، بل المعتبر امرار الماسح و هو اليد على الرأس أو الرجل و هو الممسوح و ايصال الماء الواقع في اليد إلى الممسوح و قد تحقق ذلك على الفرض.

ثم إن بعض النصوص الدالة على عدم جواز غسل الرجلين في الوضوء بل يجب المسح، لا ينافي مع ما قلنا من عدم مضرية الرطوبة الزائدة الصادقة عليها الغسل فيما قصد المسح، لان هذه الطائفة من الأخبار وردت فى قبال العامة القائلين بوجوب غسل الرجلين بالماء الجديد لا بنداوة الوضوء، و لازمه أن يكون القاصد بالوضوء قاصدا لغسل

الرجلين، و هذا غير ما نقول في هذه المسألة من أنه يقصد المسح لكن يتحقق الغسل في الضمن لكون الرطوبة زائدة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 319

و بعد ذلك كلّه كما قال المؤلف رحمه اللّه الاولى تقليل الرطوبة بحيث يصدق المسح و لا يصدق الغسل.

***

[مسئلة 30: يشترط في المسح امرار الماسح على الممسوح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 30: يشترط في المسح امرار الماسح على الممسوح فلو عكس بطل.

نعم الحركة اليسيرة في الممسوح لا تضر بصدق المسح.

(1)

أقول: وجه عدم الاشتراط هو أن الفرق بين الماسح و الممسوح ليس الا أن الماسح آلة لازالة شي ء عن شي ء، و الممسوح ما يقصد منه ازالة شي ء عنه، فاذا اردت ازالة الوسخ عن الرجل لا ليد فيقال باليد الماسح و لا لرجل الممسوح، فلا يعتبر في كون الماسح ماسحا امراره على الممسوح، بل لو عكس يصدق عليه الماسح إذا اريد منه ازالة الوسخ بوسيلته من شي ء آخر، و لهذا يصح (مسحت يدى بالجدار) اذا اردت ازالة الوسخ من يدك بوسيلة امرارها بالجدار، فيكون الماسح الجدار مع انك امررت يدك و هو الممسوح على الجدار.

فعلى هذا بعد كون النظر في المسح ايصال النداوة إلى الممسوح فاليد هو الماسح، لانه آلة لايصال النداوة إلى الممسوح، فهي ماسح سواء يمر الممسوح بالماسح او يمر الماسح به، لانه فى كل من التقديرين تكون اليد ماسحا، لكونه آلة لايصال الرطوبة، كما ان الرأس او الرجل ممسوحا لكون النظر ايصال النداوة إليهما، سواء تمر اليد على الرأس او الرجل او يمر الرأس او الرجل على اليد، فلا يعتبر امرار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 320

الماسح على الممسوح، و هذا ما اختاره في المستمسك.

و وجه الاشتراط هو أن حقيقة

المسح امرار شي ء على شي ء، فيقال للمار آلة المسح و للممرور عليه الممسوح و لفاعل المسح الماسح، سواء كان الإمرار لازالة شي ء عن الذي يمسح به، أو عن الذي يمسح عليه، أو لا يريد ذلك اصلا كمسح رأس اليتيم، فليس قصد ازالة الشي ء عنه دخيلا في مفهوم الممسوح فلا يعتبر قصد الازالة فى كونه ممسوحا اصلا، بل بمجرد امرار شي ء على شي ء سواء كان مع القصد أو بلا قصد يقال للمار الماسح و للممرور عليه الممسوح، فلو مسح يده على الجدار و امرّها على الجدار يقال لليد الماسح و للجدار الممسوح عليه، و إن كان الداعى ازالة شي ء عن اليد في هذا الإمرار، و الاقوى الثانى كما يظهر من اللغة، و إن ترى صحة اطلاق مسحت الجدار بيدى، اذا كان النظر ازالة الوسخ عن اليد عرفا، فالمتوهم منه كون الماسح الجدار مع فرض كون المار هو اليد لا الجدار، فتتوهم ان الممسوح ما يريد ازالة الشي ء عنه و ان كان مارا على الماسح فيكون ذلك بتقدير (على)، فقولك مسحت الجدار بيدى اذا كنت تريد ازالة الوسخ عن اليد يكون فى الحقيقة مسحت على الجدار بيدى.

نعم الحركة اليسيرة في الممسوح لا تضر مع كون المارّ عليه هو الماسح لصدق المسح في هذه الصورة.

***

[مسئلة 31: لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح من جهة الحرّ]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 31: لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح من جهة الحرّ في الهواء أو حرارة البدن أو نحو ذلك و لو باستعمال ماء كثير بحيث كلما اعاد الوضوء لم ينفع، فالاقوى جواز المسح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 321

بالماء الجديد، و الأحوط المسح باليد اليابسة ثم بالماء الجديد ثم التيمم أيضا.

(1)

أقول:

في المسألة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: ما اختاره المؤلف رحمه اللّه و هو المسح بالماء الجديد، و صحة الوضوء و هو مختار جمع آخر.

الاحتمال الثاني: المسح بلا نداوة، بأن يمسح بيده اليابسة الممسوح و هو ما ارتضاه صاحب الجواهر رحمه اللّه.

الاحتمال الثالث: سقوط المسح من رأس و الاكتفاء بالغسلتين في الوضوء.

الاحتمال الرابع: عدم وجوب الوضوء بل يجب عليه التيمم في هذه الصورة.

يستدل على الاحتمال الأوّل بأمور:
الامر الأوّل: استصحاب وجوب المسح بلا نداوة،

بأن يقال كان الواجب عليه سابقا هو المسح بإمرار اليد على الممسوح، غاية الأمر كان الواجب في هذا المسح شيئا آخر و هو كون المسح مع نداوة الوضوء و بعد تعذر النداوة يستصحب اصل وجوب المسح.

ان قلت: هذا إذا كان حصول التعذّر بعد دخول الوقت، و أما إذا كان من اوّل دخول الوقت المسح بنداوة الوضوء متعذّرا فلا وجوب ثابت في حالة سابقة حتى يستصحب.

قلت: في كل من الصورتين يجرى الاستصحاب، غاية الأمر اذا كان التعذّر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 322

بعد الوقت يكون الاستصحاب فعليا، و إذا كان التعذر من اوّل الوقت يكون الاستصحاب تعليقيا.

ان قلت: ان غاية ما يدل هذا الدليل على فرض تماميته هو الوضوء مع المسح بلا نداوة، فهذا الدليل لو استدل به على الاحتمال الثانى و هو المسح بلا نداوة كان اولى.

قلت: بعد اثبات وجوب المسح بالاستصحاب، يقال فى وجه المسح مع النداوة بالماء الجديد إن المستفاد من الادلة هو كون المسح مع البلة بقرينة مقابلة المسح بالغسل، فبعد كون الغسل بالماء فلا بد و أن يكون المسح بالماء، لكن اطلاق كون المسح بالماء قد قيّد بكون مائه من بلة الوضوء، و بعد اسقاط هذا القيد بالتعذر و اثبات وجوب المقدار الميسور الممكن من الوضوء، يكون الواجب اتيان

المسح بالماء الجديد و هو مقتضى اطلاق الدليل.

و فيه أما الاستصحاب فليس الموضوع باقيا حتى يستصحب الوجوب، لان ما يكون له حالة سابقة هو وجوب المسح بنداوة الوضوء و هو مرتفع قطعا، و أما المسح المطلق بدون كونه بنداوة الوضوء فليس له حالة سابقة.

نعم إن كان الوجوب بنحو تعدد المطلوب بمعنى كون وجوب متعلق بنفس المسح و وجوب آخر متعلق بالمسح مقيدا بكونه بنداوة الوضوء، أو كان المسح بالنداوة الباقية من الوضوء من الحالات في المسح، بحيث يرى العرف وجوب المسح مع تعذر هذه الحالة اى كونه بنداوة الوضوء باقيا، كان للاستصحاب مجال و لكن كليهما ممنوع فلا مجال للاستصحاب.

و أما بالنسبة الى ما ذكر وجها لوجوب كون المسح بالماء الجديد، فنقول: بعد فرض كون الواجب هو المسح بنداوة الوضوء، فلو فرض دليل يكون دالا على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 323

المسح بمطلق الماء فيقيد الدليل على وجوب كونه بماء الوضوء فيقيد المطلق بالمقيد، فالمطلوب ليس الا المقيد، و على الفرض لا يتمكن منه، فلا بد اما من سقوط اصل المسح او اصل الوضوء.

الأمر الثاني: قاعدة الميسور،

فيقال أوّلا إن مقتضى هذه القاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور.

و ثانيا بأن المسح بالماء الجديد يكون ميسورا لعدم التمكن من المسح بنداوة الوضوء فيجب المسح بالماء الجديد.

أما وجوب الوضوء و وجوب المسح فهو واضح، لكون كل منهما ميسورا فلا إشكال على عدم سقوط الوضوء و عدم سقوط المسح.

و أما كون الميسور هو المسح بالماء الجديد، فلان المتعسّر على الفرض هو المسح بالنداوة الباقية من الوضوء فالمقدار المتعذر يسقط وجوبه و يجب الباقى، فلا إشكال في أن نفس المسح ميسور له فعلا و كذا المسح مع النداوة ميسور

له، لتمكن هذا الشخص في الفرض من المسح بالنداوة الآخذة من الماء الجديد، فيجب عليه ذلك لان المتعسر ايصال بلة الوضوء في الفرض إلى الممسوح لا مطلق البلة و إن كانت من الماء الجديد.

و أخذ الماء الجديد و إن لم يكن جائزا إما لكونه تشريعا محرما، و إما لكونه منافيا مع الشرط المعتبر في الوضوء و هو كون المسح بالنداوة الباقية عن ماء الوضوء أو لكلتا الجهتين، لكن في الفرض يندفع كل من المحذورين لعدم التشريع في المورد و عدم وجوب الشرط لعدم القدرة عليه، فلا يكون اخذ الماء الجديد منافيا مع الشرط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 324

فلا يكون الاحتمال الثانى و هو المسح بلا نداوة هو الميسور في مورد البحث،

و كذلك لا وجه لسقوط المسح من رأس كما هو الاحتمال الثالث، و كذلك انتقال التكليف من الوضوء إلى التيمم كما كان هو الاحتمال الرابع من الاحتمالات الاربعة في المسألة، لما عرفت من كون المسح ميسور للمكلف و بعد القدرة على الوضوء لا ينتقل الأمر الى التيمم.

أقول: مقتضى ما يستفاد من قاعدة الميسور بناء على تماميتها و الاخذ بها عند تعذر بعض اجزاء المركب، هو أنه إذا تعذر بعض الاجزاء أو الشرائط يجب الاتيان بما تيسر اتيانه من باقى الاجزاء و الشرائط، فعلى هذا لا بدّ و أن يكون الميسور مما كان متعلق التكليف شطرا أو شرطا و أما ما ليس متعلق التكليف من رأس فلا يجب اتيانه و لا يعدّ ميسورا من المعسور.

اذا عرفت ذلك نقول: قد يقال بأنه إن كان المسح بمطلق النداوة مطلوبا بعنوان الجزئية، و كان المعتبر امرا زائدا و هو كون هذه النداوة من خصوص نداوة

الوضوء يصح أن يقال بأنه بعد تعذر نداوة الوضوء يجب اتيان المسح بالنداوة المطلقة، فقهرا لا بدّ أن تكون هذه النداوة من الماء الجديد لأنّه الميسور.

و لكن لو لم يكن اصل النداوة مطلوبا مستقلا، بل المطلوب يكون مطلوبا واحدا و هو كون المسح بنداوة الوضوء، و هو على الفرض صار متعذّرا فليس المسح بنداوة ماء جديد مطلوبا حتى يقال بوجوبه لكونه ميسورا، بل هو شي ء خارج عن المركب اى الوضوء و اجزائه.

فعلى هذا نقول: لا يبعد كون الاقوى هو الاحتمال الثانى و هو الذي ارتضاه صاحب الجواهر رحمه اللّه على ما حكى عنه، لأنّه يمكن ان يقال: إن نفس المسح مطلوب و كونه بنداوة الوضوء مطلوب آخر، و حيث لا يقدر على الثانى يجب الأوّل و هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 325

نفس المسح و امرار الماسح على الممسوح بلا نداوة.

و أما ما ذكرنا من عدم وجود محذور في الأخذ من ماء جديد و المسح به، لعدم كونه فى هذا الفرض تشريعا، و عدم كونه منافيا مع اشتراط كون المسح بنداوة الوضوء لعدم امكان تحصيل الشرط و سقوطه بالتعذر.

و ففيه أن هذا لا يفيد الا عدم المانع من الأخذ من الماء الجديد و أما وجوب الأخذ منه فلا يدل عليه دليل.

و لو قيل في جواب هذا الاشكال، اعنى الاشكال في كون المسح بالماء الجديد ميسور المسح بنداوة الوضوء، بأن المرجع في كون شي ء ميسور شي ء آخر يكون هو العرف، و بعبارة اخرى بعد عدم تعيين الشارع ما هو الميسور من المعسور، بل لم يصدر منه الا قوله: الميسور لا يسقط بالمعسور، فلا بدّ من فهم ما هو الميسور من المعسور من

الرجوع الى العرف و العرف يحكم بأن ميسور المسح بنداوة الوضوء هو المسح بالماء الجديد، لأنّه بذلك يحفظ بعض مراتب المطلوب و هو المسح مع النداوة و خصوص نداوة الوضوء سقط بالتعذر عنه.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام لكون المسح مع الماء الجديد ميسورا لمسح بنداوة الوضوء.

ان قلت إن في هذا الجواب نظر لأنّه بعد ما بيّن الشارع المركب و اجزائه و شرائطه، فاذا قال: الميسور لا يسقط بالمعسور، كان النظر بمقتضى شارعيته ان الميسور من واجبات المركب لا يسقط بمعسور (بناء على شمول القاعدة للاجزاء و الشرائط من المركّب) فبيّن الميسور و المعسور، فلا تصل النوبة الى الارجاع بالعرف حتى يقال: إن العرف يحكم بكون الميسور هو المسح بالماء الجديد.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 326

قلت بأن الشارع و إن بيّن المركب باجزائه و شرائطه، لكن مجرد ذلك لا يكفى لبيان كون الميسور من هذه الاجزاء اى مقدار من الاجزاء و الشرائط حتى إذا تعذر بعضها يجب الاتيان بميسورها.

و بعبارة اخرى لا إشكال في أنه ليس مجرد امكان اتيان بعض الاجزاء في ظرف تعذر بعضها الآخر ميسور المركب، مثلا إذا تعذّر تمام الاجزاء و الشرائط من الصلاة الا تشهدها، أو تعذر تمام الاجزاء و شرائط الوضوء الا غسل الوجه مثلا فلا يمكن أن يقال: يجب التشهد و يكفى عن الصلاة، او يجب غسل الوجه و يكفى عن الوضوء و لا يجب التيمم تمسكا بقوله: الميسور لا يسقط بالمعسور، بل المعيار في ذلك هو حكم العرف، لأنّه لم يبين الشارع ما هو الميسور، فلا بدّ من الرجوع الى العرف، و العرف يحكم بكون الميسور هو المسح بالماء الجديد.

نقول فى جوابه:

بان المرجع فى ما هو موضوع حكم الشارع و ان كان العرف اذا لم يبين الشارع موضوع حكمه، مثلا قال الماء طاهر و لم يبين ما هو الماء، فيرجع فى تشخيص الماء الى العرف، لكن فى كل ما بيّنه الشارع فليس للعرف و لا للعقل التصرف فيه.

ففى المقام نقول: بأنه بعد ما كان مبنى الاستدلال مدرك قاعدة الميسور و هو الروايات الثلاثة، ان النظر فيها الى ان الشارع اذا امر بمركب ذى الاجزاء و الشرائط فصار بعض الاجزاء او شرائطه متعذرا فلا يسقط ما بقى من اجزائه و شرائطه الميسور اتيانه بالمعسور من اجزائه و شرائطه.

و بعبارة اخرى ما يمكن اتيانه من الاجزاء و الشرائط من المركب، لا بدّ من اتيانه، فترى ان الميسور بمقتضى ما يستفاد من دليل قاعدة الميسور ليس الا ما كان جزءا او شرطا للمركب المأمور به، فعلى هذا يرد الاشكال فى ما نحن فيه، لانه ليس

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 327

المسح بالماء الخارج عن الوضوء جزءا او شرطا للوضوء، حتى يقال بعد تعذر نداوة الوضوء يكون المسح بالماء الجديد ميسوره فلا يقتضي قاعدة الميسور وجوب المسح بالماء الجديد.

نعم لو قلنا: بان من واجبات الوضوء المسح بمطلق النداوة و واجب آخر كون هذا المسح بنداوة الوضوء، يصح ان يقال: بعد تعذر الواجب الثانى و هو المسح بنداوة الوضوء يبقى وجوب المسح باصل النداوة، و ان كانت بماء جديد و هو ميسور فلا يسقط بالمعسور تمسكا بقاعدة الميسور.

لكن ليس الامر كذلك، لان الواجب اعنى جزء الوضوء ليس الا المسح بنداوة الوضوء و هو متعذر فى الفرض و المسح بنداوة الماء الجديد شي ء خارج عن الوضوء، فلا يمكن

ان يكون ميسور الوضوء فلا معنى للرجوع الى العرف فيما بينه الشارع من مورد القاعدة.

و الاشتباه حصل من انه خلط فى مورد الرجوع الى العرف فى قاعدة الميسور، لان مورد الرجوع إليه، بعد الفراغ عن كون شي ء جزءا او شرطا للمركب المأمور به، يكون فى ان ما بقى من الاجزاء و الشرائط الممكن اتيانه، و لا يكون اتيانه متعذرا مطلقا، يكون ميسورا حتى فيما بقى جزء واحد من المركب ذوى الاجزاء و الشرائط الكثيرة او لا، ففي هذا المقام بعد عدم بيان الشارع ان الميسور ما هو فالمرجع يكون العرف، فربما يقول: بكون ما بقى من الاجزاء ميسور المركب و ربما يحكم بعدم كونه ميسوره.

و مما قلنا فى بيان مورد التمسك بقاعدة الميسور يندفع ما قيل من أنه لو التزمنا بوجوب الوضوء الناقص اذا تعذر الوضوء التام كما فيما نحن فيه، بقاعدة الميسور و كفايته و عدم وجوب التيمم، يلزم الاكتفاء بالوضوء الناقص في اغلب الموارد، و لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 328

يبق للتيمم الا بعض الموارد النادرة لغير المتمكن من تمام اجزاء الوضوء و شرائطه، لأنّه إذا تمكن من بعض الاجزاء يقتضي وجوب اتيان هذا البعض و إن كان جزء واحد أو كفايته عن الوضوء التام، لان الميسور لا يسقط بالمعسور.

و لا يمكن الالتزام بذلك و يلزم من الالتزام به فقه جديد، فهذا شاهد على عدم امكان اجراء القاعدة و أنه لا بدّ من انتقال الأمر في صورة تعذر المسح بنداوة الوضوء و امثاله الى التيمم.

وجه الاندفاع:

اما أولا: فتارة نقول: بأن التيمم يكون مورده هو تعذر الوضوء مطلقا تام الاجزاء و ناقصه، فاذا تعذر الوضوء بمرتبة الكاملة و الناقصة

يجب التيمم، فمع قيام الوضوء الناقص مقام الكامل لا تصل النوبة إلى التيمم و إن كان دليل وجوب المرتبة الناقصة قاعدة الميسور.

و تارة يقال: بأن وجوب التيمم يكون في فرض العجز عن الوضوء التام فمقتضى دليل وجوب التيمم هو التيمم في الفرض، و مقتضى قاعدة الميسور هو وجوب الوضوء و لا بدّ من التوفيق بينهما، و يأتى الكلام إن شاء اللّه في التيمم.

و ثانيا: أنه كما بينا لا بدّ من كون ما بقى من الاجزاء ميسور المعسور بنظر العرف، و العرف لا يحكم مطلقا بمجرد تيسّر اتيان بعض الاجزاء و الشرائط و عدم تيّسر بعضها أنه الميسور من المعسور.

و هذا هو الفارق فيما يحكم بكونه ميسورا و فيما لا يحكم بكونه ميسورا، فلا مجال لهذا الاشكال.

كما أنه يظهر لك مما مر أن المسح المجرد عن نداوة الماء الجديد يكون ميسور

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 329

المعسور، لانه يكون ميسورا بنظر العرف، و ليس مع التمكن من المسح بلا نداوة ميسور الوضوء الغسلتان فقط، كما هو مقتضى القول الثالث، لان العرف يحكم بكون الميسور هو المسح بلا نداوة ان قلنا بكون اصل المسح مطلوب و المسح بنداوة الوضوء المطلوب آخر، و الا لو لم نقل بذلك كما هو الحق لعدم كون المسح من قبيل تعدد المطلوب فالميسور هو الغسلتان.

فلو تمت قاعدة الميسور لا بد من ان يقال بالقول الثالث و هو الاكتفاء فى الوضوء في هذا المورد بالغسلتين، لكن العمدة عدم قاعدة الميسور، فلا يمكن التمسك بها لاحد من الاقوال الثلاثة كما نبينه لك إن شاء اللّه فى الحال.

اقول: و بعد اللتيا و التى كما مر منّا مكررا بعد كون قاعدة الميسور

المعروفة مستفادة من الروايات الثلاثة، إحداها الميسور لا يسقط بالمعسور، مضافا الى بعض الاشكالات فى دلالتها ضعيفة السند، فلا يمكن التعويل عليها و التمسك بها فلا يمكن استفادة وجوب واحد من الاحتمالات الثلاثة: الوضوء و المسح بالماء الجديد، و الوضوء و المسح بلا نداوة، و الوضوء بلا مسح بقاعدة الميسور.

ثم إن ما يأتى بالنظر عاجلا هو عدم التمسك بقاعدة الميسور للاحتمال الاول و هو المسح بالماء الجديد لاشكال آخر، و هو ان لسان قاعدة الميسور هو انه مع فقد بعض اجزاء المامور به يجب اتيان ما بقى منه من باب كونه ميسور او ليست القاعدة متعرضة لجواز اتيان ما كان مانعا للمركب المأمور به، او قاطعا له من باب كون المتعذر تركه فتجوز القاعدة فعله من باب كون الميسور اتيان المركب مع هذا المانع، مثلا اذا اضطر المكلف على المسح بالحائل للتقية او للبرد، فلا يصح التمسك بجواز المسح على الحائل بقاعدة الميسور.

فنقول فى المقام بانه بعد كون المسح بالماء الجديد ممنوعا شرعا كما هو المستفاد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 330

من الرواية حيث قال فيها: (يأتى على الرجل ستون و سبعون سنة ما قبل اللّه منه صلاة. قلت؟ كيف ذاك؟ قال: لانه يغسل ما امر اللّه مسحه) «1»، فالمستفاد مانعية الماء الجديد، فلا يمكن القول بعدم مانعيته من باب قاعدة الميسور.

الأمر الثالث: يظهر من تتبع الموارد التي تعذر بعض اجزاء الوضوء

من حكم الشارع بوجوب اتيان الوضوء الفاقد للجزء مثل مورد اقطع اليد و الرجل و من يكون غير متمكن من المسح على البشرة كما في رواية عبد الاعلى، انه لا يسقط الوضوء بمجرد تعذر جزء منه أو شرط منه في الغسل او المسح.

أقول: اعلم أن الكلام تارة يقع في

أنه هل يستفاد من هذه الموارد الاكتفاء بالوضوء و إن كان بمرتبة الناقصة، و عدم انتقال التكليف إلى التيمم في هذه الموارد أم لا؟

فنقول: يستفاد ذلك من الاكتفاء بوضوء من قطع بعض محال وضوئه من يده و رجله و كذلك من رواية التى رواها عبد الاعلى مولى آل سام (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عثرت فانقطع ظفرى، فجعلت على اصبعى مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و اشباهه من كتاب اللّه عز و جل قال اللّه تعالى: ما جعل عليكم فى الدين من حرج، امسح عليه) «2» حيث أن المستفاد منها جواز المسح على المرارة و سقوط المسح على البشرة، فجوز المسح على المرارة و لم ينتقل الأمر الى التيمم.

و تارة يقع الكلام في أنه مع كون المستفاد من بعض الموارد الاكتفاء بالوضوء الفاقد لبعض الاجزاء و الشرائط، هل يمكن التعدى الى غير مورده بدعوى أنه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 25 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 49 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 331

يستفاد من هذه الموارد أن الشارع لا يرضى بترك الوضوء، و كونه مقدّما على التيمم مطلقا حتى مع تعذر بعض ما يعتبر فى الوضوء.

الاقوى عدم استفادة ذلك، و الّا كان اللازم الاكتفاء بالوضوء حتى مع تعذر اكثر اجزائه و شرائطه، و هذا مما لا يمكن الالتزام به.

و لا يمكن التعدى الى غير هذه الموارد حتى فيما كان التعذر جزءا من اجزاء الوضوء أو شرطا من شروطه، مثل ما نحن فيه لأنّه اشبه شي ء بالقياس، فعلى هذا لا يمكن القول بتقديم الوضوء و عدم انتقال الأمر إلى التيمم

بهذا الوجه.

و تارة يقع الكلام فى أنه لو فرض دلالة هذا التتبع على تقديم الوضوء و عدم انتقال التكليف إلى التيمم، لكن غاية ما يثبت من هذا الوجه هو نفى الاحتمال الرابع اعنى انتقال التكليف إلى التيمم، فلا يمكن القول بوجوب التيمم فى المسألة.

و أما وجوب المسح بالماء الجديد، أو وجوب المسح مجردا عن النداوة، أو سقوط المسح من رأس، فلا يستفاد من هذا الوجه.

هذا كله فيما يمكن أن يقال وجها للاحتمال الأول.

و مما مر في طى ذكر وجه الاحتمال الأول يظهر لك ما يمكن أن يستدل عليه لباقى الاحتمالات مثل استصحاب وجوب اصل المسح، و قد عرفت عدم تماميته، فلا يقبل كونه وجها للاحتمال الثانى، كما لا يمكن ان يكون وجها للاحتمال الاول، او استصحاب وجوب غسل الوجه و اليدين و عدم وجوب المسح رأسا كما هو الاحتمال الثالث، فلا حاجة الى ازيد من ذلك.

اذا عرفت ما يمكن كونه وجها لاحد الوجوه الثلاثة و عدم الوجوه، فيبقى الاحتمال الرابع و هو سقوط وجوب الوضوء رأسا و وجوب التيمم.

فالاقوى هذا الاحتمال، لعدم وجود دليل على الاحتمال الاول و هو الوضوء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 332

و المسح بالماء الجديد، و كذا الاحتمال الثانى و هو الوضوء و المسح بلا نداوة، و كذا الاحتمال الثالث و هو الاكتفاء فى الوضوء بالغسلتين غسل الوجه و اليدين و سقوط المسح من رأس، لانه بعد تعذر الوضوء يجب التيمم، و لكن فى مقام العمل ينبغى بل لا يترك الاحتياط بالمسح بلا نداوة ثم الاخذ من ماء جديد و المسح به ثم التيمم بعد ذلك.

و في مقام الاحتياط هل يحتاج كما قلنا الى امرار الماسح على

الممسوح بدون النداوة، ثم المسح بالماء الجديد أم لا يحتاج الى ذلك؟

وجه عدم الاحتياج هو أنه بناء على كون الوظيفة واقعا هو إمرار الماسح على الممسوح يحصل ذلك مع كون نداوة الماء الجديد في الماسح، أيضا، و لا يضر بذلك وجود الماء الجديد لعدم دخل عدم الماء الجديد فيه.

وجه الاحتياج هو أنه بعد ما لا يجوز المسح بالماء الجديد و دليله مطلق، يكون المسح به غير جائز فالطريق الاحتياط هو ما ذكره المؤلف رحمه اللّه من المسح أوّلا بيده مجردا عن النداوة، ثم المسح بالماء الجديد، ثم التيمم.

***

[مسئلة 32: يجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 32: لا يجب فى مسح الرجلين أن يضع يده على الاصابع و يمسح الى الكعبين بالتدريج فيجوز أن يضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من طرف الطول الى المفصل و يجرّها قليلا بمقدار صدق المسح.

(1)

أقول: وجهه اطلاق ادلة المسح من هذه الجهة، و لا يكون في البين مقيّد الا ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 333

قد يتوهم من دلالة الرواية الّتي رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم. فقلت: جعلت فداك، لو أن رجلا قال باصبعين من اصابعه هكذا؟ فقال: لا الا بكفه) «1» بدعوى أنه عليه السّلام وضع كفه فمسحها الى الكعبين، فهي تدل على وجوب المسح من الاصابع الى الكعبين بالتدريج.

و فيه، مضافا الى ما في الرواية:

أوّلا: فقد عرفت فى الجهة الرابعة من الجهات المتعرضة في مسح الرجلين أنه لا بدّ من حمل هذه الرواية على الاستحباب و عدم امكان حملها على الوجوب،

لكونها على تقدير كون مفادها الوجوب مما اعرضت عنه المشهور أو الاصحاب.

و ثانيا: أن هذه الرواية ليست الا نقل فعله عليه السّلام و الفعل لا يدلّ على الوجوب بل يساعد مع مطلق الجواز أو على الاستحباب.

إن قلت: إن قوله عليه السّلام بعد هذا الفعل- لما سأل السائل و قال: جعلت فداك لو أن رجلا قال باصبعين من اصابعه هكذا- (لا الا بكفه) يدل على وجوب هذه الكيفية.

قلت: ما يدل كلامه عليه السّلام عليه هو عدم كفاية الاقل من الكف و أما كيفية المسح و إمرار الماسح على الممسوح من كونه بنحو التدريج أو غيره، فلا يدل كلامه عليه السّلام على وجوبه لعدم كون السؤال و الجواب عنه.

و أن الرواية ليست مفادها الا ما يستفاد من الآية الشريفة وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 24 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 334

فلا يستفاد منها الا كون ابتداء المسح من اطراف الاصابع و انتهائه الكعبين، و يحصل ذلك بوضع تمام الكف على تمام ظهر القدم من طرف الطول الى المفصل و جرّها قليلا بمقدار صدق المسح، لان المسح على هذا وقع ابتدائه من اطراف الاصابع بالكف و انتهائه الى الكعبين و لا يعتبر ازيد من ذلك، فعلى هذا الاقوى كفاية المسح بكلا النحوين، فافهم.

***

[مسئلة 33: يجوز المسح على الحائل في حال الضرورة]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 33: يجوز المسح على الحائل كالقناع و الخفّ و الجورب و نحوها في حال الضرورة من تقية أو برد يخاف منه على رجله أو لا يمكن معه نزع الخفّ مثلا.

و كذا لو خاف من سبع أو عدوّ أو نحو ذلك مما يصدق عليه الاضطرار من غير فرق بين

مسح الرأس و الرجلين.

و لو كان الحائل متعددا لا يجب نزع ما يمكن و إن كان احوط.

و في المسح على الحائل أيضا لا بدّ من الرطوبة المؤثرة في الماسح و كذا ساير ما يعتبر في مسح البشرة.

(1)

أقول: الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة و عدمه.
اشارة

و الكلام فيها يقع فى مقامات:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 335

المقام الأول: في جواز المسح على الحائل و عدمه فى مورد التقية.

و الكلام في التقية، تارة يقع في مشروعية التقية و صحة ما يعمل تقية و اجزائه عن التكليف الواقعى مطلقا في كل مورد من المسح على الحائل و غيره.

و تارة في جواز التقية و صحة العمل الواقع تقية و اجزائه عن الواقع في خصوص مورد المسح على الحائل.

أما الكلام في حكمها بنحو العموم فلا إشكال في الجملة في جواز التقية، بل وجوبها و اجزاء ما صدر تقية عن الواقع للعمومات أو المطلقات الواردة فيها.

و أما الكلام في التقية و جوازها في المورد و صحة العمل و اجزائه فيكون بحسب الفتوى ممّا ادعى عدم الخلاف فيه عندنا و ادعى عليه الاجماع و لم يحك مخالف الا ما حكى عن المقنع و التحرير من عدم جواز التقية في المورد و مال إليه في التنقيح.

و يدل مع قطع النظر عن الاجماع على جواز التقية و صحة المسح على الحائل في مورد التقية و اجزاء العمل على وجه التقية عن الواقع، الرواية الّتي رواها محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن حمّاد بن عثمان عن محمد بن النعمان عن أبي الورد قال: (قلت لابي جعفر عليه السّلام: إنّ أبا ظبيان حدثنى أنه رأى عليّا عليه السّلام اراق الماء ثم مسح على الخفّين فقال: كذب أبو ظبيان، أ ما بلغك قول على عليه السّلام فيكم سبق الكتاب الخفين فقلت: فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا إلا من عدّو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك) «1».

فإنها تدل على جواز المسح على الخفّين في صورة التقية و في ثلج يخاف على الرجل منه.

______________________________

(1) الرواية

5 من الباب 38 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 336

و حيث لا خصوصية للخفين يجوز المسح على مطلق الحائل فى صورة التقية.

و حيث لا خصوصية للثلج يجوز في مطلق البرد، و يأتى الكلام إن شاء اللّه في بعض الخصوصيات.

و ظاهرها اجزاء المسح على الخفّين و الاكتفاء به عن المسح على الرجل لأنّه الفرد الاضطرارى و هو مجز عن الفرد الاختيارى على ما عرفت من اجزاء الأمر الاضطرار عن الاختيارى.

و ما قيل من ضعف سندها بأبى ورد، فمع ما قيل في جوابه من انه عده فى الوجيزة من الممدوحين، و ما عن الوحيد البهبهانى رحمه اللّه من أنه اجمع على العمل بروايته فى المقام، نقول: بأنه على تقدير ضعف السند فهو منجبر بعمل الاصحاب.

و في قبال هذه الروايات بعض الروايات يدلّ بظاهره على عدم جواز التقية في المسح على الخفين.

الاولى: الرواية الّتي رواها زرارة قال: (قلت له: في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال:

ثلاثة لا اتقى فيهن احدا: شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج. قال زرارة: و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن احدا) «1».

الثانية: الرواية الّتي رواها في الخصال باسناده عن علي عليه السّلام في حديث الأربعمائة (قال: ليس في شرب المسكر و المسح على الخفين تقية) «2».

الثالثة: الرواية الّتي رواها ابن أبي عمر و الاعجمى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (أنه قال: لا دين لمن لا تقية له و التقية في كل شي ء الا في النبيذ و المسح على

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 18 من الباب 38 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى

في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 337

الخفّين) «1» و غير ذلك.

و هذه الأخبار كما ترى تدل بظاهرها على عدم التقية في المسح على الخفين، و الجمع العرفى بين الطائفتين بمقتضى حمل الظاهر على النص و إن كان يقتضي في حد ذاته حمل النهى في الطائفة الثانية على الكراهة بقرينة الطائفة الاولى، لدلالتها على جواز المسح على الخفّين في مورد التقية، او بحمل الطائفة الثانية على وجوب التقية فى كل شي ء و عدم وجوبها فى خصوص هذه الموارد، فيكون مفادها على هذا مثل الطائفة الاولى بناء على حمل الطائفة الاولى على مجرد الرخصة فى مورد التقية و البرد، و لكن كلا الجمعين يرجع الى جواز التقية فى المورد، و الحال ان من يقول، يقول بالوجوب و لا قائل بكراهتها و هو مقتضى الجمع الاول، و لا على الجواز المساوق مع الاباحة كما هو مقتضى الجمع الثانى، فلا يمكن الجمع بينهما، و مع قطع النظر عن ذلك العمدة عدم وجود مقتضى الحجية للطائفة الثانية لاعراض الاصحاب عنها.

و لهذا صاروا بسدد بعض التوجيهات للطائفة الثانية، مثل حملها على عدم التقية في الأمور المذكورة لنفس الامام عليه السّلام بقرينة الرواية الاولى خصوصا مع ما قال زرارة رحمة اللّه عليه في ذيلها: من أنه عليه السّلام (لم يقل: الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن احدا).

المقام الثاني: في جواز المسح على الحائل في البرد و عدم جوازه،

و الحق جوازه.

أما في خصوص مورد الثلج الذي يخاف على الرجل منه فللرواية المتقدمة في

______________________________

(1) الرواية 2 من 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 338

المقام الأول اعنى رواية أبي الورد لان فيها قال عليه السّلام بعد عدم تجويزه المسح على

الخفّين (الا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك).

و أما في مطلق البرد فلمعلومية عدم خصوصية للثلج، بل وجه الصحة في الثلج ليس الا البرد، لان ما يخاف منه هو البرد، و هو يوجد في الثلج و غيره مضافا الى دعوى الاجماع عليه، أو كون ظاهر كلمة الاصحاب الاتفاق عليه كما حكى عن الحدائق، و لا فرق بين كون البرد مانعا عن المسح لاجل الخوف على الرجل أو لعدم امكان نزع الخف.

الجهة الثانية: هل يكون الخوف من السبع أو العدوّ أو غيرهما

من موارد الاضطرار في حكم البرد أو لا؟

وجه الالحاق معلومية عدم خصوصية للثلج و البرد فيتعدى بكل ضرورة و اضطرار، خصوصا مع ما في رواية أبي الورد المتقدمة من قوله (او ثلج تخاف على رجليك) فإن المستفاد منها الخوف من الضرر.

الجهة الثالثة: لا فرق فيما قلنا من جواز المسح على الحائل بين الرأس و الرجل

و إن كان النص واردا في الرجل.

أما كل من مورد التقية و غيرها من موارد الاضطرار فللاجماع المدعى على شمول الحكم للتقية و لغيرها من موارد الضرورة كالبرد.

كما أنه يكفى لجواز مسح الرأس في مورد التقية على الحائل الادلة العامة الواردة في التقية.

و لجوازه فى مورد سائر الضرورات برواية أبي الورد المتقدمة في المسألة، لان المستفاد منها جواز المسح بالحائل في مورد الخوف على الرجل و لا فرق بين الرجل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 339

و الرأس في ذلك.

كما أنه يمكن الاستدلال على جواز المسح بالحائل في كل من الرأس و الرجل برواية عبد الاعلى الواردة في المسح على المرارة، لان المستفاد منها كون المسح على المرارة و هو الحائل مرتبة من المسح فمع الاضطرار يكتفى به لعدم خصوصية لكون الحائل على الجرح، فتامل.

الجهة الرابعة: و لو كان الحائل متعددا و كان الاضطرار ببعضه

هل يجب نزع المقدار الممكن أو لا يجب ذلك؟

وجه الوجوب عدم الاضطرار بما يمكن نزعه فيجب نزعه.

وجه عدم الوجوب اطلاق الادلة لتجويزها المسح على الحائل عند الضرورة على الاطلاق.

و فيه أن مفاد النص هو المسح على ما اضطر عليه من الحائل، و القدر المتيقن من الاجماع ليس الا هذا المقدار، فلا وجه لتجويز غيره خصوصا مع كون الحائل بدلا عن المسح على البشرة، فما هو بدل الممسوح ليس الا ما اضطر على ابقائه لاجل التقية أو غيرها، فاذا الأحوط بل الاقوى هو وجوب نزع المقدار الممكن من الحائل فأفهم.

الجهة الخامسة: هل يعتبر فى المسح على الحائل ما يعتبر في المسح على البشرة

من كون المسح مع الرطوبة المؤثرة في الماسح، و كون المسح بنداوة الوضوء و غير ذلك مما كان معتبرا في المسح على البشرة أو لا؟

الحقّ اعتباره لان الحائل قام مقام البشرة فى مورد الضرورة، فكل ما يعتبر في المسح على البشرة من الشرائط الراجعة الى الماسح و الى الممسوح معتبر في المسح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 340

على الحائل.

***

[مسئلة 34: ضيق الوقت من رفع الحائل أيضا مسوّغ للمسح عليه]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 34: ضيق الوقت من رفع الحائل أيضا مسوّغ للمسح عليه لكن لا يترك الاحتياط بضم التيمم أيضا.

(1)

أقول: الوجه في كفاية المسح على الحائل و وجوبه إن كان الاجماع فان كان معقده كل ضرورة بحيث يشمل ضيق الوقت، فهو دليل على الاكتفاء بالمسح على الحائل في ضيق الوقت، لكن تحقق الاجماع بهذا النحو غير معلوم.

و إن كان منشأ الحكم رواية أبي الورد المتقدمة بالتعدى عن موردها بكل ضرورة فشمولها مع التعدى الى مثل الضرورة الحاصلة من ضيق الوقت غير معلوم.

بل فى مورد ضيق الوقت، بعد عدم امكان الوضوء لوجود الحائل في محل المسح و عدم امكان ازالته لضيق الوقت، يمكن ان يقال بانتقال الأمر إلى التيمم لان ضيق الوقت المانع عن الوضوء من مسوغاته.

أو يقال بوجوب الجمع بين الوضوء مع المسح على الحائل و التيمم، لأنّه يجب احدهما عليه قطعا، و بعد عدم دليل على تعين أحدهما يجب الجمع بينهما حتى يقطع ببراءة ذمته عن التكليف المعلوم فى البين.

لكن هذا الاحتياط يمكن اذا كان الوقت باقيا بمقدار أن يتوضأ مع المسح على الحائل و يتيمم بعده، و لا يمكن نزع الحائل في هذا المقدار من الوقت و الوضوء مع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 341

المسح على

البشرة.

و أما لو لم يمكن نزع الحائل و لم يكن الوقت كافيا الا لاتيان واحد من الوضوء أو التيمم، فهل يجب الوضوء مع المسح على الحائل أو يجب التيمم؟ و لا يبعد في هذه الصورة وجوب التيمم لأنّه بعد عدم شمول الاجماع و رواية أبي الورد للمورد فهو في ضيق الوقت لا يتمكن من الوضوء، فينتقل الأمر إلى التيمم.

الا أن يدّعى أنه مهما امكن الوضوء و لو ببعض مراتبه النازلة يكون الوضوء مقدما على التيمم كما اشرنا الى ذلك في بعض المباحث المتقدمة.

و هذا الدعوى بهذا الاطلاق لا يمكن الذهاب إليها الا فى بعض الموارد التى ورد عليه الدليل أو كونه ميسور المعسور من الوضوء و تمت قاعدة الميسور.

***

[مسئلة 35: انما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 35: انما يجوز المسح على الحائل في الضرورات ما عدا التقية إذا لم يمكن رفعها و لم يكن بدّ من المسح على الحائل و لو بالتأخير الى آخر الوقت، و أما في التقية فالأمر اوسع فلا يجب الذهاب الى مكان لا تقية فيه و إن امكن بلا مشقة، نعم لو امكنه و هو فى ذلك المكان ترك التقية و ارائتهم المسح على الخف مثلا، فالاحوط بل الاقوى ذلك.

و لا يجب بذل المال لرفع التقية بخلاف ساير الضرورات و الأحوط في التقية أيضا الحيلة فى رفعها مطلقا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 342

(1)

أقول: الكلام في مقامين:

المقام الاول: في الضرورات ما عدا التقية.

اعلم أن المتيقن من جواز المسح على الحائل في الضرورة ما عدا التقية كالبرد و نحوه هو الاضطرار في تمام الوقت.

و أما فيما اضطر إليه في بعض الوقت، مثلا دخل عليه الوقت و كان الهواء باردا بحيث يخاف على رأسه أو رجله لو نزع الحائل عنهما. و لكن يعلم بارتفاع البرد بعد مضى مقدار من الوقت قبل فوت الوقت بحيث يقدر على نزع المانع و المسح على البشرة، فيجب عليه الصبر لأنّه لا يضطر بالمسح على الحائل على هذا و الضرورات تتقدر بقدرها.

ان قلت: على الفرض يكون الواجب عليه الوضوء فعلا و لا يمكن له المسح على البشرة فيجوز له المسح على الحائل كالخف و غيره.

قلت: بعد كون مورد النص، اعنى رواية أبي الورد و كذا الاجماع، هو مورد الضرورة بحيث كان الواجب عليه فعلا الوضوء و لا يجوز تأخيره، و لا يمكن في هذا الحال نزع الحائل للبرد مثلا، جاز له المسح على الحائل، و أما مع سعة الوقت و تمكنه في بعض

الوقت المضروب الموسع فهو لا يضطر على المسح على الحائل، لان المأمور به طبيعة الصلاة في الوقت و افرادها الازمنة الطولية، و بعد كون المأمور به هو الطبيعة و الاضطرار بالطبيعة لا يصدق الا بالاضطرار بتمام افرادها، فهو لا يكون مضطرا الا فيما كان الاضطرار فى تمام الوقت، و لهذا لا يجوز له البداء بل يجب الصبر الى أن يزول العذر قبل مضى الوقت، فيتوضأ و يمسح على البشرة.

المقام الثانى: في الضرورة التي تحصل بسبب التقية،
اشارة

فنقول بعونه تعالى:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 343

بعد ما عرفت في المسألة 33 من جواز المسح على الحائل للتقية، يقع الكلام في أنه هل يكون مورد الجواز خصوص ما يكون في ضيق الوقت، و لم يكن متمكنا من اتيان المكلف به الواقعى و لو بالتستر منهم أو الخروج من عندهم، أو يعم ما إذا كان في سعة الوقت و كان متمكنا من اتيان المأمور به الواقعى في الجزء الاخر من الوقت، او كان متمكنا من اتيان المأمور به الواقعى حتى في هذا الجزء من الوقت بالتستر منهم أو من عندهم.

و اعلم ان الكلام يكون فعلا فى الجواز الوضعى بمعنى صحة الوضوء، و اما الجواز التكليفى، اعنى: جواز فعل الوضوء بنحو التقية فمما لا ينبغى البحث عنه، لجواز الوضوء و عدم حرمة اتيان هذه الافعال كما يفعل المخالفون تقية، و بعبارة اخرى إتيان صورة الوضوء مثلهم تقيه.

اذا عرفت ذلك نقول: الكلام تارة يقع فى حكم التقية من هذا الحيث فى كل الموارد، و تارة فى حكمها فى خصوص مورد المسح من هذا الحيث، اما الكلام فى الاول يقع فى موردين:

المورد الأوّل: فيما يكون في ضيق الوقت و لم يتمكن من الاتيان بالمكلف به الواقعى

و لو بالتستر عنهم أو الخروج من عندهم، و لا إشكال في جواز اتيان الوضوء تقية فى هذه الصورة

و هذا المورد هو القدر المسلم من تجويز العمل على خلاف الواقع تقية، اذا لم يتمكن ترك التقية عندهم باراءتهم أنه يتّقى، و الحال أنه واقعا يأتى على طبق الواقع.

المورد الثاني: ما يكون في سعة الوقت و كان متمكنا من التأخير الى آخر الوقت
اشارة

و العمل على طبق الواقع، او كان متمكنا من العمل بالواقع في هذا الزمان بالتستر عنهم أو الخروج من عندهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 344

فهل يجوز العمل في هذه الصورة على طبق ما تقتضيه التقية، أو يجب العمل على طبق الواقع و ترك التقية، إما بالصبر الى آخر الوقت، أو بالتستر منهم أو الخروج من عندهم، أو لا يجب ذلك.

و على تقدير عدم وجوب الصبر الى آخر الوقت و عدم امكان التستر، إن امكن له حفظ الواقع عندهم و ارائتهم انه يتقى و الحال أنه يعمل على طبق وظيفته الواقعية، هل يجب ذلك او لا يجب عليه حفظ الواقع بهذا النحو، بل يجوز العمل مطابقا للتقية؟ فالكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: في جواز البدار و عدمه مع فرض تمكنه من حفظ الواقع بالتأخير
اشارة

و عدم البدار، فنقول بعونه تعالى ما يمكن أن يستدل به على جواز البدار روايات:

الاولى: ما رواها أبو عمر الاعجمى

قال: (قال لى أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا أبا عمر ان تسعة اعشار الدين في التقية و لا دين لمن لا تقية له الحديث) «1».

و مثلها مفادا مع اختلاف المضمون الرواية 3 و 22 و 25 و 26 المذكورة فى الباب 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من الوسائل.

و الانصاف عدم كون هذه الرواية و امثالها دالة على عدم اعتبار المندوحة، كما لا دلالة لها على اعتبارها، بل ليست الا فى مقام بيان اصل مشروعية التقية في الجملة.

الثانية: ما رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام

(قال: التقية في كل ضرورة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 24 من أبواب الأمر بالمعروف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 345

و صاحبها اعلم بها حين تنزل به) «1».

الثالثة: ما رواها اسماعيل الجعفى و معمر بن يحيى بن سالم و محمد بن مسلم و زرارة

(قالوا: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه) «2».

و هاتان الروايتان لو لم تكونا دليلا على عدم جواز البدار، ليستا دليلين على جوازه لأنّه مع المندوحة لا يصدق الاضطرار.

و ذكر في المستمسك في المقام رواية عن زرارة و غيره (التقية في كل شي ء و كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله اللّه) ثم تكلم فى دلالتها على جواز التقية مع المندوحة و عدمها، فاستشكل في دلالتها على الجواز مع المندوحة من باب أن ذيل الرواية و كل شي ء يضطر إليه ابن آدم (الخ) ينافى مع اطلاق الصدر، ثم قال: اللهم الا أن يقال: إن قوله عليه السّلام (و كل شي ء) ليس من قبيل الكبرى لما قبله بل هو بيان لحكم آخر فى مقابل ما قبله، و حينئذ يكون اطلاق ما قبله شاملا لصورة وجود المندوحة و عدمها و إن كان هو مختصا بصورة وجودها.

أقول، أولا: لم اجد رواية بالمضمون الذي ذكره حتى نتكلم في أن مفاد الصدر له الاطلاق و مفاد ذيلها التقييد، فيجمع بين الصدر و الذيل بما قاله.

و ثانيا: على فرض وجود رواية بهذا المضمون ليست الرواية حتى صدرها مع صرف النظر عن ذيلها، دالة على جواز التقية حتى مع وجود المندوحة، بل الرواية ليست الا في مقام تاتّى التقية في كل شي ء، و أما مع عمومها لكل شي ء، هل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 25 من أبواب الأمر

بالمعروف من الوسائل.

(2) ذيل الرواية 1 من الباب 25 من ابواب الامر بالمعروف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 346

هذا مع الضرورة و عدم المندوحة مطلقا فليس في مقام بيانها.

الرابعة: ما رواها مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث

(أن المؤمن إذا اظهر الايمان، ثم ظهر منه ما يدل على نقضه خرج مما وصف و اظهر، و كان له ناقضا الا أن يدّعى أنه انما عمل ذلك تقيّة، و مع ذلك ينظر فيه، فإن كان ليس مما يمكن أن تكون التقية في مثله لم يقبل منه ذلك، لان للتقية مواضع من ازالها عن مواضعها تستقم له، و تفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم على غير حكم الحق و فعله، فكل شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدّى الى الفساد في الدين فإنه جائز) «1».

بدعوى دلالتها على جواز العمل على طبق نظرهم لمكان التقية، و اطلاقها يقتضي جواز التقية حتى مع وجود المندوحة.

و فيه أن الرواية و إن كانت لها الاطلاق من هذا الحيث، لكن لا يدل الا على جواز العمل على طبق التقية جوازا تكليفيا، لا الجواز الوضعى الذي يكون اثره صحة ما أتى به تقية و اجزائه عن الواقع.

ان قلت: إن الجواز المستفاد من قوله عليه السّلام (فإنه جائز) كما يشمل الجواز التكليفى يشمل الجواز الوضعى أيضا.

قلت: إن المراجع في الرواية صدرا و ذيلا يرى أن النظر ليس الا الى الجواز التكليفى، لان الرواية تكون في مقام أن المؤمن إذا اظهر خلاف ما اظهر من الايمان يدل على نقض ايمانه و خروجه عما وصفه الا أن يدعى أن ما اظهر على خلاف ايمانه كان من باب التقية لا عدم ايمانه، فالنظر

الى مجرد الفعل الصادر جوازا و عدما، ثم

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 347

قال عليه السّلام: أن ما يعمل المؤمن على خلاف ما يقتضيه ايمانه من العمل فهو جائز له إذا كان من باب التقية، فليس النظر الّا الى الجواز التكليفى و عدم حرمة ما فعله تقية بالحرمة التكليفية.

الخامسة: ما رواها سماعة

قال: (سألته عن رجل كان يصلى فخرج الامام و قد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان إماما عدلا فليصل اخرى فينصرف و يجعلهما تطوعا و ليدخل مع الامام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو، و يصلى ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول: اشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له و اشهد انّ محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع، فإن التقية واسعة و ليس شي ء من التقية الا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّه) «1».

وجه الاستدلال تجويز التقية و اطلاقها يقتضي جوازها حتى مع وجود المندوحة، بل للرواية خصوصية زائدة تدل على عدم اعتبار المندوحة.

و هي أن للرواية صورتين: صورة وجود إمام عدل و صورة عدم وجود امام عدل، فتدل أنه مع فرض وجود إمام عدل لا يعتبر المندوحة مسلّما فكذلك في صورة لم يكن امام عدل لبعد التفكيك بين الصورتين.

كما أنه لا مجال لان يقال أن غاية ما يستفاد من الرواية هو الوجوب التكليفى، و أما استفادة الجواز الوضعى الذي اثره صحة ما أتى به من الصلاة أو غيرها تقية فلا.

وجه عدم

المجال هو أن الظاهر كون الصورتين المذكورتين في الرواية

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 348

متحدتين في الحكم، فكما أن الجواز في الاولى الجواز الوضعى كذلك في الثانية.

كما أن المستفاد من العلة المذكورة في ذيلها و هي قوله عليه السّلام: (فإن التقية واسعة و ليس شي ء من التقية الا و صاحبها مأجور إن شاء اللّه) هو عدم اختصاص تجويز التقية و تشريعها بباب الصلاة، فيستفاد منها تعميم الحكم لغير باب الصلاة أيضا.

أقول: الرواية مضمرة و إن كان سماعة كما يعدّه بعض ارباب الرجال من الموثقين و إن كان كلام في كونه اثنى عشريا أو واقفيا، و مع اضمارها لا يمكن التعويل عليها.

و أما من حيث الدلالة فالظاهر أن الامام عليه السّلام علمه طريقا يحفظ به الواقع في ضمن التقية، فجواز البدار يكون لاجل امكان حفظ الواقع بالتستر عنهم، فالرواية لا تدل على جواز العمل تقية حتى فى صورة امكان حفظ الواقع بالتستر عنهم كما لا تدلّ على جواز البدار حتى مع وجود المندوحة بتأخير العمل الى وقت آخر الّذي هو محل كلامنا، لانه مع خروج الامام الغير العادل لا يمكن له تأخير الصلاة فلا مندوحة له.

السادسة: ما رواها أبو الصباح

قال: (و اللّه لقد قال لى جعفر بن محمد عليهما السّلام: إن اللّه علّم نبيه التنزيل و التأويل فعلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، عليّا عليه السّلام قال: و علّمنا و اللّه ثم قال: ما صنعتم من شي ء او حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم في سعة) «1».

وجه الدلالة أن مفادها كون الشيعة في سعة مما يصنعون أو يحلفون عليه

في التقية، و اطلاقها يقتضي كونهم في السعة سواء كانت مندوحة في البين أم لا.

و اورد على الرواية بأن الضيق الحاصل للشخص، تارة يكون لنفس الفعل

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب الايمان من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 349

الصادر عنه مثل أن يحلف بالطلاق أو العتاق، فنفس هذا الفعل يجعل المكلف في الضيق من جهة كون اثر الفعل وجوب الطلاق أو العتاق.

و تارة يكون الضيق الحاصل للشخص من جهة امر اللّه تعالى أو نهيه، مثلا إذا تكفف في الصلاة فبطلان الصلاة و اثره وجوب الاعادة أو القضاء ليس اثر هذا الفعل اعنى التكفف، بل يكون اثر الأمر المتعلق بالصلاة بلا تكفف.

اذا عرفت ذلك يقال: بأن ما يدل عليه الرواية من السعة في مقام التقية و عدم الضيق هو السعة عن الضيق الحاصل من نفس الفعل كاليمين فإن الضيق يحصل من نفس الحلف فقال عليه السّلام: إذا كان هذا الفعل- مثلا اليمين- صادرا للتقية فانتم منه في سعة، و لا تشمل الرواية الضيق الحاصل من قبل أمر المولى لان موردها الصورة الاولى لا الثانية، فتدل على جواز التقية فيما كان الضيق حاصلا من فعل المكلف، و كونه في السعة إذا كان حصول هذا الضيق بفعله للتقية.

و فيه أنه عليه السّلام قال على ما في الرواية (ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة) و مفاد هذه الفقرة هو السعة فيما يصنع تقية، بمعنى انه لو لا التقية كلّ ما كان مترتبا على الفعل من الأثر اعادة أو قضاء أو كفارة أو الزاما بفعل آخر، فلا يترتب هذا الأثر إذا كان ما صنع

لاجل التقية.

فيقال: إذا اتى بالوضوء مثلا و غسل رجليه مكان المسح، كان الوضوء باطلا و يجب اعادة الوضوء أو لو حلف بالعتاق كان الواجب عليه العتق لو لم يكن تقية في البين.

ففي صورة اتيان الوضوء مع غسل الرجلين مكان المسح أو حلفه بالعتاق تقية يكون في السعة من حيث الأثر و لا يقع في ضيق الحاصل مما صنع تقية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 350

و على كل حاله يكون الضيق الحاصل في كل من الموردين الذين فرضهما و إن قال بشمول الرواية للمورد الأول فقط لا الثاني، من ناحية امر المولى لان امر المولى بوجوب الوضوء بالنحو الذي يكون الواجب مسح الرجلين لا غسلهما، أو وجوب العتق مع الحلف به يوجب الضيق، و تدل الرواية على كون التقية سببا للسعة من هذا الضيق فلا يرد الايراد، فهذه الرواية تدل على جواز البدار حتى مع وجود المندوحة بالإطلاق، و اما شمولها لصورة يمكن حفظ الواقع بالتستر عنهم في هذا الوقت، فهو كلام آخر و ربما يدل اطلاقها على السعة فى التقية حتى فى صورة امكان التستر عنهم و فعل الواقع كما هو.

السابعة: ما رواها الاعمش عن جعفر بن محمد عليه السّلام

في حديث شرايع الدين قال: (و لا يحلّ قتل احد من الكفار و النصاب في التقية الا قاتل أو ساع في فساد و ذلك اذا لم تخف على نفسك و لا على اصحابك، و استعمال التقية في دار التقية واجب و لا حنث و لا كفارة على من حلف تقية يدفع بذلك ظلما عن نفسه) «1».

و الظاهر أن اطلاقها يشمل صورة وجود المندوحة.

الثامنة: ما رواها العياشى في تفسيره عن صفوان

قال: (سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: فاغسلوا وجوهكم و ايديكم من المرافق و ارجلكم الى الكعبين فقال عليه السّلام: قد سئل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن ذلك، فقال:

سيكفيك أو كفتك سورة المائدة يعنى المسح على الرأس و الرجلين. قلت: فإنه قال:

اغسلوا ايديكم الى المرافق فكيف الغسل؟ قال: هكذا، أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبّه في اليسرى ثم يفضه على المرفق ثم يمسح الى الكف. قلت له: مرة واحدة؟

فقال. كان ذلك يفعل مرتين قلت: يردّ الشعر؟ قال: إذا كان عنده آخر فعل

______________________________

(1) الرواية 41 من الباب 24 من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 351

و الا فلا) «1».

و اطلاقها يقتضي جواز البدار، و لكن يشكل فيها بضعف السند.

و أما ما قال في المستمسك من أنه على تقدير الاغماض عن ضعف السند فهو وارد فى مورد خاص و لا يمكن التعدى الى غير مورده.

ففيه انه نعلم بعدم خصوصية للمورد من حيث التقية.

التاسعة: ما رواها ابو الورد،

ذكرناها فى طى المسألة 33، ففيها قال عليه السّلام بعد عدم تجويزه المسح على الخفين: (فقلت فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا الا من عدّو تتقيه او ثلج تخاف على رجليك) «2».

العاشرة: ما رواها داود بن زربى

قال: (سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوضوء فقال لى: توضأ ثلاثا ثلاثا قال: ثم قال لى: أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم؟ قلت:

بلى قال: فكنت يوما أتوضأ في دار المهدى فرآني بعضهم و انا لا اعلم به. فقال: كذب من زعم انك فلانى و انت تتوضأ هذا الوضوء، قال: فقلت: لهذا و الا لا امرنى) «3».

و الظاهر ان موردها عدم وجود المندوحة كما يستفاد من الرواية العاشرة، لانه معرض لرؤية المخالف فى كل حال فلا اطلاق لها يشمل صورة وجود المندوحة.

الحادي عشر: ما رواها داود الرقى

قال (دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: جعلت فداك، كم عدة الطهارة؟ فقال: ما اوجبه اللّه فواحدة، و اضاف إليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم واحدة لضعف الناس، و من توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له. قال:

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 18 من ابواب الوضوء من المستدرك.

(2) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 32 من ابواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 352

كنت كاد انا معه في ذا حتى جاءه داود بن ذربى فسأله عن عدة الطهارة؟ فقال له:

ثلاثا ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له. قال: فارتعدت فرائصى و كاد ان يدخلنى الشيطان فأبصر أبو عبد اللّه عليه السّلام إليّ و قد تغيّر لونى، فقال: اسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الاعناق. قال: فخرجنا من عنده و كان ابن ذربى الى جوار بستان أبي جعفر المنصور، و كان قد القى الى أبي جعفر امر داود بن ذربى و انه رافضى يختلف الى جعفر بن محمد، فقال أبو جعفر المنصور

انى مطلع على طهارته فإن هو توضأ وضوء جعفر بن محمد فإنى لاعرف طهارته حققت عليه القول و قتلته، فاطلع داود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه، فاسبغ داود بن ذربى الوضوء ثلاثا ثلاثا كما امره أبو عبد اللّه عليه السّلام، فما تم وضوئه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه. قال:

فقال: داود لما أن دخلت عليه رحب بى، و قال يا داود قيل فيك شي ء باطل، و ما انت كذلك، قد اطلعت على طهارتك و ليس طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلنى في حل و امر له بمائة الف درهم. قال فقال: داود الرقى: التقيت انا و داود بن ذربى عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقاله داود: جعلت فداك، حقنت دماؤنا في دار الدنيا و نرجوا أن ندخل بيمنك و بركتك الجنة. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فعل اللّه ذلك بك و باخوانك من جميع المؤمنين. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام لداود بن ذربى: حدث داود الرقى بما مر عليكم حتى تسكن روعته. قال: فحدثته بالامر كله قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لهذا أفتيته لأنّه كان اشرف على القتل من يد هذا العدو، ثم قال: يا داود بن ذربى توضأ مثنى مثنى و لا تزدن عليه و انك إن زدت عليه فلا صلاة لك) «1»

و هذه الرواية مثل التاسعة من حيث عدم اطلاق لها يشمل صورة وجود المندوحة.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 353

الثانية عشر: ما رواها محمد بن الفضل

(أن علي بن يقطين كتب الى أبي الحسن موسى عليه السّلام يسأله عن الوضوء، فكتب إليه أبو الحسن عليه السّلام: فهمت ما ذكرت من

الاختلاف في الوضوء، و الذي امرك به في ذلك أن تتمضمض و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلاثا و تمسح رأسك كله و تمسح ظاهر اذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا، و لا تخالف ذلك الى غيره. فلما وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب بما رسم له ابو الحسن عليه السّلام فيه مما جميع العصابة على خلافه، ثم قال مولاى اعلم بما قال و أنا امتثل امره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لامر أبي الحسن عليه السّلام، و سعى بعلى بن يقطين الى الرشيد و قيل أنه رافضى، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر الى وضوئه ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم انك من الرافضة، و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السّلام ابتداء: من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما امرك اللّه تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة و اخرى اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك و السلام) «1» و هذه الرواية في عدم الاطلاق بالنسبة الى صورة وجود المندوحة مثل التاسعة و العاشرة.

أقول: هذه الروايات الثلاثة (اعنى التاسعة و العاشرة و الحادية عشر) فلها الاطلاق من حيث جواز البدار لعدم تقييد الأخذ بالتقية في آخر الوقت.

الا أن يقال: بأن الامام عليه السّلام يعلم بكونهم معرضا للتقية في جميع الوقت، لكون البناء على المواظبة منهم و كيفية عملهم، كما يستفاد من مفاد الروايات، فلا

يمكن

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 32 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 354

الأخذ بإطلاقها على جواز البدار.

الثالثة عشر: بعض الأخبار الواردة على الحث و الترغيب على الصلاة مع المخالفين.

مثل ما رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنه قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الصف الأول «1».

و مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان قال: (سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: اوصيكم بتقوى اللّه عز و جل و لا تحللوا الناس على اكنافكم فتذلوا، ان اللّه تبارك و تعالى يقول فى كتابه: وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً، ثم قال: عيدوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم و اشهدوا لهم و عليهم و صلوا معهم فى مساجدهم الحديث) «2».

و مثل ما رواها زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (انه قال: يا زيد خالقوا الناس باخلاقهم و صلوا فى مساجدهم و عيدوا مرضاهم و اشهدوا جنائزهم و ان استطعتم ان تكونوا الائمة و المؤذنين فافعلوا، فانكم ان فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية رحم اللّه جعفرا ما كان احسن ما يؤدب اصحابه، و إذا تركتم ذلك قالوا:

هؤلاء الجعفرية فعل اللّه بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب اصحابه). «3»

(و غير ذلك راجع الباب 5 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل و غير هذا الباب).

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 354

و هذه الروايات و امثالها تدل على وجوب الحضور في جماعتهم للمصالح المنظورة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة من

الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 5 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 75 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 355

و هل تدل على اجزاء الصلاة الواقعة تقية؟ و هل كانت في مقام بيان ذلك؟

و على فرض كونها في مقام ذلك، هل تدل على وجوب ذلك حتى مع إمكان الصلاة و العبادة الأخرى على غير وجه التقية في محل آخر او لا؟ و هل تدل على اجزاء العمل و إن تمكن من العمل بما هو الواقع بالتستر عنهم أو لا؟ محل تأمل فلا يمكن التمسك لمحل الكلام بها.

هذا كله في التكلم فى مفاد بعض الروايات المتمسكة بها على محل الكلام.

و قد ظهر لك أن الرواية الأولى و الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة و التاسعة و العاشرة و الحادية عشر و الثانية عشر لا اطلاق لها من حيث وجود المندوحة، فلا يستفاد منها جواز البدار حتى في صورة لو اخّر عمله يمكن له حفظ الواقع و هو الذي مورد كلامنا في هذه الجهة.

و أما الرواية السادسة و السابعة و الثامنة و التاسعة، فمقتضى اطلاقها جواز البدار حتى مع وجود المندوحة بالتأخير و حفظ الواقع.

فتلحض من كل ذلك أن البدار في مورد التقية بالعمل تقية في قبال الصبر الى وقت آخر من الوقت الموظف للوضوء أو للصلاة مثلا و العمل بالواقع جائز و لا يجب الصبر بل يجوز العمل بما يقتضيه التقية.

ثم بعد ذلك ينبغى أن نتكلم في جهة اخرى و هي أنه مع عدم وجوب الصبر و جواز البدار إذا تمكن من التستر عنهم فى هذا الوقت و العمل بالواقع، يجب ذلك او

لا يجب؟ و بعد فرض عدم امكان التستر او عدم وجوبه لو تمكن في هذا الحال من حفظ الواقع عندهم و ارائتهم انه يعمل بنحو ما يعملون، هل يجب ذلك، او لا يجب ذلك؟ بل مرخص أن يعمل على طبق التقية، فنقول بعونه تعالى.

الجهة الثانية: إذا تمكن من العمل بالواقع بالتستر عنهم مع فرض عدم وجوب الصبر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 356

الى آخر الوقت و الالتزام بجواز البدار فهل يجوز البدار، و العمل بالتقية حتى مع تمكنه من حفظ الواقع بالتستر عنهم او لا يجب ذلك؟

أقول: ما بينا من الروايات الدالة بإطلاقها على الجهة الاولى تدل بإطلاقها على عدم وجوب التستر، كما أن بعض الأخبار التى ذكرناها في الجهة السابقة الدالة على الترغيب و التحريص على الحضور في جماعاتهم، و ذكر الفضيلة لذلك، و هي ما جعلناها الثالثة عشر من الأخبار، يدلّ على مبغوضية التستر عنهم و عدم ملازمة جماعاتهم، و بعد مبغوضية التستر فكيف يمكن الالتزام بوجوبه و حفظ الواقع به، فعلى هذا يقال بعدم وجوب التستر و الاكتفاء بما يقتضيه التقية.

نعم هنا بعض الأخبار ربّما يستدل بها على وجوب التستر و حفظ الواقع به مهما امكن، و لا يجوز المبادرة الى التقية مع امكان حفظ الواقع بالتستر.

منها ما رواها ابراهيم بن شيبة (قال: كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السّلام اسأله عن الصلاة خلف من يتولى امير المؤمنين عليه السّلام و هو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم المسح و هو يمسح، فكتب عليه السّلام: إن جامعك و إياهم موضع فلم تجد بدّا من الصلاة، فاذّن لنفسك و اقم إن سبقك الى القراءة فسبح «1».

وجه الاستدلال قوله عليه السّلام (فلم تجد بدّا من الصلاة) لان مفاده جواز الصلاة معهم

في صورة لا بدّ من الصلاة، فمن يكون متمكنا من التستر عنهم لا يكون لابدا من الصلاة.

و فيه، أولا أن الرواية ليست موثوقة الصدور لعدم معلومية وثاقة إبراهيم، و ثانيا أن القضية الشرطية و هي قوله عليه السّلام (ان جامعك و اياهم موضع فلم تجد بدا

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 33 من أبواب الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 357

من الصلاة فاذّن لنفسك و اقم) ليست لها مفهوم لانها في مقام تحقق الموضوع.

اذ إن لم تجامع و إياهم و يكون بدا من عدم الصلاة معهم فلا تؤذّن لنفسك و لا تقم، و هو مفهوم القضية على فرض كون المفهوم لها، فلا صلاة حتى يقول: لا تؤذن فيها لنفسك فلا مفهوم للقضية الشرطية.

منها ما رواها دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن على عليهما السلام (أنه قال: لا تصل خلف ناصب و لا كرامة الا أن تخافوا على انفسكم أن تشهروا و يشار إليكم فصلّوا في بيوتكم ثم صلوا معهم و اجعلوا صلاتكم معهم تطوعا) «1».

و منها ما روى عن الفقه الرضوى.

و هاتان الروايتان ضعيفة السند.

و منها ما رواها ابن اذينة عن اسماعيل الجعفى و معر بن يحيى بن سالم و محمد بن مسلم و زرارة (قالوا: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقه احله اللّه له) «2».

وجه الاستدلال أنه مع امكان التستر عنهم لا يصدق الاضطرار.

و فيه أن الاضطرار في باب التقية كما يستفاد من المراجع في أخبارها، هو الاضطرار العرفى، و هو حاصل مع كون الشخص معرضا لترتب آثار ترك التقية من بغضهم و عدواتهم و ايذائهم، و إن امكن

له التستر و حفظ الواقع.

إذا عرفت ذلك نقول: فالاقوى جواز البدار و العمل على طبق التقية و إن امكن حفظ الواقع بالتستر عنهم.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة من المستدرك.

(2) الرواية 1 من الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 358

الجهة الثالثة: بعد فرض جواز البدار في مورد التقية و عدم وجوب الصبر و كذا عدم وجوب التستر،

فهل يجب مع الامكان حفظ الواقع عندهم باراءتهم انه يعمل على طبق مذهبهم، و الحال أنه يعمل على طبق وظيفته الواقعية، مثلا في حال غسل اليد في الوضوء يصب الماء من الكف الى المرفق المعبّر عنه في بعض الأخبار برد الشعر، لكن ينوى غسل اليد عند رجوع الماء من المرفق الى الكف، فيلتبس الأمر بهم و يحسبون انه يعمل على طبق مذهبهم، و الحال أنه يعمل على ما هو وظيفته واقعا و هو الغسل من المرفق الى اطراف الاصابع، او لا يجب ذلك بل يعمل عمل التقية و هو مجز عن الواقع؟

يستدل على وجوب ذلك مع الإمكان بالتفصى على وجه يقع العمل على طبق الواقع بروايات:

الاولى: ما رواها علي بن يقطين قال (سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يصلى خلف من لا يقتدى بصلاته و الامام يجهر بالقراءة، قال: اقرأ لنفسك و إن لم تسمع نفسك فلا بأس) «1».

الثانية: ما رواها إبراهيم بن شيبة نقلته في الجهة الثانية «2».

الثالثة: ما رواها احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السّلام قال: (قلت له:

انى ادخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلونى الى ما أن أؤذن و اقيم و لا اقرأ الا الحمد حتى يركع، أ يجزيني ذلك؟ قال: نعم، يجزيك الحمد وحدها) «3».

(و غير ذلك

من الأخبار، راجع الباب 33 من أبواب الجماعة من الوسائل.)

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 33 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 33 من أبواب الجماعة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 359

و وجه عدم الوجوب اطلاق بعض الأخبار المتقدمة في الجهة الأولى من هذا الحيث فإنه يمكن كثيرا بل غالبا التعمية و ارائة التقية فى العمل بالواقع كما في رد الشعر في غسل اليد، فإنه يمكن أن يصب الماء من الكف الى المرفق فيرائى انه يعمل على مذهبهم، و الحال أنه ينوى الغسل عند رجوع الماء من المرفق الى اطراف الاصابع، و مع هذا لم ينين وجوب هذه الحيلة كما في الرواية الثامنة من الروايات المتقدمة في الجهة الأولى.

فمع كون هذه الاطلاقات في مقام البيان تحمل الأخبار الواردة في القراءة خلف من لا يجوز الاقتداء به على الاستحباب.

أقول: لو لم نقل بذلك (اعنى: حمل هذه الأخبار على الاستحباب بقرينة الأخبار المتقدمة) فحيث إن كل هذه الأخبار الدالة على وجوب القراءة خلف من لا يقتدى به فلا بدّ من تقييد الاطلاقات بخصوص من تمكن عن القراءة حال التقية، و أما بالنسبة الى غير القراءة كالوضوء و الحلف و التكفف و نظائرها فالاطلاقات محكّم.

فعلى هذا نقول: الأحوط بل الاقوى مع التمكن من العمل بالواقع مع ارائة التقية في خصوص القراءة في جماعة العامة هو وجوب القراءة.

و أما في غيرها و إن كان الاقوى بالنظر عدم وجوب التعمية و لكن حيث يحتمل كون غير القراءة متحدا في الجهات المربوطة بالتقية مع القراءة فبعد وجوب ذلك في القراءة كان الواجب في

غير القراءة، نقول بأن الأحوط وجوب العمل بالواقع مع ارائة التقية مع الامكان.

تتمة: هل يجب بذل المال لرفع التقية مثل ساير الضرورات مثلا يعطى مبلغا بعسكرهم حتى يكون فى الفسحة عن اتيان الواقع و ترك التقية او لا يجب ذلك؟

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 360

أقول ان كان فى الضرورة العقلية، يجب بذل المال، لان الضرورة العقلية يندفع ببذل المال كما في ساير الضرورات ما عدا التقية.

و أما إذا كانت الضرورة الموجبة لرفع الحكم ضرورة عرفية كما في مورد التقية فهي حاصلة حتى فيما يتمكن من دفعها ببذل المال فلا يجب بذل المال، فالحق عدم وجوب بذل المال لرفع التقية و وجوبه لسائر الضرورات كما قال المؤلف رحمه اللّه.

نعم الاحتياط ببذله حسن لكون الاحتياط حسن في كل حال.

***

[مسئلة 36: لو ترك التقية في مقام وجوبها]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 36: لو ترك التقية في مقام وجوبها و مسح على البشرة ففي صحة الوضوء اشكال.

(1)

أقول: ما يمكن أن يستدل به على فساد الوضوء في مفروض المسألة أمور:

الأمر الأوّل: انه لو عمل بما هو الواقع في مقام يجب التقية فيه

يكون المأتى به غير المأمور به، لأنّه بعد وجوب المسح على الخفين مثلا في مورد التقية، فالوضوء الواجب المأمور به هو الوضوء المقيد بكون مسحه على الخفين، و لا يكون المأمور به الوضوء المقيّد بالمسح على البشرة، فمن مسح على البشرة في مورد التقية فالمأتي به لم يكن بمأمور به فلا يكون مجزيا.

و قد استشكل عليه بأن ما تقتضى ادلة التقية هو وجوب الفعل موافقا لها، مثلا في المسح على الخف يجب عند الوضوء المسح عليه و أما كون المسح بالخف جزء للوضوء فغير معلوم بل معلوم العدم، كما أنه لا دليل على سقوط جزئية المسح على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 361

البشرة، غاية الأمر لا يتمكن المكلف من اتيانه فهو معذور، و بعد كون الواقع باق بحاله حتى في حال التقية فالاتيان به يكون الاتيان بالمأمور به فيصير الماتى به موافقا للمأمور به، فلا إشكال.

الأمر الثاني: أن الأمر بالتقية كالأمر بمسح الخفين مثلا مع التقية يوجب النهى عن المسح على البشرة،

فيكون المسح منهيا عنه و النهى عنه يوجب فساده لان النهى عن العبادة يقتضي الفساد.

و فيه أوّلا، أن المسح على البشرة لا يكون ضدا لما يجب حال التقية مثلا المسح على الخفين او غسل الرجلين لامكان اجتماعهما.

و ثانيا، ان الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده.

الأمر الثالث: أن الأمر بالتقية كما يقتضي وجوب اتيان الفعل موافقا للتقية كذلك يقتضي حرمة ما لا يحرم

لو لا التقية، مثلا كما يقتضي وجوب المسح على الخفين يقتضي حرمة مسح البشرة، فالعمل على غير وجه التقية حال التقية يكون بنفسه محرما و منهيا عنه لا من جهة أن الأمر بالشي ء يقتضي النهى عن ضده، و بعد كونه محرما لا يكون قابلا لان يتقرب به فيفسد و يبطل العمل.

و فيه أن الفعل الصادر تقية تارة كما يوجب فعل غير المأمور به كذلك يوجب ترك المأمور به، مثلا كما توجب التقية المسح على الخف توجب ترك المسح على البشرة، ففي هذه الصورة يصح أن يقال بأن التقية كما أوجبت وجوب المسح على الخف أوجبت حرمة المسح على البشرة، فيكون المسح على البشرة منهيا عنه فلا يكون مقربا و يوجب اتيانه الفساد.

و تارة لا توجب التقية الا وجوب فعل لولاها كان محرّما و لا يوجب حرمة فعل لولاها كان واجبا مثلا في التكفف فالتقية تحصل بفعل المحرم و هو التكفف فقط

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 362

و ليس شي ء في قباله يوجب حرمته فيقال بفساد العبادة لاجل فعل المحرم لعدم فعله محرما فى عبادته حتى يوجب فساد العبادة، و أما الصلاة بلا تكفف فلا يكون محرمة فلا وجه لفساد العبادة (هذا ما قاله العلامة الآملى رحمهم اللّه في شرحه على العروة).

أقول يمكن أن يقال أنه لو استفدنا من ادلة التقية امرين:

الأول: وجوب الموافقة معهم.

الثاني: حرمة

العمل على خلافهم.

فيمكن أن يقال في الفرض الثانى بحرمة الصلاة بلا تكفف كما يجب الصلاة مع التكفف، و الظاهر كذلك لان الخوف يكون على ترك موافقتهم و اتيان ما يخالفهم فكما يجب تقية الصلاة مع التكفف يحرم الصلاة بلا تكفف فلا فرق بين الصورتين.

و على هذا نقول بأن الاقوى عدم صحة الوضوء.

نعم فيما كانت التقية مستحبا و لم تكن واجبا يصح الوضوء.

***

[مسئلة 37: إذا علم لو اخّر الوضوء يضطر الى المسح على الحائل]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 37: إذا علم بعد دخول الوقت أنه لو اخّر الوضوء و الصلاة يضطر الى المسح على الحائل، فالظاهر وجوب المبادرة إليه في غير ضرورة التقية، و إن كان متوضئا و علم انه لو ابطله يضطر الى المسح على الحائل لا يجوز له الابطال.

و إن كان ذلك قبل دخول الوقت فوجوب المبادرة أو حرمة الابطال غير معلوم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 363

و أما إذا كان الاضطرار بسبب التقية فالظاهر عدم وجوب المبادرة و كذا يجوز الابطال، و إن كان بعد دخول الوقت لما مر من الوسعة في أمر التقية، لكن الأولى و الأحوط فيها أيضا المبادرة أو عدم الابطال.

(1)

أقول: للمسألة صورتان:

الصورة الاولى: فيمن يضطر الى الوضوء بالمسح على الحائل
اشارة

في غير مورد التقية مثل البرد و غيره فالكلام فيها في موارد:

المورد الأوّل: من يعلم بعد دخول الوقت أنه لو اخر الوضوء و الصلاة يضطر الى المسح على الحائل،

فهل يجب عليه المبادرة الى الوضوء او لا يجب ذلك؟

لا يبعد وجوب المبادرة عقلا، لأنّه بعد كون وجوب ما له الملاك التام بعد دخول الوقت فعليا و تأخيره يوجب تفويت الواجب و تفويته حرام، فيجب على المكلف المبادرة بفعله.

إن قلت: إنه بعد كون الواجب مع الاضطرار هو الوضوء مع المسح على الحائل، فلو اخّر عن اوّل الوقت فياتى بما هو فرد الواجب كالفرد الكامل، ففي الحقيقة لطبيعة الوضوء الواجب فردان، فإن اتى حال الاختيار يأتى بفرد من الطبيعة، و إن اتى حال الاضطرار يأتى أيضا بفرد من الطبيعة، فلا يفوت الواجب.

قلت: بعد كون الفرد الاختيارى تمام الملاك و ليس هذا الملاك موجودا في الفرد الاضطرارى، فتفويت الملاك التام مع فرض كن وجوبه فعليا حرام عقلا.

و هذا لا ينافى مع أنه لو عصى و اخر صح وضوئه الاضطرارى، لأنّه لا يجوز

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 364

تفويت الفرد الاختيارى.

المورد الثاني: لو دخل الوقت و كان متوضئا يعلم أنه لو ابطله يضطر الى المسح على الحائل

و اضطراره غير التقية، فهل يجوز ابطال الوضوء أم لا؟

لا يبعد عدم الجواز لعين ما بينا في المورد الأوّل.

المورد الثالث: ما إذا كان قبل دخول الوقت

و يعلم أنه لو اخّر وضوئه و لم يتوضأ يضطر في الوقت بالوضوء مع المسح على الحائل لضرورة غير التقية، فهل يجب الوضوء او لا؟ او كان متوضئا قبل الوقت و يعلم انه لو ابطل وضوئه يضطر لغير ضرورة التقية الى الوضوء مع المسح على الحائل، فهل يجوز ابطال الوضوء أم لا؟

و الاقوى عدم وجوب الوضوء فيما لم يتوضأ بعد، و جواز بطال الوضوء فيما كان متوضئا، لأنّه بعد كون الوقت دخيلا في صيرورة الصلاة ذات الملاك فقبل الوقت لا يكون الملاك موجودا حتى يجب حفظه بحكم العقل حتى لو شككنا في أن الوقت دخيل في اثبات اصل الملاك للصلاة مع الطهارة، أو دخيل في تحصيل الملاك للمكلف بمعنى كون الصلاة مع الطهارة قبل الوقت يكون ذات الملاك، لكن المكلف عاجز عن تحصيل هذا الملاك قبل الوقت، فالعقل لا يحكم بحفظ الملاك بالوضوء لو لم يكن متوضئا و بعدم جواز ابطاله لو كان مع الوضوء.

الصورة الثانية: فى من يعلم باضطراره بالوضوء مع المسح على الحائل للتقية،

و الكلام فيها مثل الصورة الاولى في موارد.

و لكن في كل الموارد الثلاثة إذا كان الاضطرار لاجل التقية، لا يجب المبادرة بعد دخول الوقت و إن علم باضطراره بالمسح على الحائل في آخر الوقت، كما أنه يجوز ابطال وضوئه و إن علم باضطراره بعده بالوضوء مع المسح على الحائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 365

كما أنه قبل الوقت يجوز ابطال وضوئه لو كان متوضئا.

و كما أنه لا يجب المبادرة بالوضوء و إن علم باضطراره بعد الوقت بالمسح على الحائل للتقية.

لان الأمر في التقية واسعة لاطلاق ادلتها كما بنيا في المسألة 35، و يستفاد من ادلتها كون العمل مع التقية وضوءا كان أو غيره واجد التمام ملاك العمل

على غير وجه التقية في محله، فلا يوجب تأخير الوضوء أو ابطاله تفويتا لمصلحة، فالفرد من طبيعة المأمور به حال التقية في عرض فرد الطبيعة المامور به فى غير حال التقية.

***

[مسئلة 38: لا فرق في جواز المسح على الحائل بين وضوء الواجب و المندوب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 38: لا فرق في جواز المسح على الحائل في حال الضرورة بين وضوء الواجب و المندوب.

(1)

أقول: إن كان الدليل على كفاية المسح على الحائل ادلة نفى الحرج أو الضرر فيمكن أن يقال بالفرق بين وضوء الواجب و المستحب، لأنّه في الوضوء المستحب لا حرج و لا ضرر فيه كى يرفع بادلتهما لقدرته على ترك المستحب.

و لكن بعد عدم كون الدليل منحصرا به، بل قد دل عليه ما رواها أبو الورد ذكرناها في طى المسألة 33 فاطلاقها يشمل الوضوء المستحب كالواجب فلا فرق بين وضوء الواجب و المستحب.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 366

[مسئلة 39: إذا اعتقد التقية فمسح على الحائل ثم بان انه لم يكن موضع تقية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 39: إذا اعتقد التقية أو تحقق احدى الضرورات الاخر فمسح على الحائل ثم بان انه لم يكن موضع تقية أو ضرورة ففي صحة وضوئه إشكال.

(1)

أقول: مبنى على أن الخوف أو الضرر الحاصل من التقية أو غيرها من الضرورات مأخوذ موضوعا أو مأخوذ طريقا الى واقعهما، فعلى الأوّل يصح الوضوء في مفروض المسألة و على الثاني لا يصح وضوئه.

أقول: أما في غير التقية فالمستفاد من رواية أبي الورد المتقدمة في المسألة 33 هو كون الخوف مأخوذا على نحو الموضوعية لأنّه قال فيها (فقلت: فهل فيها رخصة؟ فقال: لا الا من عدو تتقيه او ثلج تخاف على رجليك) فاذا اعتقد تحقق الضرر على الرجل فهو غير منفك من حصول الخوف له على ذلك، فاذا خاف و مسح على الحائل ثم انكشف عدم الضرورة واقعا يصح وضوئه، لان ما هو الموضوع لجواز المسح على الحائل هو الخوف.

و أما في التقية فمع فرض كون المسح على الحائل من جهة وجود عدو يتقيه، فهل يصح الوضوء لتحقق موضوعه،

و إن انكشف عدم كونه موضع التقية سواء كان منشأ انكشاف عدم كونه موضع التقية انكشاف عدم كون من يتقيه عدوا، او عدم كون مذهب العدو الذي يتقيه وجوب المسح على الحائل، او عدم ترتب الضرر على مخالفة العدو.

او لا يصح مطلقا، او التفصيل بين ما كان منشأ التقية اعتقاده كون من يتقيه عدوا فانكشف عدم كونه عدوا، و بين ما كان منشأها اعتقاد كون مذهبه المسح على الحائل فانكشف عدم كون مذهبه ذلك، و ما كان يعتقد ترتب الضرر على نفسه من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 367

ناحيته فانكشف عدم ترتبه.

الاقوى الثالث، لان موضوع التقية هو ما كان من يتقيه عدوا، كما صرح به في رواية أبي الورد (الا من عدو تتقيه) و أما صورة مفروغية كونه عدوا و اعتقاده كون مذهبه المسح على الخف و ترتب الضرر على مخالفته فهو يكفى في صحة الوضوء مع المسح على الخف و انكشاف خلافهما أو خلاف أحدهما، لأنّه بمجرد وجود (عدو تتقيه) كما في خبر أبي الورد أو (كان عنده آخر) كما في رواية العياشى المتقدمة في طى المسألة 35، يجوز بل يجب فعل التقية و الوضوء على طبق ما يتقى و يجزى عنه.

***

[مسئلة 40: إذا امكنت التقية بغسل الرجل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 40: إذا امكنت التقية بغسل الرجل فالاحوط تعينه و إن كان الاقوى جواز المسح على الحائل أيضا.

(1)

أقول: مع الدوران في مقام التقية بين غسل الرجل و بين المسح على الحائل، فقول بتعين الأوّل و هو ما ينسب الى المشهور بل الى الاصحاب كما عن بعضهم، و قول آخر و هو تخيير المكلف بينهما.

وجه تعين الغسل:

إما كون الغسل اقرب بما هو الواجب و هو مسح الرجل،

و كون المسح على الخف شيئا اجنبيا عن مسح الرجل، كما ينادى بذلك بعض الروايات:

مثل ما رواها الكلبى النسابة عن الصادق عليه السّلام في حديث قال: (قلت له: ما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 368

تقول في المسح على الخفين؟ فتبسّم ثم قال: إذا كان يوم القيامة ورد اللّه على كل شي ء الى شيئه ورد الجلد الى الغنم، فترى اصحاب المسح اين يذهب وضوئهم) «1».

و إما كون المورد من الدوران بين التعيين و التخيير، فلا بدّ من الأخذ بما يحتمل كونه معينا فلا بدّ من الأخذ بغسل الرجل.

و أما وجه التخيير فلان كلا من غسل الرجل و المسح على الخف موافق للتقية و مخالف للواجب الاولىّ و مقتضى اطلاق ادلة التقية جواز الاكتفاء بكل منهما لرفع محذور التقية، و مجرد اقربية أحدهما لا يوجب انصراف اطلاق ادلة التقية إليه.

أقول: أما كون غسل البشرة اقرب إلى المسح على البشرة عرفا من المسح على الخف فظاهر، و أما كون هذه الاقربية موجبا لانصراف اطلاق الادلة بالغسل و تقدمة على المسح فغير معلوم.

نعم، بعد هذه الاقربية و كون الأمر من الدوران بين التعيين و التخيير، فالاحوط وجوبا تعين الغسل.

***

[مسئلة 41: إذا زال السبب المسوغ للمسح على الحائل]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 41: إذا زال السبب المسوغ للمسح على الحائل من تقية أو ضرورة فإن كان بعد الوضوء فالاقوى عدم وجوب اعادته و إن كان قبل الصلاة الا إذا كانت بلة اليد باقية

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 38 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 369

فيجب اعادة المسح، و إن كان في اثناء الوضوء فالاقوى الاعادة إذا لم تبق البلة.

(1)

أقول: الضابط في فهم حكم المسألة هو أنه في كل

ضرورة قلنا باعتبار عدم وجود المندوحة في صحة التكليف الاضطرارى، و عدم جواز البدار مع علمه بزوال عذره، فلا بدّ أن نقول ببطلان الوضوء بعد رفع الضرورة و وجوب اعادته لما يجب له فأنه بعد زوال السبب المسوغ له ينكشف بطلان الوضوء و عدم كون وضوئه صحيحا من اوّل الأمر.

و أما في كل ضرورة لا يعتبر في صحة التكليف الاضطرارى وجود المندوحة و يجوز البدار فيه حتى مع علمه بزوال عذره، فيصح الوضوء، و لا يجب اعادته حتى بعد زوال الاضطرار.

فعلى هذا لا بدّ من التفصيل بين الضرورات، فإن كانت الضرورة التقية فحيث لا يعتبر فيها وجود المندوحة- و لذا قلنا بعدم وجوب الصبر حتى مع العلم بارتفاع التقية بالتأخير، و كذلك قلنا في المسألة 37 بأنه مع علمه بأنه لو اخر الوضوء يضطر الى المسح على الخف يجوز التأخير في التقية- فلو توضأ وضوء التقية ثم ارتفع العذر لا يجب اعادة الوضوء.

و أما إن كانت الضرورة غير التقية فحيث قلنا بعدم جواز البدار فيها مع علمه برفع اضطراره و أن المعتبر عدم المندوحة فيها، و أنه لو يعلم بانّه لو اخر الوضوء يصير مبتلى بالمسح على الحائل يجب المبادرة الى الوضوء.

فنقول في المقام بوجوب اعادة وضوئه لانكشاف عدم كون وضوئه هو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 370

المأمور به.

و أما لو كان في اثناء الوضوء و امكن المسح على البشرة لزوال العذر، يجب في كل من الضرورات، لأنّه في الحال مأمور بالمسح على البشرة، نعم لو لم تبق البلة لا فى كفه و لا فى المواضع الاخر يمكن اخذ البلة منها حال الاضطرار بالتفصيل المتقدم في محله، و قد مسح على

الحائل، فلا يجب اعادة الوضوء في التقية، و يجب اعادته في غيرها من الضرورات.

***

[مسئلة 42: إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 42: إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه ففي صحة وضوئه اشكال و إن كانت التقية ترتفع به، كما إذا كان مذهبه وجوب المسح على الحائل دون غسل الرجلين فغسلهما أو بالعكس.

كما أنه لو ترك المسح و الغسل بالمرة يبطل وضوئه و إن ارتفعت التقية به أيضا.

(1)

أقول: يقع الكلام في موردين:

المورد الأوّل: ما إذا عمل في مقام التقية بخلاف مذهب من يتقيه

و ترتفع به التقية فهل يصح وضوئه او لا، مثلا من يتقى عنه يكون مذهبه المسح على الخف و هو يغسل رجليه في مقام الوضوء و ارتفع به التقية، فهل يصح هذا الوضوء أو لا؟

وجه الصحة ان مقتضى ادلة التقية الترخيص في ترك الواقع أو وجوبه فيما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 371

يجب التقية، فوضوؤه الواقع بلا مسح الرجل يقع صحيحا لان ترك المسح يكون لاجل التقية.

وجه الفساد أن مقتضى ادلة التقية وجوب العمل على طبق مذهب من يتقى عنه، فمجرد ترك الواقع غير كاف في العمل بدليل التقية و معذوريته.

أقول: إن كان ما يعمل و يرفع به التقية كان من باب أن عمله مطابق مع بعض مذاهبهم و يرفع به التقية كما يرفع بالعمل على طبق مذهب من يتقى عنه، فيكون عمله موافقا للتقية و إن لم يكن موافقا لمذهب من يتقى عنه، فهو بدل عن الفرد الواقعى، و اما لو كان عمله على خلاف مذهب من يتقى عنه مما لا يرفع به التقية و لا يتقى بضرره من فعله فهو خارج عن محل الكلام، لان محل الكلام مورد يرتفع التقية بعمله الا أن يدعى أن الظاهر بل المنصرف إليه من الادلة هو الاجزاء فيما كان عمله على طبق مذهب من يتقى عنه لا

غيره، فالأحوط اعادة الوضوء.

المورد الثاني: ما اذا ترك المسح و الغسل بالمرة

فلا يأتى لا بالوضوء الواقعى الاولىّ و لا بالوضوء الواقعى الثانوى و لكن مع ذلك يرتفع به التقية، فالظاهر عدم صحة وضوئه، لان المتيقن من الاجزاء في مورد التقية ما ترك الفرد الواقعى و يأتى بالفرد الاضطرارى و أما مع ترك كل منهما فلا دليل على صحة الوضوء و إن ارتفع به التقية.

***

[مسئلة 43: يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 43: يجوز في كل من الغسلات أن يصب على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة، فالمناط في تعدد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 372

الغسل المستحب ثانيه الحرام ثالثه ليس تعدد الصب بل تعدّد الغسل مع القصد.

(1)

أقول: بعد ما كانت العبرة في الغسل المعتبر في الوضوء الغسل، فتحققه في الخارج محتاج الى القصد، ففي كل صب قصد الغسل يعدّ غسلا، و في كل صب لا يقصد الغسل لا يكون غسلا، فاذا قصد الغسل و صب الماء يصدق الغسل مرة، و إذا قصد الغسل ثانيا و صب الماء يصدق الغسل الثانى، و هكذا فبناء عليه مجرد صبّ الماء على البشرة لا يعد غسلا الا بقصده و كذا تعدد الغسل، فلو صب عشر مرات بقصد غسلة واحدة فهي غسلة واحدة، فالميزان في حصول الغسلة الاولى الواجبة و الغسلة الثانية المستحبة و الغسلة الثالثة المحرمة هو قصد الغسل في كل منها لا مجرد تعدد صب الماء على البشرة.

***

[مسئلة 44: يجب الابتداء في الغسل بالاعلى لكن لا يجب الصب على الاعلى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 44: يجب الابتداء في الغسل بالاعلى لكن لا يجب الصب على الاعلى، فلو صب على الاسفل و غسل على الاعلى باعانة اليد صحّ.

(2)

أقول: وجهه أن الترتيب المعتبر يكون في الغسل لا في الصب الذي هو مقدمة الغسل.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 373

[مسئلة 45: الاسراف في ماء الوضوء مكروه]

اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 45: الاسراف في ماء الوضوء مكروه لكن الاسباغ مستحب، و قد مر انه يستحب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ و، الظاهر ان ذلك لتمام ما يصرف فيه من افعاله و مقدماته من المضمضة و الاستنشاق و غسل اليدين.

(1)

أقول في المسألة مسائل:

الاولى: يكره الاسراف في ماء الوضوء.

يدل عليه ما رواها حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: أن اللّه ملكا يكتب سرف الوضوء كما يكتب عدوانه) «1».

الثانية: في استحباب اسباغ الوضوء.

يدل عليه ما رواها انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلى عليه السّلام (قال: يا على ثلث درجات اسباغ الوضوء في السبرات الخ) «2».

و ما رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السّلام قال: (قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من اسبغ وضوئه و احسن صلاته و ادى زكاة ماله و كف غضبه و سبّح لسانه و استغفر لذنبه و ادّى النصيحة لاهل بيت نبيه، فقد استكمل حقايق الايمان و ابواب الجنان مفتحة) «3» (و غير ذلك راجع الباب 54 من أبواب الوضوء من الوسائل).

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 52 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 54 من أبواب الوضوء من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 54 من أبواب الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 374

الثالثة: استحباب أن يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ.

قد مضى الكلام فيه و في دليله عند ذكر تعرض المؤلف رحمه اللّه لبعض مستحبات الوضوء و هو اوّل ما ذكره من المستحبات.

و أما كون مقدار المد لتمام ما يصرف في الوضوء من افعاله و مقدماته فلم نجد رواية مصرحة به، و ما يمكن أن يكون وجهه هو انه بعد استحباب هذا المقدار للوضوء فالظاهر كونه للوضوء الجامع لواجباته و مستحباته.

***

[مسئلة 46: يجوز الوضوء برمس الأعضاء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 46: يجوز الوضوء برمس الأعضاء كما مر، و يجوز برمس احدها و اتيان البقية على المتعارف، بل يجوز التبعيض في غسل عضو واحد مع مراعات الشروط المتقدمة من البدأة بالاعلى و عدم كون المسح بماء جديد و غيرهما.

(1)

أقول: قد مر بعض الكلام في المسألة 21 من المسائل المتعلقة بافعال الوضوء و قد بينا في وجهه أن المطلوب في الوضوء الغسل، فكما يحصل بصب الماء كذلك يحصل بالارتماس في الماء، و كما يجوز ارتماس تمام الوجه و اليدين، كذلك يجوز ارتماس بعضها بل يجوز ارتماس بعض واحد منها لتحقق الغسل به مع رعاية الشروط بالنحو المذكور في المسألة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 375

[مسئلة 47: يشكل وضوء الوسواسى إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 47: يشكل وضوء الوسواسى إذا زاد في غسل اليسرى من اليدين في الماء من جهة لزوم المسح بالماء الجديد في بعض الاوقات، بل إن قلنا بلزوم كون المسح ببلة الكف دون رطوبة ساير الاعضاء يجي ء الاشكال في مبالغته في إمرار اليد لأنّه يوجب مزج رطوبة الكف برطوبة الذراع.

(1)

أقول: إن قلنا بأن في المقدار الزائد يصدق الغسل الزائد و لو لم يكن بقصد الغسل الزائد، بل كان بقصد الغسل الأوّل فيلزم ان يكون المسح بالماء الجديد، فلا فرق بين الوسواسى و غير الوسواسى، الا أن يقال إن الوسواسى يفعل ذلك و ينتهى امره الى ذلك، و غير الوسواسى لا يفعل ذلك.

و لكن بعد ما قلنا و قال المؤلف رحمه اللّه من أن تعدد الغسل يحصل بالغسل فلا يكون الماء الزائد غير ماء الوضوء حتى يكون المسح بالماء الجديد، كما أن في المبالغة في إمرار اليد و انه و يوجب مزج رطوبة الكف برطوبة الذراع

إن قلنا باعتبار كون المسح ببلة الكف، لا فرق بين أن يفعل ذلك الشخص الوسواسى أو غيره الا من باب ما قلنا من أن غير الوسواسى لا يبالغ في الإمرار حتى ينتهى امره الى مزج رطوبة كفه برطوبة ذراعه.

و انما الكلام في أنه مجرد الازدياد في امرار اليد حتى فيما لا يأخذ ماء جديدا يصدق أنه الغسل الزائد فلا يكون نداوته نداوة الوضوء أو لا يصدق، بل فيما يأخذ الماء الجديد و لكن لا يقصد الغسل الآخر، بل يكون بقصد التتميم، هل يصدق كون الماء المأخذ، ماء جديدا فلا يكون نداوته نداوة الوضوء او لا؟

و لا يبعد الثاني الا من حيث المحظور الثاني و هو امتزاج نداوة الكف بنداوة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 376

الذراع فيما يوصل الماء من الذراع الى الكف، نعم تارة يصب ماء جديدا بعد تمامية الغسل من باب الوسواس و يصير سببا لكون المسح بالماء الجديد فالوضوء باطل في هذا الفرض.

***

[مسئلة 48: في غير الوسواسى إذا بلغ في إمرار يده على اليسرى]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 48: في غير الوسواسى إذا بلغ في إمرار يده على اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه غسل واحد، نعم بعد اليقين إذا صب عليها ماء خارجيا يشكل و إن كان الغرض منه زيادة اليقين لعدّه في العرف غسلة اخرى و إذا كان غسله لليسرى باجراء الماء من إلا بريق مثلا و زاد على مقدار الحاجة مع الاتصال لا يضر ما دام يعد غسلة واحدة.

(1)

أقول: غير الوسواسى إذا بلغ في إمرار يده على اليسرى لزيادة اليقين لا بأس به ما دام يصدق عليه غسل واحد.

و أمّا بعد اليقين إذا صب عليها ماء خارجيا يشكل و إن كان الغرض زيادة اليقين

لكون الماء بعد تحقق الغسل ماء جديدا فيوجب عدم كون المسح بنداوة ماء الوضوء.

و في كل من الفرضين لا فرق بين الغير الوسواسى و بين الوسواسى فصدق غسل واحد في الفرض الأوّل و عدم صدقه في الفرض الثاني.

و إذا كان غسله لليسرى باجراء الماء من الابريق مثلا و زاد على مقدار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 377

الحاجة مع الاتصال لا يضر ما دام يعدّ غسلة واحدة فلا يكون موجبا لعدم كون المسح بنداوة الوضوء.

***

[مسئلة 49: يكفى في مسح الرجلين المسح بواحدة من الاصابع]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 49: يكفى في مسح الرجلين المسح بواحدة من الاصابع الخمس الى الكعبين أيها كانت حتى الخنصر منها.

(1)

أقول: قد مر الكلام فيه في الرابع من افعال الوضوء و هو مسح الرجلين، و أنه يكفى المسمى، فعلى هذا يصدق المسمى حتى بالخنصر من الاصابع فكما قال المؤلف رحمه اللّه يكفى المسح بواحدة من الاصابع الخمس الى الكعبين أيها كانت حتى الخنصر منها.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 379

[الحمد و الثناء]

و الحمد للّه و الصلاة و السلام على رسوله و آله اللّهمّ عجل في فرج ولى العصر روحى فداه و أنا الاحقر اقل خدمة أهل العلم علي الصافى الكلبايكاني ابن العلامة المغفور له الشيخ محمّد جواد، اللّهم اغفر لنا و لآبائنا و أمّهاتنا و ذوى حقوقنا و للمؤمنين و المؤمنات وفّقنا لمّا تحب و ترضى إنّك على كل شي ء قدير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 381

الفهرس

فصل: في موجبات الوضوء و نواقضه 7

في ناقضيّة البول و الغائط 8

في الرّوايات الواردة في ناقضيّة البول و الغائط 9

لا اشكال في ناقضيّة البول و الغائط اذا خرجا عن الموضع الاصلى 10

في ما اذا كان خروج البول و الغائط من غير الموضع الاصلى 10

في التّفصيل بين ما اذا خرجا عن موضع المعتاد و غير المعتاد 11

في بيان ما يستفاد من الرّوايات المطلقة المذكورة في المقام 12

في عدم كون المراد من الاخبار المطلقة التّقييد بخصوص ما يخرج من السّبيلين 13

في عدم حصر النّاقض بما يخرج من السّبيلين 14

في الرّطوبات الخارجة غير البول و الغائط عن المخرجين 15

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 382

في عدم نقض الوضوء بخروج الدّود عن المخرج 15

من النّواقض الرّيح الخارج من مخرج الغائط 15

يعتبر كون الرّيح خارجا عن المعدة 16

في الرّوايات الواردة في ناقضيّة الرّيح الخارج عن المعدة 17

في عدم اعتبار الصّوت او وجدان الرّيح في ناقضيّته 18

في ناقضيّة النّوم الغالب على القلب و السّمع و البصر 19

في ناقضيّة النّوم، جالسا و قائما و ماشيا 19

في الرّوايات الواردة في ناقضيّة النّوم 20

النّوم

النّاقض هو الغالب على القلب و السّمع و البصر 21

في بيان ما يستفاد من الرّوايات الواردة في ناقضيّة النّوم 22

في ما اذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء 23

في ما قيل في الاخبار الواردة 24

كل ما يزيل العقل ينقض الوضوء 25

في وجوب الوضوء عند تحقّق الاغماء 26

وجه الاستدلال على ناقضيّة ما أزال العقل 27

الاستحاضة مطلقا تنقض الوضوء 28

في ما اذا شكّ في طروّ احد النّواقض 29

في ما اذا خرج ماء الاحتقان 29

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 383

في القيح الخارج من المخرج البول او الغائط 30

في استحباب الوضوء عقيب المذى و الودى 31

في استحباب الوضوء بالكذب و الظّلم و الاكثار من الشّعر الباطل 32

في استحباب الوضوء عقيب الرّعاف 33

في استحباب الوضوء عند التقبيل بشهوة 34

في استحباب الوضوء عقيب مسّ الفرج 35

في استحباب الوضوء عند نسيان الاستنجاء 36

في الاشكال و الايراد على استحباب الوضوء في بعض الموارد المذكورة 37

الاولى هو الاتيان بالوضوء برجاء المطلوبيّة 38

فصل: في غايات الوضوءات الواجبة و غير الواجبة 41

في وجوب الوضوء بالنّذر و العهد و اليمين 42

في بعض الاخبار الواردة في بعض غايات الوضوء 43

في ما يكون الوضوء شرطا في كماله 44

في جواز قراءة المصحف من غير وضوء 45

في كراهة الأكل عند الجنابة 46

في ان الوضوء رافع لكراهة الأكل عند الجنابة 47

في الوضوء الواجب بالنّذر 48

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 384

في الوضوء المستحب النّفسى 49

في الاستدلال على الوضوء المستحب النّفسى 50

في غايات الوضوء الواجب

51

في اعتبار الوضوء في سجدتى السّهو و عدمه 52

في وجوب الوضوء للطّواف الواجب 53

في ما يجب الوضوء بالنّذر 54

في وجوب الوضوء لمسّ كتابة القرآن 55

في ما اذا نذر ان يتوضّأ لكلّ صلاة 56

في وجوب الوضوء لسبب النّذر 57

في ان ينذر الوضوء للكون على الطّهارة 58

في اقسام اسباب النّذر الّذي يجب لها الوضوء 59

في حرمة مسّ كتابة القرآن على المحدث 60

في عدم الفرق بين المسّ ابتداء او استدامة 60

في حرمة المسّ الماحى للخطّ 61

في عدم الفرق بين انواع الخطوط 61

في عدم الفرق في القرآن بين الآية و الكلمة 62

في عدم الفرق بين ما كان في القرآن او في كتاب آخر 62

في حكم مسّ الكلمات المشتركة بين القرآن و غيرة 63

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 385

لا فرق في ما كتب عليه القرآن بين الكاغذ و اللوح و الارض 63

في ما اذا كتب القرآن على الكاغذ بلا مداد 64

في ما اذا كتب القرآن بما يظهر اثره بعد ذلك فالظّاهر هو حرمة المسّ 64

في عدم حرمة مسّ القرآن من وراء الشّيشة 65

في مسّ المسافة الخالية الّتي يحيط بها الحروف 65

في كتابة المحدث آية من القرآن بإصبعه، على الارض 66

في عدم وجوب منع الاطفال من المسّ 67

في عدم الحرمة على المحدث مسّ غير الخطّ 68

في انّ ترجمة القرآن ليست منه 69

في عدم جواز وضع الشّي ء النّجس على القرآن 70

في ما اذا كتبت آية من القرآن على شي ء مأكول لا يجوز للمحدث أكله 70

فصل: في الوضوءات المستحبّة 73

في انّ

الوضوء المستحبّ أقسام 73

في الوضوء المستحبّ في حال الحدث الاكبر 74

في الأمور الّتي يستحبّ لها الوضوء 74

في اقسام الوضوءات المستحبّة 75

في ما يستحبّ في حال الحدث الاصغر 76

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 386

في استحباب الوضوء للطّواف المستحبّ 77

في استحباب الوضوء للتهيّؤ للصّلاة 78

في استحباب الوضوء لدخول المساجد 80

في استحباب الوضوء لدخول المشاهد المشرّفة 81

في استحباب الوضوء لزيارة اهل القبور 82

في استحباب الوضوء لقراءة القرآن 82

في استحباب الوضوء لمسّ حواشى القرآن او حمله 84

في استحباب الوضوء للدّعاء و طلب الحاجة 85

في استحباب الوضوء لزيارة الأئمة عليهم السّلام 85

في استحباب الوضوء لسجدة الشّكر 86

في استحباب الوضوء للاذان و الاقامة 87

في استحباب الوضوء للدّخول ليلة الزفاف 88

في استحباب الوضوء لورود المسافر على اهله 89

في استحباب الوضوء للنّوم 89

في استحباب الوضوء لمقاربة الحامل 89

في استحباب الوضوء للقاضى لمجلس القضاء 89

في استحباب الوضوء للكون على الطّهارة 90

القسم الثانى: من اقسام الوضوءات المستحبّة 90

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 387

في استحباب الوضوء التجديدى 91

في استحباب الوضوء لذكر الحائض في مصلّاها 93

في اعتبار استحباب الوضوء لذكر اللّه تعالى 95

في استحباب الوضوء لنوم الجنب و أكله و شربه و جماعه 96

في استحباب الوضوء لتغسيل الجنب الميّت 98

في استحباب الوضوء لتكفين الميّت و دفنه 99

القسم الثّاني: و هو الوضوء التجديدى 101

في رافعيّة الوضوء للحدث الأصغر 103

لا يجب في الوضوء قصد موجبه 104

في كفاية الوضوء الواحد للاحداث المتعدّدة 106

في ما اذا طرأ موجب الوضوء مع

موجب آخر 107

في ما اذا كان للوضوء غايات متعدّدة 109

في ما اذا اجتمعت الغايات الواجبة و المستحبة للوضوء 111

في ما اذا اجتمعت الغايات و قصد البعض دون البعض 111

فصل: في بعض مستحبات الوضوء 117

المستفاد من الرّوايات استحباب كون الوضوء بمدّ 118

في ما هو المراد من المدّ 119

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 388

في استحباب السّواك قبل الوضوء 120

في وضع الإناء الوضوء على اليمين 121

في استحباب غسل اليدين قبل الاغتراف 122

في استحباب المضمضة و الاستنشاق 125

في الرّوايات الواردة في المضمضة و الاستنشاق 127

في استحباب التّسمية عند وضع اليد في الماء 128

في الرّوايات الواردة في التّسمية عند الوضوء 129

في الادعية الواردة عند إرادة الوضوء 131

السّابع: الاغتراف باليمنى 132

في الرّوايات الواردة في الاغتراف باليمنى 133

في الاغتراف باليمنى حتّى لنفس غسل اليمنى 135

في استحباب قراءة الادعية المأثورة عند افعال الوضوء 137

التّاسع: غسل كلّ من الوجه و اليدين مرّتين 137

في الرّوايات الواردة في غسل كلّ من الوجه و اليدين مرّتين 138

في انّ غسلة الثّالثة في الوضوء بدعة 141

في استحباب أن يبدأ الرّجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى 143

في وجوب أن يكون الغسل من الأعلى 145

في صبّ الماء على مواضع الغسل 146

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 389

في امرار اليد على مواضع الوضوء 147

في استحباب حضور القلب في جميع افعال الوضوء 147

في استحباب قراءة سورة القدر عند الوضوء 147

في استحباب قراءة آية الكرسي عند الوضوء 148

في استحباب ان يفتح عينيه حال غسل الوجه 148

فصل: في

مكروهات الوضوء 153

في الاخبار الواردة في مكروهات الوضوء 154

في كراهة التّمندل 156

في كراهة الوضوء في مكان الاستنجاء 158

في كراهة الوضوء من الآنية المفضّضة 159

الخامس: الوضوء بالمياه المكروهة 159

فصل: في افعال الوضوء 165

في حدّ غسل الوجه 167

في حدّ الوجه في الوضوء عرضا و طولا 168

في مقدار ما يجب ان يغسل من الوجه 169

في وجوب اجزاء الماء على الوجه عند الغسل 171

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 390

في بعض الاخبار الدّالة على اعتبار جريان الماء 173

في دعوى عدم الفصل بين الغسل و الوضوء 175

في الاخبار الدّالة على كفاية مجرّد التّدهين 176

في التّوفيق بين الطّائفتين من الاخبار 177

هل يجزي استيلاء الماء على المحلّ 178

هل يجب الابتداء بالاعلى و الغسل من الأعلى الى الأسفل 179

في بعض الرّوايات الحاكية عن وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 180

في استحباب امرار اليد على الوجه بعد الغسل 183

في ما هو المراد من الابتداء بالاعلى 184

في عدم وجوب غسل ما تحت الشّعر 185

المراد من تحت الشّعر هو ما يستره الشّعر من البشرة 186

في وجوب غسل شي ء من اطراف الحدّ مقدّمة 187

انّ ما لا يظهر من الشّفتين بعد الانطباق يكون من الباطن 188

في عدم وجوب غسل الشّعر الخارج عن الحدّ 189

ان كانت للمرأة لحية فهي كالرّجل 189

في عدم وجوب غسل باطن العين و الانف 190

في ما احاط به الشّعر 190

في وجوب غسل الشّعور الرقاق مع البشرة 190

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 391

في ما اذا شكّ

انّ الشّعر محيط أم لا؟ 191

في عدم صحّة الوضوء ما لم يغسل ممّا في الحدّ و لو بمقدار رأس إبرة 192

في ما اذا تيقّن وجود ما يشكّ في مانعيّته 193

في ما اذا شكّ في أصل وجود الحاجب 195

في الثّقبة في الأنف 197

في غسل اليدين 198

في وجوب الابتداء بالمرفق و الغسل منه الى الاسفل عرفا 198

في وجوب تقديم يد اليمنى في الغسل 199

في وجوب الابتداء بالمرفق في الغسل 201

في ما هو المراد من المرفق 203

في وجوب غسل المرفق نفسيا 204

في وجوب غسل كلّ ما هو في الحدّ 205

في وجوب غسل الشعر مع البشرة 207

في عدم وجوب غسل العضد في من قطعت مرفقه 209

في روايات الواردة في مقطوع اليد و الرّجل 210

في عدم وجوب غسل ما بقى من العضد 211

في وجوب غسل ما بقي دون المرفق 212

في الاستدلال على وجوب غسل ما بقى دون المرفق 213

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 392

في من كانت له يد زائدة دون المرفق 215

في ما اذا كانت اليد الاصليّة مردّدة بين اليدين 216

في ما قيل من عدم وجوب غسل اليد الزّائدة 217

هل يجب المسح بكلّ من اليدين او يكفى المسح بواحدة منهما 218

في حكم الوسخ تحت الاظفار 219

البشرة الواقعة تحت الظّفر من الباطن أم لا؟ 220

في ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين الى الزّندين 221

في ما اذا انقطع لحم من اليدين 221

في عدم وجوب قطع اللّحم المنقطع 222

في الشّقوق الّتي تحدث على ظهر الكفّ من جهة البرد 223

في

الاستصحاب التعليقي و الاستصحاب الحكمي المنجّز 225

في ما يعلو البشرة مثل الجوري عند الاحتراق 226

في ما ينجمد على الجرح عند البرء 227

في حكم الوسخ على البشرة 227

في حكم الوسواسي 228

في ما اذا نفذت شوكة في اليد او غيرها 229

يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الاعلى فالاعلى 229

في ما يستدلّ به على صحّة الارتماس في الوضوء 230

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 393

في وجوب مراعاة الاعلى فالاعلى في صورة الغسل بالارتماس 231

في جواز الوضوء بماء المطر 233

في ما اذا شكّ في شي ء انّه من الظّاهر حتّى يجب غسله 234

في مسح الرّأس بما بقى من البلّة في اليد 236

في وجوب ان يكون المسح بباطن الكفّ 237

في الاخبار الواردة في وجوب كون المسح بنداوة الوضوء 238

في وجوب كون المسح على الرّبع المقدم من الرّأس 240

هل يجب ايقاع المسح على خصوص النّاصية 241

في الاخبار الواردة في وجوب المسح بالنّاصية 242

في الاشكال و الايراد على تلك الاخبار 242

في الجمع بين الطائفتين من الرّوايات 244

في مقدار مسح الرّأس عرضا 245

في وجه الاكتفاء بمسمّى المسح 246

في كيفيّة المسح مع العمامة 247

في وجه ان يكون المسح بمقدار ثلاث اصابع عرضا 248

الافضل بل الاحوط هو المسح بمقدار عرض ثلاث اصابع 249

في التّفصيل بين حالتي الاختيار و الاضطرار 250

هل يكتفي في طرف الطّول المسمّى المسح؟ 251

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 394

هل يجب كون المسح من اعلى الرأس الى اسفله 252

هل يجب المسح على خصوص البشرة من الرأس 254

انّ المراد من النّاصية

هو الشّعر النّابت في مقدّم الرأس 255

هل يجوز المسح على الحائل من العمامة؟ 256

يقع الكلام تارة في حال الاختيار و اخرى في حال الاضطرار 257

في الاخبار الواردة في عدم جواز المسح على الحائل في حال الاختيار 257

هل يجب ان يكون المسح بباطن الكفّ 258

في بعض الاخبار الواردة على وجوب كون المسح باليد 259

هل يجب المسح بخصوص باطن الاصابع 260

لا فرق في مسح الرّأس بين ان يكون طولا او عرضا 261

في مسح الرّجلين من رءوس الاصابع الى الكعبين 262

في وجوب كون المسح بظاهر الرّجلين 263

في بعض الاخبار الّتي تدلّ على وجوب كون المسح بظاهر القدمين 264

في وجوب المسح طولا من اطراف الاصابع الرّجلين الى الكعبين 265

في انّ المراد من الكعب ما هو؟ 265

انّ الاحتمالات في موضوع الكعب تبلغ أربعة 266

الواجب هو وقوع المسح على ظاهر القدم 267

في بعض الرّوايات الواردة في عدم استبطان الشّراك 269

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 395

في ما استدلّ به على كون الكعب هو قبّة القدم 270

المراد من المفصل هو المفصل بين السّاق و القدم 271

هل يكون نفس الكعب داخلا في الممسوح أم لا؟ 272

في الاستدلال على كون نفس الكعب داخلا في الممسوح 273

هل يجب عرضا مسح تمام ظهر القدم 275

في عدم وجوب مسح تمام ظهر القدم 276

في وجوب الاستيعاب طولا بين الكعب و اطراف الاصابع 277

في وجوب اخذ البلل للمسح عن بلّة اللّحية او الحاجب 279

في الاخبار الواردة في وجوب اخذ البلل للمسح عن بلّة اللّحية او الحاجب 280

في ما يستدلّ به على

اعتبار كون المسح بتمام الكفّ 281

في بيان ما في بعض الرّوايات من كيفيّة المسح 283

في وجه وجوب كون المسح بثلاث اصابع 284

هل يجب الابتداء في مسح الرّجلين من اطراف الاصابع الى الكعبين 285

في ما يستدلّ به على وجوب الابتداء بالمسح من رءوس الاصابع 286

في الايراد على روايتي حمّاد، و الجواب عنه 287

هل يجب في المسح تقديم الرّجل اليمنى على اليسرى؟ 288

في ما استدلّ على لزوم التّرتيب في مسح الرّجلين 289

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 396

هل يجب كون مسح الرّجل اليمنى باليد اليمنى؟ 291

هل يجب ايقاع المسح على خصوص بشرة ظهر القدم 293

في الشّعر النّابت على ظهر القدم انّه من البشرة أم لا؟ 294

في وجوب ازالة الموانع عن محلّ المسح 295

في من قطع بعض قدمه مسح على الباقي 296

في اعتبار ان يكون المسح بنداوة الوضوء 297

هل يجب كون المسح بالنّداوة الباقية في خصوص الكفّ من اليدين؟ 298

في الاخبار الواردة في المسح بنداوة اليد 299

في ما اذا نسي الرّجل مسح رأسه 301

في يبوسة نداوة اليد قبل المسح 303

في جواز اخذ البلّة من ساير الاعضاء اذا جفّت نداوة الكفّ 305

هل يكون الترتيب بين الاعضاء من حيث اخذ البلّة عنها بعد جفاف بلّة اليد؟ 306

في تقديم اخذ البلّة من اللّحية اذا جفّت بلّة اليد 307

هل يجوز الاخذ من نداوة المسترسل من اللّحية 308

في اشتراط تأثّر الممسوح في المسح برطوبة الماسح 309

في لزوم رفع الحاجب من الماسح 311

في ما اذا لم يمكن المسح بباطن الكفّ 311

في ما اذا كان عدم التّمكن

من المسح بالباطن من جهة عدم الرّطوبة 312

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 397

في وظيفة من لم يقدر على المسح بباطن الكفّ 313

في وجوب المسح بظاهر الكفّ اذا تعذّر بباطنه 315

في ما اذا تعذّر المسح بباطن الكفّ لاجل علّة في الباطن 316

في ما اذا كانت الرّطوبة على الماسح زائدة 317

يشترط في المسح امرار الماسح على الممسوح 319

في بيان حقيقة المسح و الماسح و الممسوح 320

في ما اذا لم يمكن حفظ الرّطوبة في الماسح من جهة الحرّ او غيره 321

في ما اذا يبست النّداوة احتمالات 322

في ما اذا تعذّر المسح بنداوة الوضوء 323

في اجراء قاعدة الميسور و هو المسح بماء جديد 324

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 5، ص: 397

في ما يقتضي ما يستفاد من قاعدة الميسور 325

انّ مبنى مدرك الاستدلال بقاعدة الميسور، هو الرّوايات الثلاثة 326

في ما اذا صار بعض اجزاء المأمور به متعذّرا 327

في الاستدلال بقاعدة الميسور 329

في وجوب الاتيان بالوضوء الفاقد للجزء 331

في بيان كيفيّة مسح الرّجلين 332

في جواز المسح على الحائل كالقناع في حال الضّرورة 334

في الاستدلال على صحّة العمل الواقع تقيّة 335

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 398

في جواز المسح على الخفّين في صورة التقيّة 336

في جواز المسح على الجورب و نحوه في البرد 337

هل يكون الخوف من السّبع او العدوّ او نحوهما من موارد الاضطرار او لا؟ 338

في ما لو كان الحائل

متعدّدا و كان الاضطرار ببعضه 339

في ما اذا ضيق الوقت من رفع الحائل 340

انّما يجوز المسح على الحائل في الضّرورات 341

هل يجوز المسح على الحائل اذا اضطرّ إليه في بعض الوقت 342

في الضّرورة الّتي تحصل بسبب التّقية 343

في جواز البدار و عدمه 344

في الاخبار الواردة في جواز البدار 345

انّ اطلاق التقيّة يقتضي جوازها حتّى مع وجود المندوحة 347

يجوز البدار لأجل حفظ الواقع مع التستّر 348

في ما اذا غسل الرّجلين مكان المسح تقيّة 349

في حكم وجود المندوحة و عدم وجودها 350

في رواية داود الرّقي 352

في بعض الرّوايات الّتي وردت عن تقيّة 353

في بعض الاخبار الواردة على الحثّ و التّرغيب على الصّلاة مع المخالفين 354

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 399

هل يجوز البدار و العمل بالتقيّة حتّى مع تمكّنه من حفظ الواقع بالتستّر عنهم أو لا؟ 356

في بعض الاخبار الّتي تدلّ على وجوب التستّر و حفظ الواقع 357

هل يجب الاتيان بالواقع مع امكان حفظه باراءتهم انّه يعمل على طبق مذهبهم أم لا؟ 358

هل يجب بذل المال لرفع التقيّة أم لا؟ 359

في ما اذا ترك التقيّة في مقام وجوبها 360

في انّ الامر بالتقيّة يقتضي حرمة ما لا يحرم لو لا التقيّة 361

تجب المبادرة الى الوضوء اذا علم انّه أخّره يضطرّ الى المسح على الحائل 362

في عدم وجوب المبادرة اذا كان الاضطرار بسبب التقيّة 363

في عدم الفرق بين وضوء الواجب و المندوب في جواز المسح على الحائل 365

في ما اذا اعتقد التقيّة فمسح على الحائل ثمّ بان بعدم لزوم التقية 366

في دوران

غسل الرجل او المسح على الحائل تقيّة 367

في ما اذا زال السّبب المسوغ للمسح على الحائل 368

في ما اذا ارتفعت التقيّة بعد الوضوء عن تقيّة 369

في ما اذا عمل في مقام التقيّة بخلاف مذهب من يتّقيه 370

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص: 400

في جواز الصّب على العضو عشر غرفات بقصد غسلة واحدة 371

يجب الابتداء في الغسل بالاعلى 372

في كراهة الاسراف في ماء الوضوء 373

في استحباب ان يكون ماء الوضوء بمقدار مدّ 374

في جواز رمس أحد الاعضاء و اتيان البقيّة على المتعارف 374

في الاشكال في وضوء الوسواسي 375

في غير الوسواسي اذا بلغ في امرار يده على اليسرى 376

في كفاية مسح الرّجلين بواحدة من الاصابع الخمس الى الكعبين 377

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.